الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


ياهودايزم [1]

وديع العبيدي

2017 / 2 / 18
الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع


وديع العبيدي
ياهودايزم
[1]

العالم في دوامة. في دائرة مغلقة. حجرة معتمة. حياة بيزمنت، أقبية، انفاق، انحطاط وابتذال. فوضى، ضجيج، صداع، انفصام، زهايمر، صرع، مسخ، نسخ، وسخ. هل هو عالم واحد، ام عالمان، او عوالم متعددة. لا. انه عالم واحد.
عالم احد في الجوهر والاساس، في الاساليب والاطر، في الافكار والايديولجيات، في الدوافع والغايات، الاسباب والنتائج. عالم قائم على الكذب والتزوير، والمسخ والتكرار، عالم يعتاش على الغلط وتكرار الغلط وترقيع الغلط وتقديس الغلط، حتى غاب عن البشر ما هو الغلط.
غلط شائع، مقصود، وتدميري، صار هو اساس العقل والمنطق، والفكر والاعتقاد، والاجتماع والاقتصاد، الهوية والثقافة، الدين والمعتقد، العلمانية والالحاد، التطور والتطرطر، العولمة والحداثة، الايمان والايفولوشن، والعقل والغيبيات.. كلها مسميات وأطر، ومناهج، خرجت وتخرج من منبع واحد، وتدور على محور واحد.
والناس.. البشر، واحد، يقومون بعمل واحد، يكررون شيئا واحدا، يخدمون هدفا واحدا، يتناحرون بينهم، وينسون انهم واحد، استنساخ. وعندما يدركون انهم واحد، يعودون، ويفندون انفسهم، وينسبون الاشياء للاختلاف، لماذا؟.. لكي يبقوا سادرين في عتمة الدوامة، ويستمروا في الدوران والصداع، ولا يريدون ان يشعروا باللاجدوى.
ما زال العالم، يؤرقني. هذا العالم، يعني الحياة، كل الوجود. وفي مركزها هذا الانسان، معيار الوجود، سيده واداته، الانسان المنفصم/ المنقسم على ذاته، بين العقل والغريزة، بين عالم المثل والافكار السامية، ومستويات الغريزة واللذة، الانسانية والوحشية، المثالية والانحطاط. الانسان العاجز عن الفكاك عن نفسه، وعن ادراك الاجوبة، او وقف تداعيات الاسئلة.
ثمة صراع بين العقل- بالمفهوم الفلسفي-، وبين العالم- بالمفهوم العام-، واتجاههما متنافر.
قوة العالم العالمي انه جسدي دموي حيواني غريزي براغماتي متوحش ليس له مبدأ حقيقي ولا مضمون حقيقي، شعاره البقاء للاقوى – من القوة الجسدية المادية حتى اقصى درجات ومفاهيم التوحش، كما جرى دائما، في مناسات ومظاهر متعددة. وكما جرى خلال الممارسات الاستعمارية والصهيونية والنازية واخيرا.. وليس اخرا.. ممارسات داعش.
العالم وهم، والوجود عدم، وكل ما هو – داخل- الوهم والعدم، هو عبث.
ولا جديد. لا جديد تحت الشمس. هاذه جملة.. ليست رومانسية او تعبير ادبي مجرد، ولكنها خلاصة عقلية فلسفية لرحلة البحث والسؤال، في العالم والوجود. جلجامش او زرادشت او بوذا او أي رمز ثوري لمجازفة العقل، هو الذي استنتج ان – لا جديد تحت الشمس-. وهذا هو جوهر ومغزى ما وصل الى ادراك سليمان داود يسي الجامعة: (كل شيء تحت السماء باطل، كل ما تعمله يد الانسان باطل وباطل اباطيل!).
ارنولد توينبي اعتبر ان اكتشاف الانسان لليد، وبدءه في استخدام يده لتصنيع مستلزمات معيشته، وانتاج غذائه كان بداية الحضارة، ونقطة تحول البشر من مرحلة الالتقاط والاعتماد/ تبعية الطبيعة، الى تغيير الطبيعة، بما يناسب احتياجات الانسان ورغباته وافكاره.
هكذا انتقل الانسان من التجوال في الغابات والنوم فوق الاشجار، الى المبيت في الكهوف والمغاور والاوجار، وصولا للاستقرار في – طوفة/ دارة- بيت. والبيت هو مبتدأ التحضر والاستيطان، والتمدن والاجتماع والتطور والسياسة.
كل الاشياء تبدأ، - مثل الطفل-، غلطة عفوية، مغامرة بريئة جميلة، ثم يتغير معناها وشكلها عندما تكبر.
الفكر الاقتصادي، في بداياته الفلسفية والنظرية، عندما كان الفكر الاقتصادي طفلا بريئا وجميلا ومغريا، تحدث عن مفاهيم: [التشغيل الكامل، الصحيح، الدقيق، تقليل نسبة الخطأ والتلف، تحقيق الافضل، الامثل، الاعلى، الاقصى،].
خلال عملي في النمسا، في معمل سيارات، كانت توجد لوحة ارشادات وتعليمات معلقة قرب مفاتيح السيطرة، وتتغير من وقت لاخر. في لوحة التعليمات برنامج الانتاج اليومي المطلوب، بالنوع والكم، وبجانبه، نسبة التلف.
بالنسبة لي، التلف هو الخطأ. وبالتالي ، فأن هدفي، هو تقليل نسبة الخطأ للحد الاقصى، وفي ذلك تحقيق لجودة العمل، او ما تعلمناه في الاقتصاد، الانتاج الامثل، والتشغيل الكامل.
قبل انتهاء العمل بربع ساعة يأتي (العريف) او مدير القسم ويلاحظ الانتاج ومدى الالتزام بجداول العمل. لاحظت مع الوقت، انهم يقومون بالقاء بعض من الانتاج في حاوية التلف، وكنت أقول لهم انها غير تالفة، أو اسأل عن سبب اتلافها.
صار بعضهم، يأتي خلال وقت العمل، واحيانا، خلال ذهابي للاستراحة، ويرفع درجة حرارة الماكنة، اكثر من المقرر. وفضلا عن لهب الحرارة التي تحرق الوجه واليد، كانت نسبة التلف تزيد، ولا استطيع السيطرة على الانتاج بالمواصفات المطلوبة.
انتاجنا يتعلق بقطع غيار السيارات، التي تتعرض لسلسلة من الفحوصات العلمية والعالمية، لان سوق السيارات عالمية، داخلة في المنافسة الدولية، وهي السيارات الالمانية.
المهم، هو نسبة التلف. المهم هو الاساس النظري للانتاج. بالنسبة للمعمل، يجب ان تكون نسبة يومية محددة من التلف. زيادتها كالنقصان. ولا يوجد في عرف المعمل، انتاج امثل، او تشغيل كامل او طاقة قصوى. هاته تدخل في سياقات اخرى. لكن ليس من غير (تلف). لا بد من نسبة – خطأ-.
في الدرس الاحصائي، شيء يدعى معامل الارتباط. وقيمة معامل الارتباط، هو دائما يساوي [واحد]. رقم (1) واحد. لا شيء في يمينه او شماله. وكانت المسألة الاحصائية التي يستغرق حلها ساعات، وعمليات حسابية متداخلة، تتوقف على النتيجة الواحدة والمطلقة: (واحد)- رقم صحيح.
في معظم المسائل الرياضية، ثمة نسبة للتقدير، النتيجة ومعها كسور. ولكن في الرياضيات الاحصائية، لا بد ان تكون النتائج ارقام صحيحة وثابتة، ومن غير كسور او تقدير. لا اعرف صورة الامر الان. اكيد ان الفكر الاحصائي تغير او تطرطر ايضا.
خلال عملي في (جراينر) تعرفت الى شاب – كنا نصف انفسنا بالشباب-، ايراني لطيف، نشأت بيننا علاقة استمرت لما بعد العمل. صديقي الايراني، عايشني خلال مرحلة الاسئلة والتناقضات تلك، فروى لي حكاية: اعرضها هنا، ضمن سياق الموضوع.
كان شخص – كالعادة- يبحث عن عمل. وبعد مدة، وبمساعدة من المقربين حصل على فرصة عمل. اوصاه الوسيط المقرب، ان يكون مخلصا في عمله ويقدم افضل ما لديه، ويكون دقيقا في المواعيد، لكي لا يخيبه مع الاغا.
وهاته كلها حرص عليها والتزم بها كأفضل ما يكون، وكان يجهد نسه ويضحي من وقته من اجل مصلحة العمل. وبعد مدة غير طويلة على هذا الحرص، تم اقالته من العمل. فاستغرب العامل، وقال لصاحب العمل: أي قصور في عملي، أي خطأ ارتكبته يا أغا. لكن الاغا رفضه.
وامام حيرته واضطرابه لفقدانه العمل، وهو العامل النشيط والمخلص، نصحه احدهم قائلا: انت تعمل باخلاص ومثابرة، وهذا جيد، ولكن اخلاصك واجتهادك في العمل اكثر من اللازم، وهذا يثير بقية العالمين، ويكشف انك تعمل افضل منهم، فربما يطردهم رئيس العمل، وربما يجعلك مديرا عليهم، وهم اقدم منك في العمل.
والافضل لك، عندما تعمل، ان تلاحظ طريقة عمل زملائك، ومعدل سرعتهم، فلا تعمل افضل منهم حتى يحبوك، ولا تميز نفسك عليهم، فيعتبروك منافقا او وصوليا.
وبعد مدة حصل صاحبنا على عمل جديد، وقرر الاستفادة من النصيحة، فصار يتباطأ في العمل، ويتقاعس ويكثر من الاستراحات، حتى كان اكسل الجميع. وبعد مدة، رفضه صاحب العمل الجديد، وكالعادة، لم يوضح له سبب رفضه.
وعاد العامل الخائب الى صاحب النصيحة قائلا: اغا.. لقد عملت كل ما اوصيتني به، وتخليت عن الاخلاص والمثابرة، ومع ذلك رفضوني، فماذا أعمل؟..
هنا ظهرت الحكمة الذهبية للشرق القديم، الممثلة، بضرورة الاعتدال والتوسط بين هذا وذاك، [فلا تجعل يدك مغلولة الى عنقك، ولا تبسطها كل البسط، فتقعد ملوما محسورا]-(الاسراء 29).. فواقع العمل الراسمالي لا يريد مخلصين كفوئين ولا يريد فوضويين لا اباليين.
السؤال الان: كيف يمكن فهم فلسفة العمل او فلسفة السلوك في العالم الراسمالي الامبريالي الذي نعيشه، رغما عنا؟.
ماهي طريقة التصرف، العمل، السلوك التي تجعلنا مؤهلين للحياة والفكر الغربي؟..
وهل علينا التكيف والانسجام معه، ام السلوك باعتقاداتنا وقناعاتنا والالتزام بحقنا في اثبات انفسنا وتاكيد هوياتنا، ضمن ما يسمى صراع/ صدام الثقافات/ الهويات/ المدنيات؟..
كيف نعيش في عالم متغير، متقلب، خارج عن طاقة احتمالنا؟..
وهل ثمة منطق يقوم عليه النظام العالمي، ام مجرد خبط عشواء؟!..








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. غزة- إسرائيل: هل بات اجتياح رفح قريباً؟ • فرانس 24 / FRANCE


.. عاصفة رملية شديدة تحول سماء مدينة ليبية إلى اللون الأصفر




.. -يجب عليكم أن تخجلوا من أنفسكم- #حماس تنشر فيديو لرهينة ينتق


.. أنصار الله: نفذنا 3 عمليات إحداها ضد مدمرة أمريكية




.. ??حديث إسرائيلي عن قرب تنفيذ عملية في رفح