الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


لماذا فشلت أحزاب الاسلام السياسي في العالم العربي ؟

مولود مدي
(Mouloud Meddi)

2017 / 2 / 16
مواضيع وابحاث سياسية


المظاهر العديدة الفاضحة التي رأيناها لفشل الاحزاب الاسلاموية في تسيير بلدانها و هذا الفشل التاريخي في الأداء والسلوك والفكر هي أعراض لمرض عضال له أسباب كثيرة ربما كان أهمها أنها لم تتطور، لا على مستوى الفكر ولا على مستوى النظرة إلى تحول المجتمعات فهي لا تريد ابدا اجراء مراجعات فكرها و تقديم برنامج واقعي واضح وليس الخطابات الشعبوية لأن هذا العامل الأخير هو الذي ساعدها على اكتساح الانتخابات, ورغم ان الأحزاب الأخرى قد حسمت موقفها من العديد من المواضيع مثل الديمقراطية و حقوق الانسان و حقوق المرأة و غيرها لاتزال الاحزاب الاسلاموية تصر على اعتبار الديمقراطية مجرد وسيلة للوصول الى الحكم و فقط وكثيرا ما تعترض على مشاريع قوانين حماية المرأة و غيرها.

في مصر, ، لم يفشل الحكم الاخواني بسبب أخطاء هنا أو هناك، مثل أخطاء وخطايا الإعلان الدستوري الغاشم في مؤامرة فصيحة وفضيحة لن يغفرها لهم التاريخ أبداً بتأجيل وضع الدستور وإحداث خلل دستوري باستفتاء على مواد دستورية ثم بيانات دستورية ثم فوضى دستورية وتحصين القرارات والإقصاء والاسلمة والقرارات الارتجالية والخطب الهزلية الديماغوجية ومعاداة القضاء والإعلام والمثقفين والأقباط و البهائيين و الشيعة و حتى انصارهم الذين ينتقدون تطرف الاخوان والأقليات والشرطة والجيش والتحالف مع الارهابيين ودعوتهم لحضور المناسبات الوطنية العامة والغباء المذهل في الارتجالات السياسية الداخلية والخارجية و اعلان الحرب على المفكرين و مطاردة المثقفين و اقتلاع الثقافة و السينما من جذورها, و الايمان بخرافة السيطرة على العالم و جره الى الحرب ان لم يرضخ لفكر الاخوان الذين لا برنامج واقعي لهم سوى تخاريف زعيمهم الروحي سيد قطب و لا نفهم لماذا هم مهوسون بالمرأة و لا يعيرون عقل المرأة أو وجدانها أو مشاعرها أي إلتفات حقيقي رغم تظاهرهم بغير ذلك فكل سلوكياتهم تفضح حقيقتهم و لا هم لهم الا جسدها ، فرؤية الاخوان والسلفيين ضيقة ورجعية لكل ما يتعلق بالمرأة التي يرونها أساسا كجسد وكم من اللحم اعتبروا فيه أن شعر المرأة عورة وصوتها عورة، ورأي بعضهم أن وجهها عورة، هذا بالإضافة إلي كم هائل من الفتاوي الشاذة التي تتناول المرأة التي يطلقها دعاة معظمهم مدعون لا دعاة، من فتوي ارضاع الكبير إلي فتاوي تحريم جلوس المرأة علي كرسي كان قد جلس عليه رجل.
أما معادتهم للديمقراطية فهي من تقاليدهم ، فهم يبدؤون علاقتهم بالأخرين بنظرة استعلائية يتوهمون فيها أن الحق كله معهم وأن "الآخر" كافر وعلي باطل وبالتالي لا يستحق أن يكون سوي تابعا صاغرا قد يتحملونه قليلا وهم يلبسون و يتسربلون برداء الديمقراطية ولكن سرعان ما ينكشف احتقارهم للآخر ورغبتهم في استبعاده واستعباده و اقصائه، كما حدث في سلوكهم في لجنة تأسيسية الدستور التي انتهت باقتصارها علي تيارهم وحلفائهم السلفيين الارهابيين، وكما حدث في خطابهم الاقصائي التحريضي ضد أصحاب الأديان والمذاهب الاخري وعلاقتهم المتوترة مع أقباط مصر الذين وقع أول إعتداء علي كاتدرائيتهم في التاريخ في عهد الاخوان، ومع الشيعة الذين ذبح عدد من قادتهم ودعاتهم في موسم صيد مفتوح لأول مرة في مصر في عهد الاخوان ، ويؤدي هذا التعالي علي الآخرين والانفصال عنهم إلي عدم القدرة علي العمل الجماعي، وهو ما رأيناه في إنفراد الجماعة بالسلطة في مصر وإعتمادها علي كوادرها التي إتضح مدي فقرها وانعدام موهبتها مما أدي إلي فشلهم الذريع في حكم مصر ثم الثورة عليهم وإسقاطهم.

في تونس, ما كاد حزب النهضة الإسلامي يصل إلى الحكم حتى تصدت له الأحزاب الأخرى، والحركة النقابية القوية، فضلاً عن العلمانيين واليساريين اضافة الى صمود الشعب التونسي الذي أحس أنه تمت مخادعته, و هناك من يرى هذا الفشل متوقعا فتقريبا كل الأحزاب الاسلاموية لا تختلف عن بعضها البعض اختلاف كبيرا, فالمشكلة الأمنية قبل وصول النهضة الى الحكم لم تكن مطروحة و لكن بعد ثلاث سنوات من الحكم أصبحت المشكلة جد خطيرة و أبرز شاهد على ذلك تحريض السلفيين على قتل القيادي اليساري ’’ شكري بلعيد ’’ و النائب ’’ محمد البراهمي ’’ , كما اثارت تصريحات قيادات الحركة تراوح مكانها القديم الذي يسعى الى «أسلمة المجتمع» و«اخونة الدولة» وقد أثبتت الحركة الاسلامية الأعرق في تونس على انها عاجزة عن ان تكون حزبا تونسيا وهو ما يترجمه رفع أنصارها شارة رابعة في كل مكان وكل مناسبة في تأكيد واضح على الانتماء لمنظمة الاخوان المسلمين التي تم حلها في مصر واعتبارها حركة ارهابية, كما انكشفت نوايا حزب النهضة في الانقلاب على شركائها منذ الأيام الاولى لانطلاق أشغال المجلس برفض كتلتها التنصيص على موعد لانتهاء أشغال المجلس الذي انتخب اساسا لمدة عام من اجل كتابة دستور وقانون انتخابي وهيئة انتخابية وكشف تمطيط المرحلة التأسيسية، عن نوايا لدى الاسلاميين في التمسك بالحكم .وهذا ما جعلهم يسقطون في فخ انتهاء الشرعية الانتخابية وهذا ما أدى الى غياب الاستقرار الذي كان مدخلا لبداية تفكك مؤسسات الدولة، خاصة بعد دخول البلاد في أزمة سياسية غير مسبوقة في تاريخها.
و يتجلى فشل النهضة على المستوى الاجتماعي و الاقتصادي من خلال استهداف مقراتها بالحرق في أكثر من مناسبة وأكثر من منطقة. وذلك بسبب عجزها عن تأمين انتظارات الناس واستحقاقات الثورة، إضافة إلى تردي الوضع الاقتصادي وبروز شبح إفلاس خزينة الدولة، بعد أن رفضت الدول الكبرى والمؤسسات المالية الدولية تقديم قروض لتمويل الموازنة و المساعدة في خلق الثروة ودعم الاستثمار, فكانت الهزيمة التي تلقتها النهضة على يد ’’ نداء تونس ’’ من أبرز العلامات التي أكدت فقدان الشعب التونسي الثقة في حركة النهضة, أما الذين يصورون أن تخلي النهضة على الحكم هو نتيجة ايمانهم بالديمقراطية ففي تقدري ما هي الا ادعاءات واهية لأن القرار الذي اتخذته النهضة كان قرارا براغماتيا لا أكثر و لا أقل ففضلت التخلي عن الحكم عوض الانتحار في السلطة فاختاروا التخلي عن السلطة تفاديا لغضب الشعب و كنسهم من السلطة على يده.

إسلاميو العراق كانت أمامهم فرصة نادرة، وكانت الولايات المتحدة إلى جانبهم وما زالت. تسلم زعماء حزب «الدعوة» و»المجلس الأعلى» والحزب «الإسلامي» (الإخوان) الحكم، بمساعدة جيش الاحتلال، بعد أن حل الجيش العراقي وضرب كل الأجهزة الأمنية والسياسية السابقة، وقرر اجتثاث البعث، مفسحاً المجال أمامهم لإعادة بناء النظام والدولة من جديد. لكن العقل الثأري والتوجه الطائفي، وانعدام الخبرة السياسية، فضلاً عن صراعاتهم الداخلية التي أوصلت العراق إلى ما هو عليه اليوم من تفكك على المستوى الاجتماعي، وتقسيم عملي بين شمال وجنوب ووسط، على أسس طائفية وعرقية. وبعد أكثر من 12 عاماً من الاحتلال، وأكثر من عامين من انسحاب القوات الأميركية، لم يستطيعوا تأمين الكهرباء، ولا الماء، ولا أبسط الخدمات، فضلاً عن معالجة الخلل في المؤسسة العسكرية، كي لا نذكر ملايين النازحين والمهجرين الذين ضاقت بهم بلاد ما بين النهرين، وهي من أغنى البلدان العربية بالثروة النفطية والمائية والبشرية.

الاسلاموية التي نشاهد تغولها هي كردة فعل لضعف العالم الإسلامي وخضوعه للقوى الغربية الامبريالية والاستعمارية بعد أن كان قويا ومهيمناً ويحكم نصف الكرة الأرضية تقريباً فخرج بعض المتطرفين في محاولة لاستعادة المجد الإسلامي والحث على ما يسمونه بالصحوة الإسلامية و السلفية وبكل الوسائل الميكيافيلية و الدليل الذي يبين الفقر الفكري لمثل هذه الجماعات هو فشلها في انتاج برنامج واقعي عملي مستقل عن اجتهادات الفكر الغابر فلا دراسات ولا مقالات ولا كتب سوى كتب التكفير و التكرار ولذلك الاسلاموية التي تسيطر على الاعلام لا هم لها الا التهجم على معارضيها و خصوصا على العلمانيين و الترويج لفكر السلفية الوهابية أما لانتاج برنامج و سياسة مبنية على نظريات علمية خاصة بها فهذا من سابع المستحيلات و هذا ما يفسر أن التيار الاسلاموي هو تيّار غوغائي و هجومي لا يلجأ الى السلم و العمل السياسي الا في أوقات الضعف. .
ان هزائم الحركات الاسلاموية لا تعني نهايتهم و رحيلهم دون رجعة بل على العكس فالاسلامويين يبقون الطرف الأقوى في كل استحقاق انتخابي وهذا بسبب الامكانيات المادية الكبيرة بحوزتهم اضافة الى الدعم الخارجي و ضعف المعارضة الديمقراطية و تراجع اليسار و انشغاله بالصراعات الداخلية التي أضعفت من قوته بل ان تراجع اليسار هو سبب تفشي الاسلام السياسي و اكتساحه للانتخابات في كل الدول فالعامل الذي ساعد الاسلام السياسي على الصعود هو الخطاب الديماغوجي للأحزاب الدينية و الجهل السياسي للشعوب العربية الذين يظنون أن اليساريين عبارة عن ملاحدة لا يؤمنون بالله لأن غالبية الشعوب العربية هي شعوب اسلامية, وحصر الشعوب العربية تيار اليسار في الأحزاب الشيوعية فقط و حتى بعض المفكرين مثل ماركس أو أنغلز أو لينين الذين لا يحظون بأي احترام من طرف أغلبية الشعوب العربية و سمعتهم جد سيئة , كما نمت في فاليسار ما يسمى بالأصولية اليسارية هذا فضلا عن أن شعارات اليسار ارتبطت بالثورة السوفياتية في عهد لينين، ، فلا زال اليساريين في خطابات الثورة الروسية و خطابات الشيوعية و مقولات ماركس بل حتى المصطلحات التي تعود الى الثورة الروسية مازالت نفسها عند اليساريين الذي عجزوا عن تقديم خطاب جديد للشعوب العربية








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. التجسس.. هل يقوض العلاقات الألمانية الصينية؟ | المسائية


.. دارمانان يؤكد من الرباط تعزيز تعاون فرنسا والمغرب في مكافحة




.. الجيش الأمريكي يُجري أول قتال جوي مباشر بين ذكاء اصطناعي وطي


.. تايلاند -تغرق- بالنفايات البلاستيكية الأجنبية.. هل ستبقى -سل




.. -أزمة الجوع- مستمرة في غزة.. مساعدات شحيحة ولا أمل في الأفق