الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


حدوتة نفسيّة-العلاج النفسي الأدبي 16-

لمى محمد
كاتبة، طبيبة نفسية أخصائية طب نفسي جسدي-طب نفسي تجميلي، ناشطة حقوق إنسان

(Lama Muhammad)

2017 / 2 / 26
الادب والفن


لا تقترب من الصنم، فينكسر.. و يغار..

كثرت الأقاويل حول السيرة.. و زوّروا حتى حسن الاختيار!
و صارت النميمة حول:
قضيبه.. صدرها..
و تقاليد غزو الجوار!

من وقتها..
العصر الذهبي.. أجل ..
غرائز..
جوارٍ..
غلمان..
سبايا.. أم غنائم..
و كل ما أدخلته العادة مجال العبادة!

صارت الذكورة تقتضي أن نغطي النساء خوفاً من همجيّ فلتان.. جوعان..
صارت الرجولة أن تتحزب في طيف ما.. أن يكون لك قطيع..
و إلا أنت تختفي.. تُكّفَّرُ.. أو تضيع!

و الحياة الخالدة..
تلك التي تنتظرها بعد أن تموت:
لن تكون إلا انعكاس صمتك.. لا يخرق أبداً جدار الصوت…
*****************

حواديت: رؤية مختلفة:

بحكم عملي كرئيسة لمقيمي الطب النفسي في المستشفى الجامعي الذي أعمل فيه في الولايات المتحدة الأمريكية قابلتُ خريجي الطب المتقدمين لاختصاص الطب النفسي، و أخذت كثيرين منهم في غذاء عمل.. و جولات للتعرف على المستشفى.. كما أسهمت في اختيار البعض كمقيمين في السنة القادمة…

سألني كثيرون منهم كيف تكون طبيباً نفسياً ناجحاً؟ و ما الشروط التي تكفل استمرارك في الطب النفسي…
و ذكرتُ لهم دوماً ثلاث قصص مرّت معي خلال اختصاصي، و دبغت طريقي كطبيبة.. و كإنسانة بالاصرار و الأمل:

-الحدوتة الأولى:
أثناء الفحص العقلي لأحد المرضى، و أثناء فحص ذاكرته البعيدة المدى، سألته سؤالاً نكرره كثيراً كأطباء نفسيين يعملون في أمريكا:
- ما اسم الرئيس الأمريكي الذي حرر العبيد؟

جواب المريض.. لم يكن مكرراً البتة.. نظر لي مقطباً جبينه وقال:
- تعنين : حررك أنتِ أيتها الحقيرة العربية” !

اعترتني الدهشة لثانية.. ثم ابتسمت و قلت له:
- سنتحدث حول ذلك لاحقاً.. المهم الآن كيف نحسن الاكتئاب عندك و نساعدك.

ذات المريض اعتذر لي أثناء جولتي الصباحية على المرضى بعد يومين.. و فتح حديثاً طويلاً عن دور الإعلام في تشويه الإنسانية.

أجل ما عنته الحدوتة الأولى هي قدرتك على الاستيعاب.. قدرتك على وضع المبررات.. قدرتك كطبيب أو كإنسان على لعب دور الإسفنجة!
*****************


-الحدوتة الثانية:
مريض مسن بطل خسر كامل رجله في محاولة لإنقاذ عائلة في الحرب.. يحرك كرسيه المتحرك بابتسامته.. و يحرك قلبك أيضاً..
أثناء فحص حالته العقلية، سألته أيضاً سؤالاً مكرراً:
- ما معنى “ لا تحكم على الكتاب من غلافه” ؟
و جوابه لم يكن مكرراً:
- يعني “ أنا” .. انظري إليّ.. لقد كنت بطل .. و اليوم أنا صفر “ I used to be a hero, now I am a zero!” .

- لستَ صفراً أبداً لقد قلبت واحد اصراري إلى مليار.. فكم مليار تصنع في اليوم!

- في نهاية المقابلة شد العجوز على يدي مصافحاً:
- ابنتي.. أنت ذكرتني بكل شخص طيب قابلته في هذي الحياة…


تماماً ما عنته الحدوتة الثانية هو مقدرتك ألا تحكم على مريض.. شخص.. موضوع.. مشكلة.. حديث.. مشروع.. أو حتى حرب مما تبدو عليه…
القصة الكاملة هي التي يرويها الصديق و العدو..
العلم و الروحانيات هي الحقيقة كاملة..
و الطبيب الجيد هو القادر تماماً على فهم كلمة “ أنا” في جواب الرجل العجوز…
****************


-الحدوتة الثالثة:

طفلة يتيمة صغيرة تعرضت للانتهاك الجسدي و الجنسي.. حكت لي قصة أغرب من الخيال.. سيطرت على نفسي بصعوبة و هي تتكلم.. لكن عندما خرجت من العيادة بكيت لمدة ليست قصيرة في سيارتي.. ارتحت قليلاً.. و حزنت كثيراً، لكني ساعدتها بكامل قوة الحزن التي لا تُقهَر!

ذات الفتاة أمسكت يدي بيدها الصغيرة بعد تعافيها الابتدائي و قالت لي:
-شكراً ماما!..

و علمتني أن المريض/ الضعيف/ المحتاج يراك كل شخص تمناه في هذه الحياة…

أجل.. يجب علينا أن نحترم ضعف غيرنا و ضعفنا..
للحزن طاقة بلا حدود إذا ما حركته لمساعدة الغير.. مصير شعور الحزن أن ينقلب امتناناً إن أنت أحسنت إعمال ضميرك فيه!
و كي تكون طبيباً ناجحاً يجب أن تضع نفسك في مكان من تعالجه و تحترم ضعف الإنسان فيك.. وفيه!
****************


القصص السابقة لخصت من ناحية ما.. ما تحتاجه كي تكون طبيباً ناجحاً.. صديقاً ناجحاً.. زوجاً/زوجة..مواطناً.. أو حتى زميلاً في عالم افتراضي…
الحياة من حولنا لا تحتمل الحديّة في المعاملة و لا في التعامل.. لا تحتمل الأبيض و الأسود.. حتى الليل ليس بأسود!

لذلك عندما تتعب من عملك.. من وضعك.. من صنم الأنا في داخلك:
تذكر أننا جميعاً سنصبح (صفراً) في يوم من الأيام.. فإما أن نقلب الواحد مليار.. و الجماعات مليارات.. أو نبقى لوحدنا نتحسر على العصر الذهبي!

في ظل هذا الظلام الذي يلف العالم العربي من محيطه إلى خليجه.. تعالوا لنحاول قلب أصفارنا مليارات…


يتبع…








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. فنانو مصر يودعون صلاح السعدنى .. وانهيار ابنه


.. تعددت الروايات وتضاربت المعلومات وبقيت أصفهان في الواجهة فما




.. فنان بولندي يعيد تصميم إعلانات لشركات تدعم إسرائيل لنصرة غزة


.. أكشن ولا كوميدي والست النكدية ولا اللي دمها تقيل؟.. ردود غير




.. الفنان الراحل صلاح السعدنى.. تاريخ طويل من الإبداع