الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


42 مضمون مناقشتي لمناظرة بين ربوبي ومسلم 6/7

ضياء الشكرجي

2017 / 2 / 20
العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني


42 مضمون مناقشتي لمناظرة بين ربوبي ومسلم 6/7
ضياء الشكرجي
[email protected]o
هذه هي الحلقة الثانية والأربعون من مختارات من مقالات كتبي الخمسة في نقد الدين، حيث سنكون مع مقالات الكتاب الثاني «لاهوت التنزيه العقيدة الثالثة»، حيث تخصص سبع بدلا من ثمان حلقات، كما كان مقررا في البداية، هذه ما بل الأخيرة، لنشر مضمون مناقشتي لمناظرة بين ربوبي ومسلم، عام 2013، لكن ليس كمناقشة، وإنما كموضوع مستقل، وهي تناقش أفكار المناظر المسلم آنذاك كنموذج لهذا النوع من المحاججة عند المسلمين، دون التعميم.
في إحدى حلقات الحوار بين المسلم والربوبي، كما أحب أن يسمي نفسه أي (المؤمن اللاديني)، بيّن الأخير جوابا على سؤال من الأول بأن الربوبية التي أفضل تسميتها بالإلهية اللادينية قدمت إجابات منطقية لجميع الأسئلة، لكنها أخفقت في سؤال واحد ومهم، وهو لماذا خلقنا الله، وبين أنه من المستحيل الإجابة عن هذا السؤال عقلاً. وإلى حد كبير بينت اتفاقي معه، إذ إن الفلسفة المؤمنة بالله يمكن أن تبحث في الحكمة من خلق الله لنا، ولكني لا أقول مستحيل، بل مستبعد جدا الوصول إلى تفسير جامع مانع مقنع ونهائي، بل ستبقى محاولات فهم، تحقق ربما نجاحا هنا، وإخفاقا هناك. ثم ذكر المحاور اللاديني (الربوبي) أنه يحتمل أن يرسل الله إلينا رسولا ينبئنا عن حكمة الله من خلقنا، لكنه بين أن المشكلة تكمن في كوننا لا نعرف من هو من الرسل المدعين هو الرسول الحق. وهنا بينت اختلافي في هذه النقطة، إذ إن عدم التصديق بفرضية إرسال الله للرسل، ليس بسبب التعدد، وعجزنا عن الاختيار، بل كما يذهب إليه لاهوت التنزيه، إن إرسال الرسل من الله من الممكنات العقلية من حيث المفهوم المجرد، أما من حيث المصاديق (أي تطبيقات المفهوم في الواقع عبر الديانات التي عرفناها)، فهي ممتنعة الصدور عن الله، لأن كل الأديان بلا استثناء تشتمل على ما ينتقص من كمال الله وجلاله وجماله وحكمته وعدله ورحمته، ومنها ما ينتقص حتى من علمه وقدرته، فالأديان غير منزهة لله، والإيمان به لا يكتمل إلا بتوحيده، وتوحيده لا يكتمل إلا بتنزيهه، وتنزيهه لا يكتمل إلا بنفي الدين عنه.
ووجد المناظر المسلم هنا ثغرته المتمناة، معبرا بنشوة المنتصر عن روعة هذا كلام من محاوره الربوبي، وبأنه لا يصدر إلا من قلب باحث عن الحق، ودعا الله لنفسه ولمحاوره أن يوفقه وإياه للحق. وراح يسرد قصة له مع أحد الربوبيين الذي كان يناقشه على الپالتوك، وساعتها قال له أنه لا يمانع إطلاقا من الإيمان برسول، لكن لا يعرف من هو الحق، ومع من الحق، فلذا اختار أن يكون ربوبيا، أي مؤمنا لادينيا. فكان رده أنه شبه ذلك بالقاضي الفاشل الذي وجد أن الحق يتنازع عليه أشخاص كُثر، فحَكم على الجميع بالسجن، ولم يبحث عن الحق بينهم ثم يلتزم به. وذكر إن هذا المفترض أن يخجل من فشله، لا أن يجعل من فشله مذهبا يدافع عنه ويسميه اللادينية الربوبية. وأكد صدقه بالرواية وكيف جاء نفس الرجل في اليوم التالي وأعلن الشهادتين (لا إله إلا الله، محمد رسول الله)، واعترف أنه كان قاضيا فاشلا وحمد الله الحمد على اهتدائه. وبصراحة إنها قصة في غاية السذاجة، ولا أقصد أني أكذّب حدوثها، لأن وجود أشخاص يتمتعون بهذا القدر من السذاجة ليس بالأمر الغريب. فإن هذا الرجل انطلق من مقدمة خاطئة في نفي الدين، وعاد إلى الدين منطلقا من نفس المقدمة الخاطئة. في مقدمته افترض أن الله أرسل رسلا وبعث أنبياءً وأوحى بكتب ورسالات وأديان، لكن بسبب التعدد الموجود في الواقع، وعدم قدرته على الترجيح والاختيار، قرر تركها كلها، ثم انطلق مرة أخرى من مقدمة خاطئة، وهي أن الله بعث أديانا ورسلا، وواحد منها يمثل الحق، وهو مكلف بالبحث عن هذا الواحد المعين، فوجده وشهد بصدقه. بينما غيره قارن وفحص وتعرف ورأى فيها كلها ما لا ينسجم مع عظمة الله وكماله وتألقه وتنزهه، وبما أن الدين كمفهوم في عالم التجريد والافتراض النظري ليس إلا ممكنا عقليا، وليس بواجب عقلي، وبما أن الممكن يتساوى فيه التحقق واللاتحقق (من أجل أن أتجنب مراعاة للمشاعر قول التساوي بين صدقه وكذبه)، فلا بد من فحص ما إذا كان أحد المصاديق المدعاة للمفهوم الممكن ممكنة أو واجبة النسبة لله، فوجدها كلها ممتنعة النسبة إلى الله، وبما أنها ليست من الواجبات العقلية، إذن يمكن أن تكون كلها غير صادقة بالنسبة إلى الله، وبما أنه قد ثبت له ألا حاجة للدين، التزم بإيمانه العقلي، وجعل ضميره الضابط لسلوكه، وتحديد الحلال والحرام والواجب والمستحب والمكروه، على ضوء العقل الفلسفي والعقل الأخلاقي، الذي يملك صلاحية التحسين والتقبيح، والقائلة به المدارس الإسلامية العقلية كالمعتزلة والإمامية من حيث المبدأ، والمخفقة فيه للأسف، أو ربما لحسن الحظ، من حيث تطبيق المبدأ على التفاصيل، والمفهوم على المصاديق.
ولثقة المناظر المسلم بمدى قوة الحجج التي أوردها وجّه بنشوة المنتصر سؤالا على محاوره اللاديني بقوله: والآن هل ما زلت تعتقد أن الربوبية (الإلهية اللادينية) هي العقيدة التي يرتضيها إلهك من البشر، وهي العقيدة التي تحيا عليها وتموت عليها؟ وما كان مني إلا أن أوجه إليه سؤالا مشابها بقولي: والآن هل ما زلت تعتقد أن الدين هو العقيدة التي يرتضيها إلهك من البشر، وهي العقيدة التي تحيا عليها وتموت عليها؟ واعتمدت نفس العبارة، لكني قلت له: أنا لا أريدك أن تترك دينك، وتكون إلهيا لادينيا مثلنا، ولا أريد من الملحد (اللاإلهي) أن يتحول إلى إلهي مثلنا، لكني أقول كل منا ربما يرى أدلته مقنعة ومفحمة ولامردودا عليها، بحيث يوجه سؤالا استغرابيا كما وجهتَه إلى الربوبي: والآن؟ لا أريد أن أسأل كما سألتَ بقولي: هل ما زلت على قناعتك بعدما بينت لك كل الأدلة على صحة قناعتي وخطأ قناعتك، إذن تحول من قناعتك إلى قناعتي. لكنّما أقول من يقتنع بالتحول فليتحول، بأي اتجاه كان، ومن يقتنع بالثبات على ما هو عليه، فليثبت، لكن من موقع الوضوح والقناعة، لا من موقع التعصب والاتباع الأعمى اللامتسائل. المهم أن نبذل قصارى جهدنا لنكون عقلانيين وإنسانيين، وفيما بيننا متسامحين متسالمين متحابين، وتبقى العقلانية نسبية، وتبقى الإنسانية نسبية. أقول دع غيرك على ما هو عليه، إلم يقتنع بحججك، وتعايش معه، ويبدو أنك من النوع الراغب بالتعايش وقبول الآخر، ولو بنسبة ما، لكن أتمنى المزيد من الانفتاح والمرونة والتحرر من المسلمات النهائيات ولو بميليمتر إضافي واحد، فأي مقدار هو خطوة باتجاه التعقلن والتأنسن، ويمثل مصداقا للنص القرآني الجميل «يا أَيُّهَا الإِنسانُ إِنَّكَ كادِحٌ إِلى رَبِّكَ كَدحًا فَمُلاقيهِ»، أي - ولو حسب فهمي بقطع النظر عن المعنى الذي أراده واضع النص - يا أيها الإنسان النسبي، إنك كادح إلى المطلق كدحا تكامليا لا نهاية له، لاستحالة بلوغ النسبيِّ المطلقَ، لكنه قادر على أن يلتقي به من حيث الانسجام معه، والتطلع إليه، والكدح اللامتوقف تجاهه. وجوابا على سؤال له ما إذا كان محاوره يعتقد أن الغاية العظمى من وجوده توجد داخل فلسفة الربوبية، رددت بل إن الغاية العظمى أن أكون إنسانا عاقلا ذا مروءة، أجعل من نفسي نبيا رسولا أبعثه فيَّ من لدن عقلي وضميري، يزكيني ويعلمني الكتاب والحكمة، بمعنى التعليم النظري فيما هي المبادئ، والتعليم التطبيقي، كل يوم يزكيني تزكية بعد تزكية، ويهذبني، وينظفني من أنانياتي، ومن النوازع المضادة للخير، كي أتأنسن أكثر فأكثر، وكل يوم يعلمني تعليما بعد تعليم، كي أتعقلن أكثر فأكثر. وحول تكراره لسؤاله عما إذا كان محاوره مازال يؤمن بإله كلي القدرة كلي الخير لم يخبره عن غايته من الوجود ولم يخبره بشيء عما بعد الموت، مع أنه أهم مما قبل الموت، فقد تكررت من قبل إجاباتي على هذا التساؤل الذي بصراحة لا أفهم الإصرار عليه. وعن سؤاله الغريب عما إذا كان المؤمن اللاديني يؤمن بإله كلي الخير كلي العدل كلي العظمة يسمح للشر بأن يوجد وللبلاء بأن يقع وفي النهاية لا تعرف الغاية، رددت إن إلهي الذي أؤمن به وفقا لعقيدة التنزيه مثلا ليس من هذا النوع الذي لا يبالي بما يحل بمخلوقيه، فأنا أؤمن بالجزاء الإلهي العادل عدلا مطلقا، ولا أؤمن بالجزاء الديني المنتقص من عدل الله ورحمته، لأن الإله الديني يعاقب ويعذب عذابا أبديا في قمة القسوة، لا تفتر قسوته، على أمر غير اختياري للإنسان، والذي يسميه الكفر، وهو ليس إلا عدم القدرة على الاقتناع، فيتوعد «إنَّ الَّذينَ كَفَروا مِن أَهلِ الكِتابِ وَالمُشرِكينَ في نارِ جَهنَّمَ خالِدينَ فيها أُولـاـئكَ هُم شَرُّ البَرِيَّة». فهل الدين المنتقص من جلال الله عقيدة صحيحة وصالحة ومقبولة عقلا؟ وككثير من الدينيين اعتبر اختيار اللادينية عقيدة إنما هو اتباع للشهوة والهروب من التكليف. وهنا لي وقفة مع أمثال هذا المناظر، ومع عموم أصحاب الثقافة الدينية من هذا النوع اللاعقلاني، حيث يعتقدون أو يتهمون الذين لا يؤمنون بالدين أنهم يتبعون شهواتهم، ويتهربون من التكليف، وهذا خطأ ما بعده خطأ، وظلم ما بعده ظلم. ومرارا بينت السبب إذ إن تجربة الحياة وتجربة التاريخ البشري يرينا بما لا يقبل الشك إن من الإلهيين اللادينيين، بل ومن الملحدين، أو من المسلمين غير المتدينين، من يُتعِبون أنفسهم في التكاليف الإنسانية، يشدّدون على أنفسهم في تجنب الكذب، وليس لديهم كذب شرعي، وفي تجنب السرقة، وليست لديهم سرقة شرعية، ولا يشهدون زورا، ولا يخونون الأمانة، ويوفون بالعهود، ويلتزمون بالوعود، ويتسامحون مع المسيء، ويعطون للآخرين من وقتهم وراحتهم، وبعضهم - وهذا ما نجده في الأورپيين المثاليين مثلا - يذهبون إلى بلدان فقيرة ومتأخرة بل متخلفة من أجل عمل إنساني، بدون أن تكون وراءهم أجندات ماسونية، أو صليبية، أو صهيونية، أو إمپريالية، حسب الواقعين في هلوسة نظرية المؤامرة. فهل قرأ مثل هذا عن الحالة الإنسانية الراقية التي كان يعيشها (الأنصار) في كردستان من رجال ونساء، كرد وعرب، مسلمين سنة وشيعة، ومسيحيين وإيزيديين، وصابئة، وكثير منهم ملحدون، وكما يعلم العارفون بي أو المتابعون لفكري السياسي، أني لست شيوعيا، كي أروّج دعاية لهم، بل لي رأي ناقد، لكنها تجربة متألقة في الكثير من مظاهر الإنسانية الراقية جدا. شخصيا عندما كنت ملحدا تبرعت لصديق فقير لي بقطعة أرض بنى عليها بيتا له ولأسرته، ولسائق سابق عندنا تبرعت بسيارة تاكسي. وفي وقت لاحق كمتدين ثم كمؤمن لاديني رفضت كل الامتيازات التي كنت سأحصل عليها عبر قوى الإسلام السياسي، لولا أني ملتزم بتكاليفي وقيمي ومثلي، فلا يقل أحد من أمثال مناظرنا المسلم هذا إن عدم الإيمان بالدين هو هروب من التكاليف، فهذا ظلم، والقرآن الذي يؤمنون به، نهى في واحد من أروع نصوصه عن ظلم أشد الناس عداوة وبغضاء «لا يَجرِمَنَّكُم شَنَآنُ قَومٍ عَلى أَلّا تَعدِلوا، اعدِلوا، هُوَ أَقرَبُ لِلتَّقوى»، ولو إن نصوصا أخرى قد نقضت النصوص الجميلة وهبطت بتألقاتها، ولست هنا بصدد مناقشة هذه النصوص، بل سيأتي وقته إن شاء الله الجميل الحبيب. ولا أعرف من أين يأتي مثل هؤلاء بالثقة بقوة حججهم ووجوب الاقتناع بها، حيث ترى واحدهم يوجه السؤال التقليدي: ما الذي يمنعك من التسليم بالرسل وبالإسلام بالذات بعد أن أثبتُّ كما يدعي الحاجة الحتمية للبشر إليها. ولم لا يمكن أن نوجه نحن السؤال إليه: وما الذي يمنعك من التسليم بمرجعية العقل والضمير، بعد أن أثبتنا ألا حاجة للبشر إلى الأديان، وأن فيها - صحيح - منافع للناس، ولكن فيها إثم وضرر كبير على البشرية، وإثمها وضررها أكبر بكثير من نفعها؟ تراه يقول للمؤمن اللاديني: طالما أنك آمنت بالإله كلي القدرة كلي الخير كلي العدل، فهذا هو الإله الذي نؤمن به نحن أيضا، فما الذي يمنعك من الإسلام والإذعان لله في الخلق والأمر وليس في الخلق فقط؟ ولا يسعني إلا أن أجيب: صحيح إن الله الفلسفي كلي الخير كلي العدل كلي الرحمة كلي الحكمة، لكن هذا لا ينطبق على الله بالصورة التي صورته به الأديان الإبراهيمية، فهو إذا حاكمناه على نصوص الكتاب الذي تنسبونه إليه، تعالى عن ذلك علوا كبيرا، عديم الخير عديم العدل عديم الرحمة عديم الحكمة، بل أيضا عديم العلم، لأنه ينبئنا عن قصة الخلق الذي أثبت العلم خرافيتها، وعديم القدرة، إذا سلمنا بالصورة التي يعرضه بها العهد القديم. ومع هذا لا أطلب من أحد، كما يفعل الدينيون، أن يترك ما هو عليه، ويتحول إلى ما أنا عليه، إنما أنا أعرض أفكاري، وأحاول أن أدعمها بالدليل، فمن اقتنع واعتمدها أو اعتمد بعضا منها، فله ذلك، ومن لم يقتنع فله ذلك أيضا. المشكلة أن الدينيين يعيشون هوس (الدعوة) أو (التبشير) أو (التبليغ) أو (الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر)، وهم من جهة معذورون لأنهم يعتقدون أنهم مكلفون من الله بكل ذلك، فكيف ننهاهم عما كلفهم الله به؟ لكن من جهة أخرى أنهم كثيرا ما يزعجوننا بتعسفهم بنا، وتدخلهم في شؤوننا الخاصة، ومحاولتهم إملاء قناعاتهم علينا، وهذا بصراحة شيء يزعجنا، وإلا فليبق كل على ما هو عليه، مع احترام الآخر فيما هو عليه، ومع هذا تطرح الأفكار، ويجري الحوار حولها، لمن يحب التحاور، ويجري نقد الفكر المغاير بكامل الحرية، فلا تكفير، ولا تقية، ولا نفاق، ولا باطنية، ولا اتهام، وإنما بشفافية كاملة للجميع. وعندما يأتي السؤال التقليدي من المناظر المسلم موجها للمؤمن اللاديني: هل تعتبر أن الوقت في صالحك، ما كان مني إلا أن أجيب، كما لو جه السؤال إليّ بقولي: بالنسبة لي فأقول الحمد لله الذي أنقذني قبل فوات الأوان، الحمد لله الذي هداني للكفر بما لا تُبلغ ذروة الإيمان إلا بالكفر به، وما كنتُ لأهتدي لهذا لولا أن هداني الله، لقد جاءتني رسل ربي من لدن عقلي وتجربتي وبحثي وتأملاتي بالحق، لكنه يبقى الحق النسبي، لاستحالة بلوغ المطلق. وبقي مناظرنا المدافع عن الإسلام، يستثمر مبدأ النسبية التي تقول بها اللادينية، ويعتبرها نقطة ضعف، ومبررا للعودة للدين بقوله: أنت تعترف بقصور معطيات الفكر اللاديني وعجزه عن تقديم أجوبة عن أهم ما في الوجود، معتبرا هذا الاعتراف سببا لعودة اللادينيين إلى أحضان الدين، ولكني أزعم جازما بقصور معطيات الفكر الديني عن تقديم أجوبة لا تهين العقل ولا تسيء إلى الله. وأغرب ما في مناظرته أنه يعود ويوجه السؤال لمحاوره: متى ستقولها وبصدق أشهد أن لا إله إلا الله وأشهد أن محمدا رسول الله؟ حقا عجيب أمر الدينيين، ولا يسعني إلا أن أقول لمثله هذا الرجل: ولماذا لا تشهد أنت بألّا إله إلا الله، وألّا أحد رسول الله، أو أن العقل رسول الله، والضمير رقيب الله؟ وهل تقبل من المسيحي عندما يقول لك لماذا لا تقر بالحقيقة التي يؤمن هو بها، فتشهد بأن اليسوع المسيح ابن الله،، أو لماذا لا نقر أنا وأنت ومحاورك الربوبي بما يقتنع به الملحد أو اللاإلهي فنشهد ألّا وجود لله؟ ويعود مرة بعد أخرى بطريقة ساذجة وغريبة، لينذر محاوره، بكون كل لحظة تمر عليه هي جرس إنذار ولحظة اقتراب من المصير المجهول. وهنا أقول: لا تخف عليه، ما زال لم يقتل، ولم يسرق، ولم يظلم، ولم يفعل ما يسخط الله عليه، فيما فيه انتهاك لحقوق الآخرين، فلا داعي لأجراس الإنذار والتخويف التي يدقها لنا الدينيون. وأورد نصا قرآنيا ينسبه إلى الله بأنه أقسم بأن خلق الإنسان في أحسن تقويم، لكن لابتعاده عن المنهج رده إلى أسفل سافلين، مشيرا إلى سورة التين معتبرا أن كل من لم يؤمن بالإسلام هو المشمول برد الله إياه إلى أسفل سافلين، لأن الاستثناء الذي جاء في السورة بقول «إلا الذين آمنوا وعملوا الصالحات»، تعني إلا الذين آمنوا بالإسلام، والتزموا بأحكامه، وإلا فكل من سواهم «لفي خسر» كما تقرر سورة العصر. فأي إساءة وأي إهانة يوجهونها إلى الله من حيث يدعون أو يظنون أنهم يدافعون عنه، إنما هم يدافعون عن ذلك الصنم المسمى دين، ويعبدونه من دون الله متوهمين أنهم يعبدون الله بعبادتهم ذلك الدين وكتاب ذلك الدين ورسول ذلك الدين وصحابة ذلك رسول الدين وأئمة أهل بيت رسول ذلك الدين وفقه وشريعة ذلك الدين، أكثرهم من حيث لا يشعرون، وبعضهم لعله من حيث يشعرون.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. لابيد: كل ما بقي هو عنف إرهابيين يهود خرجوا عن السيطرة وضياع


.. عام على حرب السودان.. كيف يعرقل تنظيم الإخوان جهود الحل؟ | #




.. خالد الجندي: المساجد تحولت إلى لوحة متناغمة من الإخلاص والدع


.. #shorts yyyuiiooo




.. عام على حرب السودان.. كيف يعرقل تنظيم الإخوان جهود الحل؟ | #