الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


اطلبوا الإصلاح ولو في مصر!

ناجح العبيدي
اقتصادي وإعلامي مقيم في برلين

(Nagih Al-obaid)

2017 / 3 / 2
الادارة و الاقتصاد


اطلبوا الإصلاح ولو في مصر!
شهادة نادرة لصالح الاقتصاد المصري، لكنها جاءت من الخارج. فقد عبرت وكالة فيتش للتصنيف الائتماني في أحدث تقرير لها عن تقييمها الإيجابي لأداء الاقتصاد المصري وأكدت تحقيق المزيد من التقدم في استعادة استقرار ميزان المعاملات الخارجية. يأتي هذا بعد فترة عصيبة بدت فيها مصر وكأنها ستصاب بجلطة اقتصادية قاتلة نتيجة التراجع الحاد في احتيطايات النقد الأجنبي واتساع العجر في ميزان المدفوعات والموازنة العامة للدولة. غير أن مصر لم ترفع راية الإفلاس ولجأت إلى الطريق الصعب لحل المشاكل وهو الشروع بإصلاحات جذرية كان يُفترض أن تُنفذ قبل عقود. غير أن كل الحكومات السابقة ابتداءا من جمال عبد الناصر وحتى حكومة الاخوان المسلمين برئاسة محمد مرسى عمدت إلى تأجيلها وترددت في تطبيقها، ليس عن قناعة وإنما خوفا من غضب الشارع المصري الذي سبق وأن أشعل ثورات "الخبز" المعروفة ردا على محاولات خجولة لإصلاح الأوضاع المزرية للاقتصاد المصري.
يبدو أن حالة الخوف هذه والسائدة ليس في مصر فقط وإنما في العالم العربي عموما، تعبر أيضا عن موقف رافض للتغيير والذي تتبناه أوساط شعبية وسياسية واسعة الأمر الذي يجعل من أي محاولة إصلاحية مغامرة غير محسوبة العواقب. غير أن المأزق الذي دخله الاقتصاد المصري في السنوات الستة الماضية لم يترك مجالا للرئيس المصري عبد الفتاح السيسي. فبعد انقلابه على حكم الأخوان المسلمين ورث السيسي أزمة اقتصادية مستعصية وميزانية خاوية واحتياطيات أجنبية ناضبة ووجد أمامه طريقين أحلاهما مر: إما مواصلة الاستجداء من دول الخليج الثرية والتضحية بإرادة مصر أو الإقدام على إصلاحات مؤلمة ولكن لا غنى عنها. ورغم أهمية المنح العربية والقروض الدولية إلاّ أن السيسي اختار التركيز على الطريق الثاني. ولهذا بدأ بإجراءات تقشفية غير مسبوقة ومنها مراجعة جذرية لسياسة دعم الوقود والمواد الغذائية وفرض ضرائب جديدة وترشيد الإنفاق العام وتعويم الجنيه المصري وغيرها. وجاءت هذه الخطوات بالتزامن مع نجاح الحكومة المصرية في الاتفاق مع صندوق النقد الدولي الذي وافق في نهاية عام 2016 على منح مصر قرضا إجماليا بقيمة 12 مليار دولار على مدى ثلاث سنوات. وعلى الرغم من التداعيات البالغة لهذه الإجراءات وتباين الآراء بشأنها، إلاّ أن ردود الفعل عليها بقيت ضمن إطار محدود. وكان من الملفت للنظر أن الشارع المصري لم يشهد حتى الآن اضطرابات اجتماعية خطيرة. ويبدو أن نجاح السيسي في تمرير حزمة الإصلاحات القاسية يعود بالدرجة الأولى إلى الشعبية الكبيرة التي لا يزال الجنرال السابق يتمتع بها، وكذلك إلى سياسة القبضة الحديدية المغلفة بقفاز من حرير في التعامل مع الأصوات المعارضة.
بدأت هذه الإجراءات تؤتي أُكلها بحسب تقرير وكالة فيتش. فقد سجلت احتياطيات النقد الأجنبي ارتفاعا كبيرا بلغ أكثر من 10 مليارات دولار مقارنة بأدنى مستوى له قبل ثمانية أشهر. من جانب آخر عاد الجنيه المصري لالتقاط أنفاسه بعد الانهيار الذي تعرض له بعد تعويم سعر صرف العملة الوطنية في شهر تشرين الأول/نوفمبر 2016 ونجح في تعويض جزء من خسائره مقابل الدولار. كما انخفض العائد على السندات الحكومية في مؤشر على تحسن ثقة المستثمرين المحليين والأجانب بالوضع المالي للدولة المصرية وبآفاق نمو الاقتصاد المصري. والأهم من ذلك كله تسجيل ارتفاع في تدفق الاستثمارات الأجنبية والتحويلات الخاصة، فيما بدأت الواردات بالانكماش مقابل تحسن في نشاط قطاع التصدير. ولم يكن هذا التطور الإيجابي بعيدا عن تقييم صندوق النقد الدولي الإيجابي لسياسة مصر الاقتصادية والذي يعتبر الاتفاق معه بمثابة ضوء أخضر للبنوك والشركات للنشاط في أي بلد. بدوره بدأ قطاع السياحة بالتعافي تدريجيا بعد الانتكاسات الخطيرة التي مني بها منذ عام 2011. ومن الواضح أيضا أن السيسي يعول كثيرا على بدء استثمار حقل الغاز العملاق في مياه البحر المتوسط والذي من المتوقع أن يبدأ الانتاج الفعلي قبل نهاية العام بحسب إعلان شركة إيني الإيطالية.
من المبكر القول بإن الاقتصاد المصري قد خرج من عنق الزجاجة بعد التدهور المريع في أوضاعه خلال السنوات الست الماضية والمشاكل الموروثة من العهود السابقة، يُضاف إلى ذلك مشكلة الانفجار السكاني. صحيح أن معدل نمو السكان في تراجع، ولكن كل عام تستقبل قرابة مليوني نسمة إضافية، وهو بحد ذاته تحدٍ كبير لأي حكومة على وجه الأرض. ومن المؤكد أيضا أن السياسة الاقتصادية للرئيس السيسي تنطوي على نواقص أساسية ومنها الميل للمشاريع الاستعراضية مثل توسيع قناة السويس وبناء عاصمة جديدة بدلا من الإهتمام بالمشاريع الصغيرة والمتوسطة التي يمكن أن تقدم مساهمة كبيرة في توفير السلع والخدمات وتوفير فرص العمل.
مع ذلك هناك ميزة أساسية تنفرد بها السياسة الاقتصادية في مصر في الفترة الأخيرة، وهي الجرأة والشجاعة في تطبيق إصلاحات جذرية مؤلمة ولكن لا غني عنها، وفي ظل ظروف اقتصادية صعبة. يأتي هذا بعد توقف العالم العربي عمليا عن السير في طريق الإصلاح والتغيير ضمن وضع كرسته ما يدعى بثورات الربيع العربي التي جعلت من "غضب الشارع" بعبعا يصعب ترويضه. ولهذا لجأت معظم الدول العربية إلى نهج الترضية ومحاولة شراء سكوت "الرعية" عبر توزيع المكرمات والهبات والصدقات بدلا من تحفيز المبادرة الشخصية والتعامل مع الفرد كمواطن راشد وقادر على الإبداع. يمكن ملاحظة هذا النهج أيضا في العراق ودول الخليج النفطية والجزائر وغيرها. غير أن انهيار أسعار النفط في منتصف عام 2014 أوصل هذا النهج إلى طريق مسدود. وسيجبر ذلك الجميع عاجلا أم آجلا على السير في طريق الإصلاح الشاق. حينها يمكنهم التعلم من تجربة مصر.

د. ناجح العبيدي
2 آذار/مارس 2017








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. أصوات من غزة| شح السيولة النقدية يفاقم معاناة سكان قطاع غزة


.. عيار 21 الآن.. سعر الذهب اليوم الخميس 25-4-2024 بالصاغة




.. بركان ثائر في القطب الجنوبي ينفث 80 غراما من الذهب يوميا


.. كل يوم - د. مدحت العدل: مصر مصنع لاينتهي إنتاجه من المواهب و




.. موجز أخبار السابعة مساءً- اقتصادية قناة السويس تشهد مراسم اف