الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


الشاعرعبدالعزيز الحيدر ومحاولة ترويض اللاوعي للوعي ..!!

وجدان عبدالعزيز

2017 / 2 / 20
الادب والفن


الشعر لون من المغايرة ، لذا فالشاعر لابد من حمل هذه السمة، اي سمة المغايرة لما هو سائد او معتاد، كي تجعل منه صاحب وعي وشفافية ورؤية متفردة .. حيث كانت الاعراف النقدية العربية القديمة، توجب على الشاعر أن يأتي في ألفاظه وصوره ومعانيه بما يطابق الواقع والحقيقة والعلم، أي المطابقة، لكن تبدل الحياة وايقاعات التغير وتحولات العصر صاحبها تغييرات في عالم الشعر، والتى تكمن أساسا فى مفهوم كسر الألفة ما بين المتلقى ومفردات العالم من ناحية، وكذا بينه وبين الأطر والقواعد الشعرية السائدة، فالإبداع هو محاولة دائبة للخروج على السائد والمستقر، من هنا شكلت محفزات الإبداع ركيزة مهمة في عملية الخلق الشعري، بعد انفعال الشاعر بما يحيط به ويلهب عواطفه واحاسيسه، فتتوالد المعاني وتنهال عليه المفردات وتتناغم الحالة الإبداعية مع ذات الشاعر وتبدأ الموهبة الشعرية عملها حتى يكتمل بناء القصيدة ويختلط فيها الوعي باللاوعي ..ومن هذا نتناول بعضا من اشعار عبدالعزيز الحيدر التي اتخذت سمة المغايرة لها، رغم انها تبدو متواضعة وواضحة في منحاها اللغوي والمضموني، الا انها طرحت رؤاها بمحاولات جادة للتميز .. يقول الشاعر الحيدر في قصيدة (الضمائر) :

(ضائعةٌ في هلوسةِ الكلامِ
في مِفرشِ السفرةِ
تحتَ الشجرِ الوارفِ الظلِ
تحتَ الخنجرِ الصدِئ
تمتدُ في اتجاهاتِ المكانِ
مستترةً
حينَ تكونُ خائفةً تستترُ
حينَ تكونُ خائنةً
وحينَ تخشى منْ إعلانِ الفعلِ
تَنطويْ مُختبئةً بينَ الأحرفِ
في فراغاتِ الأشياءِ
الأزمنةِ
في الفراغاتِ غير المرئيةِ
تُتْعِبُ النحويينَ في البحثِ عنها
لكنها دائماً تُنْكِرُ وجودها
وفوقَ رأسِ الجثةِ حاضرةٌ
وفي لحظةِالطعنةِ حاضرةٌ
لكنها ترفضُ الشهادةَ
آه يا لغةً تتخفى وراءَ الستائرِ
وراءَ شَبابيكَ مغلقةٍ منْ الأزلِ)

فاتخذ الشاعر مسار الضمائر في اللغة العربية المستترة وهي قسمان: مستتر جوازًا: وهو ما يمكن أن يَحُل محله الاسم الظاهر؛ ويكون للغائب (هو) أو الغائبة (هي)، ومستتر وجوبًا: وهو ما لا يمكن أن يَحُل محله الاسم الظاهر، ويكون للمتكلم (أنا) أو المتكلمين (نحن) أو المخاطب (أنت)، والقاعدة تقول : ان الضمير المستتر لا يكون إلا في محل رفع: فاعلًا أو شبهه: (نائب فاعل، أو اسمًا لفعل ناسخ)، بيد ان الشاعر الحيدر حاكى الضمائر الاخرى، فتناص مع الضمائر اللغوية، ليكشف ضمائر اخرى بدلالة الكلمات الزنازينِ/ والسراديبِ/والاصفادِ .. والضمير الانساني أو ما يسمى الوجدان هو قدرة الإنسان على التمييز فيما إذا كان عمل عملا ما خطأ أم صواب أو التمييز بين ما هو حق وما هو باطل، وهو الذي يؤدي إلى الشعور بالندم، عندما تتعارض الأشياء التي يفعلها الفرد مع قيمه الأخلاقية، وإلى الشعور بالاستقامة أو النزاهة، عندما تتفق الأفعال مع القيم الأخلاقية، وهنا قد يختلف الأمر نتيجة اختلاف البيئة أو النشأة أو مفهوم الأخلاق لدى كل إنسان، وفسر علماء العصر الحديث في مجال العلوم الإنسانية وعلم النفس والأعصاب الضمير أنه وظيفة من وظائف الدماغ التي تطورت لدي الإنسان لتسهيل الإيثار المتبادل، أو السلوك الموجه من قبل الفرد لمساعدة الآخرين في أداء وظائفهم، أو احتياجاتهم دون توقع أي مكافأة وذلك داخل مجتمعاتهم. والضمير وصف وكلمة تجسد كتلة ومجموعة من المشاعر والأحاسيس والمبادئ والقيم تحكم الإنسان وتأسره، ليكون سلوكه جيدا محترما مع الآخرين يحس بهم ويحافظ على مشاعرهم ولا يظلمهم ويراعي حقوقهم وباختصار شديد، هو ميزان الحس والوعي عند الإنسان لتمييز الصح من الخطأ مع ضبط النفس لعمل الصح والبعد عن الخطأ.. ومن وصية نوت لابنتها ايزيس: لا أوصي ابنتي التي ستلي العرش من بعدي أن تكون إلهة لشعبها تستمد سلطتها من قداسة الألوهية، بل أوصيها أن تكون حاكمة رحيمة عادلة . (مصر القديمة - 8894 ق.م.). والوصية تعبر عن الفلسفة السابقة لنشوء النظام العبودي في مصر القديمة منذ خمسة آلاف عام قبل ظهور الديانات اليهودية والمسيحية. كان الحكم يقوم علي العدل والرحمة وليس علي القوة أو السلطة السياسية والاقتصادية والعسكرية، التي استمدت قوتها من السلطة الدينية أو قداسة الألوهية، لكن تغيرت الانظمة بمرور الزمن، ولم تبقى على حالها ..وبعد ظهور الديانات، وجاء الاسلام ختاما لها، وقد زود الله سبحانه الضمير بالأحكام الشرعية كي يتصرف الإنسان من خلالها على مقاييس العمل ولتستبين به موارد الصحيح من الزلل ، وجعله الرقيب اليقظ لتقويم النفس، كي تكون شديدة الرقابة دقيقة النظرة بحيث لايخادعها مخادع ولا يستغلها متغافل انحرف عن طريق الهداية ، لهذا أوجبت مسؤوليات الضمير نقل الخير بين بني البشر من خلال كلمة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر ، وجعله مبدأّ وركيزة تقوم لإصلاح الفرد والمجتمع في ظل تعاليم الإسلام ومناهجه ، وأن لا يختار من الأمور إلا أفضلها وأزكاها عاقبة كما في حديث الإمام صادق(عليه السلام) "ان للقلب أذنين، فإذا همّ العبد بذنب قال له روح الإيمان لا تفعل، وقال له الشيطان أفعل"، وإن الضمير الواعي المحترس لا يرضى بالتعدي على الإنسان الآخر ولا بظلمه ... وقد يطول الحديث في هذا، فالشاعر عبدالعزيز الحيدر قد تطرق للكثير من الامور التي تخص الحياة وعلاقات الفرد بينه وبين الاخر من خلال تناصاته ومن خلال موروثاته الثقافية.. ففي قصيدة (العدم) يقول :

(كانت أبواقُ الفايكنكِ في وداعِ سفنهمْ
أنتَ لنْ تُرعبنيْ بسياطِكَ
والآلهةِ المزيفةِ التي تُرسلها لإحتفالاتِكَ
معَ فواتير الخرابِ....والدموعِ
فواتيركَ الصفراءْ
أيُ سدادٍ لاستحقاقاتِكَ المزيفةِ
ياملِيكَ الجَهْمِ والخرابِ
أيةُ بقعةٍ غريبةٍ لإخفاءِ الخطيئةِ الكبرى
خطيئةِ الخلقِ والعبثْ)

هكذا يخاطب الاشياء متخفيا برداء الشعر، فالشعر مغايرة ومغامرة، يحارب جهات القبح بمشروع مفتوح ليس له نهاية، حتى قيل ان الشعر مشروع تيه لايؤمن بالوعظية والخطابية، انما يبحث في اللاممكن والاحتمال، ولايرضخ لسلطة مقولة معينة، بل لديه اجترحاته الخاصة، لذا الشاعر الحيدر يتساءل: (أيةُ بقعةٍ غريبةٍ لإخفاءِ الخطيئةِ الكبرى/خطيئةِ الخلقِ والعبثْ)، فمشروع الشعر لايتوقف عند الرفض والقبول، فهو يمتد وقامة الحياة وهوس الانسان في امتلاك السعادة والحياة المثالية، أي انه بحث جمالي، يقول هوم: (الجميل هو ذلك الشيء المتمثلة فيه النسب التي تربط المشاهد بأقرانه)، و(قد لا يختلف اثنان أن الحس الجمالي هو الحكم الفصل في الكشف عن شعرية الإبداع وطاقته الفنية؛ خاصة إذا أدركنا أن الحس الجمالي، هو جوهر ما يروم المبدع تحقيقه في منتجه الشعري؛ فالشاعر المبدع هو الذي يملك أقصى درجات الحساسية الجمالية في تشكيل نصه، بطرائق تشكيلية مبتكرة، تروم الوصول إلى قمة اللذة والإثارة الشعرية؛ في تفعيل نصه، ليكون أكثر قبولاً واستحساناً من قبل المتلقي)، وكما نوهت ان اشعار الحيدر متواضعة وتلقائية، الا انها تحمل في رؤاها مضامين كبيرة، وهكذا الشاعر يدور في محاور عديدة، مثلما تحدث في قصيدة (الفم) قائلا :

(أوامرَ بالحظرِ
1
2
3
كانتْ في الانتظارِ
وحيداً مع لغتيْ
أطلقُ أغانيَ ألالكتروناتِ التائهةِ
وألالكتروناتِ الحزينةِ المهاجرةِ
وألالكتروناتِ التي لمْ تَعدْ إلى مداراتِها الأُمُ
ألأغاني الحزينةِ
التي تملأُ وحشةَ الفضاءاتِ المتراميةِ
بين المداراتِ
أطلاقُ موسيقى الذراتِ.....
موسيقى الحركةِ اللامتناهيةِ للارواحِ)

فتناص هنا مع الذرة ودوران الكتروناتها، هذا النظام الكوني الدقيق في الذرة حاول الشاعر ان يتعامل معه شعريا، ليجد نفسه كأنسان يعيش حالة انتظارات متعددة، حتى انه ربط كل الحركات وحركة الروح، كونه باحث عن الحقيقة بوعي قصدي، رغم انه يعيش حالة التيه الشعري ..








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. تكريم إلهام شاهين في مهرجان هوليود للفيلم العربي


.. رسميًا.. طرح فيلم السرب فى دور العرض يوم 1 مايو المقبل




.. كل الزوايا - -شرق 12- فيلم مصري يشارك في مسابقة أسبوع المخرج


.. الفيلم اللبنانى المصرى أرزة يشارك فى مهرجان ترايبيكا السينما




.. حلقة #زمن لهذا الأسبوع مليئة بالحكايات والمواضيع المهمة مع ا