الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


زينب الغزالي وأوهامها

حمدى عبد العزيز

2017 / 2 / 24
مواضيع وابحاث سياسية


1 - قراءة لأيام زينب الغزالي

قرأت كتاب (أيام من حياتي) لزينب الغزالي والتي كانت ذراع حسن البنا ومن بعده سيد قطب في تجنيد المرأة والشباب وقد لعبت زينب الغزالي دوراً كبيراً في نقل أفكار سيد قطب من السجن إلي الجماعة وفي عقد الدورات الدراسية لتفسيرها وتعميقها لدي الإخوان
وهي قد لعبت الدور الرئيسي في إعداد كتابه (معالم علي الطريق) للنشر بعد أن تسلمت نسخه الخطية هي و شقيقته حميده قطب وبعلم وإشراف ومباركة حسن الهضيبي المرشد العام للإخوان المسلمين وقتها

وقد أيقنت من خلال القراءة صحة ماذهب إليه رفعت السعيد في كتابه (الإخوان المسلمون - المسيرة والمصير) من أن كتاب حسن الهضيبي الشهير (دعاة لاقضاة) لم يكن يعبر عن قناعات حقيقية لدي الإخوان وأنه قد كتب علي طريقة حسن البنا في صياغته لخطابه الذي أعقب اغتيال المستشار الخازندار والذي اشتهر بتصديره لعبارة (ليسوا اخواناً وليسوا مسلمين) في محاولة منه للإيحاء بأنه برئ من عملية قتل القاضي أحمد الخازندار وأنه يدينها في حين أنه في الحقيقة قد كتب ماطلب منه بعد أن ضاق عليه الخناق

رفعت السعيد ذهب في كتابه للإستشهاد بما ذكره اللواء فؤاد علام في كتابه (أنا والإخوان) من أن كتاب حسن الهضيبي قد أملي عليه من خارج السجن بواسطة أبنه المستشار مأمون الهضيبي وأن المؤلف الحقيقي للكتاب كانت مباحث أمن الدولة بمساعدة مجموعة من مشايخ الأزهر وذلك بهدف حلق الصدع والإنقسام داخل تنظيم الجماعة

في (أيام من حياتي) يتضح لنا أن سيد قطب قد أصبح القائد والزعيم الحقيقي للجماعة من سجنه وأن المستشار حسن الهضيبي لم يكن إلا وجهة لجماعة يقبع محركها الفكري في السجن ويديرها من خلال مايتم تسريبه من السجن إلي الجماعة عبر شقيقته حميده قطب وزينب الغزالي

لنقرأ مع زينب الغزالي ماترويه عن أيامها في المهمة بمساهماتها الواضحة في إعادة بناء الجماعة الإرهابية وتكريس وتفعيل أفكار وتعليمات وإرشادات سيد قطب داخل الجماعة وغرسها كقناعات راسخة داخل صدور شباب الجماعة
نقول زينب الغزالي في كتابها :

[في عام 1962 التقيت بشقيقات الإمام الفقيه والمجاهد الكبير الشهيد سيد قطب بالاتفاق مع الأخ عبدالفتاح إسماعيل وبإذن من الأستاذ حسن الهضيبي ، المرشد العام للإخوان المسلمين ، للاتصال بالإمام سيد
قطب في السجن لأخذ رأيه في بعض بحوثنا والاسترشاد بتوجيهاته .
طلبت من حميدة قطب أن تبلغ الأخ سيدقطب تحياتنا ورغبة الجماعة المجتمعة لدراسة منهج إسلامي في الاسترشاد بآرائه .. وأعطيتها قائمةبالمراجع التي ندرسها وكان فيها تفسير ابن آثير ، والمحلي لابن حزم ، والأم للشافعي وكتب في التوحيد لابن عبد الوهاب وفي ظلال القرآن لسيد قطب ، وبعد فترة رجعت إلي حميدة وأوصت بدراسة مقدمة سورة الأنعام.. الطبعة الثانية وأعطتني ملزمة من كتاب قالت : إن سيد يعده للطبع واسمه معالم في الطريق .. وان سيدقطب قد ألفه في السجن وقالت لي شقيقته ، إذا فرغتم من قراءة هذه الصفحات سآتيكم بغيرها .
وعلمت أن المرشد اطلع على ملازم هذا الكتاب وصرح للشهيد سيد قطب بطبعه .. وحين سألته قال لي :
على بركة االله .. إن هذا الكتاب حصر أملي كله في سيد ، ربنا يحفظه ، لقد قرأته وأعدت قراءته وأعدت قراءته، إن سيد قطب هو الأمل المرتجى للدعوة الآن ، إن شاء االله وأعطاني المرشد ملازم الكتاب فقرأتها فقد كانت عنده لأخذ الإذن بطبعها وقد حبست نفسي في حجرة بيت المرشد حتى فرغت من قراءة " معالم في الطريق ]

ثم تواصل روايتها :

[أخذنا نعيد الدراسة والبحث من جديد في صورة نشرات قصيرة توزع على الشباب ليدرسوها ثم تدرس
بتوسع في حلقات ، وكانت الأفكار متفقة والغايات غير مختلفة فانسجمت الدراسة مع الوصايا والصفحات التي كانت تأتينا من الإمام الشهيد سيد قطب رحمه االله وهو داخل السجن ، ]

ونصل معها هنا لنقطة هامة تقول فيها :

[ قررنا فيما قررنا ـ بتعليمات من الإمام سيد قطب وبإذن الهضيبي ـ أن تستمر مدة التربية والتكوين
والإعداد والغرس لعقيدة التوحيد في النفوس . والقناعة بأنه لا إسلام إلا بعودة الشريعة الإسلاميةوبالحكم بكتاب الله وسنة رسوله ]

إذن الهضيبي له أن يأذن ولكن التعليمات تأتي من عند القائد الحقيقي والمرشد الفعلي سيد قطب
كذلك فإن المرجعية في الإعداد والتدريب وغرس القناعات هي لسيد قطب الذي انحصر فيه أمل الهضيبي كله وأصبح بالنسبة له هو (الأمل المرتجى)

ماسبق من سطور وكذلك السطور التالية من رواية زينب الغزالي لاتسمح بوجود أي مجال للشك في أن سيد قطب كان هو المرشد الفعلي وأن الهضيبي لم يكن إلا مقراً بهذه الحقيقة متبعاً لها علي عكس ماروج الكثيرون عن أن الهضيبي كان يرفض أفكار سيد قطب
وهذا يلقي بكل الشك في صحة كون كتاب (دعاة لا قضاة) يعبر عن أي قناعات حقيقية لديه أو لدي أي من قيادات الجماعة

[ ، وكان اعتقال سيد قطب كالصاعقةبالنسبة لجميع الشباب ، فضلا عنا نحن ، فقد كان الهضيبي قد أوكل كل المسئوليات لسيد قطب ، وكانتاتصالاتنا كلها به حسب أمر الهضيبي، وكان علينا بعد اعتقاله أن نرجع إلى المرشد العام ، ]

وبذلك فلا وجه لترديد الحديث عن أن هناك تناقض بين خط وأفكار حسن البنا وبين خط وأفكار سيد قطب هو وهم يتبدد بمجرد أن نكتشف ان سيد قطب لم يأت بجديد عن جوهر ماجاء به حسن البنا ذلك لأن كلاهما نهل من منهل واحد هو منهل السلفية الوهابية والذي نهل منه في نفس الوقت أبو الأعلي المودودي صاحب النكهة الخاصة التي استعان بها سيد قطب في صياغة رسائل وإرشادات مؤسس الجماعة حسن البنا إلي سياق أيديولوجي متماسك

وكلاهما بني علي أساس واحد بني عليه الوهابيون في نجد حركتهم بمساعدة المخابرات البريطانية والتي ساعدت أبو الأعلي المودودي في الباكستان وهذه الأسس هي
1- الحاكمية
2- تكفير المجتمعات المدنية القائمة باعتبارها لاتتبع مبدأ الحاكمية
3- الجهاد من أجل تحقيق الحاكمية الإسلامية
سواء كان هذا الجهاد دعوياً أو مسلحاً حسبما تحدد ذلك الظروف ودرجة إعداد القوة لذلك
4- مخاصمة الحياة المدنية الحديثة وتأثيمها والدعوة لإحلال حياة الأسلاف كما تناقلتها كتب التراث برواياتها وبأحكامها الفقهية محلها كنموذج جاهز ووحيد للحياة البشرية
5- انكار رابط الوطنية كأساس للأمة (الأرض والشعب والدولة عبر التاريخ) وإحلال ذلك بالرابط الديني كرابط وحيد تتحدد علي أساسه معالم الأمة والوطن والدولة والحدود

كذلك فإن القول بأن سيد قطب قد انحرف بالجماعة إلي التشدد والتطرف هو تسويق للوهم ومحاولة لتزييف الوعي عبر الإيهام بجدية الخلاف والصراع بين تيارين أحدهما قطبي متطرف والآخر بناوي معتدل ( نسبة إلي حسن البنا) وتصدير كل هذه الأوهام بهدف النجاة بالجماعة من الإنكشاف الفاضح ومحاولة لإيقاف عملية سقوط الأقنعة عن الجماعة والخروج من الوضع المترتب علي ذلك الإنكشاف والسقوط بأقل الخسائر فسيد قطب هو المفكر الحقيقي للجماعة وهو الذي مد خط حسن البنا علي استقامته وحقق لكلامه قواماً فكرياً متماسكاً تسلحت به الجماعة وأصبح اساساً لجدول أعمالها ولاتوجد هناك عبارة واحدة أطلقها سيد قطب لاتجد لها أساساً يدور حول نفس المعاني التي وردت برسائل وخطب وكتابات حسن البنا فالبئر التي شرب منها جميعهم واحدة

2 - مبايعة زينب الغزالي لحسن البنا الموحي إليه
بتأسيس الجماعة
______________________________________

واظن أن القارئ لمذكرات زينب الغزالي سيقف أمام واحدة من مؤسسات تيار الوهابية المصرية أو مااصطلح عليه بالإسلام السياسي أو التأسلم السياسي فهي قد قامت بتأسيس جمعية (جماعة السيدات المسلمات) عام 1936 في محاكاة لجمعية (جماعة الإخوان المسلمين) وقد حددت لمؤسستها الهدف والغاية بقولها [لنشر دعوة الله والعمل علي إيجاد الأمة المسلمة التي تعيد للإسلام عزته ودولته ]
ثم تضيف في مواجهة قرار حل جماعتها الأول عام 1949 في اعقاب قرار الحل الأول لجماعة الإخوان المسلمين :
[كانت لله وستظل لله وليس لأي حاكم علماني حق الولاية علي المسلمين ]

من المفروغ منه إذن أن تيارات الإسلام السياسي أو الوهابيون المصريون قد اختزلوا الوطن في مسلميه لينعقد حق الولاية عليهم لهم فقط بعد أن اختزلوا الإسلام في جماعاتهم وجمعياتهم
ولذلك لم تعترف زينب بقرار الحل بل استمرت الجمعية تلعب دورها في تأسيس البناء العصابي لشباب وسيدات الإسلام السياسي وبعد أن نجحت في العودة بقرار المحكمة التي ترافع فيها عن جماعة السيدات المسلمات أحد زعامات حزب الوفد في هذا الوقت عبد الفتاح حسن باشا تركزت جهود الجمعية التي لم تكن في الحقيقة إلا جناحاً نوعياً لجماعة الإخوان المسلمين وذراعاً قوياً لحسن البنا في تلقين النساء والشباب افكار الحاكمية الإسلامية
بالرغم من أن زينب الغزالي تزعم ان جماعة السيدات المسلمات كانت مستقلة عن جماعة الإخوان المسلمين وهذا كلام يرد عليه ويهدم منطقه كلام زينب نفسها وهي التي كتبت إلي إمامها وسيدها وصاحب الولاية عليها :

[" سيدي الإمام حسن البنا ... زينب الغزالي الجبيلي تتقدم إليك اليوم وهي أمة عارية من آل شي إلا عبوديتها الله وتعبيد نفسها لخدمة دعوة االله ، وأنت اليوم الإنسان الوحيد الذي يستطيع أن يبيع هذه الأمة بالثمن الذي يرضيه لدعوة االله تعالى . في انتظار أوامرك وتعليماتك سيدي الإمام ]

هي إذن لاتقدم هنا فروض الولاء والطاعة لقائدها ومرشدها بل أنها تذهب لأبعد من ذلك مستلهمة وضع المرأة في عهود مجتمعات الخلافة في إساءة لاتغتفر في حق المرأة المصرية بوجه عام فتجعل من نفسها أمة (بفتح الألف والميم) تقدم روحها وماتملك لسيدها صاحب الحق في التصرف فيها ولو بالبيع بأي ثمن يراه وطبعاً كل هذا مرضاة لدعوة الله التي لاتعني لديهم سوي الحاكمية أي العمل من أجل الحصول علي السلطة وإدارتها بالتوكيل الإلهي المزعوم
ومن أجل ذلك تكمل زينب بيعتها للإمام
[اللهم إني أبايعك علي العمل لقيام دولة الإسلام وأرخص ماأقدم في سبيلها.. دمي ]
فيرد الإمام
[وأنا قبلت البيعة ... ]

ولايجب أن يندهش القارئ لهذا فتقاليد البيعة للمرشد كانت تقتضي حسب تعبير أحد مؤسسي الجماعة أن يكون الرجل بين يدي المرشد (كالميت بين يدي مغسله) فلا أقل من أن تنعم السيدة زينب الغزالي بموضع الأمة الرقيق بين يدي سيدها ومولاها الذي تقدست منزلته عند أتباعه لدرجة امتلاك أنفس وأرواح التابعين

وحسن البنا هو احد أوهام القداسة عند الجماعة التي كادت أن ترفعه إلي منزلة الأنبياء بل أكثر وهاهي زينب الغزالي تمارس نفس الوهم وتحاول تسويقه للقارئ

[ إن تأسيس جماعة الإخوان المسلمين لم يكن خبط عشواء من حسن البنا ولكنه آان تنفيذا لأمر أراده االله
لتجديد هذا الدين بإقامة دولته وتنفيذ شريعته ولذا فليس من حق جمال عبد الناصر حل جماعة الإخوان . ]

ليس خبط عشوائي إذن إنما هو تنفيذ لإرادة سماوية رأت في حسن البنا تجسيداً لإرادة الرب الذي أوحي إليه بتأسيس هذه الجماعة

وتفتح زينب بئر الأوهام الذي سيتضح أنها هي قد وقعت ضحية تصديق تمثلها القداسة شأنها شأن حسن البنا وسيد قطب لتندفع نوافير الحكايات التي تقترب من الأساطير وسير الرسل والأنبياء والتي تنسبها لنفسها بروايات صادمة في دهشتها لكل ذي عقل

3 - زينب الغزالي وخوارق ألف ليلة وليلة
________________________________
والمطالع لمذكرات زينب الغزالي سيكتشف أن الجزء الأكبر من كتابها (أيام من حياتي) هو عن قصص الإعتقال والسجن وماتخلل ذلك من عمليات الضغط والترغيب والتعذيب التي تعرضت لها منذ منتصف الستينيات بواسطة النظام الناصري بعد قرار حل جمعيتها (السيدات المسلمات) في عام 1964

وطوال الوقت هي تتنقل مابين عمليات الضغط عليها لترك الجماعة والاعتراف علي سيد قطب مقابل أن تحل وزيرة محل الوزيرة الدكتوره حكمت أبوزيد وعودة جمعيتها يسبق ذلك ويعقبه طوال الوقت الوصف المفصل لعمليات التعذيب النفسي والبدني التي كانت تتعرض لها ، وبغض النظر عما إذا ماكانت هناك مبالغة فيما روت أم لا فإن من المفروغ منه تماماً أن التعذيب والإعتداء البدني بأي شكل هو أمر مدان من الوجهة الأخلاقية والحقوقية بل وأمر يجب تجريمه وتأثيمه ولاينبغي تبريره أياً كان النظام الذي يجري تحت سقفه وأياً كانت الجرائم التي ارتكبها من تجري في شأنه عملية التعذيب والإعتداء البدني ولعل تلك كانت إحدي المآخذ علي النظام الوطني الناصري

ولكن هناك وجه للغرابة الشديدة يكمن في تلك القداسة التي تخلعها زينب الغزالي علي نفسها وتلك الكرامات والمعجزات الإلهية التي تهبط عليها من السماء في معتقلها وانتقالها إلي جو أسطوري يصعب تصديقه في الواقع المعاش حيث أنه ينتمي أكثر لحكايات كتاب ألف ليلة وليلة الشهير
ولنستمع إليها وهي تروي تلك الحكاية الأسطورية التي جرت لها في غرفة التعذيب

[ابتلعتني الحجرة فقلت : باسم االله السلام عليكم . وأغلق الباب وأضيئت الكهرباء قوية! إنها للتعذيب !
الحجرة مليئة بالكلاب ! لا أدرى كام ! ! أغمضت عيني ووضعت يدي على صدري من شدة الفزع ، وسمعت
باب الحجرة يغلق بالسلاسل والأقفال وتعلقت الكلاب بكل جسمي، رأسي ويدي، صدري وظهري، كل موضع في جسمي، أحسست أن أنياب الكلاب تغوص فتحت عيني من شدة الفزع وبسرعة أغمضتهما لهول ما أرى
ووضعت يدي تحت إبطي وأخذت أتلو أسماء االله الحسنى مبتدئة ب "يا االله ، يا االله " وأخذت أنتقل من اسم إلى اسم ، فالكلاب تتسلق جسدي كله ، أحس أنيابها في فروة رأسي، في كتفي، في ظهري، أحسها في صدري، في كل جسدي، أخذت أنادى ربى هاتفة: "اللهم اشغلني بك عمن سواك ، اشغلني بك أنت يا إلهي يا واحد يا أحد يا فرد يا صمد، خذني من عالم الصورة، اشغلني عن هذه الأغيار كلها، اشغلني بك ، أوقفني في حضرتك ،إصبغني بسكينتك ، ألبسني أردية محبتك ، ارزقني الشهادة فيك والحب فيك والرضا بك والمودة لك وثبت الأقدام يا االله ، أقدام الموحدين " . كل هذا آنت أقوله بسري، فالكلاب ناشبة أنيابها في جسدي . مرت ساعات ، ثم فتح الباب وأخرجت من الحجرة . كنت أتصور أن ثيابي البيضاء مغموسة في الدماء، كذلك كنت أحس وأتصور أن الكلاب قد فعلت . لكن يا لدهشتي، الثياب كانت لم يكن بها شيء، كأن نابا واحدا لم ينشب في جسدي. سبحانك يا رب ،، إنه معي، يا االله هل أستحق فضلك وكرمك ، يا االله يا إلهي لك الحمد . آل هذا أقوله أيضا في سرى، فالشيطان ممسك بذراعي يسألني : كيف لم تمزقك الكلاب ؟ والسوط في يده وخلفي شيطان ثان بيده سوط أيضا . كان الشفق الأحمر يكسو السماء ينبئ بأن الشمس قد غربت ، وأننا أوشكنا على العشاء .. إذن فقد تركت مع الكلاب اكثر من ثلاث ساعات .]

ولعل هذا النوع من الحكي عندما يحكي للبسطاء من أعضاء الجماعة أو العاطفين المرشحين للإنضمام يخرون مهللين ساجدين تحت قدمي هذه السيدة المبروكة معلنين فرائض الولاء والطاعة للأبد تماماً كما فعلت هي مع حسن البنا مقدمة له نفسها كأمة يمتلكها كما تمتلك الإماء

ثم لامانع بعد أن امتلكت تلك الكرامات وأصبحت في مكانة القديسين وابطال الأساطير أن تحكي أيضاً عن امتلاكها لقدرات الأبطال الأسطوريين
ولعلها قد صدقت نفسها تماماً وهي تحكي في السطور التالية عن نجاحها في قتل أحد زبانية التعذيب الرجل أياه الأسود الضخم الجثة، الفارع الطول، المفتول العضلات وهي تسقطه تحت قدميها قتيلاً وهي السجينة المجردة من أي سلاح بعد أن غرست أنيابها في عنقه فلنقرأ :

["بسم االله ، االله أكبر. . وغرزت أسناني في عنقه ، وإذا به ينفلت من بين يدي، ويسقط تحت قدمي خائرا، يخرج من فمه زبد أبيض آرغاوى الصابون . . سقط الوحش تحت قدمي، جثة هامدة لاتنبض إلا بهذا الزبد الأبيض . . أنا التي تتربع على قمة الألم ، والتي مزقتها الجراح التي حفرتها السياط في كل موضع من جسمها! أنا التي غلفها الإعياء من آل الزوايا .. تصرع هذا الوحش الذي أمروه بأن يفترسني! !
لقد بث فيّ االله - جلت قدرته - قوة غريبة صرعت هذا الوحش ! !
وكانت معركة شر! ضارية انتصرت فيها الفضيلة على شراسة الرذيلة . .
كأن هذا علامة صدق ، وبشرى للمخلصين . . فالحمد الله ولا إله إلا االله . . إن الطغاة يخافون ويهزمون ،
وأصحاب الرسالات خلف القضبان مجردون من آل شئ إلا من الإيمان باالله تعالى . .]

ثم تواصل

[. . وفتحت الزنزانة ودخل رأس الزبانية حمزة البسيوني ، والجلاد صفوت وجند آخرون ، ووقع نظرهم على هذا الوحش الممدد على الأرض ، والرغاء الأبيض يخرج من فمه . . فبهت الذي كفر؟! . . خرست الألسنة وتبادلوا نظرات زائغة حيرى . . ! . . وحملوا الجثة وأعادوني إلى زنزانة ]

لقد ارتفعت زينب الغزالي بنفسها هنا إلي درجة الرسل وهي تصف هذه المعركة التي دارت بين (اصحاب الرسالات) وبين الطغاة وتناست أن الرسالات السماوية قد اكتملت ولم يعد هناك أنبياء ورسل تتنزل عليهم تلك الرسالات

لكن هذا ضروري في أدبيات الإسلام السياسي فمن تتنزل عليه المعجزات هو مصدر للطاعة العمياء داخل الجماعة في ظل تلك التركيبة العقلية المغيبة التي يمكنها أن تصدق هذا

ولابد عزيزي القارئ أن تجهز عقلك لاستيعاب المزيد من أساطير السيدة زينب ومعجزاتها وخوارقها فهي تتنقل انتقالة أخري وتشطح شطحة أوسع
فالنبي محمد (صلعم) يظهر لها في الرؤية داعماً لها ومعلناً تأييده ومساندته للجماعة بل وإيمانه بها ..
كما ورد في رواية زينب الغزالي لرؤيتها الخارقة :

[... وفى غمرة تلك الأحداث رأيت – فيما يرى النائم – أنى أقف في ساحة قيل إنها المحكمة التي سنحاآم
فيها، وبينما أنا واقفة إذا بالحوائط تزول وإذا بي وسط ساحة كبيرة مساحتها الأرض كلها، وإذا بالسماء تظلل
الأرض وتنطبق عليها كأنها خيمة أطبقت على الأرض لي وإذا بالنور يغمر الأرض كلها ، نور يصل ما بين
السماء والأرض ، وإذا بي أرى رسول االله صلى االله عليه وسلم يقف أمامي وأنا خلفه وأسمعه يقول : استمعي يا زينب لصوت الحق ، وسمعت صوتا يخترق أقطار السماوات والأرض يقول : ستنعقد هنا محاكم الباطل وستصدر أحكام الطواغيت وسيحكم عليكم ظلما وعدوانا أنتم حملة الأمانة ورواد الطريق ( فاصبروا وصابروا ورابطوا واتقوا االله لعلكم تفلحون ) .
كانت هذه بعض الكلمات التي سمعتها تخترق أقطار السماوات والأرض ببلاغة لم أستطع أن أعيها لقوتها
وشدة تأثيرها وأخذها بالنفس والقلب والجوارح.
وعندما انتهى هذا الصوت ، التفت إلى حضرة النبي صلى الله عليه و سلم وأشار إلى جهة اليمين ، نظرت
فإذا بجبل تقارب قمته عنان السماء، غير أنه كالبساط الأخضر تكسوه أرض خضراء.
فقال لي حضرة النبي (صلى االله عليه وسلم) : يا زينب ! اصعدي هذا الجبل فستجدين عند القمة حسن
الهضيبي، بلغيه هذه الكلمات . ونظر إلى نظرة عميقة أخذت بكل كياني غير أنه صلى االله عليه وسلم يتحدث بكلمات منطوقة، ولكنى أحسست أنى حملت الكلمات فعلا، وفهمت ما يريده منى ، ورفع الرسول الكريم صلوات الله وسلامه عليه يده إلى الجبل ، فوجدت نفسي وأنا صاعدة التقيت في طريقي بخالدة الهضيبي وعلية الهضيبي فسألتهما: هل أنتم معنا في الطريق ؟ أجابتا : نعم .
وتركتهما وواصلت السير وعلى بعد أمتار التقيت بأمينة قطب وحميدة قطب وفاطمة.
أخذت طريقي في الصعود حتى وصلت إلى القمة . فوجدت أرضا مبسوطة فوق قمة الجبل وفى وسطها
ساحة مفروشة بالبسط وعليها الأرائك والمساند والهضيبي يجلس في الوسط . فلما رآني وقف وأقبل على يحييني وهو فرح بقدومي عليه ، فلما صافحته قلت له : أنا مكلفة من حضرة الرسول أن أبلغك كلمات أمانة من الرسول . أمانة منه عليه الصلاة والسلام . قال لي: إنها بلغتني والحمد الله . وجلسنا وكأن هذه الكلمات تنقل عن طريق الأرواح لا عن طريق لفظ مصور في كلمة منطوقة . ولما جلست إلى الهضيبي رأيت على الأرض في سفح الجبل قطارا فيه امرأتان عاريتان ، فنبهت الهضيبي، فنظر إلى ما في القطار. وآنت متألمة جدا لما أرى فقال لي : أتعترضين عليهما؟ قلت : نعم .
قال : هل تعتقدين أن الذي وصلنا إليه بأيدينا وبأنفسنا . إنه بفضل الله علينا فلا تشغلي نفسك بهما.
قلت : علينا أن نقاوم حتى نقومهما!
قال : هل بنفسك تستطيعين ؟ قلت : بالله .
قال : فلنحمد االله على ما أعطانا. ورفع يديه وكأنه يحمد الله ، ورفعت يدي وحمدت الله معه .
ونحن نكرر الحمد الله استيقظت من النوم . ولم يعد هناك ما أخشاه .
وأكاد أحس ببرد وسلام وراحة واطمئنان ، وغسلت تلك الرؤية ما بي من ألم وأذهبت ما بقلبي من حزن .. ]

بالضبط هذه طريقة لتسويق الأوهام حول قدسية الجماعة وقدسية قياداتها للبسطاء
أحاديث تتجاوز أسوار العقل بل تتجنب التعامل مع العقل الإنساني تماماً وتطلب من الناس تصديقها خارج نطاق التعامل العقلي حيث أنها تنتمي إلي ذلك العالم السماوي المقدس الذي لايناقش بالضبط كما شاهدنا جميعاً عندما جاء أحد الشيوخ ووقف في صيف 1913 علي منصة رابعة العدوية ليلقي بالبشري المقدسة علي الجموع فقد [رأي نفسه في المنام جالساً متربعاً وأن محمد مرسي الرئيس المعزول أتي ونام علي إحدي ساقي الشيخ ونام سيدنا محمد (صلعم)علي الساق الأخري ثم أذن للفجر فقال سيدنا محمد(صلعم)للرئيس مرسي ... قم يامرسي لتؤمنا في الصلاة ]

وفي نهاية قراءتي لمذكرات زينب الغزالي تلك السيدة التي كانت أحد أهم أعمدة قوي الوهابية المصرية بطابعها السلفي الحاكمي والجهادي والتكفيري معاً والتي كان لها دور فاعل في تأسيس جماعة الإخوان المسلمين الإرهابية وكذلك لعبها الدور الرئيسي في إعادة التأسيس الذي قام به سيد قطب في أوائل خمسينيات القرن الماضي ، كذلك هي السيدة التي جندت ودربت ودرست للآف من شباب الجماعة وأسرهم ، ويكفي فقط أن نعلم أنها هي التي آوت الإرهابي صالح سرية قائد تنظيم الفنية العسكرية وهي التي قدمته للقيادات الجهادية والتكفيرية في مصر

لاأجد في نهاية قراءتي لهذه المرأة اختتم به ماكتبت اتساقاً مع تفسير حالة السيدة زينب الغزالي إلا كلمات سامح عيد أحد الكوادر السابقة لجماعة الإخوان المسلمين والذي خرج منها وقد مراجعة لتجربته مع الجماعة ونقد نفسه علانية فقدم كتاب بعنوان (أوراق في النقد الذاتي)
يقول سامح عيد

[ خلاصة الموضوع أن بعض الموروثات الفقهية كالتأثيم والتبعية والجماعة والطاعة والهداية والدعوة قد استخدمت في منظومة ذات طابع مقدس بحيث أرهبت عضو الجماعة حتي يستشعر أن مخالفة الجماعة سوف تعرضه للنقمة الإلهية ]

حمدى عبد العزيز
23 فبراير 2017








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



التعليقات


1 - الدين نفسه نص على الرؤية
عبد الله اغونان ( 2017 / 2 / 24 - 15:32 )

واعتبرها من النبوة الصالحة

زينب الغزال مناضلة اسلامية وتعتبر سيرتها نموذج الصدق والانتصار على الطاغوت

اخر الافلام

.. واشنطن تفرض عقوبات جديدة على طهران بعد الهجوم الإيراني الأخي


.. مصادر : إسرائيل نفذت ضربة محدودة في إيران |#عاجل




.. مسؤول أمريكي للجزيرة : نحن على علم بأنباء عن توجيه إسرائيل ض


.. شركة المطارات والملاحة الجوية الإيرانية: تعليق الرحلات الجوي




.. التلفزيون الإيراني: الدفاع الجوي يستهدف عدة مسيرات مجهولة في