الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


أنا وزوجتي والبامياء

ضيا اسكندر

2017 / 2 / 19
كتابات ساخرة


ما إن أكملتُ ارتداء ثيابي قاصداً المقهى للقاء أصدقائي حتى اقتربت منّي زوجتي صائحةً:
- بدلاً من مضيعة وقتك بالثرثرة ولعب الشدّة مع أقرانك فاضيي الأشغال، شدّ حيلك واعملّك همّة واجلب لنا بامياء من السوق. وحذارِ أن يغشّك البائعون ويبيعونك من النوع الكبير. كن حريصاً واجلبْ لنا بامياء صغيرة غضيضة لنطبخها اليوم.
ولما كان شغالي الشاغل مذ أصبحتُ متقاعداً هو القيام بأيّ عمل يحقق لها الرضا والسعادة بعد إحالتي على المعاش ووصفها لي على الطالعة والنازلة بالتنبلة والكسل.. فقد وعدتها بإحضار أفضل بامياء في السوق. اتصلتُ هاتفياً بأصدقائي معتذراً بأنني سوف أتأخّر عن اللحاق بهم بعض الوقت ومضيتُ إلى سوق الخضار الجنوبي. وبدأتُ البحث عن مرادي. وما هي إلا لحظات حتى وقع بصري على تلّة بامياء حمراء وقد غرس بائعها كرتونة في أعلى القمّة كتب عليها (الكيلو بـ 500 كمش). اقتربتُ متفحّصاً فوجدتُ أن أحجامها متفاوتة ما بين كبيرة ومتوسطة وصغيرة. قلت للبائع: «سوف أشتري كيلو بامياء ولكن بشرط السماح لي بانتقاء الصغيرة منها» وأردفتُ مشجّعاً «وسوف أعطيك السعر الذي تطلبه» أجاب البائع دون أن يكلّف خاطره بالتفاتة: «عمّي، لا نبيع إلا كمش..»
تركته وانصرفتُ إلى غيره، وكانت النتيجة مماثلة. وهكذا إلى أن يئستُ من هذا السوق. قررت التوجّه إلى سوق الخضار الشمالي. وتكرّر ذات المشهد، وكأن ثمة تواطؤ بين كافة بائعي البامياء بالمحافظة سواء على السعر أو من حيث طريقة البيع بالكمش!
من غير المعقول أبداً العودة إلى البيت بخُفّي حنين. وصلتُ إلى نهاية السوق، وجدتُ بائعاً يعرض على بسطته كومة صغيرة من البامياء. قلت في نفسي سوف أشتري كامل الكمّية وأقوم بتنقية الصغيرة منها. سألته: «كم الكيلو يا عمّ؟» أجاب بحماس: «إلك بـ 400 إنها آخر بيعة». قلت له: «زنْ لي الكمّية كلها..»
اغتبط البائع وقام بتعبئتها بكيس ووزنها على عجل وبلغت قيمتها (1350) ليرة. رجوته أن يزوّدني بكيس إضافي لتنفيذ ما عقدتُ العزم عليه. وبكرم البائع الذي يشطّب آخر مبيعاته استجاب مهلّلاً. وما إن سدّدتُ له الثمن حتى حمل حاجياته القليلة وانصرف.
قلت في سرّي إنها فرصة عظيمة. سوف أفرد البامياء على البسطة وأنتقي الصغيرة منها لتلبية رغبة زوجتي، عسى ولعلّ أنال رضاها وأثبت لها بأن تقاعدي رغم مساوئه فهو خير علينا جميعاً وعليها بوجه الخصوص. وبدأتُ بعملية الفرز.
وإذ بسيدة تقترب مني سائلةً: «بكم البامياء يا أخي؟»
رمقتها باستهجان وأجبتها بازدراء: «ليست للبيع!»
فأمعنت في محاصرتي: «ولماذا أنت هنا إذن؟!»
أجبتها قائلاً: «بصراحة يا أختي، اشتريت كمية أكبر من حاجتي وها أنذا أقوم بانتقاء البامياء ذوات الأحجام الصغيرة نزولاً عند رغبة زوجتي فهي لا تطيق البامياء الكبيرة..»
أجابت مستنكرةً: « وما بها البامياء الكبيرة؟ إنها أنفع وأشهى لأنها تكون أكثر نضجاً.. قل لزوجتك المصون بأن تقطع قرن البامياء الكبير إلى ثلاث قطع فيصبح حجمها وبالتالي نكهتها مثل القرن الصغير.» وأضافت سائلةً بفضول: « وماذا ستفعل بالبامياء الكبيرة؟»
أجبتها بلا مبالاة: «سوف أعطيها لأيّ عابر سبيل» واستطردتُ بنبل وشهامة: «يمكنك أخذها يا أختي إذا شئتِ ولا أريد منك ثمنها..»
شكرتني قائلةً: «أشكرك يا أخي لست بحاجة لعطاياك.. » وتابعت سيرها.
بعد فراغي من مهمّتي، وضعتُ البامياء الصغيرة بكيس والكبيرة بكيس آخر وقفلتُ عائداً. وقبل مغادرتي السوق، خطف انتباهي سيدة عجوز تفاوض بائع بامياء على السعر. وقفتُ مراقباً هندامها وحديثها.. وسرعان ما وقع عليها اختياري. فقلت لها هامساً: «خالتي، لديّ حوالي (2) كيلو سوف أعطيك إيّاها هكذا لوجه الله إذا قبلتِ بها..» نظرت إليّ مبتسمة وقبل أن تجيب وضعت كيس البامياء في يدها وهرعت مغادراً إلى البيت.
لدى وصولي، تعمّدتُ أن أقرع الجرس بالرغم من أن المفتاح في جيبي. وذلك لإفهام زوجتي بأنني من كثرة تعبي ومشقّتي بالبحث عن مبتغاها فقد هدّني التعب لدرجة أنني أستصعب مدّ يدي إلى جيبي.
فتحت زوجتي الباب مرحّبةً: «أهلا.. طوّلت في مشوارك كثيراً!»
دخلتُ متباهياً وأنا أبربر بأنني اضطررت الذهاب إلى سوقَي الخضار الجنوبي والشمالي لتأمين طلباتها التعجيزية. وشرحتُ لها بعجالة كيف أنني أخيراً حصلت على مرادي..
وضعتُ الكيس في المطبخ واستلقيت على الأريكة باعتداد كمن وصل لتوّه من معركة أبلى فيها بلاءً حسناً، وطلبتُ منها أن تعدّ لي فنجان قهوة مكافأةً لجهدي الكبير.
دخلت زوجتي إلى المطبخ هنيهة وعادت وقد اعتكر وجهها الطافح بالغضب. حدّقت صوبي بعينين واسعتين وبيدها كيس البامياء وقامت بقذفه في وجهي وصوتها يلعلع مزمجراً بكلمات التقريع: «إذا كانت هذه البامياء التي أحضرها جنابك صغيرة، فكم يبلغ الكبير منها إذن يا مثقف يا بتوع المدارس؟ سوف تبقى غشيماً إلى أبد الآبدين.. بس مو الحقّ عليك، الحقّ على التي بعثتك..»
تجمّدتُ في مكاني وقد بلغتُ من الدهشة أن فمي ظلّ فاغراً لحظات.. نظرتُ إلى البامياء المتساقطة على الأرض بعينين مذهولتين: يا إلهي، لقد أخطأتُ عندما أعطيت العجوز في سوق الخضار كيس البامياء. فقد أعطيتها البامياء الصغيرة وأحضرتُ إلى البيت الكبيرة! وبالتأكيد لا أجرؤ على شرح الواقعة بحذافيرها لزوجتي لكي لا يزيد لومها وتقريعها ووصفها لي بالغباء والغفلة.. وكمتّهم لم يبقَ في جعبة دفاعه سوى الأخير منها، استحضرتُ ما أفادتني به السيدة التي نصحتني بتقطيع قرون البامياء الكبيرة إلى ثلاث قطع فتصبح كالصغيرة، مضيفاً بأنها أنضج وأطيب وأنفع.. فما كان منها إلاّ وفجّرت قنبلتها قائلةً:
«هيّا اغربْ عن وجهي قبل أن أحشي (.......) بهذه القرون الكبيرة.. هيّا!»








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



التعليقات


1 - البامياء او اصابع السيدة
جمشيد ابراهيم ( 2017 / 5 / 13 - 11:11 )
هذه القصص يا اخي العزيز اجمل بكثير من تخمة مقالات الحوار لانها ليست ممتعة فقط و لكنها تفتح نافذة على العلاقات البشرية اليومية و نفسياتها و لكني متاكد ان زوجتك على حق لان البامية الكبيرة ليست ناضجة بل كبيرة بالعمر و صلبة كالخشب و فيها بذرات كثيرة تدمر طعم البامية الصغيرة الطرية الناعمة كالفرق بين لحم خروف و غنم و هنا و عندما شحت البامية الصغيرة في السوق بدأت بشراء الصغيرة المجففة في خيوط تشبه قلادة عنق المرأة و الفرق بين البامية التي كانت تطبخها والدتي و بامياء المحلات الشرقية في العلب هو ان والدتي كانت تقوم بقطع رؤوسها في حين المعلبة تعلب مع رؤوسها
تحياتي و احترامي لزوجتك و للك

اخر الافلام

.. الموسيقي طارق عبدالله ضيف مراسي - الخميس 18 نيسان/ أبريل 202


.. فنانون يتدربون لحفل إيقاد شعلة أولمبياد باريس 2024




.. السجن 18 شهراً على مسؤولة الأسلحة في فيلم -راست-


.. وكالة مكافحة التجسس الصينية تكشف تفاصيل أبرز قضاياها في فيلم




.. فيلم شقو يحافظ على تصدره قائمة الإيراد اليومي ويحصد أمس 4.3