الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


قيود أمّي

نادية خلوف
(Nadia Khaloof)

2017 / 2 / 28
الادب والفن


رواية في حلقات
المقدّمة: هذه القصّة حقيقيّة في معظم أجزائها، أردت أن أسجّل من خلالها الأشياء الخفيّة في حياة المرأة منذ الطفولة، وحتى الشّيخوخة، لكنّ بعض النّساء يفقدن صبرهنّ ، يفضّلن الموت، ولا يجدن وسيلة إلا حرق أنفسهن بصمت. كان لي صديقة اسمها مها جمعت ثيابها، وضعتهم في صرّة من خرق، بللتهم بالكاز، ثمّ أقفلت الباب، جلست فوق الثياب، وأضرمت النار بنفسها. كانت أمّاً لثلاثة أطفال، وقد تباطأ أهل زوجها في إنقاذها فماتت بعد ليلة، وبدأت الأقاويل، فقد كانت والدة زوجها تدخل من بيت لآخر، وتقول. هناك سرّ لا نعرفه. تتّهمها بشكل مبطّن بأنّها" لم تكن شريفة" أمّا أهلها فقد هربوا من الحيّ خوفاً من العار، فلو لم تكن خاطئة لما قتلت نفسها.
طبعاً في تلك الحادثة أجمعت النّسوة على أنّها تستحقّ ما جرى لها، فالمرأة أشد عداوة مع المرأة، والمسؤوليّة الأولى على الأمّ الخانعة، والتي هي خانعة حكماً في مجتمع جاهل مستبد.

الفصل الأوّل 1
في عام 1970 كانت علياء الجابر طالبة في الثانوية، سوف تكون في العام المقبل في الجامعة. هذا ما قالته صديقتها: لا نعرف ماذا حلّ بعلياء بعد زواجها،،طالما حاولنا التّقارب معها، تلبّي ما نطلب منها بكلّ مودة، لا تشاركنا الحديث. عندما ينتهي الدّوام في المدرسة تذهب ببطء إلى المنزل، وكأنّها كانت تودّ البقاء في منزلها. في عام 1980 غادرت علياء هذا العالم، وتركت طفلها تميم حيث كان في السّابعة من عمره.
قبل أن تقدم على الرحيل كتبت رسالة عن حياتها في مئة صفحة. تقول:
لا أعرف إن كنت هنا، أعيش خارج الزّمان والمكان. أخاف من الليل. أخاف زوجي ، أخاف الأشباح، أخشى كلّ شيء.
التقيت مع أيمن في السنة الأولى من الجامعة. جمعتنا علاقة حبّ، كنت سعيدة بوجوده، وليس لدّي فكرة أكثر من ذلك عن الحبّ. لا أرغب أن أعود إلى المنزل فكلّما عدّت أشعر أنّ ما جرى لي سوف يتكرّر مع عمّي الذي أتحاشى أن أنظر إلي عينيه. أشعر عندما يبتسم لي بالقرف من نفسي، فقد باغتني بقبلة مختلفة عن تلك القبل التي كنت أحلم بها من أمّي . كانت تقبّل أخي الصّغير بحبّ، وأحتّك بها كي تراني، ثم طويت الصفحة مع الزمن، اكتفيت أن أضّم يدّي إلى صدري عندما يكون الطقس بارداً، وأتكوّر على نفسي عندما يداهمني المرض، فلا أشكو لأحد. الحقيقة أنّني لا أفرق بين المرض، وغير المرض. فأحياناً أختبئ في عزّ الظهيرة خلف القبّة الصّغيرة، أسند ظهري إليها، أترك الحرّية لعينيي، وأنفي أن يأخذاني إلى الحزن. أسأل الشمس الحارقة: هل لو بقيت في مواجهتك سوف تقتليني؟ كنت أحلم أن تأتي أمّي كي تأخذني من يدي، وتقول لي أحبّك، لكن بعد أن يرهقني الجلوس أدخل إلى الغرفة فتأتي أختي وتشدني من شعري: أين كنت أيتها الشريرة. لم تساعديني في العمل. هيّا خذي هذه الأواني، ونظفيها، وبعد أن أنتهي ترمي بالصحون ثانية كي أعيد غسلها. أختي لا تكبرني إلا ببضع سنوات، لكنّني أخافها، ولا أتجرأ على مخالفتها، وحتى أمّي تحسب حسابها. أخي أيضاً يأتي فيطلب مني أن أصنع له الشّاي، ولا يناديني باسمي، ينكز رأسي بإصبعه باحتقار. تعوّدت على هذا الأمر.
لم أكن أحبّ أن أعود من الجامعة إلى منزلنا في القرية، وقبل أن أصل أضع غطاء رأسي كما أرادت أمّي، أدخل إلى المنزل، أصمت طوال الفترة التي أعيش فيها في منزلنا. أشعر أنّ المشاكل التي تحيط بنا لن تحلّها الأيّام، وفوق ذلك كلّه يتدّخل الأعمام والعمّات في كلّ شاردة، وواردة من حياتنا.
اعتقدت أنّ الدورة الشّهرية عار، فكنت أخفي أمرها، وبعد أن أصبح عمري خمسة عشر عاماً . لا حديث عند أمّي سوى أن تحذّرني من الرّجل، وتقول لي هي الغلطة الأولى والأخيرة. أصبحت أعيش هاجس أن أصبح حاملاً ولا يصدّقني أحد أنّني لم ألتق برجل. تعرّفت على الجنس لأوّل مرّة مع زوجي في المدينة الجامعية. لم أكن موافقة، ولا معارضة. كنت كالبلهاء، شعرت بالإهانة . شيء فظيع لم أكن أتخيّله.
الكثير منكم لن يصدّق بأنّني منذ تلك المرّة، وأنا أصاب بالغثيان.
تمّ الزّواج، ولم أشعر لحظة أنّني بخير، وكلّما حلّ المساء أخاف أن يعود أيمن قبل أن أنام. لم أشعر أنّه يعرفني. وليس مهتمّاً سوى لأمر واحد، وأنا أبحث عن حياة. أن ألبس ثياباً جميلة، وحليّ، نمسك بيد بعضنا، ونذهب إلى حفل موسيقيّ، أو نتحدّث عن أنفسنا ونحن نسير بين الأشجار. البيت فيه صمت القبور، وأيمن لا يأتي إلا في المساء، فقد كان لديه شركة لتأجير السّيارات. عندما ينام قربي يشخر، وينبعث من فمه رائحة الخمرة، أغيّر مكاني، وأنام على الكنبّة. اعتقدت أن الحياة تسير عند الجميع كما تسير معي، سكتّ على كلّ أمر. أقول لنفسي: كل البشر هكذا . لا يمكن أن أوجد نظاماً آخر للعالم. أكره جسدي، كسرت المرآة في الحمّام كي لا أراه، أشعر بالعار على الدّوام.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. تكريم إلهام شاهين في مهرجان هوليود للفيلم العربي


.. رسميًا.. طرح فيلم السرب فى دور العرض يوم 1 مايو المقبل




.. كل الزوايا - -شرق 12- فيلم مصري يشارك في مسابقة أسبوع المخرج


.. الفيلم اللبنانى المصرى أرزة يشارك فى مهرجان ترايبيكا السينما




.. حلقة #زمن لهذا الأسبوع مليئة بالحكايات والمواضيع المهمة مع ا