الحوار المتمدن
- موبايل
الموقع
الرئيسي
طارق شوقي … نراهن عليك في رحلة -النكوص-
فاطمة ناعوت
2017 / 2 / 20المجتمع المدني
=====================
علّها المرةُ الأولى، منذ عقودٍ طوال، التي أجد فيها خيطًا نحيلًا من الأمل بدأ يتسلّل إلى أعماقي. شيءٌ يشبه التفاؤل شيءٌ يشبه الرجاءَ في غدٍ أجمل لمصر. منذ بدأ وعيي في التشكّل، رحتُ أتعرّف على المشاكل التي تحاصِرُ وطني. وكان حجم شعوري بها يتعاظم كلما سافرتُ لدول العالم المتحضر، حيث يبدأ عقلي الطفلُ آنذاك، تلقائيًّا، في المقارنة بين ما أراه في الغرب من نظام وتحضّر ونظافة واحترام لقيمة الإنسان، وبين ما أراه في بلادي من نقيض ما سبق. ولكنْ مع تقدمي في العمر وتطور إدراكي، بدأت خيوطُ المشاكل الكثيرة تتجمع أمام عيني في خيط واحد غليظ وجديلة واحدة سميكة، اسمها: التعليم. عند عتبة التعليم تنهض المجتمعاتُ أو تنهار. حين قرأت تاريخ المجتمعات المتعثرة التي خرجت من كبوتها ولحقت بركب العالم الأول، اكتشفت أنها بدأت بإصلاح المنظومة التعليمية. وأما الدول التي لم تستطع الفكاكَ من أحبولة التخلّف، فهي تلك التي لم تكترث بذلك السرطان المروّع: انهيار التعليم، وعلى رأس تلك الدول تأتي، بكل أسف، مصرُ الطيبة.
في لقاءاتي المباشرة بالرئيس عبد الفتاح السيسي، قبل أن يصبح رئيسًا، وبعدما أصبح، كنتُ أُلحّ دائمًا على ملف التعليم. وكانت الإجابة التي أحصل عليها دائمًا منه هي: "بعدما ننتهي من كارثتيْ: الإرهاب وعجز الموازنة.” ولا شكّ في أن للرئيس درايته بشِعاب مصرَ وحسابات أولويات مشاكلها. لكنْ: “كُلٌّ يبكي على ليلاه". وأنا ليلاي هي الثقافةُ وبكائي على حالها المنهار في بلادي. أشعر بالقهر حين أجد أديبًا أو صحافيًّا يخطئ في الإملاء والنحو والصرف. أعود إلى رسائل جدي وجدتي في فترة خطبتهما عام 1934، حين كان جدي مجرد طالب في الجامعة وجدتي طالبة في البكالوريا، (الثانوية العامة)، ولا أنجح في رصد خطأ إملائيّ واحد في عشرات الخطابات بينهما، فتجرحني المقارنة. المقارنةُ بين حال تعليم فترة الملكية في مصر، وحاله الآن في ظلّ جمهورية "العلم كالماء والهواء"، مقارنةٌ جارحة ومُخزية.
وتوالت الحكوماتُ، وتوالى وزراء التعليم، ومع كل وزارة جديدة ينتعشُ الأملُ داخلي برهةً، ثم يخبو. ومع الوقت تعلّمتُ أن أكبحَ الأملَ داخلي في انصلاح "عقل" بلادي. فالتعليم عقلُ المجتمع. بعد ثورة 30 يونيو 2013، راودني الحنينُ للأمل. لمجرد لذّة الشعور بالأمل، في أن يغدو عقلُ مصر كما كان حتى الخمسينيات الماضية. فكتبتُ سلسلة من المقالات في عمودي هنا بجريدة المصري اليوم عنوانها الرئيس: “كأننا نتعلم!". كل حلقة من السلسلة كانت تحمل عنوانًا فرعيًّا، يرصد إحدى المشكلات في المنظومة التعليمية التعسة في مصر. وكالعادة بعد شهور قليلة بدأ خيطُ الأمل داخلي يتهافت من جديد، وينحُل ويضمر حتى تلاشى كسابقيه. لا أحد من الوزراء يقرأ، ولا أحد يعبأ، والكلُّ يكرر الأخطاء ذاتها، فتتكرّس المشكلاتُ وتتأبد وتتفاقم.
لكن شيئًا جديدًا بدا جليًا في خطاب الدكتور طارق شوقي، وزير التعليم الجديد. ولأنني أعلم هَول حقيبة التعليم في مصر وثِقَلها، لا أجد على لساني كلمات تهنئة بالوزارة، لأن التبِعات الثِقال لا يُهنّأ عليها. لن أهنئه على حمل "مشكلة" التعليم على عاتقه لكنني سأُحييه مقدمًا على الطفرة التي سيصنعها في محنة العقل المصري. رهانُنا عليه تولّد من خطابه الذي جاء من خارج الصندوق المهترئ العتيق. لم يُمطرنا بوعود برّاقه كسابقيه من قبيل: "سأقضي على غول الدروس الخصوصية"؛ إنما قرر استخدام "الأزمة" ذاتِها للخروج منها. تطويع المشكلة لاستخلاص الحل منها. شيءٌ يشبه ما صنعه علماء الكيمياء من استخلاص "مصل" العلاج من جسد "الجرثومة" التي سببت المرض. هذا ما سيفعله وزيرنا الجديد. سيستخرج من "فيروس" الدروس الخصوصية "مصلا" يقضي عليها على المدى البعيد. نراهن عليه لأنه حطّم ثقافة "الرجل الواحد" التي دمّرت مؤسساتنا، وقرر إنعاش ثقافة "العمل الجماعي" الذي تنهض به الأمم. لهذا سيجعل العملية التعليمية أوركسترا يتشارك فيها الإعلام مع المؤسسات الدولية والمحلية والقطاع الخاص مع الحوار المجتمعيّ إلى جانب وزارة التعليم. نراهن عليه لأنه أدرك أن مكانة الُمعلّم واستقراه المادي والنفسي ينعكس فورًا على منظومة التعليم. نراهنُ عليه لأنه يؤمن أن العلوم والرياضيات أساس بناء العقول، كما كتب أفلاطون على أكاديميا في القرن الرابع قبل الميلاد: "مَن لا يحب الرياضيات والهندسة لا يدخل علينا." نراهن عليه لأنه سيهدم الحائط الرابع بين المدرسة والمعلّم وبين أولياء الأمور، ويطالب بمقترحاتهم ويرحب بمراقبتهم لسير العملية التعليمية. نراهنُ عليه لأنه سيحارب ثقافة النقل والتلقين ويستبدل بها ثقافة العقل والتحليل. وسوف نراهنُ عليه حين يُنقّي المناهج من كل شوائب العنصرية التي تخلق الطائفية. نراهنُ عليه أن يصنع "نكوصًا" في منظومة التعليم. النكوص الذي نرجوه للتعليم في مصر هو أن نعود القهقرى ليغدو كما كان عليه في الخمسينيات الماضية وما قبلها. أيام جدي وجدك. على البركة نسير في رحلة النكوص في التعليم. ولهذا حديث طويل نكمله في الأسابيع القادمة.
|
التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي
التعليقات
1 - مافيش فايدة يا ست
معلق قديم
(
2017 / 2 / 20 - 20:08
)
لعل السبب في تفوق عقلية الأستاذ الدكتور الوزير الجديد هو أنه ولد في ألمانيا ولم يعرف لغة القرآن إلا بعد بلوغه الخامسة
معنى ذلك أن عقله منذ الطفولة تشكل حرا متزنا وكما نعرف فإن سنين الطفولة الأولى لها تأثير عظيم
بعدها قضى سنين في سوريا حيث تدرّس اللغة العربية (لا الدين ولا الدروشة) بجدية وتذوّق فكان ذلك من حسن حظه فمثل هذا الاحترام للغة لم نجده في مصر على مر تاريخها حيث يتبارى أشباه المثقفين وأشباه السياسيين وغيرهم في تخريب أصول القواعد والنحو بكل صفاقة وجهل فاضح يكشف عن خيبة شخصية وخيبة مجتمع بالكامل
لا ننسى السنين العديدة التي قضاها بعد تخرجه من كلية الهندسة في الولايات المتحدة يدرس ويدرّس في جامعاتها المختلفة
بالعربي كدة الراجل نفد من التعليم المنحط والثقافة المنحطة السائدة فهو فلته
هل يستطيع وحده أمام ديناصورات موظفين لا عقل ولا علم ولا ضمير لهم أن يغير شيئا ؟
أتمنى له كل نجاح لكن أتوقع الفشل في مجتمع اعتادت العملة الرديئة فيه طرد العملة المحترمة
بعد شهور سنراه يرفع الراية البيضاء ويرحل إن استطاع ليفيد بعقله وعلمه من يقدرّون قامته
.. مسلسل مليحة الحلقة 3.. قرار الأمم المتحدة بتقسيم فلسطين بداي
.. فريق جنوب إفريقيا بمحكمة العدل: الأمر الجديد يلزم إسرائيل ال
.. تمويل الأونروا.. أزمة جديدة تفاقم معاناة سكان القطاع | #غرفة
.. القوات الإسرائيلية تُطلق سراح عدد من الأسرى الفلسطينيين عند
.. لمنحهم بطاقات مسبقة الدفع.. إيلون ماسك ينتقد سياسة نيويورك ف