الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


شخصنة الحكم و السلطة ورم من أورام الدولة

جلال مجاهدي

2017 / 2 / 25
مواضيع وابحاث سياسية


العقلية الجماعية و التعاون و العمل المشترك ,هي سمات تختص بها دول تتصدر العالم ديموقراطيا و حقوقيا و التي تعيش شعوبها أقصى درجات الرفاهية و هي الدول الاسكندنافية , شعوب هذه الدول لم تعرف ترميز أي شخص تحت أي مسمى, الكل يشتغل و الكل يساهم و الكل يحصد نتائج المساهمة الجماعية من ديموقراطية و حقوق و رفاهية , بينما الدول العربية و الاسلامية لا زالت لم تخرج من جبة تصنيم الأشخاص الزعماء و الرموز رغم فشلهم على كافة المستويات, العمل الجماعي في هذه الدول لا زال يختزل في شخص زعيم ما , في حين أن مفاهيم المبادرة و المشاركة و المساهمة الجماعية لمجموع المواطنين, فيتم إلغاؤها و نسبتها لشخص الحاكم الرمز .

الخطاب السياسي الاستهلاكي الموجه للعموم من طرف وسائل الاعلام التابعة ، يكرس فكرة ان الرئيس هو الدولة نفسها، التعبئة لشخص الرئيس أصبح "طقسا إعلاميا يوميا" لذلك فوسائل الإعلام، أصبحت تلعب هنا دورا محوريا من خلال ممارسة الماركوتينغ السياسي بشحن المجموع الرمزي والتخيلي الجماعي لعموم مواطني هذه الدول المشخصنة , فالحاكم في الدول العربية و الاسلامية , تصوره وسائل الاعلام كانه سيبيرمان الدولة الذي لم يجد الوجود بمثله , فهو «رمز وحدة البلاد» و«السياسي الرشيد» و «حامي الوطن » و «أب الأمة » و «حامي الملة و الدين » و «القائم بأمور الرعية» ....... و الحال أن الشخصنة في حقيقيها تجسد أقصى الدرجات التي يمكن أن يصل إليها ديكتاتور ما , طالما أن مجموع مكونات الدولة من مؤسسات و مواطنين و قوانين و حقوق و حريات يتم إلغاؤها بالجملة لصالح الشخص و الذي تنسب إليه وحده و فقط كل حسنة يتم إنجازها من طرف مجموع المواطنين .

الشخصنة في مواجهة الأجمعة , هي مرادف للإقصاء و الالغاء في مواجهة الاعتراف بالعمل الجمعي و المشترك , هذا الإلغاء يصل غالبا إلى درجة شخصنة الدولة برمتها ليتم اختزالها في شخص الرئيس أو الزعيم و الذي لا ينفك يصور نفسه عن طريق وسائل الإعلام المتحكم فيها بأنه الدولة نفسها , فيصبح في مخيال البسطاء المنساقين , كأن الدولة تأصنمت في شخص الزعيم و تشخصت في سلطته كما قال لويس الرابع عشر "الدولة هي أنا " و بذلك يصبح العمل الجماعي و المساهمات الجماعية كأنها مجرد تنفيذات لأوامر الزعيم الفوقية و ليست مساهمات جمعية في بناء الوطن و شتان بين التصورين .

البناءات و الانجازات الجماعية على جميع الأصعدة، و إمكان قيامها قياما ذاتيا وشعبيا وأهليا حقيقيا، تأسيسا وتمويلا وإدارة ومبادرة وإمكان حركتها حركة ذاتية فعالة حرة , من شانها أن تحيي اللحمة الجماعية و أن توقظ الضمير الجماعي للشعوب و أن تعطي للعمل الجماعي قيمته التي يستحقها , لكن ما يحدث هو أن الزعيم الحاكم بسطوه على المنجزات الجماعية بالتدشينات و الخرجات الاعلامية , يبخس قيمة عمل الجماعة بل يلغيها تماما , ليبدوا و كانه هو من قام بها تمويلا و اخراجا و تنفيذا و الحال أن ما يقوم به إنما يعدم روح المبادرة و المشاركة و المساهمة الجماعية الضرورية لاستنهاض روح المواطنة و الحس الوطني .

الشخصنة في مواجهة المأسسة , تعني أن مؤسسات الدولة تفقد استقلاليتها لتصبح مجرد أدوات في خدمة شخص الزعيم الحاكم لتكرس سلطته و سيادته, و هو ما يفرغ هذه المؤسسات من داخلها و من معانيها الدستورية و القانونية , فتصبح مجرد هياكل في خدمة الشخص الذي يسيطر بذاته على مفاتيحها، لتصير بذلك آلة للحكم و التحكم , مما يلغي وجود أية مسافة بين شخص الحاكم و الدولة .

لذلك فجميع الباحثين في ظاهرة الدولة مثل جورج بوردو و فيليب برو , الذين وقفوا عند تجليات الظاهرة و أسبابها , أكدوا على خطورتها و على ضرورة إزالة الشخصنة la depersonnalisation بمأسسة الدولة , كما اعتبروا الشخصنة اقصى درجات الديكتاتورية مؤكدين على صعوبة الاصلاح السياسي و الانتقال الديموقراطي في ظل الدول المشخصنة.

الشخصنة في مواجهة القانون , تعني بأن الزعيم هو شخص فوق القانون و أسمى من الدستور, بل إن مناط وجودهما هو تقوية وضع الزعيم القانونية و الدستورية, بل إن الزعيم هو القانون و الحق و الدستور نفسه , هذا التصور المشخصن يضرب في الصميم القيمة الحضارية و التاريخية التي للقانون المبنية على مرتكزات المساواة و الحقوق و الواجبات .

في الدول المشخصنة تتخذ التفسيرات والاجتهادات القانونية منحى واحدا يسير في اتجاه دعم الوضع القائم، فيتم تشريع القوانين على مقاس مصالح الزعيم و من يدور في فلكه , كما تفرغ القوانين الجيدة من محتواها بقوانين أخرى التفافية ، فيصبح القانون بذلك مجرد مؤدى شخصي ومشخصن لصالح رأس الدولة ومن يحيطون به و قد يحدث في أحايين عديدة أن يعطل العمل بالقوانين لكونها تهدد مصلحته او مصلحة الدائرين به او لكونها قد تمس بهم بل قد يصل الامر إلى الغاء العمل بالدستور نفسه متى كانت مصالح الحكم المشخصن مهددة كما يحدث عند اعلان حالات الاستثناء التي في معظمها تفتقد للموجب الشرعي .

الشخصنة في مواجهة الحقوق , هي مرادف للإلغاء الكلي للفرد كمواطن له حقوق و واجبات في مقابل تضخيم الأهمية الذاتية للزعيم و تعظيم دوره و الذي تصوره وسائل الاعلام ,و كأن كل ما يناله المواطن من حقوق هو من بركات الزعيم و عطايا نظامه الأمثل و الأفضل , و ليست حقوقا نابعة من المواطنة , بل إن الميل إلى إسباغ صفة القداسة على رئيس الدولة يدخل المرؤوسين في علاقة تبعية للرئيس الذي يمثل دور الراعي و ظل الله في ارضه في حين يمثل المواطنون دور الرعية و خدام الاعتاب الكريمة , و بالتالي لا ينظر إلى الحقوق إلا باعتبارها بركات و اكراميات جادت بها نفس الزعيم المجيدة .

الشخصنة في مواجهة الحريات , لا تعني شيئا آخر سوى أن كل فرد يطالب بالحريات المصادرة هو شخص يقف في دائرة العمل غير المشروع , و كل سعي في هذا الشأن هو سعي في مجال العصيان و هو تجاوز للضوابط و الحدود , لأن الحريات هي مجال خاص للزعيم يمنحها و يقيدها كيف يشاء و لا مجال لمناقشة الأمر و منه فالزعيم لا يتوانى في معاقبة المطالبين بالحريات و قمعهم و الزج بهم في غياهب السجون تحت ذرائع شتى , فهو الراعي الذي يعرف مصلحة القطيع الذي عليه الانصياع و التزام الصمت و الاذعان .

إن شخصنة السلطة و الحكم هو اغتصاب للوطن و للديموقراطية و إلغاء لكل مكونات الدولة , و استغلال سياسي و نفسي و أخلاقي و إداري و مالي لمجموع المواطنين , فالاستحواذ على السلطة يدفع بشخص المستحوذ إلى ممارسة سلوكيات سيكوباتية من الالتفاف, والتلفيق, والخداع والكذب, وتصبح هذه السلوكيات ممارسات يومية ملازمة لاستمرار وبقاء السلطة وتشكل دالة للنظام, وتتجاوز هذه السلوكيات شخص الحاكم لتنتشر في أوصال المجتمع كله, في سلوكياته اليومية, وفي دوائر الدولة وفي المنظمات الحزبية و النقابية, ويأتي هنا الفساد كضرورة لبقاء نظام الحكم من خلال عملية التجانس القيمية والأخلاقية بين الحاكم بمنظومته السلطوية الفاسدة, وبين المجتمع , وعلى خلفية ذلك ينتشر الفساد بمختلف مظاهره, من رشوة و غدر وسرقة للمال العام, مقرونة بحديث ممل من قبل السلطة عن دورها في الشفافية والنزاهة والطهارة والحفاظ على المال العام, إلى جانب المبالغة في القيم والطقوس والمظاهر الدينية الشكلية الخالية من الحضور الوجداني , فيصبح كل شيء مقلوبا , فيخون الأمين و يؤتمن الخائن و يسفه العاقل و يسدد رأي السفيه ويكذب الصادق و يصدق الكاذب و تضيع الحقوق , ليصبح الوضع موبوءا ميؤوسا منه غير قابل للإصلاح و بذلك يضمن الزعيم استمرار الانماط الاستبدادية و يضمن توريث الحكم لبنيه من بعده .








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. اتساع رقعة الاحتجاجات في الجامعات الأمريكية للمطالبة بوقف فو


.. فريق تطوعي يذكر بأسماء الأطفال الذين استشهدوا في حرب غزة




.. المرصد الأورومتوسطي يُحذّر من اتساع رقعة الأمراض المعدية في


.. رغم إغلاق بوابات جامعة كولومبيا بالأقفال.. لليوم السابع على




.. أخبار الصباح | مجلس الشيوخ الأميركي يقر إرسال مساعدات لإسرائ