الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


عيد حب مغمس باليأس

شادية الأتاسي

2017 / 2 / 25
الارهاب, الحرب والسلام


عيد حب مغمس باليأس

اعتدت أن يجمعني فنجان قهوة الصباح مع صديقتي على الماسنجر ، كل صباح
تشكو لي هموم البلد،هموم ما أنزل الله بها من سلطان ، بدءا بالعتمة والظلام والبرد والمرض ، ومرورا بغربة الوجوه والقلوب وإفراغ البلد ، وليس انتهاء بما يحدث في مأساة /الوعر/ المثير للجدل ، والقصف العشوائي عليه ، والذي يهز المدينة من أقصاها إلى أقصاها
أنا أيضا لي شجوني وشكوتي ،اليوم في صندوق بريدنا منشور كبير من الصليب الأحمر/موزع على الجميع / اختصر مأساة السوريين ، كشعب منكوب يحق له الإعانة والإغاثة فقط ، وليس / كقضية عادلة / تجري تحت سمع وبصر العالم كله ، ولا أنسى تلك المرأة الصومالية الضخمة ، التي ربتت على كتفي بإشفاق ودهشة ، عندما عرفت إني سورية ،قائلة بافتخار وبصوت عال ، نحن نذهب إلى المسجد ونتبرع بمالنا من أجلكم أنتم السوريون .

لعله من مفارقات القدر ، أو أنه دائما هناك أشياء لايمكن لنا نحن البشر العاديين تفسيرها ، أو إن الأمر ببساطة حالة معقدة ، كحال كل المتناقضات في هذه الحياة ، وهذا الأمر لن يستطيع أحد فهمه إلا من عاش وذاق لوعة هذه الحياة البائسة ،في هذا البلد المنكوب
سألتني صديقتي في هذا الصباح ، ربما هي تلمز الى شيء ما ، كيف كان عيد الحب عندكم ، وأنتم من تعيشون في بلد الحب والآمان
أجبتها دهشة من سؤالها،فقد كانت قد مرت ايام ،ونسيت الأمر كله
- قدم لي زوجي ورده حمراء صغيرة هذا كل شي
- وأنتم ، سألتها مشفقة من مرارة الجواب ؟
- صادف هذا اليوم عيد ميلاد صديقتنا ،الذي اعتدنا أن نحتفل به ، ذهبنا لنجلب لها قالب كاتو صغير يناسب ميزانيتنا الضيقة ، لكن كانت كلها من الحجم الكبير ،ملونة باللون الأحمر ، ومزينة بقلوب الحب ، وهكذا لم نستطع ان نجلب لها إلا بعضا من القطع المتفرقة ، ولكنها كانت أيضا حمراء ومزينة بقلوب الحب ،
-كيف يعني حمراء ،هل يمكن لقوالب الكاتو أن تكون حمراء ،سألتها مندهشة
- نعم كلها كانت ملونة باللون الأحمر ،أجابت ببساطة
-وأين احتفلتم ،سألتها وأنا أحاول أن أكتم بعضا من صدمتي
-في المقهى طبعا
-المقهى ! وهل كان مليئ بالناس، وهل كنتم تسمعون اصوات القصف على الوعر
- طبعا مليان و مافي محل فارغ ، كل المقاهي كانت مليانة يومها ، وكلها مزينة ،دببة حمراء بأهداب طويلة سوداء ، وبالونات حمرا ، وقلوب ، وحب
-وهل كنتم سعداء ، هل كانت الناس سعيدة
-ولماذا أنت مستغربة ، من يوم يومنا نحتفل بعيد الحب ، هل نسيت
أعيد نفسي ،إلى مشهد ما قبل / النكبة / ، هذا حقيقي ، البلد كله كان يحتفل بعيد الحب ، فالحب يصنع المعجزات ،والجميع يريد أن يحتفل على طريقة عشتار ،التي كانت تتعامل مع عشاقها باستعلاء ، كما فعلت بتموز لتغيظ كلكامش ، أو على طريقة /سان فالنتاين/ المثير للجدل ، الأمكنة و المحلات والإعلانات ،والمطاعم وحتى الشوارع ، الجميع كان يحتفل بعشتار وشهيد الحب /سان فالنتين /
عدت الى صديقتي التي كانت تتابع سؤالها
- وهل يرتبط مفهوم السعادة بهذا الموضوع ، نحن نعيش اليوم في ورطة حقيقية ، نفتقد إلى الحد الأدنى من مقومات أي حياة طبيعية ، هل هناك أي نمط عيش قادر أن يحقق لنا أو يرد لنا بعضا من انسانيتنا المهدورة .

سكت ،لم أجب ، يبدو إن دماغي في سجن مقفل ، أحدا ما سجنها وأخذ المفتاح ،فكرت في نفسي بحزن ، الحرب ليس قتلا وموتا يخطف الأرواح فقط ، الحرب هي في ما تخلفه من دمار في النفوس، في التقويض المنهك والمستمر لكل القيم الأساسية التي قامت عليها الحضارة البشرية

يحق لي أن أرى ان هناك شيئا كريها قد حدث ، عدت لأستعرض تاريخنا ” المشترك” بين كلّ المكونات السّورية ، ثمّ فكّرت بما يجري على الأرض، ووصلت لقناعة هي: ان الحديث في هذا الأمر هو نوع من العبث ، إنه من غير المسموح في هذا البلد وتحت هذه الظروف ، النقاش بشكل عقلاني ،فينما العالم يعيش صدمة تهديدات ترامب بإلغائنا ، نهدد بعضنا بإلغاء الآخر ، البلد اليوم شئنا أم أبينا ، تحت سيطرة من يملك القوة ،من يملك السلاح ، من لايملك الضمير ، من يستطيع أن يعيش كل هذه التناقضات ويرقص عليها ويغني كمان ، وبإمكان الآخرين أن يحزموا حقائبهم ويرحلوا


أنتظر المساء، أو أنتظر شيئا ما ،/أنا أيضا أريد أن أنسى / لعلني أنتظر القصيدة الرائعة المغناة من قبل ناظم الغزالي

لعلني أنتظر أحدا يسألني : ماذا أهديكي في العيد ياملاكي .








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. إيران وروسيا والصين.. ما حجم التقارب؟ ولماذا يزعجون الغرب؟


.. مخلفا شهداء ومفقودين.. الاحتلال يدمر منزلا غربي النصيرات على




.. شهداء جراء قصف إسرائيلي استهدف منزل عائلة الجزار في مدينة غز


.. قوات الاحتلال تقتحم طولكرم ومخيم نور شمس بالضفة الغربية




.. إسرائيل تنشر أسلحة إضافية تحسبا للهجوم على رفح الفلسطينية