الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


الصوم المُقدس

ليديا يؤانس

2017 / 2 / 24
العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني


الصوم المُقدس، هو الصوم الذي يسبق الإحتفال بذكرى صلب المسيح والإحتفال بعيد القيامة.

الصوم المُقدس، يُطلق عليه أيضًا، الصوم الكبير، أو الصوم الأربعيني، أسوة بصوم السيد المسيح، الذي صام أربعون يومًا (نهارًا وليلًا)، مُتواصلة بدون إفطار قبل الصلب.

يصوم الأقباط (مسيحيو مصر) الصوم المُقدس، وإن إختلفت الطوائف المسيحية في مصر، في عدد أيام الصوم، وأيضا الإختلاف في توقيت الصيام.

في الغالب يتفق الأقباط الأرثوذكس، والأقباط الكاثوليك، في عدد الأيام، وإن إختلف توقيت الصيام، أما باقي الطوائف فكُل مِنهُم يتبع قوانين كنائسهم بالنسبة لعدد الأيام وأيضًا كيفية الصوم.

يصوم الأقباط (الأرثوذكس، الكاثوليك) 55 يومًا قبل الإحتفال بعيد القيامة.
الخمسة وخمسون يومًا عبارة عن الأربعين يومًا المُقدسة الذين صامهم السيد المسيح + أسبوع في بداية الصوم يُطلق عليه أسبوع الإستعداد + أسبوع في نهاية الصوم يُعرف بأسبوع الألآم والذي يتضمن الجمعة العظيمة، ثم بعد ذلك الإحتفال بعيد القيامة المجيد.

في أسبوع الألآم تعيش الكنيسة لحظة بلحظة، مع الأحداث المُؤلمة التي عاشها السيد المسيح، مُتضمنة الوشاية به، وخيانة يهوذا له، وتسليمُه لرؤساء الكهنة، الذين ضغطوا علي بيلاطس لكي يحكم عليه بالصلب.

ولذا هذا الصوم سُمي بالصوم المُقدس، لأنه مُرتبط بذكرى صلب المسيح، وإتمام العمل الخلاصي.
قد يعتقد البعض، أن المسيحيين لا يصومون، ولكن في الحقيقة لو جمعنا عدد الأيام التي يصومها الأقباط في السنة نجدها تتعدي ثُلثي العام.

الصوم المُقدس، يُعتبر من الأصوام القاسية التي يصومها الأقباط، تعتبر قاسية جدًا بالقياس للصيامات الأخري التي يصومها الأقباط، وأيضًا قاسية بالمُقارنة لصيامات بعض العقائد الأخري.

فمثلًا في الصوم المُقدس، الشخص يصوم إنقطاعي لعدد مُعين من الساعات بدون أكل أو شُرب، وعدد ساعات الصوم الإنقطاعي، مُمكن أن يُحددها الشخص علي حسب طاقته الروحية والجسدية، أو يُحددها الكاهن (أب الإعتراف للشخص).

بعد فترة الصوم الإنقطاعي خلال اليوم، يقوم الشخص بالإفطار، والكنيسة إتفقت على أن يكون الطعام في هذا الصيام بنوعيات مُعينة، فغير مسموحًا بأكل المُنتجات الحيوانية ولا المُنتجات البحرية، ولكن بعض الأصوام الأخري التي يصومها الأقباط قد تختلف في نوعيات الأكل، فقد يكون مسموحًا بتناول المأكولات البحرية.

أهم ما في الموضوع، أن الأصوام ومواعيدها ونوعيات الطعام، ليست كتابية بمعني أنها ليست مذكورة صراحة بالكتاب المُقدس، ولكن هذه الطقوس وضعها آباء الكنيسة الأوائل، كنوع من التوحيد في العبادة، والإتفاق شكلًا وموضوعًا علي أن يلتزم شعب الكنيسة الواحدة بالعبادة المُوحدة، فليس من المعقول، أو من الإيمان، أن يقوم كل فرد من شعب الكنيسة بمُمارسة العبادة كُل على حسب هواه أثناء العبادة الجماعية.

الشخص المريض ليس مُطالبًا بالصوم، والذي يُقرر ذلك الطبيب أوالأب الكاهن، وحتي إذا لم يكن الشخص قادرًا علي الصوم لأي سبب آخر، فليس هناك إلزام بالصوم.

الله يُريد أن الشخص، يُقدم الصوم طواعية وليس إجبارًا، لإن لو الصوم إجبارًا، والشخص لا يرغب في الصوم، وتظاهر في العلن بالصوم، وفي الخفاء ليس صائمًا، إذن كيف تحكُم إذا كان الشخص صائمًا أم لا؟!

العلاقة بين الله والإنسان علاقة خاصة جدًا، ولذا العبادات يُقدمها الإنسان طواعية، ومن مُنطلق محبته لله وليس كفرض ورهبة من العقاب!

لو الموضوع فرض، لكان من الأفضل، أن يقوم الله بعقاب الإنسان أو حتي قتله إن لم يصوم أو يصلي!

الله يُريد أن يري محبتنا في عبادتنا له، الله لا يريدنا أن نتظاهر بالعبادة، الله يريد مِننا عبادة حقيقية.

فمن الممكن للشخص أن يقف مُتظاهرًا للصلاة وهو لا يُصلي!
وممكن أن يتظاهر أمام الناس بالصوم، ولكن في الخفاء يتناول ما لذ وطاب وفي كل الأوقات!

أيضًا المسيح قد حذر من أن يكون الشخص كالمُرائين، الذين يُظهرون للناس صلواتهم لكي يمجدوهم، فقال: ومتي صليت فلا تكن كالمرائين فانهم يحبون أن يصلوا قائمين في المجامع وفي زوايا الشوارع لكي يظهروا للناس الحق أقول لكم انهم قد استوفوا أجرهم. وأما أنت فمتي صليت فادخل الي مخدعك واغلق بابك وصل إلي ابيك الذي في الخفاء فابوك الذي يرى في الخفاء يُجازيك علانية (متى 6: 5-6).


الله في المسيحية وخاصة في العبادة، لا يُريدها إجبارًا ولكن طواعية.
الله في المسيحية لا يريد العبادة الشكلية، ولكن العبادة الحقة، النابعة من القلب في حب الله.
الله في المسيحية يريد أن المسيحي يمارس العبادة، وفي نفس الوقت يحترم حُرية الآخرين.

ليس من الدين أو اللياقة بما أننا صائمين، أن نفرض علي الآخرين أن يصوموا مِثلنا، وإذا كان أكل أو شرب الآخرين، سيجعل الشخص لُعابه يسيل، ولا يستطيع كبت شهوة الأكل والشرب، فالأفضل له أن يفطر، لأنه لا فائدة من صيامه إن لم يستطع التحكم في نفسه وغرائزه.

صديقة لي ذهبت لزيارة أهلها في مصر في وقت شهر رمضان، وكانت تستقل سيارة مع أهلها وشربت بعض الماء داخل السيارة، لأنها مريضة ولابد من أخذ الدواء، وفجأة وجدوا الطوب والحجارة تنهال على السيارة بسبب شربة ماء داخل سيارة خاصة!

في موضوع الصوم بالذات، الإنسان أحيانا يتلكك لأنه لا يريد أن يصوم، اسمعوا ماذا قال شعب الله في القديم لربنا:

لماذا صُمنا ولم تنظر؟
ذللنا أنفسنا ولم تُلاحظ؟

رد عليهم ربنا؛ هو أنا طلبت منكم أن تصوموا!

أنتم الذين تجدون مسرة في التظاهر بأنكم صائمين، وأعطاهُم مَثل الفريسي الذي ظن بأن الله سيكون مُمتنا لأنه يصوم يومين في الأسبوع (لو 12:18).

أنه يصوم ولكن يصنع ما يسره وليس ما يسر الله.

الله لا يريد الصوم عن الطعام بل الصوم عن أي ضرر أو أذى للآخرين!
الله سوف لا يستفيد شيئا من جوعك ولكنه يريد صوم النفس عن الشرور!
الله لا يريدك أن تدخل في خصومة مع الآخرين وتُدينهم هذا لا يعتبر صومًا مقبولًا أمام الله!
الله لا يريدكم أن تصوموا وفي نفس الوقت تكيلون اللكمات للآخرين عوض المحبة.

يقول الأنبا يوساب الأبح: لا تصُم بالخبز والملح وأنت تأكل لحوم الناس بالدينونة والمذمة، لا تقل إني صائم صومًا "نظيفا" وانت مُتسخ بكل الذنوب.

فالصوم المقبول الذي يريده الله هو أن تُقدم أعمال المحبة عوضًا عن الأعمال التي تُشبع مسرتك الذاتية.

الله يريد صومًا مقبولًا بمقاييسه هُوّ وليس بمقاييس البشر، فيقول "أليس هذا صومًا أختاره: حل قيود الشر؛ فك عقد النير، وإطلاق المسحوقين أحرارًا وقطع كل نير؟! إذا رأيت عريانًا ان تكسوه، وأن لا تتغاضي عن لحمك؟!" (أشعياء 58: 6-7).

أفضل من صومك الدهر، فكر؛ ماذا يستفيد الله من أن تجوع أو تعطش؟!

قد يكون أخوك بجانبك محتاجًا أن تأخذه إلي الطبيب، أو تُساعده علي إنجاز بعض مهامه الشخصية التي أصبح غير قادرًا علي إنجازها بسبب مرضه!

هل سمعتم أو قرأتم ما يقوله المسيح في هذا الصدد؟!

لأني جُعت فأطعمتموني عطشت فسقيتموني كنت غريبا فأويتموني عريانا فكسيتموني مريضًا فزرتموني محبوسًا فأتيتم إليّ (متى 25: 35).

قد تكون مساعدة مالية لشخص ظروفة المالية صعبة جدًا، أفضل كثيرًا من صومك الدهر كله، ربما هذا الشخص لا يستطيع دفع المصاريف اللآزمة لمدارس الأولاد، أو لا يستطيع دفع الإيجار، ربما تمنعه عزة نفسه من البوح بأنة في ضيقة مالية!

المسيح قال؛ كنت، كنت، كنت .. فأعطيتموني، أنه لم يقُل كنت محتاجًا فصمتُم ليّ!

الأمثلة كثيرة لعمل الخير وتقديم المحبة، ولكن المسيح أكد علي الفائدة العُظمي من الصلاة والصوم، حيث أنه عندما تحدث عن الشيطان، الذي يجول يصنع شرًا في العالم، ويكدر الإنسان ويعكر صفو حياته، قال؛ أن هذا الجنس (يقصد الشيطان) لا يخرج إلا بالصوم والصلاة.

في النهاية ليس الصوم هو الذي يقدس الإنسان،
بل بكل كلمة طاهرة تخرج من فم الإنسان،
بل بكل عمل محبة يقدمه الشخص للمحتاجين.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. الجزائر | الأقلية الشيعية.. تحديات كثيرة يفرضها المجتمع


.. الأوقاف الإسلامية: 900 مستوطن ومتطرف اقتحموا المسجد الأقصى ف




.. الاحتلال يغلق المسجد الإبراهيمي في الخليل بالضفة الغربية


.. مراسلة الجزيرة: أكثر من 430 مستوطنا اقتحموا المسجد الأقصى في




.. آلاف المستوطنين الإسرائيليين يقتحمون المسجد الأقصى لأداء صلو