الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


ياهودايزم [2]

وديع العبيدي

2017 / 2 / 20
الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع


وديع العبيدي
ياهودايزم
[2]
"على الانسان تغيير العالم، لا تفسيره فقط"- كارل ماركس

ذات يوم.. كان سورن كيركجورد الدنماركي جالسا في مقهى، عندما خطر له سؤال: ما هو عمل الفيلسوف؟..
فأجابته نفسه: تبسيط الحياة!.. ثم ضرب الطاولة بقبضة يده، وهو يقول: إذن، واجبي هو تعقيد العالم!..
كم شخصا جلس في مقهى على مدى الزمن..
كم مقهى وجدت على الارض عبر الزمن..
كم فكرة عبرت من افاق مقاهي العالم.....
كم كانت اعمار مرتادي المقاهي، وما طبيعة اهتماماتهم ومشغولياتهم؟...
كم من جلاس المقاهي يجلسون لوحدهم، ويستغرقون في أذهانهم؟..
المقاهي العربية هي دور التسلية والعاب النرد والدومينو!..
متى كانت المقهى دار علم ومعرفة واكتشافات تغير شكل العالم وجوهره؟..
المقهى مكان لمضيعة الوقت والسخرية والهذر والقدح والنميمة وترويج الاشاعات الرخيصة..
المقهى العربية جريدة مفتوحة، تتكشف فيها اخبار المحلة والمدينة وفضائح التجار والحكومة والعوائل والوكلاء من كل نوع... مجرد مكان لتصيّد الاخبار بطريق الالتقاط والقرصنة..
المقهى.. الجامع.. الملهى الليلي.. هاته اركان الحياة العربية/ المدنية على مدى القرون..
استمرار هذا الثالوث المتوارث على مدى القرون يثبت، حقيقة [الجدب] التاريخي..

اسبينوزا الهولندي هو الاخر بدأ من حالة او مكان عام، كان مع بضعة من اقرانه عندما قدحت في ذهنه [فكرة] سوف تجعل منه [مواطنا عالميا].. وتفتح على يده اوسع ابواب [نقد الدين]..
لا اتحدث هنا عن الافكار – العظيمة-، ولكني اركز على طبيعة الاشخاص، وطبيعة الظروف والخلفيات الاجتماعية التي شكلت – حاضنة- ابداعية، لانتاج الافكار العظيمة، او اصحاب الافكار العظيمة..

كارل ماركس تجمعه بمارتن لوثر قواسم اجتماعية عائلية مشتركة.. كلاهما كان من قمة الطبقة المتوسطة، كان والده محاميا معروفا [مركز اجتماعي واقتصادي وسياسي].. وكلاهما رسم له والده ان يتخرج محاميا ويحافظ على مستوى العائلة.. وكلاهما، سوف يتمرد في اللحظة الاخيرة، ويجمع بين خذلان –الأب- واضافة مجد اكبر لاسم العائلة..

رغبة مارتن لوثر اتجهت للاهوت ونقد الكنيسة في اخر لحظة، وماركس رغب في الفلسفة اكثر من المحاماة.. مارتن لوثر اصيب بالتوحد واعتزل في الدير، واستغرقته حالة [خوف ورعدة] التي تحدث عنها كبركجورد، امام جملة:[أنه قد اعلن غضب الربّ من السماء، على جميع ما يفعله الناس من عصيان واثم، فيحجبون الحق بالاثم!]-(رو1: 18)
في هاته العبارة بعدان رئيسان، بعد ديني، وبعد واجتماعي. ارجو القارئ عدم الفصل بينهما، لادراك مغزاها الصائب، لانه لا قيمة للبعد الديني، عند تجريده من المضمون والاطار الاجتماعي. فالدين ظاهرة اجتماعية، والمغزى من العلاقة بالسماء، هو الارتقاء بالعلاقات بين البشر.
العلاقة بالسماء من غير انعكاس اجتماعي منسجم بالطبيعة والاتجاه، انما يكون مجرد رياء.. وهو تفريغ للعلاقة والسلوك، واحالتها للعبث ومضيعة الوقت والجهد..
الثورة التي قادها مارتن لوثر، استندت الى جملة واحدة.. استندت الى استغراقه في جملة واحدة، هي جوهر التجديد والاصلاح والنقد الديني منذ (1517م) وحتى نهاية كل شيء.

هل ثمة جملة او كلمة استغلقت ذهنك وملكت عليك وقتك، وجعلتك تترك كل شيء في الوجود، وتتفرغ للتامل والتفرس والتفكر والاستغوار في اعماقها؟....
الواقع، ان كل المخترعات والمكتشفات والافكار العظيمة، ولدت من التأمل والتفكير والصراع والمعاناة الفكرية بسبب جملة او كلمة أو لحظة او حالة اجتماعية معينة؟.. وكل فيلسوف او عالم او مفكر، تتلخص تجربته واضافته في كلمة او جملة لا غير!.

كارل ماركس استغرقه سؤال مغزى الفلسفة، شأن كيركجورد. كان احد الهيغليين الشباب، يشارك في حلقات مناقشات فلسفية باشراف فيورباخ. ولكنه، بدل التوصيف والتبسيط والتعقيد، جعل [التغيير] وظيفة الفلسفة!..
كيف للفلسفة التي كانت، لما تزل نخبوية برجوازية، ان تغير العالم؟..
هل تغيير العالم يكون من الأعلى؟.., او من الأسفل؟.. وكيف يحصل التغيير من الاسفل؟!..
هاته هي اضافة كارل ماركس!.. التغيير اولا، والتغيير من اسفل ثانيا، والتغيير من الداخل ثالثا.. والتغيير واجب كل فرد اخيرا.
فبحسب ماركس، كل فرد معني بتغيير نفسه، التغيير نحو الافضل والاكمل [الفضيلة والكمال]..

وظيفة الفرد.. الواعي/ المسؤول/ الايجابي/ الثوري.. من خلال اجراءات التغيير، صناعة تاريخ جديد، وتحرير التاريخ من التكرار والدوران حول اضرحة الماضي!..
شعار ديكارت: انا أفكر، إذن أنا موجود!
شعار ماركس: أنا أتغير –للافضل-، إذن انا موجود!..
شعار لوثر: أنا حرّ، إذن أنا مؤمن!..
لا ايمان بلا حرية، ولا حرية بلا ايمان.
لا انسان بلا حرية ولا انسان بلا ايمان.
الايمان دالة الفضيلة/ (المثل)، والفضيلة هي الحرية.
– ملحوظة: مفردة ايمان –هنا- لا علاقة لها بالدين كنظام اجتماعي منصرم-!.

لدى كيركجورد وماركس ولوثر وفولتير واسبينوزا ونيتشه، اقترنت الفكرة الابداعية بالتقنية: الترجمة الاجتماعية والمتوالية التاريخية. فالانسان: النشاط الاجتماعي هو دالة الحياة ومغزاها ومعناها وغايتها. النشاط هو دالة الحركة والتغيير والتقدم – خلاف التكرار والتطرطر- واكتشاف قارات وجغرافيات جديدة، تضاف الى الحصيلة المعرفية وارشيف مكتشفات السابقين.
كثير من الناس، لا يخطر لهم سؤال الاضافة- التجديد- التغيير، وتقديم مبرر لوجودهم على الارض، ومغزى تلك الحواضن الاجتماعية والعائلية والثقافية التي يقتصر وجودها على الالتقاط والاستهلاك والقرصنة على فتات الغير، ورفع معدل المديونية التاريخية..

من اشكاليات الراهن العالمي، فضلا عن ريادة الغرب في الفكر والتكنولوجيا، ان النسبة العظمى من المنسوجات والالعاب والسلع الاستهلاكية هي منتجات صينية، ونادرا ما تجد سلعة لا تحمل عبارة [made in China]..
عالمنا ينقسم الى خندقين: عالم منتج، وعالم مستهلك.
العالم المنتج يصنع الحياة والتاريخ ويبرر وجوده الايجابي، ومن خلال عمله يستمر في التطور والانتاج وابداع الافكار..
والعالم المستهلك لا يصنع الحياة ولا يساهم في صناعة التاريخ ولا يبرر وجوده السلبي، ومن خلال امعانه في الاستهلاك، يزداد تخلفا وتبعية وتشوها وعنفا!..

قل لي كيف تعيش أقول لك من أنت!
قل لي ماذا تفعل، اقول لك من انت!..
قال ارسطو القديم: اعرف نفسك!..
والمأثور العربي يقول: رحم الله امرأ عرف – قدر- نفسه!..
!.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. ملف الهجرة وأمن الحدود .. بين اهتمام الناخبين وفشل السياسيين


.. قائد كتيبة في لواء -ناحل- يعلن انتهاء العملية في أطرف مخيم ا




.. وسائل إعلام إسرائيلية تناقش تداعيات الرد الإيراني والهجوم ال


.. إيران وروسيا والصين.. ما حجم التقارب؟ ولماذا يزعجون الغرب؟




.. مخلفا شهداء ومفقودين.. الاحتلال يدمر منزلا غربي النصيرات على