الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


العرض والكشف في مجموعة (صمت الغرانيق) القصصية

يعقوب زامل الربيعي

2017 / 2 / 18
الادب والفن






وجدان عبدالعزيز
.................
كنت في عالم الشعر أتجول في حدائقه وكان معي (خارج السواد)الشاعر كريم جخيور و(تحت مخدة الكون) الشاعرة لبنى المانوزي وأنا افترض الدخول إلى هذين العالمين الشعريين الأول عراقي والثاني مغربي وكنت طوال الفترة الماضية في دأب مستمر لتحريك متعة القراءة لنصوص شعرية عُلقت معانيها على طاولتي ولا زلتُ لم اشبعْ ولن ارتوي وكلما قرأت نصا أصابني فرح كنه لا اعرف مغزاه وانفتح ذهني عليه لأتلقى إشارات لموحيات نفسية وثقافية أخرى بحيث تكون علاقاتها بالمعنى هي علاقة امكان لـ(إن كل نص هو عبارة عن لوحة فسيفسائية من الاقتباسات وكل نص هو تشرب وتحويل لنصوص أخرى) فأي معنى هو ليس هدف الكاتب إنما هو إمكانية قرائية وأثناء هذه المحاككة جاءني بشير آخر وهذه المرة من صديقة طال غيابها الشخصي عني وبقيت أتابع أخبارها عن بعد وكانت هي الأستاذة الرائعة والمجتهدة عالية خليل ، وعالمين الأول سردي : (صمت الغرانيق) ، والثاني شعري : (سلالم الأسئلة) وانفعلتُ وتوترتُ حتى تحرك الصمت من حولي .. وكنت وحيدا بين أوراقي حتى افترضت الدخول الى عالم القاص يعقوب زامل الربيعي لأستأذن شاعري زيارة مهدي الذي طالما قرأته كثيرا وفي دخول الحضور المعلق لقصص (صمت الغرانيق) فوجدتها فرصة ، لافترض الدخول إلى خفايا العالم القصصي فيها وافترض الأبعاد التي اشتعل عليها القاص الربيعي ووجدته انه استعمل العرض والكشف لشخصياته ، حتى ازدادت مسؤولية الاستنتاجات لخفايا هذه الشخصيات ، وقد أتبنى مقولة إن (مفهوم الإلهام عند علماء النفس هو أي الإلهام عملية عقلية كأي عملية عقلية أخرى يقوم بها دماغ الإنسان ، يعني انها تحدث بعد تهيئة وإعداد للفكرة) 1 فالكاتب استعمل الزمن النفسي في قصصه ففي قصة(سيناريو الحلم والانهيار) ، جاءت القصة ذات افكار مركبة وانفعالات مشتتة أكثر فيها الوصف غير المبرر أحيانا لإبراز حالات زئبقية غير ممسك بها من قبل القاص نفسه رغم محاولات التهيئة والإعداد التي أشرت لها .. فمقولة (قاطعه بحدة) يفارقها القاص وهو يحاول إظهار المبالغة في المقاطعة ، فمن (قاطعه بحدة) غلى (سيواصل العد) كانت انفعالات وصفية مبالغا بها قطعت انسياب السرد حيث كانت الأساليب مختلطة بين الموضوعية والذاتية ، غير أن العنونة قد حملت روح النص ودلت المتلقي على بعض المعاني ، فكانت المفتاح لمغاليقه ، اما في نص (اسفنديار) ، فالسرد كان يبدو موضوعيا ، غير ان الكاتب حاول الدخول إلى الأغوار وإخراج الإرهاصات المنفعلة دائما وهو يبحث عن صوت أزلي من بين أصوات النص ، ثم يكون التوتر في إفراز صوتين من بين عشرات الأصوات هما : صوت الغناء وهو صوت يدعو للحياة رغم انه حزين وصوت القتل الذي يدعو إلى الصمت وهو الموت وضمن حالة التوتر هذه كان الكاتب قد رسم لوحة أنثوية لسلوى خارج انسيابية السرد بحيث توقف عندها ارتفاع الحدث الصاعد ، ثم سرعان ما اخذ يتصاعد ثانية وعند قمة الصعود كشف الكاتب عن اسرارهما سواء اسفنديار او سلوى ونيتهما في الرحيل لولا الثأرية التي أخذت تغزو اسفنديار حتى ان الكاتب برر هذه الثأرية برسم لوحة بشعة وقبيحة لشيخ القبيلة ، كانت كافية ، لان يختلط لون البراز الذي تغوطه الرجل في ديوان الشيخ (المحفوظ) كي يضحك الشيخ أي اختلط في لحظة ذهول الجميع اللون الأصفر باللون الأحمر الذي نزف من بلعوم ورأس وعانة الشيخ المنكفيء على ظهره برصاصات اسفنديار وكانت نهاية الشيخ مخزية باختلاط دمه بالبراز ..
ونقل الكاتب هذه الأحداث بلغة سهلة حملت روح العصر وعمد الى المقاطع ، ليكون صعود الحدث وهبوطه منطقيا .. ولم تخلو القصة من مشاهد الحب والجنس .. (اندس معها بعد ان تعرى تماما وتحت الازار كان جسدها حارا وطريا ، وكانت سمكتان تمارسان طقوس الحب والإخصاب ، حياتان واسعتان تفعلان الحب قبل الموت) ، وهذا هو الصراع الذي انبنت عليه القصة صراع الوجود والفناء ..
وأيضا باختلاط أساليب القص مع حوارات داخلية أخذت ألوانا من الصراع في قصة (الغريبان والعنكبوت) وهو صراع عواطف وارادات وخروج من المقدس إلى مساحة الخيانة ، هكذا تصاعد الفعل القصصي وظل في ارتفاع تارة وأخرى ينخفض حتى تتكشف الأسرار وتظهر المعاناة ، لكلا الشخصيتين وهما ينشدان الامتلاء الذي تحول في نهاية الصراع إلى خواء وأصبحت المشاهد على عتبة الوضوح .
كان الصراع بداية قاسيا بينهما وكانت أثناء رحلة اللقاء هناك تنبوءات بأشياء سوف تحدث والا كيف تقول هي : (أن على الإنسان أن يريح رأسه قبل أن يموت) ، بعد ذلك الراوي أي الكاتب يقول كاشفا بعض الأسرار : (على أن صاحبة هذا الوجه ما برحت تعاني من علة خفية ..) ، ثم اشتد الصراع بالكشف عن خفايا وأسرار الشخصيتين وربطه بمشهد جنسي ، وبدل الامتلاء أصبح هذا المشهد يدل على الخواء وكانت الإدارة القصصية بهذه القصة أصابها الكثير من النجاح ..
وغاير الكاتب في قصة (تأويلات الظل) حيث ترك شخصياتها تتحدث وبرغم فوضى الحالات النفسية التي تعيشها إلا إن حديثها النفسي هذا رسم معالم الحدث القصصي وبالتالي أشرك المتلقي في استدعاء المعنى بطرح موضوعة مهمة في العلاقات الزوجية إلا وهي الضعف الجنسي لدى الرجل ، بحيث ظل الكاتب على الحياد في الأسباب وكما قلت ترك الحرية للشخصيات والمتلقي الذي بدأ في التأويل ورسم هواجس الزوجة وهواجس الزوج وهناك شبح يطاردهما عبر النافذة ، حيث الزوج : (رغبتي بالانغلاق كانت أقوى من حاجتي للانفتاح ، الذي تصورته انه يعود علي بالضرر) ، وهكذا سجل بعضا من صراعا ته النفسية ، أما الزوجة فتقول : (ويداعبني بحركات مثيرة تهيج كل غافية فيّ ، ثم ما يلبث أن يستسلم لكارثة الانكسار والخيبة عندها يتركني فريسة للأرق والرغبة الكسيرة) وهنا سجلت بعضا من صراعها النفسي وانخذالها ، ولكن سواء الزوج أم الزوجة لا ندري لمن يتحدثان ، إذن هناك شخصية وهمية افتراضية تنصت لهما بتمعن ، أما شبح الشباك فقد اعتادته الزوجة وهي عارية تحاول إثارة زوجها في كل ليلة ، حيث أصبحت هذه العملية رتيبة مملة ، هذا التداخل والمزج بين عدة رغبات وأمزجة أحدثتها ظاهرة الضعف الجنسي للزوج رغم انه كان يتحلى بفحولة متميزة ، تقول الزوجة : (لكن نفسه الطيبة وفحولته التي كانت له من قبل ، تمنعاني من الإساءة له) ، ثم يتدخل الكاتب بقوله : (مالت إليه هامسة همسا مثيرا ولذيذا) مما كشف أسرار اللعبة التي اختفت في مساحة اسطر القصة ، وهكذا خلق الكاتب الربيعي متعة كانت بمثابة بحث مستمر عن حالة واضحة ، لكنه حاول إضفاء عليها أقنعة ، بحيث تصيرت إلى ثيمة في متعة الاكتشاف خاضعة لانفعالات نفسية ، وهكذا في قصة (تصلب الحب) الذي رسم فيها خوالج إنسان يحتضر وأضاء هذه الشخصية بالبياض الذي تحمله شخصية ثالثة توسطت الزوج المحتضر والزوجة التي أضفى عليها صراعين صراع الفقدان وصراع تبرير تدخل الشخصية البيضاء ، وكأنها عليمة بإرهاصات الزوج وظل الكاتب متوترا بين النظر بعين حيادية إلى النظر بالعين الباصرة التي تعرف خفايا الأمور ..
وتناص الكاتب في قصة (شقي بن كسير) مع احد شخوص التاريخ المهمة وهي سعيد بن جبير بالمقارنة مع قضية اختفاء المسيح وأيضا ربط هذا بمشهد التخصيب والجنس ، لتنام الزوجة مطمئنة بعد الارتواء الجسدي ويظل هو في قلق المصير ، ثم يحاول الكاتب الربط بين سلابة العصر القديم وسلابة العصر الحديث ، ليقترب من الواقع قليلا وبين محتويات القطار ودفتر يوميات سعيد بن جبير كانت مجرد إرهاصات تعويضية تتبادل بين الحلم والواقع ، لشخصية تحمل رأسا مثقلا بالأفكار ..
وهكذا نقل القاص يعقوب زامل الربيعي رؤيته للحياة عن طريق الحكايات المسرودة بطريقة كادت أن تكون طريقته هو وبأيقونات التي صنعها من لغته الخاصة وكانت عثرات الطريق هي تزاحم أفكاره وصراعها والتي حملها شخوصه ، حيث كانت هذه الشخوص تحمل جيناته الوراثية رغم انه تحلى بالحيادية ونحن قراءه بقينا (مثل الغرانيق الصامتة حين يذوبن حبا يرتكسن في مرارة الوجع) وهو يأخذنا إلى الأعماق الإنسانية المضطربة ..
................

1 / كتاب (الخطيئة والتكفير) عبد الله الغذامي / المركز الثقافي العربي / ط6 لسنة 2006 ص 16
2 / (صمت الغرانيق) مجموعة قصصية للكاتب يعقوب زامل الربيعي
دار الشؤون الثقافية العامة / بغداد ط1












التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. عزاء الفنانة شيرين سيف النصر تجهيزات واستعدادات استقبال نجوم


.. تفاعلكم : الفنان محمد عبده يطمئن جمهوره على صحته ويتألق مع س




.. المخرج التونسي عبد الحميد بوشناق يكشف عن أسباب اعتماده على ق


.. الموسيقي طارق عبدالله ضيف مراسي - الخميس 18 نيسان/ أبريل 202




.. فنانون يتدربون لحفل إيقاد شعلة أولمبياد باريس 2024