الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


الانصاب والاصنام الحجرية

وليد يوسف عطو

2017 / 2 / 20
دراسات وابحاث في التاريخ والتراث واللغات



يقول الباحث فراس السواح في كتابه(الله والكون والانسان),ان كل العبادات الصحراوية كانت تدور حول النصب الحجرية. استنادا الى كتاب الكلبي ( كتاب الاصنام ), فان العرب لم يعرفوا الاصنام قبل القرن الثالث الميلادي , وان عباداتهم كانت تدور حول الانصاب الحجرية , حتى بعد دخول الاصنام الى مقاماتهم الدينية .

وقد تبقى من آثار تلك الانصاب حجر واحد الى الان هو الحجر الاسود في كعبة مكة .لقد كان الحجر يمثل عند الساميين رمزا للالوهة الخافية التي كرهوا تصورها في هيئة بشرية , بحسب المنهج الظاهراتي لفراس السواح .

يقول فراس السواح ان فكرة الله لم تكن جديدة تماما على عرب الجزيرة . فقد كانوا يؤمنون بوجود خالق واله اعلى للسماء والارض بغض النظر عن التسمية (الله , الرحمن )او غيرهما . وكانوا يرون في الكعبة بيتا له , وفي الحجر الاسود رمزا خفيا لله ,اي شارة الله ورمز لحضوره الخفي .

ومن هنا ظهرت مراسيم الحج .لقد وصف القران عرب الجزيرة بالمشركين ولم يسميهم بالكفار ,(فاذا كان الحجر الاسود رمزا لله في الجاهلية , فلماذا لايحافظ على قداسته في الاسلام ؟).ان اي انسان تربى في بيئة غير اسلامية لايرى ضيرا في تقديس الصور الدينية .فالمسيحي يركع امام صورة المسيح او العذراء , والبوذي يسجد على وجهه امام تمثال بوذا , لانهما يعرفان ان مايقدسانه ليس الصورة وانما ماوراء الصورة .اما المسلم فانه يصاب بالذعر لرؤيته انسان راكع امام صورة .

في زيارة سياحية نظمتها ادارة الجامعة الصينية لفراس السواح للتعرف على بعض معالم المدينة , حيث كلف السواح اثنين من تلامذته بمرافقته في هذه الجولة السياحية .وكان البرنامج يتضمن في بعض فقراته زيارة لمعبد اللاما البوذي . كتب فراس السواح مانصه (عندما اجتزنا الباب الخارجي وولجنا الى فناء المعبد , وجدت الكثير من الزوار يشعلون البخور في مجمرة ضخمة في الوسط ,ثم يتجهون الى مدخل القاعة ,فمشيت معهم , وهنالك وجدتهم ينطرحون ارضا على جباههم امام تمثال هائل للبوذا مصنوع من النحاس .

وهنا طغت ثقافتي الاسلامية الهاجعة في اللاشعور , ووجدتني انتفض بشدة واقول لمرافقي بلهجة مستنكرة ( انهم يسجدون لصورة ). لقد اجتازت هذه الجملة عقلي الواعي الذي يعرف تماما معنى السجود امام صورة ,ونطقت بها لساني كان من ينطق بها شخص آخر لااعرفه ).
اما عن منزلة هبل عند عرب ماقبل الاسلام واعتباره رب الكعبة , فيقول السواح , وهو مسؤول عن منهجه ومصادره بان هبل هو تمثال مستورد من بلاد الشام . حيث لم يكن العرب يجيدون فن النحت, او انهم اعتبروه من عداد المهن والحرف اليدوية التي لم يكن تليق بالعرب , والاصح باعتقادي الاعراب , اي البدو .يقول ابن الكلبي في كتابه الاصنام , ان هبل كان صنما على شكل انسان وصل الى مكة بعد ان كسرت ذراعه في الطريق , فصنعوا له ذراعا من ذهب .اما في تفسير اسم كلمة ( هبل )فاختلف الاخباريون في تفاسيرهم . والسبب بحسب فراس السواح هو ان الصنم حافظ على اسمه السوري الاصلي ( هبعل ), وهو لقب لاله العاصفة حدد . ويعني الرب او السيد . وهو يتالف من مقطعين , الاول هو الهاء :اداة التعريف ,في بعض اللهجات , والثاني بعل , والذي يلفظ ايضا بصيغة :بعلو ,وبل .

وبما ان قبيلة قريش كانت من اصل سوري , بحسب السواح ,لم تهاجر الى الحجاز الا قبل بضعة اجيال من ميلاد محمد , فقد كانت لغتها تحتوي على الكثير من المفردات الارامية , وبالتالي كانت كانت تعرف معنى كلمة (هبعل ), او هبل .وقد ارادت من وراء استيراد هذا الصنم ان تنصب تمثالا في الكعبة بصيغته الجاهلية .تحت لقب الرب او السيد .

اما الانتقال من فكرة القوة السارية في الكون الى فكرة الاله المشخص , فيقول السواح ان الانتقال جرى بشكل تدريجي خلال عصر النحاس ,واكتملت هذه الصيرورة خلال الفترة الانتقالية من الالف الرابع الى الالف الثالث قبل الميلاد عندما دخلت الحضارة في عصر البرونز . فخلال عصر النحاس اخذت كبرى القرى الزراعية تتحول الى اشباه مدن , وخلال الفترة الانتقالية من عصر النحاس الى عصر البرونز تحولت اشباه المدن الى مدن حقيقية ,وذلك في وادي الرافدين الادنى ( بلاد مابين النهرين – العراق القديم )اولا , ثم في مصر وسوريا , بعد ذلك بفترة قليلة .وترافقت هذه النقلة مع اختراع الكتابة ودخول الحضارة في العصور التاريخية .

لقد كانت جماعة الصيادين في العصور القديمة تعيش في مشاعية اقتصادية لايملك الفرد فيها سوى ادواته الحجرية , اما نظامها السياسي فكان يقوم على اختيار زعيم غير متفرغ لمهام الرئاسة ,يمكن عزله واختيار غيره في اي وقت .وفي العصر الحجري الحديث كانت الاراضي الزراعية ملكا لجميع اسر القرية ,وكان رجال القرية يشتركون في الزراعة والحصاد وتربية الماشية .

ثم يوزعون ناتج عملهم على الجميع بالتساوي .اما زعيم القرية تختلف صلاحياته كثيرا عن صلاحيات زعيم جماعة الصيادين , وربما كانت شؤون القرية تدار من قبل مجلس للشيوخ .اما الحياة الدينية فكان يشرف عليها ساحر القرية او الشامان بمصطلحات الانثروبولوجيا الحديثة ,والذي كان يقود الطقوس الدينية , خصوصا التوسل الى القوة السارية في الكون من اجل استنزال المطر .

ولكن الامور اخذت بالتغير , بحسب فراس السواح,مع الاقتراب من فجر المدنية في منطقة الشرق القديم .فقد تحول المقام الديني البسيط الى معبد كبير , وتحول الشامان الى كاهن اعلى يساعده كهنة ادنى منه مرتبة ,وبني مقر واسع للرئيس الذي تحول الى ملك مطلق الصلاحيات ,يفرض سلطته على الجماعة بعد ان كان يستمدها منهم .








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. الأرمن في لبنان يحافظون على تراثهم وتاريخهم ولغتهم


.. انزعاج أميركي من -مقابر جماعية- في غزة..




.. أوكرانيا تستقبل أول دفعة من المساعدات العسكرية الأميركية


.. انتقادات واسعة ضد رئيسة جامعة كولومبيا نعمت شفيق لاستدعائها




.. -أحارب بريشتي-.. جدارية على ركام مبنى مدمر في غزة