الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


عندما يصبح الوطن سجنا والحياة لحظة عبث

عباس علي العلي
باحث في علم الأديان ومفكر يساري علماني

(Abbas Ali Al Ali)

2017 / 2 / 14
اليسار ,الديمقراطية, العلمانية والتمدن في العراق


المجتمعات الإنسانية عندما تفترسها الأفكار الظلامية وتتحكم بها العقول التي تعيش في قبورية التأريخ المظلم، تتحول بشكل تلقائي إلى نوع من العبودية المقرفة للماضي بكل ما فيه من تخلف وتراجع للحس الإنساني المتطلع إلى الجمال والحرية والنزوع البشري الطبيعي للتحرر من الأوهام المتناقلة من روايات وقصص تأريخية ثبت بالدليل القطعي أنها مجرد قراءات ذاتية لعالم لم يعد بإمكانه أن ينتج نفسه مرة أخرى لأنه يحس بالغربة ويتعامل مع عقلية تختلف تماما عن شروط الواقع ومستلزماته.
هذا في المجتمعات التي تحاول أن تتمرد على الزيف والتحريف وتبلغ درجة من المصالحة الوجودية مع أحداثيات الزمن وراهنية اللحظة فسيكون سعيها مبررا وضروريا وملحا، أما المجتمعات التي تتذرع بكونها تتمسك بالديمقراطية وحقوق الإنسان فسيكون فرض مفاهيم التأريخ ونقل تجاربة بكل ما فيها من قيم وممارسات تعري نفسها وتكشف عن عورة قيمها وتعارضها مع الهدف المجتمعي الذي تسعى له، فتلك المجتمعات ستكون منفصلة عن ذاتها ومعرفتها والواقع الذي أختارته شعارا للمرحلة، في التجربة العربية والإسلامية عموما نرى الأخفاق المتكرر والكارثة التي تفرضها ثقافة العودة وتمجيد ما يسمى بالتأريخ والثوابت أكثر بشاعة عموما.
وعلى هذه المجتمعات عموما أن تدافع عن منجزها وتضحايتها لكي لا تراكم الفشل وتعيد بعث الديكتاتورية الماضوية بعنوان أخر، أما في التجربة العراقية خصوصا وبعد مراحل من الديكتاتورية والإقصاء والتهميش الذي عاشته وحاولت أن تعبر عن المأساة إلى حياة أخرى وقوانين وأعراف وتراث أسود من خلال ما قدمت من غال ونفيس لأن تكون نموذج أخر أو أريد له أن يكون كذلك، فإن الأصوات التي تعلوا اليوم بما يسمى بالمقدسات والقدسيات يمثل الضربة القاصمة التي لا مكان فيها لأي فكر تقدمي مدني حر ولا لأي من مفاهيم الحريات الخاصة أو حقوق المواطنة التي قدمها الدستور على أنها المقدس الوطني والثابت الأخلاقي الذي يجب على الشعب أن يسعى لتجسيده والأحتفاظ بالحد الأدني من إنسانيته المسلوبة أجتماعيا وإنسانيا.
لم ينجح الدين السياسي أو السياسة بثوبها السلطوي المؤطر بفهم تأريخي للدين أن تعبر بالمجتمعات البشرية نحو المدنية، فهي مرتبطة أولا بفكرة مفادها أنها تحكم بالمثل العليا التي لا يمكن حتى مناقشة حقيقتها وصلتها بالدين طالما أنها جاءت منقولة برق معطر بالقداسة، فهي أما أن تخون فكرة التدين التي قدمتها للناس على أنها إرادة الرب، أو تتجاوز الحد الإنساني لتحول الواقع إلى معبد متنقل برؤية كهنوتية ما أنفكت تذكرنا بأن الحياة الوجودية التي نعيشها لا قيمة لها قبال حصاد الأخرة الموعود، هنا وضع الفكر السياسي الديني نفسه في موقع المتعنت الذي يريد من الناس أن يؤمنوا برؤيته دون نقاش ودون حتى محاولة السؤال عا إذا كان هذا الواقع يمكنه أن يصمد أمام الضرورية العملية الوجودية، فقد قدمت كل الأفكار الدينية المقولبة سياسيا في المجتمع الإسلامي أن الإسلام هو الحل وفشلت في ذات الوقت أن تحدد أي إسلام هو العنوان، بالتأكيد هذا الفشل لا يمكنهم أن يقروا به على أنه نتاج حتمي لأختلاف الزمن والحال والواقع، ودوما يبقى الفرد الأجتماعي الذي يعيش تحت وطأة نظرية الإسلام هو الحل تحت جلباب الفقيه وجلباب المنقول المتناقض والمتضاد.
ظهرت في الساحة العراقية اليوم الكثير من الأصوات النشاز التي تطلب من الناس التفريط بجانب مهم من تجربتهم الديمقراطية رغم تواضعها ممارسة ونتائج تحت عناوين القداسة والمقدس، وكأن الحياة الجميلة والحرة في مفهومهم نوع من المنجس الذي يخالف العقيدة وينتهك المبدأ لديهم، ونسوا أن وجودهم الحالي هو أصلا نتاج الممارسة الديمقراطية وأحد مفاهيم دستور حقوق الإنسان، وأكرر دوما أن الفكر السياسي الديني لا يمكنه أن يقبل بالديمقراطية لأنها ستلجئهخ لقبول قاعدة أن الشعب ووجوده ومستقبله هو مصدر المشروعية، وعليهم بذات الوقت أن يتخلوا عن أن النص الديني الذي يقرأونه هو مصدر الشريعة ومفتاح وجودهم.
هذه النتيجة التي تم تشخيصها منذ فترة طويلة تعود اليوم بقوة للتداول في الشارع العراقي تتحدى الأصوات العالية التي تطالب بحظر الكثير من المظاهر المدنية وتفرض نفسها بحس السلطة مستخدمة الأسلوب التشريعي الديمقراطي لتصادر جوهرية المعنى الديمقراطي المدني لدولة العراق وتنسف الدستور وشكلية النظام السياسي القائم على التعددية وأحترام الحريات الأساسية، في ظل مزاعم تتعلق مرة بمحاربة الإرهاب الذي نتيجة من نتائج فرض الدين والدين المقابل على روحية وجوهرية النظام السياسي وأخطاءه المميتة، ومرة أخرى برغبة قوية تحرك زعماء وقادة هذا التيار الذي بدأوا في الفعل بتلمس أثار فشلهم المدوي في قناعات الجمهور العراقي ورغبة في إعادة تدوير الفكر الفاشل والمتزمت حتى لو أدى ذلك إلى طلبة المجتمع العراقي وتحويله إلى كيان داعشي بأمتياز.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. هل تضرب إسرائيل المنشآت النووية الإيرانية؟ • فرانس 24


.. إدانات دولية للهجوم الإيراني على إسرائيل ودعوات لضبط النفس




.. -إسرائيل تُحضر ردها والمنطقة تحبس أنفاسها- • فرانس 24 / FRAN


.. النيويورك تايمز: زمن الاعتقاد السائد في إسرائيل أن إيران لن




.. تجدد القصف الإسرائيلي على مخيم النصيرات وسط قطاع غزة