الحوار المتمدن
- موبايل
الموقع
الرئيسي
الروائي العراقي الصديق -حسين الموزاني.. وداعا
سلام إبراهيم
روائي
(Salam Ibrahim)
2017 / 2 / 26
الادب والفن
الصديق الروائي حسين الموزاني وداعاً
سلام إبراهيم
يأتي بغتة مثل عصف ريحٍ مدمرة ويتركك منكسراً نادماً على تفاصيل يومية صغيرة، ذهبت إلى الأبد.
ينزل مثل صاعقة على رأسك، فتقف جامداً لا تعرف ما تفعل، لا تعرف كيف تحزن؟!، لا تعرف ماذا تكتب؟!.
هكذا فعل صديقي الروائي "حسين الموزاني" بيّ حينما تركنا بغتة ليسكن أبديته وهو في قمة نشاطه وحيويته الفكرية.
كتب لي صيف العام الماضي 2016 بأنه سيزور كوبنهاجن بصحبة أبنه، فهو لم يسافر كثيرا معه. ومن سوء حظنا أنني كنت على سفرٍ إلى "بودابست". وفي فسحة اليومين تواعدنا أن يحلّ لدي لنتعشى ونشرب معا في بيتي، لكن لم نتمكن من اللقاء. أجلّنا اللقاء إلى فرصة أخرى ووعدني بأنه سيخصني بزيارة خاصة قريباً، لكن الصقر الحائم في سماء كل منا خطفه.. ليسقطني بالذهول.
تعارفنا في لقاءات عابرة في نهاية سبعينيات القرن الماضي في الملتقيات الأدبية في بغداد ومقاهيها.
كنا ننتمي إلى بيئة واحد؛ اليسار، وموقفنا من سلطة البعث، مضاف إلى اهتماماتنا الأدبية الذي تسقط أي حاجز بين أثنين.
كان زمناً سياسياً عاصفاً والدكتاتور يعد العدة لحروبه المدمرة.. فتفرقنا، لأصادفه عدة مرات في مقهى "أم نبيل" و "أبو علي" في الفاكهاني وسط بيروت حينما زرتها عام 1979 بنية الهرب. لكنني عدت إلى العراق لأخوض ما خضت من تجربة، بينما غادر "حسين" إلى ألمانيا ليعيش تجربته. وقتها كانت لدينا مشاريع وأحلام ونكتب بصمت متطلعين إلى مستقبلٍ غامض ومشاريع لم تتبلور بعد.
نجوتُ من هول العراق لأحلّ في ملجأي الدنمركي عام 1992، ومن زاويتي في هذه البقعة الآمنة في العالم عاودت بناء علاقاتي الأدبية وعالمي القديم، فبدأت بمتابعة زملائي كتاب المنفى العراقيين ينشطون في النشر وإصدار الكتب. وكان حسين من أولهم. دأبنا على تبادل أول إصدارتنا. وقبل أن تصلني مجموعته الأولى "خريف المدن" كنت قد قرأت قصته المهمة "طربييل" التي نشرتها القدس العربي على صفحة كاملة. كتبت عن مجموعته –خريف المدن - دراسة لمست بها عالماً جديداً على القصة العراقية والعربية، حيث هزَّ في هذه القصة أركان أعرق وأقدم علاقة إنسانية وشيجة الأم بابنها والتي خلخلها المنفى والثقافة والاغتراب الذي أصاب كلا الطرفين.
أتذكر فرحت حينما وصلتني روايته الأولى والوحيدة بالعربية "اعترافات بائع اللحوم" وكنت أتوقع أن يرفد "حسين" الأدب العراقي في المنفى بالمزيد من الروايات ويكون صوتاً مضاف لجهدنا أبناء جيله في المنفى، شاكر الأنباري، جنان جاسم حلاوي، نجم والي، حميد العقابي، سلام عبود. لكنه توقف عن الإصدار، وبت أتابع إصدارات ترجماته عن الألمانية، سيترجم روايات مهمة أذكر منها "طبل الصفيح" وغيرها. لكن ذلك جعلني أأسف فقد كنت أتأمل أن يضيف للنص العراقي من زاوية تجربته ما يعمد ويرسخ ما ذهبنا إليه.
وبقينا على تواصلٍ متباعد.
ظللت أتابع معاركه الصاخبة مع العديد من الرموز الثقافية اليسارية الانتهازية، التي هادنت وآزرت كتابة وموقفاً سلطت الدكتاتور، وحينما ضعفت السلطة وقت الحصار، لجأت إلى المنفى لتدعي بهتاناً بنضالٍ وهميٍ، حينما واجهت صلابة المثقف المنفي اليساري الحقيقي، وكان حسين المواجه الأول، إذ خاض حواراً حاداً على صفحات جريدة كانت تصدر في باريس –بريد الجنوب- في تسعينات القرن الفائت مع الناقد "ياسين النصير" الذي لجأ إلى هولندا زمن الحصار وأصطدم بسعة إطلاع كتّاب المنفى على مجريات العراق والمواقف، وسعة معارفهم النقدية، التي فاقت معرفته، فأغلب الزملاء الذين ذكرتهم يكتبون المقالة النقدية، والمقال الثقافي والشعر أيضا مضاف إلى نصوصهم الإبداعية.
أنبرى "الموزاني" في مواجهة "ياسين النصير" بمواقفه ومعارفه المتواضعة في تلك المحاورات العاصفة المنشورة في "بريد الجنوب".
ولم يهادن أو يجامل بل كان صريحاً، لم يجرأ كاتب أو ناقد أو مثقف عراقي على مس الروائي الرائد "فؤاد التكرلي"، لكن "حسين" كتب مقالاً عن مواقفه من سلطة الدكتاتور، ومشاركته في لجان جوائز قادسية صدام الأدبية، وعمله حتى مماته كملحق ثقافي في سفارة النظام في تونس، ولم يكتب بعد موت "التكرلي" بل في حياته.
ولم يتوقف لحظة من إعلان سخطه على الكتاب العراقيين والعرب العاملين في صحف الخليج والمستفيدين من سقط متاع أمراء الظلام، ونعتهم بالمرتزقة وخائنين شعبهم ووطنهم. وهو على صواب تماماً، فلدى علاقة صداقة طويلة مع أحدهم وكنت أحرر مجلة أدبية، كتب مقالاً تأخرت الصحيفة الخليجية في نشره، فأشرت له بنشرها في المجلة التي أعمل بها، فأجابني بالحرف الواحد تلفونياً:
- لا عيني مو يقطعون راتبي!.
فعرفت بأن هذه الصحف تمنحهم رواتب شهرية وهم في المنافي، (والمذكور روائي) كي تحّيد مواقفهم بالمال، فتباً لهم، عليهم أن يخجلوا فالحياة موقف ورحلة قصيرة.
في زيارتي قبل شهر للعراق، أخبرني صديقي الناقد الشاب "أحمد معن" عن موقف "حسين" الحاد من مجلتهم "الثقافة العراقية" التي صدر العدد الأول من تجمعهم "الصالون الثقافي" في الديوانية، كان حسين قد تضايق من افتتاحية العدد التي كتبها "أسامة غالي" الناقد الشاب ورئيس التحرير الذي أستشهد بالشاعر البعثي "سامي مهدي"، فتحاورت معه حول حساسية الوسط الثقافي العراقي والمواقف فيه وضرورة أن تكون المجلة متوازنة وبعيدة عن هذه التجاذبات، وعن رجالٍ كانوا زمن الدكتاتور وحروبه بيدهم القرار التنفيذي في الثقافة، ووعدته بالحوار من "حسين" حال عودتي إلى الدنمرك، لكنني لم ألحق كان الصقر الحائم في سمائه قد سبقني.
* * *
في ساحة واسعة وسط مدينة "بون" الألمانية، وكنت بصحبة الفنان المصور الجميل "إحسان الجيزاني" وكنا قد حضرنا مهرجاناً ثقافياً عراقياً أقيم هناك 2006. وسط تلك الساحة رأيته مقبلاً، تعانقنا وانفردنا بحديث خاص طويل، كان قلقاً مرتبكاً وأخبرني بأنه حزين جداً لأنه أنفصل قبل فترة وجيزة عن زوجته الألمانية وسينتقل إلى العاصمة "برلين" وأخبرني بأنه زار القاهرة وحلّ في أخبار الأدب وألتقى الروائي الراحل "جمال الغيطاني" رئيس تحريرها، فأعطاه نسخة من عددها الذي نشرتُ فيه ملفاً كاملاً من مقالاتي النقدية عن "سرد المنافي العراقي" ومن ضمنها مقالاً عن كتابه –خريف المدن- ودعاني للبقاء عنده ليلة، لكنني اعتذرت فتذكرة عودتي بعد ساعات معدودة.
* * *
في 2013 وفيما كنت بدوامة اليوم قراءة وقراءة، أتصل بيّ "حسين" هاتفياً، واخبرني بأنه وصل البارحة إلى كوبنهاجن بصحبة صديقته الألمانية "هايكه" ليقضي أياماً في نزهة سياحية وجدها فرصة لنلتقي. على الفور طلبت منه أن يلتقي بالنخب الثقافية العراقية هنا بتنظيم أمسية له، وحسمت كل سؤال بأن قلت سأرتب كل شيء ما عليه سوى أن يحضر نفسه، وكتبه متوفرة عندي، فحسين يفضل دائما قراءة نصوصه النثرية في الأماسي. وفعلا رتبت الأمسية مع التيار الديمقراطي، وقمتُ بتقديمه والحديث عنه، وقرأ نماذج من نصوصه وتحدث عن تجربته الحياتية والأدبية وحاور الجمهور. ومن حسن الصدف أن أبني الكبير "كفاح" كان حاضراً وأحب تصوير تلك الأمسية بتلفونه، فوثق ذلك اللقاء الثمين. في اليوم التالي وضعت التسجيل ذاك في اليوتوب.
ليلتها سهرنا وسط كوبنهاجن في مطعم لصديق عراقي من أبناء محلتي في الحي العصري، فسحة صغيرة تسع لطاولة تنزل لها في سلالم سبع، وكنت قد جلبت معي قنينة عرق فرنسي، وعدة قناني من النبيذ، وكانت جلسة جميلة بحضور الفنان الجميل كوكب حمزة وزوجتي ناهده جابر جاسم، وحسين الموزاني وصديقته وهايكه، وهاشم مطر سكرتير التيار الديمقراطي في الدنمرك. امتدت الجلسة حتى بعد منتصف الليل.
في حديث جانبي لمته على التركيز في جهده الروائي على الألمانية، بالرغم من فوزه بجائزة الكتاب الأجانب الذين يكتبون بالألمانية، فقد كنت أتأمل عقب روايته الأولى المزيد من الروايات العراقية التي ترفد الأدب العراقي بالمزيد من النصوص عالية المستوى، وقلت له كلنا ظللنا نكتب بلغتنا الأم وحققنا على الأقل تيارا كتابياً في زمن خاص الدكتاتورية سيشكل جانباً مهماً في مسيرة الأدب العراقي، رأيته يخلد إلى الصمت وينظر بعيدا وكأنه يرى شيئا، فأحسسته كأن أمر ما فاته، وحثثته على العودة للكتابة بالعربية وهو القادر، وكأنني شددت عزمه من جديد وقال: سأكتب .. سأكتب، كان متفائلاً حيوياً مكتظا بالأفكار والمواضيع، سريع البديهية، متواضعا وحميماً، مقبلاً على الحياة، حدثني بإعجاب عن صاحبته "هايكه" المتخصصة باللغات الشرقية، والتي تعرف عن العراق وتاريخه ما لا يعرفه الكثير من العراقيين.
وفيما كان بهذا التوهج والتوقد والحيوية لَقطهُ الصقر الحائم في سمائنا وهو نائم في سريره وحيداً في شقته وسط برلين.
حسين رحلت مبكراً
وداعاً.
|
التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي
التعليقات
1 - تحياتي استاذ سلام-كثيرون اخرون مرشحين للموت وحيدون
الدكتور صادق الكحلاوي
(
2017 / 2 / 27 - 04:57
)
تحياتي استاذ سلام مقالة نعي رائعه تشير ان الصقر دائب على التقاطنا-بالسره-وسريعا في هذا الضياع العراقي والثقافي خصوصا -للثقافة والمثقفين رب يرعاهم-اذا كان عنده وقت
.. بعد إيقافه قرر يتفرغ للتمثيل كزبرة يدخل عالم التمثيل بفيلم
.. حديث السوشال | الفنانة -نجوى كرم- تثير الجدل برؤيتها المسيح
.. هذا ما قالته الممثلة مي سحاب عن سبب عدم لعبها أدواراً رئيسية
.. -مساء العربية- يفتح صندوق أسرار النجم سعيد العويران.. وقصة ح
.. بيع -الباب الطافي- الذي حدد نهاية فيلم تيتانيك بسعر خيالي