الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


هل كان للكرد أدباء وفلاسفة قبل الإسلام- الجزء الثالث

محمود عباس

2017 / 2 / 14
دراسات وابحاث في التاريخ والتراث واللغات


والغريب هنا كيف ظهرت في نهاية القرن الثاني الهجري، ومن شبه العدم، موجة أدبية بين الشعوب المحتلة انحرفت عن الإسلامية العربية، ومن بينهم الكرد. فهل كانت الحركة الثقافية معدومة فعلا قبل الإسلام، ونبتت تحت تأثير الدين الجديد؟ أم أنها طمرت تحت فرض النص الإلهي المطلق، لتظل طوال تلك الفترة بدون صوت؟ أم أن الانحلال في ثقافة الشعب المهيمن تحت الغطاء الإسلامي واللغة العربية، كان من القوة بحيث طمرت معظم المآثر الأدبية الماضية. أم أن الأجيال اللاحقة تخلت عن مآثر أسلافهم فعلا، كرها أو قناعة؟ وأي كان، فالنتيجة كانت كارثية، ضياع آثار قروناً من النتاج الفكري الحضاري.
والحالة هذه تكررت مع أسلاف الكرد سابقاً وعلى مرحلتين، الأولى عند هيمنة الأخمينيين، والثانية في عهد الحضارة الساسانية، حيث المزج شبه التام بالفرس، أصحاب السلطة، ومعهم نسبة كبيرة من الشعوب الأخرى، تحت تأثير الدين (الزرادشتية والمانوية والمزدكية) والتقارب اللغوي، وعرفوا جميعا عند المؤرخين اللاحقين بالفرس والثقافة الفارسية والإمبراطورية الفارسية، وهو ما نقرأه اليوم في معظم المصادر التاريخية، فنادرا ما نجد صفحات تخص الكرد دون الهيمنة أو الصبغة الفارسية، وكانت عن طريق الإرضاخ والسلطة، وإلا فلو كانت عن قناعة لما بقي من آثر للوجود الكردي، ويصف ول ديورانت في كتابه قصة الحضارة هذه الحقيقة، عندما يقول " أما أدبهم وفنهم فلم يبق منهما لا حرف ولا حجر" ويقصد أدب أسلاف الكرد من الميديين.
وتأكيداً على ما قيل، فإن العديد من المؤرخين والباحثين في التقاربات الثقافية والتراث الأدبي، وبينهم عرب، نقلوا فتات من الأدب والشعر الصوفيين في الحضارة الساسانية، كقصص الحب العذري، والتي ظهرت في المراحل المتأخرة من الغزوات الإسلامية بأشعار عربية، ونسبتها شعراء العرب إلى ذاتهم، فصاغوها بلغتهم وأسلوبهم، كقصة (مجنون وليلى) حيث الحيز الصوفي العذري في أشعار لم تكن موجودة سابقا في الشعر العربي، وهي دلالة على أن الأدب الأفيستي كان سائدا حتى فترة متأخرة، ونشطت بعد هيمنة الترجمة إلى العربية، لغة السلطة، وزالت بعدها كلياً آداب الكرد والفرس والسريان ما قبل الإسلام عندما تصاعدت حركة تعريب الدواوين، وألغيت الكتابة بالحروف البهلوية وحرمت لغة أفيستا، والتي طمرت مع الزمن مقابل لغة القرآن.
وبالاطلاع على كتاب (الفهرست) لأبن النديم، وهو خير من عرض أسماء الأدباء والعلماء والفلاسفة والشعراء وفي الحقول الثقافية والعلمية والفنية الأخرى في عصره وما سبقه، والقارئ سيلاحظ ورود أسماء عديدة كردية وفارسية وسريانية ومن غيرهم من الشعوب في فهرسه، أو ذكر كتبهم إن كانت بلغاتهم أو المترجمة إلى العربية لكنها جميعا أسماء لأدباء وشعراء وفلاسفة للذين تم الاحتفاظ بمآثرهم، خارج الجغرافية الإسلامية العربية، ومعظمها مخزونة في مكتبات الجغرافيات التي لم تتم السيطرة عليها، ومن المدن التي لم تطالها أياديهم، وأغلبهم من اليونان أو من الهند أو المدن البيزنطية أو الرومانية، كما ونلاحظ بأنه حتى نهاية القرن الثاني للغزو، لم يكن حتى لهؤلاء ولا لكتبهم من ذكر، إلى أن بدأت حركة الترجمة إلى العربية، ومعظمها دمجت أيضاً بالثقافة الإسلامية العربية. علما أن أغلبية من عمل في النقل والترجمة من اليونانية والفارسية والسريانية إلى العربية كانوا غير العرب، ومن بينهم العديد من الكرد أمثال (محمد بن الجهم البرمكي وهشام بن القاسم موسى بن عيسى الكردي) وآخرون وردت أسمائهم في كتاب الفهرست لأبن النديم يمكن التعرف عليهم فقط من خلال نسبهم.
وهكذا وعلى مدى قرنين أو أكثر من الزمن طمرت انتماء شعوب المنطقة، إلا ما ندر، إلى قوميتهم أو جغرافيتهم أو لغتهم، وهي الفترة التي سيطرت فيها العصبية العربية تحت الموجة الإسلامية، إلى أن برزت الموجة الشعوبية على يد الخلفاء العباسيين، ليقلصوا الهيمنة العربية، وبها فتحت الأبواب لردة الفعل عند هذه الشعوب، فتحررت مجموعات من هيمنة اللغة العربية، وأحيوا لغاتهم،، وفي هذا يقول بروكلمان في كتابة التراث العربي القديم الجزء الأول الصفحة(36) " ولم يؤثر الإسلام تأثيراً عميقاً في شعراء العرب، فقد سلك شعراء العصر الأموي دون مبالاة في مسالك أسلافهم الجاهليين. ولم تسد روح الإسلام حقاً إلا بعد ظهور العباسيين...وهكذا نما في عهد العباسيين أدب إسلامي بلسان عربي" وظهر على أثرها وفي فضائها أدب كردي وفارسي وسرياني جديد، بنكهة إسلامية صوفية، ولا شك الإسلامية تعني نفحات من لغة القرآن. وبرز أسماء شعراء وأدباء ومشايخ كرد وفرس، ومؤرخين سريان وأراميين وباللغة الآرامية، تحت غطاء السلطة الإسلامية العربية، والعديد منهم عادوا إلى الكتابة بلغاتهم لكن بالحروف العربية، مع طغيان كلمات الفقه الإسلامي، والآيات القرآنية العربية، ومن المؤسف أن هذه الموجات ظلت سجينة الحيز الإسلامي دينا والعربي حروفاً وكتابة، فلم تتمكن من أحياء التراث الماضي ما قبل الإسلام، ولم ينسخوا أثرا أدبيا، والذي لربما كان لا يزال باقيا على رفوف المكتبات المهملة، إلا شذرات لا تذكر مقارنة بما قامت به السلطات العربية الإسلامية، خاصة في عهد الخلافة الأموية وبدايات العباسية، من استخدام أساليب للحفاظ على أسماء الشعراء الجاهليين ونتاجهم.
ومن احتماليات عدم توثيق أسماء الأدباء والشعراء والفلاسفة قبل الإسلام للشعوب التي تمت غزوها هي:
أولاً-عدم معرفة القبائل العربية الغازية القراءة والكتابة، إلى جانب عدم فهمهم لغات تلك الشعوب.
ثانيا-الخلفية الثقافية البدوية الجاهلية لم تعير أهمية للثروة المعرفية، وخاصة للكتب.
ثالثاً-حتى ولو تجاوزنا السببين الأولين، وأسلمنا جدلا عدم فعاليتهما، فإن عدم معرفتهم للكتابة والقراءة بعربية قريش أو غيرها من لغات القبائل (كانت لبعض القبائل لغاتها وليست لهجات قبل هيمنة لغة القرآن، لغة قريش) لم تمكنهم من نسخ ما سمعوه من الشعوب، أو ما كانت تحتويه المكتبات، كما ولم يستطيعوا حفظها كما كانوا يحفظون الشعر العربي.
يتبع ...

د. محمود عباس
الولايات المتحدة الأمريكية
[email protected]
9/12/2016م








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. من هي نعمت شفيق؟ ولماذا اتهمت بتأجيج الأوضاع في الجامعات الأ


.. لماذا تحارب الدول التطبيق الأكثر فرفشة وشبابًا؟ | ببساطة مع




.. سهرات ومعارض ثقافية.. المدينة القديمة في طرابلس الليبية تعود


.. لبنان وإسرائيل.. نقطة اللاعودة؟ | #الظهيرة




.. الجيش الإسرائيلي يعلن استهداف بنى تحتية لحزب الله جنوبي لبنا