الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


عذرا -صاحبي الزوين /يوسف الطاسي-

محمد الدحاني

2017 / 2 / 16
المجتمع المدني


عذرا "صاحبي الزوين"
هذه المرة لن أحدثكم عن تاريخ "صاحبي الزوين/ يوسف الطاسي،" لأن تاريخه كباقي أغلب أبناء هذا الوطن الجريح، وأبناء هذا الوطن معروفون أنهم يقاومون لكي يعيشوا ويموتوا بعدما أن يحيوا. ولن أحدثكم عن مستواه الدراسي، فمستواه كان أيضا متوسطا مقارنة مع مستواه الآن.
ولن أحدثكم عن مجال انتمائه، وارثه الثقافي، لأن كل أبناء "الشعب" هم أبناء الهامش، انخرطوا في مسؤولية البحث عن لقمة العيش مند الطفولة.
ولن أحدثكم عن كيف حصل على شهادة الباكلوريا، فيكفي أن لا تفكروا في هذا، لأنكم لن تتصوروا مهما أطلقتم العنان لمخيلتكم.
ولن أحدثكم عن يوسف الآلي، لأنه قضى ثلاث سنوات من عمره في شركة "رونو نيسانRenault Nissan" في مدينة تسمى عروسة الشمال.
وإنما سأحدثكم عن "يوسف الطاسي" ابتداء من السنة السابعة والعشرون، فليسمح لي، لأنني أعتبرها ولادة جديدة، وقد لا يتعارض معي أحد إذا قلت: إن كل ولادة يسبقها مخاض عسير، وأي مخاض هذا الذي استمر سبعة وعشرون سنة، صدقوني لا يهم ألم ومعاناة المخاض أمام براءة عيون المولود، نعم سبعة وعشرون سنة من المخاض أنجبت لنا يوسف الطاسي الفيلسوف الذي بصم اسمه في مسلك الفلسفة ومند السنة الأولى في سلك الإجازة الأساسية، فكيف لا يبصمها في سلك الماستر، بالمناسبة يوسف الطاسي طالب "ممستر"، عفوا بل طالب "مدكتر". نعم قد تتفاجؤون وتقولون أني تسرعت في إطلاق هذه الصفة، وقد تتهمونني بالمدح. لكني سأرفض كل هذه التهم وأرافع قائلا: إن السياسي هو الذي يتسرع في إعطاء الصفات والوعود، أما الفيلسوف عكسه يتريث، لأنه لا يهمه مدح الجمهور له، لهذا دعونا نتريث. فلماذا تستعجلون التاريخ وتتهمونني بالمدح؟. سنوات قليلة وسترون بأم أعينكم أن هناك شخص آت من المحيط ليكتب اسمه بجانب فلاسفة المركز، وذلك بقلم من نور على صفحات من ذهب.
ومن غرائب الصدف أن الرقم 27 يشكل عندنا نحن المسلمين حدث مقدس؛ أي ليلة السابع والعشرين من رمضان والمعروفة ب "ليلة القدر"، ودرجة تقديسنا لها جعلتنا ننسج في مخيلتنا الشعبية أساطير مفادها، أنه في هذه الليلة تفتح أبواب السماء، وهنيئا لمن رآها تفتح فقد أغناه الله. لكن هته السنة فتحت باب الفلاسفة، وصديقي شهد هذه الباب وهي تفتح ودعا لنفسه أن يكون فيلسوفا، واستجاب رب الفلاسفة دعائه، وهكذا يكون قد أضيف نجم جديد إلى سماء الفلاسفة ليضيء بجانب النجوم الآخرين على هذا الوجود الحالك بظلام الوهابية.
نخبركم صديقاتي أصدقائي ومعشر القراء أن "صاحبي الزوين" لم يحتفل بعيد ميلاده إلا مرتين: الأولى قبل سنتين، وثم الاحتفال به بمدينة "بوفكران" وذلك في طريق عودتنا من مدينة "افران" التي زرناها في رحلة جماعية ضمت 20 شخصا، كانت رحلة ممتعة ،غازلنا فيها الطبيعة وأشجارها وثلوجها وهوائها، فرحنا ومرحنا وتزحلقنا على الثلوج. سائق الحافلة هو وحده الذي لم يتمتع بهذا الجو، كان يردد على مسامعنا: "انتهى الوقت هي لنعد ". ورغبته في العودة تجعله يزيد من سرعة السيارة، وحتى نحافظ على فرحنا ومرحنا وسلامتنا، غنينا بسخرية متهكمة مرددين هذا المقطع " يا شيفور نسعاو رضاك وعلى بابك واقفين، لا من يقلبنا سواك يا مسخوط الوالدين". غنينا وصفقنا ورقصنا ذكورا وإناثا. وختمنا هذا الفرح بالاحتفال بذكرى عيد ميلاد صاحبي الزوين الخامس وعشرون. وتاريخ الرحلة خطط له بدقة وبشكل مفكر فيه مع مناسبة ذكرى الميلاد من طرف صديقنا "رشيد اللويزي "الذي كان يدرس معي آنداك في "المعهد المتخصص للتكنولوجيا التطبيقية المعمورة القنيطرة، تخصص تقني في كهرباء الصيانة الصناعية". وكان هذا الاحتفال في مقهى على جانب الطريق الرابط بين بوفكران والقنيطرة.
قد تستغربون قائلين لماذا لم يحتفل صديقك بذكرى عيد الميلاد من قبل؟ الجواب عن هذا السؤال سهل وميسور، فليس صديقي وحده الذي لا يحتفل، بل كل أبناء الهامش الذين ولدوا وكبروا في المغرب العميق لا يحتفلون بذكرى عيد ميلادهم، لأننا لم نكن نعرف ما هي أعياد الميلاد، كنا نخرج للحياة نجري في البيداء حفاة وعراة أحيانا، وحين يشتد عودونا نتعاطى الأعمال الشاقة :"كالرعي، وجلب الماء من البئر، أو مساعدة الآباء في زرع الأرض ..."،إن كانوا يمتلكونها طبعا. وكانوا يؤرخوا لنا ولادتنا ببعض الأحداث البارزة، لهذا لم نكن نعرف ما هو عيد الميلاد، أما اليوم بعد أن كبرنا، وصرنا نعرف ما هو عيد الميلاد، لم نعد نتذكره إلا بعد فوات الآوان، لكن هذه المرة سأحتفل بصديقي ومع صديقي، وذلك على طريقة الفيلسوف بلزاك، ولكم شذرات من طريقة بلزاك في الاحتفال:" بلزاك في أواخر عمره، وهو عائد من روسيا بعد زواجه من السيدة هانسكا، المرأة الأرستقراطية التي راسلها ثمانية عشرة سنة ومات بعد زواجه بها بستة أشهر، كان يقول لها، والخيول تجر كهولته في عربة تمضي به معها من ثلوج روسيا الى باريس:" في كل مدينة نتوقف فيها، سأشتري لك مصاغا أو ثوبا، وعندما سيتعذر علي ذلك، سأقص عليك أحدوثة لن أنشرها"، وهنا أتقاطع مع بلزاك، لقد تعذر علي أن أشتري هدية لصديقي بهذه المناسبة، لذلك قررت أن أكتب له هذه الكلمات، وأنا اعرف أن كل ثروتي هي هذه الحروف التي استقيتها من كتبي القليلة، أنا قررت نشر هذه الكلمات، عكس بلزاك الذي توعد ألا ينشر ما سيهديه لحبيبته، ولهذا تقول أحلام مستغانمي في روايتها عابر سرير:" أجمل روايات بلزاك هي التي لم يقرأها أحد، وابتكرها من أجل امرأة ما عادت هنا لتحكيها"، وليت هانسكا نشرت لنا ما أهداها بلزاك بعد موته، كما فعلت بعدها "غادة سمان"، التي نشرت رسائل "غسان كنفاني" الذي بعث بها إليها، وأعادت نشرها كنصوص شعرية ووجدانية تغدوا امتدادا لأعماله الأدبية.
بلزاك مارس الكتابة كفيلسوف، وغسان مارس الكتابة كمثقف يمتهن الصحافة، ويوسف الطاسي يمارس الكتابة ليتعلم الكتابة، وهذه إشارة لأجمل ما كتب، "مرحبا بكم في عالم التعاسة" وهو مقال يدافع فيه عن فكرة مفادها أنه "كلما غصت في الفلسفة، وتعمقت في فهم الواقع المعاش وبفهم هذا الأخير، لا يمكن إلا أن تزداد تعاسة، والنابعة من حب الإنسان والإنسانية، وغيرة على كرامتهم. ومقال آخر تحت عنوان "السياسة المغربية ذات بعد ميتافيزيقي"، وهو مقال يعالج فيه بنفحة فلسفية طبيعة الممارسات الحزبية والسياسية في المغرب، والتي قال عنها: أنها تشبه القضايا الميتافيزيقيا، هذه الأخيرة، وكما هو معروف لا يمكن البحث فيها إلا عن طريق التصديق، وأيضا مقال بعنوان "كلام لابد منه في حق الأستاذ اسماعيل المصدق" وهو مقال يسعى الى تكريس ثقافة الاعتراف، والتنويه بالجميل الذي قدمه المصدق في المجال الفلسفي. وأخر ما كتب مقال بعنوان "قضيتنا قضية إنسانية"، والذي علقت عليه شخصيا ب" صاحب القلم السيال، والقلب الشجي، والإحساس المرهف، يكتب بأسلوب مختلف تماما، عن ما تعود عليه قراءه، يكتب حول قضية إنسانية، وقلبه يعتصر ألما، وكبده تسيل مرارة، وعينه تكاد تجري مدرارا ومغزارا على وضغنا الإنساني أو لنقل الجفاف الإنساني. يكتب ليساهم في زلزال نفسي وثقافي وفكري، يكتب ليرد لوجهنا ماء الإنسانية، يكتب غصبا عن كل المضايقات واللامبالاة التي يمتاز بها بعض المقربون، الذين لا يقدسون الحب والحرب، وإنما يقدسون الجهل، فما بالك أن تكتب لأحدهم، ولا يقرأ لك، بل تأخذه سذاجته إلى حد عدم الاستماع إليك..فما جدوى أن تكتب لشعب لا يقرأ؟ لكن في الأخير أعيد ما قلته يوما: في الأدب كما في الحب يكفي أن ينقصك قارئ واحد لتشعر أنه لا قارئ لك، لكن حين يقف الحظ في صفك، وتجد هذا الواحد هو أول من يقرأ ويراجع معك قبل نشر أي مقال، لن تجد ما تقوله غير قول الشاعر:" أيها الماشي ليس هناك طريق وأنت تمشي والطريق يشق".
كل هذه الكتابات لا تعبر عن ترف فكري، أو تراكم معرفي، بقدر ما هي إلا ترجمة لمشاعر وألم دفين يزداد ويكبر، ولهذا صديقي يكتب، بعدما يسرق وقتا من عمله، بمعنى يكتب على حساب جهد السنين وعرقها وكدها، وتراكم الكتب التي كانت على حساب اللقمة اللذيذة والقميص الجديد أو رحلة ترفيهية مع الأصحاب والخلان، على حساب هذا وذاك يسرق بعضا من وقته ليكتب لنا. ولهذا يحق لي أن افتخر بكوني أول هؤلاء القراء.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. مخاوف إسرائيلية من مغبة صدور أوامر اعتقال من محكمة العدل الد


.. أهالي الأسرى الإسرائيليين لدى -حماس- يغلقون طريقاً سريعاً في




.. غضب عربي بعد -الفيتو- الأميركي ضد العضوية الكاملة لفلسطين با


.. اعتقال رجل في القنصلية الإيرانية في باريس بعد بلاغ عن وجود ق




.. أربك الشرطة بقنابل وهمية.. اعتقال مقتحم القنصلية الإيرانية ب