الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


صهري شيوعي و حاج

داود سلمان الشويلي
روائي، قصصي، باحث فلكلوري، ناقد،

(Dawood Salman Al Shewely)

2017 / 2 / 19
الادب والفن



على جدار غرفة استقبال بيتنا (الديوانية / غرفة الخطار ) ، وهي الغرفة الوحيد التي ننام فيها ، ونأكل فيها ، ونستقبل الضيوف فيها ، ابان النصف الاول من ستينيات القرن المنصرم ،علقت فتوى المرجع الديني السيد محسن الحكيم بتحريم الشيوعية و التي اصدرها في الربع الاول من الستينات ، او في اواخر الخمسينات ، وقد زججت و وضعت في اطار خشبي جميل ، وكان والدي الرجل الذي يقوم يوميا ثلاث مرات لاداء فريضة صلاة ذات الخمس مرات ، وسنويا لاداء فريضة الصوم ، يقوم بمسح الغبار عنها ومخلفات الذباب بين فترة واخرى ليجددها ، وكأنه يجدد الفتوى ويعيد لها حيويتها ، كلما خبت ، او طال عليها الغبار والمخلفات.
تنص الفتوى تلك على ان ( الشيوعية كفر والحاد ) والتي يؤمن بها والدي ايمانا اعمى ، لانها فتوى مرجع ديني يقلده ، وكذلك لما سمعه من الاعمال التي قام بها الشيوعيون في الموصل وكركوك عام 1959.
في النصف الثاني من ستينيات القرن المنصرم تقدم لخطبة شقيقتي التي تصغرني بسنتين رجل من معارف والدي يطلبها زوجة لاخيه " ع. الله ن . " المعلم ، فرفض والدي ذلك لان الشخص المعني كان شيوعيا ووالدي ما زال يمتثل لفتوى مرجعه الديني الذي ما زال حيا ، والفتوى ما زالت معلقة على جدار غرفتنا الوحيدة تستمد حيويتها من جدتها بجدة حياة المقلد (بفتح اللام) والمقلد (بكسره) تابع ومتبوع ، ولكي لا يحرج والدي من قبل معارفه ، اخبره بأنه سيوافق على الخطبة اذا جاء وكيل المرجع في مدينتنا السيد (م. ح . السيد ر .) يخطبها ، لان والدي يتبعه في امور الدين وهو وكيلا للمرجع الديني الساكن في النجف .
بعد ايام التقى والدي و وكيل المرجع اثناء الصلاة ، فكلمه الوكيل بأمر الخطبة ، فاخبره والدي بأنه رجل شيوعي ، فقال له وكيل المرجع : كان شيوعيا سابقا اما الان فقد ترك ذلك الحزب. وهكذا تمت الخطوبة والزواج ، والتي حضر فيها الوكيل مع ( المشية) ، وقد تكلل هذا الزواج بأبناء واحفاد.
كان " ع . الله ن " معلما ،وشيوعيا ، وقد سجن اكثر من مرة ، وعذب ، ان كان في سجن " نكرة السلمان " او في سجن " الحلة " ، وقد عرف والدي بعد زواجه من شقيقتي انه ما زال شيوعيا ملتزما ، ولكن وكما قال ( الفاس طاح بالراس) وان اخيه قد كذب على وكيل المرجع ، وعلى والدي لكي تتم الخطبة .
تحية لصهري الحاج " ع . الله ن " أقدم شيوعي في مدينتي ، وواحد من الشيوعيين الذين حجوا الى بيت الله وقد ترك كل شيء من الملذات التي كان يتناولها طيلة اكثر من خمسين عاما !!!، وراح يقيم الفرائض الدينية على الرغم من انه ظل محتفظا بماركسيته – اللينية ، وشيوعيته ، ولا يعترف بفتوى المرجع الديني السيد محسن الحكيم ، ولا بإيمان والدي بمضمون هذه الفتوى ، فهل يا ترى ما زال يرى ان الماركسية هي نتاج معرفي متواصل مع تطور فكر البشرية ، على عكس الفكر الديني الذي يرى في يقينياته شيء منزل من السماء ولا يمكنها التطور والتبدل ؟
وهل ظل محتفظا بفكرة المادة قبل الروح ، وبرأس المال ، وفائض القيمة ، والمادية التاريخية ، وتصارع الاضداد ، والديالكتيك ، و تحويل الكم الى كيف ونوع ، فيما الديانات تنظر عكس هذا ، لانها ترى في الكيف والنوع انتخاب فوقي / الهي .
وهل ما زال يقول ان الادب هو انعكاس عن الواقع ، ويرفع شعار الدين افيون الشعوب ، الشعار الذي ورد في البيان الشيوعي الاول ، والذي يجد صداه واضحا هذه الايام في مجتمعنا ؟
كيف تنسجم هذه الاراء والطروحات المتناقضة في عقل وفكر الشيوعي الاقدم في مدينتنا والحاج كذلك ، والقائم باداء الفرائض الدينية كلها ؟!!!
كيف تستقيم المادية التاريخية للماركسية – اللينينية ، والروحانية الدينية ؟ حيث تعتقد الماركسية بأن البناء الفوقي للمجتمع هو ناتج للبناء التحتي له ، فيما الديانات ترى العكس ؟
كيف ينسجم رأس المال وفائض القيمة والربح الاتي من الملكية الخاصة لوسائل الانتاج الذي تؤمن به الديانات " السماوية " مع ملكية البروليتاريا والطبقة العاملة والكادحين لوسائل الانتاج ، وغير ذلك من التناقضات بين الافكار الفلسفية التي اتت بها الماركسية و الفكر الديني ؟
ما زال الموقف الديني من الشيوعية هو انها " كفر والحاد " ، فيما الشيوعية ، " الماركسية – اللينينية " خاصة ، ترى الدين افيونا للشعوب " مخدر " ، وتنطلق من المادية التاريخية ، حيث المادة تسبق الروح ، وان تكون وسائل الانتاج بيد العمال " البروليتاريا ، والبناء الفوقي ناتج عن البناء التحتي للمجتمع ، والادب انعكاس للواقع ... وغير ذلك.
وما زال صهري ابا خالد يؤمن بما جاءت به الشيوعية من افكار ولم يكن هناك التباس عنده بين افكار الدين والافكار الماركسية ، على الرغم من ان علي بن ابي طالب قال للرجل الذي سأله اثناء معركة الجمل : أيمكن أن يجتمع الزبير وطلحة وعائشة على باطل؟ فرد عليه قائلا :(إنك لمبلوس عليك، إن الحق والباطل لا يعرفان بأقدار الرجال، اعرف الحق تعرف أهله، واعرف الباطل تعرف أهله) ، على الرغم من انه يعرف اين يكون الحق ، ولم يكن الامر قد التبس عليه ، الا انه امسك بالعصا من المنتصف ، فقد زاوج بين الاثنين ولسان حاله يردد مع القائلين ان كان الله موجودا فانا انفذ ما مطلوب مني من فرائض ، وان كان غير موجود فانا لم اخسر شيئا بعد الممات ، فالصلاة هي رياضة ، والصوم فيه صحة كما يقولون ، والحج سفرة سياحية ، اما الزكاة فليس عندي مالا ازكيه او اخمسه.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. المخرج الاردني أمجد الرشيد من مهرجان مالمو فيلم إن شاء الله


.. الفنان الجزائري محمد بورويسة يعرض أعماله في قصر طوكيو بباريس




.. الاخوة الغيلان في ضيافة برنامج كافيه شو بمناسبة جولتهم الفني


.. مهندس معماري واستاذ مادة الفيزياء يحترف الغناء




.. صباح العربية | منها اللغة العربية.. تعرف على أصعب اللغات في