الحوار المتمدن
- موبايل
الموقع
الرئيسي
هل نحن على مسافة واحدة بين الحب والكراهية
عباس علي العلي
باحث في علم الأديان ومفكر يساري علماني
(Abbas Ali Al Ali)
2017 / 2 / 15
الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع
هل نحن على مسافة واحدة بين الحب والكراهية
كل الأشياء التي تجعل الإنسان كائنا مميزا لها صلة في أنتاج المعرفة أو للمعرفة صلة في تفسير وتبرير هذه الأشياء، الحب مثلا إحساس قد يكون ظاهرا في الكثير من الكائنات التي تظهره في طبيعتها اليومية مث الحيوانات وحتى بعض النباتات ولكن لس الحب الذي يفهمه ويعيشه ويتسك به الإنسان، قد تكون غريزة الحب عند الكائنات الأخرى نوعا من طبيعية العريزة فقط ولا يمكن أن تعيشه أكثر من كونه منتج طبيعي فطري، أما الإنسان فتشكل قضية الحب عنده قضية معرفية يتداولها قبل وبعد، وجود الحب عنده ليس مجرد ظهور الأحاسيس المادية التي تتفاعل داخليا وخارجيا، بل تحرك فيه المعرفة وتحركه المعرفة بذات الأتجاه، أي أن العقل بوجوده الفاعل هو من يتحسس القضية وجوهرها قبل ما تكون مسألة مشاعر وأرتدادات فقط.
الحب كما الكراهية لا تأت لمجرد أنها جزء من تركيبة الذات الإنسانية الطبيعية ولا هي أستجابة لمجرد الوجود، الحب بشريا كما الكراهة هي معرفة وممارسة معرفة، لذا فكل ما يبنى عليهما يكون جزء من نتاج الإنسان المعرفي المتوالد بالتجربة، لا أحد ينكر أننا كبشر نتفاعل مع وجودنا بالعقل الأولي عقل الفرز والتشخيص وإلا سيكون شعورنا بالحب والكراهية مجرد أشارة حسية خارج وعينا وإدراكنا، وهنا يفقد المعنى معناه ونتحول لمجرد أستثارة غريزية لا تفرق بين الأشياء ولا بين المواصفات أو الصفات أو المعاير أو حتى المجانسة، العقل هو من يقرر أن يحب أو يكره بناء على معرفة مسبقة بما يجب أو يشترط أو يكون، فلن تجد شخصا أحب أخر دون أن يعرف لماذا أحبه ولماذا أختاره أن يكون شريكا بهذه العلاقة.
عليه فمن يحب هو من يقرر نتائج ما يريد أو يقرر شكلية التجربة ومسارها بناء على ألتقاء الحس الأخر أو الشعور الأخر إلا إذا كانت التجربة فردية ومحدودة أو ما يسمى بالحب من طرف واحد، هنا يكون الحب ليس مكون ناقص بل مكون غير قادر على إكمال الشرط فالحب يبدأ تاما ويبقى تماما دون النظر إلى شرطية بقاءه، ولكن في موضوع الكراهية هناك تفاوت في شكلية الشرط المكمل وليس المتمم، فالكراهية كما الحب تبدأ تامة وتستمر كذلك، لكن ولظروف منها ذاتية ومنها موضوعية ومنها ما يمكن أن يرد به الأخر تتوقف الكراهية عند حدود أو تتطرف لتتحول إلى رفض وإلى إقصاء وأحيانا إلى تحدي وتحدي مقابل.
فيما يتعلق بالكراهية يكون للمعرفة دور أوسع ليس في بسطها وإنما في تطورها ونضجها وتحولاتها، فيما العكس نجد أن مجرد ولادة الحب تتحول القضية إلى تحكم أستشعاري أكثر مما هو تعليل عقلي وقيادة بالمعرفة، الكراهية أو الكاره حريص على ضبط كراهيته وفقا لمنهج أو طريق مختار ويبقى مراقبا ومسايرا ومغذيا عقلانيا لهذه السلوكية ولو أن مظاهر الحس في قضية الكراهية لا تتعدى الشعور بعدم القبول أو التقبل، إلا أن العقل هو من يسيطر ولخصيصة الكراهية ونتائجها وأرتداداته يلعب دورا قياديا بل وحتى حاسما في رسمها ووصفها أو المبالغة أو التوقف عند درجة ما منها، بالمقابل العقل المكروه قد يستجيب بإنفعالية وردة فعل أحيانا يفعل النقيض ولا يهتم معتبرا أن القضية ذاتية عند المقابل ولا يجب إدراتها من كلا الطرفين.
نعود للجواب عن سؤال المقالة هل نحن على مسافة واحدة من مفهومي الحب والكراهية، من المؤكد أن الذوات البشرية تختلف في كل شيء ولا يمكن أن نجد ما يمكن أن يدلنا على حالة نطابق واحدة في وجهات النظر، لكن هناك حقيقة أخرى أن الناس أيضا يتقاربون في رؤيتهم لقضية الحب بأعتبار أن كل إنسان قد يمر بتجربة حب بمختلف دوافعها وأشخاصا إلا نادرا ما نجد أن هناك بعض الأفراد لأعتلالات شخصية أو للوقوع في ظروف موضوعية، قد لا ينجح في أظهار مشاعر الحب وأحاسيسه، وقد يعيشها مضمرة في وعيه العميق أو اللا مباشر، أما الكراهية فقد أختلف الناس في تحديد موقفهم موقعهم منها وإن كانت الدوافع الأساسية قد تكون متوفرة عند الغالبية للطبيعية التنافسية للحياة الوجودية للفرد، لكن يبقى التفاوت المعرفي والعلمي والأخلاقي هو الذي يباعد المسافات بين الفرد والأخر من جهة ومن موضوع الكراهية من جهة أخرى.
الخلاصة التي نؤكد عليها هنا أن غياب الحب لا يعني أبدا نشوء طبيعي للكراهية، ولا غياب الكراهية يعني بالضرورة والحتم نشوء مؤكد للحب بين الناس، ويبقى موضوع كل منها متعلق بذاتية الفرد المعرفية أولا، وتحديد موقفه منها بناء على ما يتمتع بها من قيم و ضوابط عقلية ونفسية يتم على ضوئها حساب المسافات وحساب النتيجة ومنهجها، التأكيد على عقلانية الحب والكراهية هي لتمييز الكائن البشري عن غيره من الكائنات الحسية في تعاطيها مع جنسها أو مع مثيلها المستجيب بناء على مفردة العقل ونتاجه الطبيعي التجريبي المعرفي، وبذلك يمكننا مثلا أن نقول أن الإنسان الكائن الوحيد الذي يمارس الحب والكراهية بناء على المعرفة وليس بناء على الحس الطبيعي فقط.
|
التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي
.. البيت الأبيض: نعتقد أن الخطة التي تنوي إسرائيل تنفيذها في رف
.. سقوط 8 قتلى بصفوف حزب الله وحركة أمل جراء غارتين إسرائيليتين
.. تطوير نحل روبوتي يزيد من نسل النحل ويمنع انقراضه • فرانس 24
.. الإعلام الإسرائيلي: الجيش يستعد لإجلاء المدنيين من رفح تمهيد
.. غواص مخضرم يكشف مخاطر البحث بمنطقة انهيار جسر بالتيمور وسبب