الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


العالم العربي ونظرية المؤامرة

زياد عبد الفتاح الاسدي

2017 / 2 / 21
مواضيع وابحاث سياسية


قبل التعرض لهذا الموضوع البالغ الاهمية والذي يشغل بال الكثيرين على صفحات التواصل الاجتماعي من الاصدقاء والمعنيين بما يجري في المنطقة, ويختلف الكثيرون في تقدير أهميته وتاثيره في ما يتعرض له العالم العربي من أحداث أو مؤامرات , سأتطرق باختصار شديد جداً كمقدمة لهذا الموضوع لأهم الاحداث التي مرت بها المنطقة العربية منذ سنوات ما بعد الحرب العالمية الثانية الى أيامنا هذه .
شهد العالم العربي بعد الحرب العالمية الثانية, وتحديداً منذ خمسينات القرن الماضي مرحلة من النهوض القومي تميزت بانتشار واسع للحركات والاحزاب القومية والاشتراكية والماركسية وانتقال تأثيرها الى بعض الجيوش والمؤسسات العسكرية العربية ولا سيما في مصر وسوريا والعراق . حيث تمكنت حركة الضباط الاحرارفي مصر بتوجهاتها القومية والاشتراكية في الانقلاب على الحكم الملكي في مصر عام 1952 . وبقيادة الزعيم الراحل جمال عبد الناصر تم تأميم قناة السويس والانتصار على العدوان الثلاثي عام 1956, وتحقيق الوحدة التاريخية بين مصر وسوريا عام 1958... ليتبعها انتصار جبهة التحرير الجزائرية على الاستعمار الفرنسي واستقلال الجزائر عام 1962 بدعم عربي وقومي شامل قاده الزعيم القومي عبد الناصر ..... ولكن مرحلة النهوض القومي التي دامت لما يقرب من عقدين من الزمن, شهدت تراجعاً منذ ستينات القرن الماضي بعد سلسلة من الضربات والانتكاسات التي تعرضت لها الانظمة القومية وحركة التحرر الوطني العربية , بدءاً من هزيمة حزيران 1967 ثم أحداث أيلول 1970 ونهاية الحكم القومي والاشتراكي في مصر بعد بوفاة عبد الناصر, تلاها خروج قوات المقاومة الفلسطينية من الساحة الاردنية في صيف 1971 . وجاءت بعد ذلك إخفاقات حرب أكتوبر 1973 بتواطؤ من الرئيس السادات على الجبهة المصرية , ثم اندلاع الحرب الاهلية اللبنانية عام 1975 , والتي شهدت تورط المقاومة الفلسطينية بكل ثقلها في هذه الحرب الدموية والطائفية الشرسة وذلك بقرار خاطئ ومُدمر اتخذته قيادة حركة فتح بزعامة ياسرعرفات .... ولكن أشد هذه الانتكاسات جاءت مع اقتحام جيش الاحتلال الصهيوني للجنوب اللبناني وحصار بيروت عام 1982, والذي انتهى بخروج ألآلاف من مقاتلي المقاومة الفلسطينية من لبنان عن طريق البحر الى مجموعة من الدول العربية البعيدة عن خطوط المواجهة وذلك بقرار آخر من قبل ياسر عرفات غير مُبرر تسبب في أنهاء الوجود العسكري الكبير للمقاومة الفلسطينية على الارض اللبنانية والجنوب اللبناني . ثم جاءت بعد ذلك بعشر سنوات حرب الخليج الاولى على العراق بقيادة الولايات المُتحدة عام 1992 ليشهد المشرق العربي بعدها نمو واضح للتيار الاسلامي وتراجع متواصل للتيار القومي واليساري .... ومع إحتلال العراق في حرب الخليج الثانية عام 2003 وسقوط حكم البعث القومي , تسارعت في المشرق العربي وتيرة انتشار التنظيمات الاسلامية بمكوناتها الاخوانية والسلفية والجهادية , بينما شهدت الاحزاب القومية واليسارية إنكفاءاً وتراجعاً واضحاً .. ومع تفشي الفقر والبطالة والفساد والتطبيع والعمالة في المنطقة العربية في السنوات اللاحقة , شهدت كلٍ من مصر وتونس واليمن وغيرها مع نهاية 2010 ومطلع 2011 ثورات وانتفاضات شعبية مليونية غاضبة تميزت بغياب الطليعة السياسية الثورية المُؤهلة لقيادة هذه الثورات ... لذا سرعان ما تم إجهاضها واحتوائها من قبل التنظيمات الاسلامية التي تتلقى الدعم والتمويل السعودي والخليجي بتخطيط وتوجيه من إستخبارات الغرب والناتو .. وهو تمويل يعود في جذوره الى السعودية ودول حلف بغداد منذ خمسينات القرن الماضي عندما شكلت بريطانيا برعاية أمريكية هذا الحلف الرجعي ليضم حينها العراق والباكستان وتركيا وإيران .. في محاولة من جهة لتطويق الاتحاد السوفييتي جغرافياً , ومن جهة أخرى لاضعاف الحركة القومية والاشتراكية في العالم العربي ولا سيما في مصر عبد الناصر وسوريا والعراق ..... وهنا نجح الغرب من خلال عملائه والتنظيمات الاخوانية والسلفية والجهادية ليس فقط في القضاء على هذه الثورات وعلى أي احتمالات للتغيير نحو الافضل قد تشهدها المنطقة , بل أيضا في ملئ الفراغ السياسي الناجم عن سقوط بعض الانظمة العربية باستخدام مختلف الاحزاب الاسلامية العميلة , وكذلك في نشر الفوضى والتمزق والدمار والصراع الطائفي والانهيار الامني في المنطقة . وهو أسلوب تخريبي ومُدمر استخدمه الغرب وعملاؤه أيضاً للتآمر على سوريا ومحور المقاومة ولانهاك الجيوش الوطنية وتدمير البنى التحتية, ولاسيما في مصر وسوريا والعراق .
وبالعودة لموضوع نظرية المُؤامرة وارتباطها الفعلي فيما يجري ليس فقط في المشرق العربي والشرق الاوسط وهو الاكثر والاشد استهدافاً , بل أيضاً فيما يدور في دول العالم الاخرى التي يستهدفها الغرب والمنظومة الامبريالية .... وهنا نستطيع القول ان المواقف من التآمر ونظرية المؤامرة تتلخص في ثلاثة اتجاهات :
الاتجاه الاول : وهو يُنفي من أو يُهمل مفهوم التآمر الخارجي على الشعوب ويُفسر ما يجري من أحداث وحروب وتخلف اقتصادي وصناعي واجتماعي وفتن صراعات دينية ومذهبية ... على أساس عوامل داخلية تتعلق بقيم الشعوب واخلاقياتها وتقدمها الفكري والاجتماعي ..الخ ودون أن يرى أصحاب هذا الاتجاه للاسف ما يقوم به الغرب من تآمر شرس على شعوب العالم سواء من خلال اعتداءاته العسكرية المباشرة أو من خلال التواطؤ مع الانظمة والنخب الرأسمالية والرجعية أو الدكتاتورية والعسكرية أو الجواسيس والعملاء , أو وشبكات التخريب والتطرف التكفيريي في العالم العربي المدعومة من الاستخبارات التركية والامريكية والممولة خليجياً ... كما لا يدرك أصحاب هذا الاتجاه للاسف أن الدول والشعوب في منظومة العالم الثالث تختلف عن شعوب الغرب والدول الصناعية المُتقدمة بمستوى التقدم العلمي والصناعي والاجتماعي وتُعاني من الضعف والانقسام ولاسيما في المنطقة العربية بسبب التجزئة المُفرطة التي مارسها الغرب الاستعماري وفرضها على المنطقة العربية بعد الحرب العالمية الاولى ..... وبالتالي فإن هذه الشعوب لا يمكن أن تتحرر من التجزئة والتخلف والتآمر والتبعية للغرب مالم تُواجه العدو الامبريالي وعملائه والاحتلال الصهيوني لفلسطين , وتتصدى من خلال جبهة وطنية وقومية مُتحدة بمشاركة أنظمتها الوطنية وطلائعها السياسية والتقدمية ومقاومتها المُسلحة .... رغم أن ذلك يبدو في غاية الصعوبة والتعقيد في ظل التجزئة السياسية المُفرطة وتعدد الانظمة السياسية في العالم العربي , سواء في المشرق العربي أو في مغربه أو في منطقة الخليج .
أما الاتجاه الثاني : فهو إتجاه عقلاني مُعتدل يُؤكد على خطورة التآمر الخارجي من قبل الغرب والمنظومة الامبريالية , سواء بالاعتداءات العسكرية المُباشرة أو بالاعتماد على الانظمة والقوى العميلة , لاضعاف الشعوب المُستضعفة وتمزيق وحدتها الوطنية ونهب اقتصادياتها وثرواتها , وضرب استقلالها السياسي وأمنها القومي ...الخ وهنا لا يتردد الغرب بتصفية أي اتجاه تحرري أوتقدمي قد تُقدم عليه بعض الانظمة أو الاحزاب والقوى الوطنية في العالم الثالث .. وهنالك مئات الامثلة والدلائل في العالم العربي وبعض الدول الاسيوية والافريقية واللاتينية على تآمر الغرب , وهذا شهدناه بوضوح في القرن الماضي , من خلال تقسيم الهند والباكستان وخلق مشكلة كشمير والاعتداءات العسكرية على دول جنوب شرق آسيا , وفي التآمر على فينزويلا والبرازيل وبوليفيا ونيكاراغوا وغيرها من دول أمريكا اللتينية ... و شاهدناه أيضاً في احتلال العراق وفي دعم الاحتلال الصهيوني وترسانته العسكرية, والاعتداءات الاجرامية المُتكررة على لبنان وقطاع غزة وفي استخدام الارهاب التكفيري في السنوات الاخيرة بالتعاون مع مشيخات الخليج والاعلام التحريضي المُتآمر لتدمير وتمزيق المنطقة العربية على كافة الاصعدة ..... ولكن هذا الاتجاه على أية حال لا يُنفي بالمقابل عوامل الجهل والفساد والتخلف الفكري والاجتماعي ... الخ في وجود البيئة الملائمة التي يستغلها الغرب والعدو الصهيوني وعملائهم في نجاح وفاعلية مختلف أشكال هذا التآمر الخارجي .
أما الاتجاه الثالث : فهو يُبالغ بشدة في نظرية المؤامرة لدرجة أنه يعتبر أن كل مانشهده من أحداث وحروب وظواهر وصراعات .... الخ هي فقط مؤامرات من صنع الغرب والاستعمار , ومخطط لها منذ زمن طويل كخمسين عام أو مئة علم أو أكثر ....الخ , وهو على أية حال اتجاه ساذج ينتشر أحياناً بين عامة الشعب وأحيانا أخرى بين بعض المُثقفين البسطاء .. أو غيرهم من الذين لا يفهمون الاسس التي تقوم عليها المُؤامرات والحروب ومسائل الهيمنة على الثروات والاقتصاد والعمالة والرشاوي أو التحالفات والصراعات السياسية ...الخ








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. ماذا نعرف عن انفجارات أصفهان حتى الآن؟


.. دوي انفجارات في إيران والإعلام الأمريكي يتحدث عن ضربة إسرائي




.. الهند: نحو مليار ناخب وأكثر من مليون مركز اقتراع.. انتخابات


.. غموض يكتنف طبيعة الرد الإسرائيلي على إيران




.. شرطة نيويورك تقتحم حرم جامعة كولومبيا وتعتقل طلابا محتجين عل