الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


الطفولة في العراق .. الى أين ؟

حامد حمودي عباس

2017 / 3 / 2
حقوق الاطفال والشبيبة


من خلال دراسة قدمها مؤخراً الجهاز المركزي للاحصاء في وزارة التخطيط العراقية ، الى المؤتمر السنوي لهيئة رعاية الطفولة في العراق ، تظهر للمتتبع خطوط بيانية تشير الى ان الطفل العراقي امام منعطفات خطيرة ، ستؤدي به الى اوضاع يصعب الوقوف حيالها في موضع يسمح بالقدرة على تفادي ما ستنتجه من اخطار مجتمعية واسعة الطيف .
ومع ان تلك الدراسة ، غير المستفيضة ، باعتبارها لم تبتعد في السعي صوب الدراية بتفاصيل اكثر بعداً داخل المجتمع ، فجاءت الارقام المدرجة في السرد ، ضعيفة الدقة في العديد من الحالات المشخصة ، وقد يكون سبب ذلك هو عدم الاعتماد على الحس الميداني والركون فقط الى ما يشبه الاستفتاء ، مع ذلك ، فان ما ورد من ارقام توحي في مجملها الى أن عواراً يبدو واضحاً في بنية المجتمع العراقي في ما يتعلق بالاسرة عموماً ، والمرأة والطفل على وجه الخصوص .
يشير الجهاز المركزي للاحصاء من خلال تقديراته ، بان نسبة التحاق الاطفال بالدراسة الابتدائية ، بلغت ( 79 % ) رغم مجانية هذه المرحلة الدراسية .. كما يشير المركز الى ان ( 43،5% ) من غير الملتحقين بالدراسة الابتدائية اعزوا سبب ذلك الى عدم رغبة الوالدين ، و( 22،5%) لضعف في حالتهم المادية ، و ( 18،3% ) لبعد المدرسة عن سكناهم .
لقد توقفت ، وبشكل اشعرني بالمرارة والخوف معاً ، امام حقيقة ان تبلغ نسبة غير الملتحقين بالدراسة الابتدائية من الاطفال هذه الحدود غير الطبيعية .. والاكثر مدعاة للتأمل هو ارتفاع نسبة الاباء غير الراغبين بتعلم ابنائهم وبناتهم ، ولاسباب قد لا تتعلق في الغالب بحالتهم المادية .
فماذا يعني هذا ؟ .
انه يعني لكل متفحص منصف ، بكارثية المستقبل التعليمي لشريحة واسة جدا من ابنائنا ، وهم يحثون الخطى صوب واحات الجهل وانعدام المعرفة .. ويعني في موضع آخر ، خلق جيل متخلف عن ركب التمدن ، وتقبله للانسياق وراء دعوات السلفية الدينية ، بما تسببت به لشعبنا من ويلات ما زلنا نعيش مرارتها ولحد هذا اليوم .. ويعني ايضاً تفشي عنصر البطالة وسعة آفاقها كنتيجة لعدم امتلاك المعرفة بوسائل التقدم الحضاري ، الضرورية لبناء صرح يعتمد في تقدمه على التكنلوجيا المتطورة .
لقد شخصت الدراسة في موضع اخر من ديباجتها ، امراً خطيراً آخر ، وهو ما يتعلق بالمناهج الدراسية .. ففي حين بلغت نسية المقتنعين بتلك المناهج ، ومن الفئة العمرية بين 10 – 14 سنة ( 79% ) ، تنحدر تلك النسبة الى ( 71% ) للفئة العمرية بين 15 – 18 سنة ، ثم تزداد انحداراً لتبلغ ( 62% ) للفئة العمرية بين 19 – 24 سنة . . وهذا معناه هو اننا كلما تقدمنا نحو الاعمار الاكبر ، نجد بان نسب الاقتناع بالمناهج الدراسية تقل الى مستويات منخفضة ، كون ان عقل الاكبر عمراً من بين الشباب ، هو اكثر رجاحة بالنظر الى صلاحية ما يقدم له من نصوص تدريسية .
ومن الغريب ، والحالة هذه ، ان لا يوجه الجهاز المركزي للاحصاء ، دراساته الى وزارات اكثر صلة بما يطرحه من نتائج استفتائية من هذا النوع ، كوزارة التربية والتعليم والصحة والداخلية ( سيرد ذكر علاقة الوزارتين الاخيرتين بالامر في اللاحق من المقال ) والاكتفاء بطرحها على مؤتمر ( سنوي ) لهيئة ليس بمقدورها ان تحرك أي ساكن بشأن الطفولة والاسرة كهيئة رعاية الطفولة في العراق ، فضلاً عن انه من المؤكد عدم اهنمام المشاركين فيه بابعد من موطئ اقدامهم ، وخروجهم من ذلك المؤتمر وهم يحملون هموما اخرى غير ما يحيط باطفال بلادهم من هموم ؟ .
ان ما يتعرض له الطفل العراقي ، جراء الانخراط في اعمال لا تناسب عمره ولا قدرته الاستيعابية ، يشكل ظاهرة يندى لها الجبين ، وتمتد ملامحه المؤسفة الى ابعد من حدود الشعور بالشفقة ، وابداء الأسى العابر من خلال برامج رسمية واعلامية ، لا تغني ولا تفي بالغرض المطلوب .
ومع اليقين التام ، بان ما اوردته دراسة الجهاز المركزي للاحصاء بهذا الشأن من ارقام ونسب ، هي اقل بكثير مما يفرزه الواقع ، ولكننا نجد انفسنا امام حيرة مبررة حين يكتفي المركز بذكر نسب للاسباب التي اوجدت عمالة الاطفال ، ولا يذهب لتقدير عدد الاطفال المنخرطين فعلا في تلك العمالة ، حيث ورد في الدراسة بان نسبة ( 22،4% ) من اسباب عمل الاطفال هي الفشل بالدراسة ، و نسبة ( 68،7% ) بسبب ضعف الحالة المادية ، في حين بلغت نسبة الضغط من الاسرة ( 44،5% ) .
ويجد المتتبع ميدانيا من خلال المعايشة اليومية الاعتيادية ، بان اعداد الاطفال المنخرطين بالعمل ، قد بلغت نسب تدعو للخوف من النتائج المترتبة على ذلك .. هذا اذا تجاوزنا ما موجود من ظواهر الاستغلال الجنسي والمتاجرة بالاعضاء البشرية والتسويق قسراً وعن طريق الخطف الى دول الجوار ، كل ذلك نتيجة عوامل التشرد والضياع والتفتت الاسري الناجم عن الفقر والجهل وعدم الاستقرار ..
واستجابة لضرورة الوقوف عند واحدة من الظواهر المساهمة في تشتيت الواقع الاسري ، وهو الوضع الصحي والنفسي للاطفال ، فان الدراسة تذهب الى ان ( 36،7% ) من الخاضعين للبحث ضمن الاستفتاء ، يقولون بان الحرب تثير قلقهم وتسبب لهم عدم الشعور بالسعادة ، في حين قال ( 43،3% ) بان سبب عدم امتلاكهم للسعادة ، هو فقدان الأمان .
وفي هذا الاطار على وجه التحديد ، ماذا يمكن لأية جهة معنية رسمية او شبه رسمية ، ان تتحرك صوب المعالجة ، ولو بالمستويات الدنيا ، لتلافي الخراب الحاصل في نفوس الاطفال ، وهم يتلقون يوميا تداعيات حروب لا يبدو بان نهاياتها قريبة ؟ .
وباعتقادي الخاص ، فان ظاهرة تسول الاطفال ، باعتبارها قد انتشرت في اوساط واسعة منهم في الشوارع والمدن بشكل عام ، تعتبر من اخطر الظواهر التي تستوجب التشخيص من حيث الاسباب ، ناهيكم عن السعي لايجاد سبل ناجحة لاستئصال اكبر حجم منها .. فتسول الاطفال في المدن العراقية اخذ في الاونة الاخيرة منحى خطير وآخذ بالتزايد وبشكل مضطرد .. وما يجعله اكثر خطورة هو امتداده الى حدود الاستغلال من قبل العصابات المنظمة ، والتي راحت تنشط في ميادين الاختطاف واستغلال نسوة مستأجرات مع تكليفهن باصطحاب اعداد كبيرة من الاطفال وبمختلف الاعمار ، ليتعرضون الى تقلبات المناخ وسوء المعاملة ، وارغامهم على الاستيقاظ في الصباح الباكر ، وبقائهم عند تقاطعات الطرق وارصفة الشوارع وحتى ساعات متاخرة من الليل ، بهدف الحصول على عطف المارة .. ان الغفلة البادية على اجهزة الشرطة ، واظهار عدم الاكتراث بهذ الظاهرة التي ترقى الى اوصاف الجريمة المتعمدة ، يدعو للاستغراب ، اذ يتعذر البعض منهم بعدم وجود تعليمات رسمية بقطعهم سبل التسول العشوائي ، وبهذه الطريقة المتفشية والمنسحبة الى مساحات واسعة جدا .
انني لا اجد سبباً بعينه الى عدم الالتفات لهذه الظاهرة الخطرة بحق الطفل والاسرة والمجتمع ، من قبل الجامعات العراقية ، تاركة الامر لمؤتمرات يتيمة تقيمها مؤسسات ، الهدف منها كسب الشهرة فقط لا غير ، او ايجاد أبواب للصرف على طريق فساد واضح للعيان .
ان الهجرة المتزايدة من الريف الى المدن ، جراء السياسات الخاطئة للحكومات المتعاقبة في العراق ، في وضع اسس سليمة لانعاش القطاع الزراعي ، مع غياب الخدمات وتدهور القطاع الصحي والتعليمي في الريف ، قد ساهم وبشكل مباشر في زيادة ظاهرة التسيب الحاصل في حياة شريحة كبيرة من الاطفال .. وقد ذكر الكاتب ماجد زيدان الربيعي في احدى بحوثه المنشورة في مجلة الثقافة الجديدة بعنوان ( اطفال الشوارع في العراق ) ، بان نسبة سكان الريف الى مجموع السكان في عموم البلاد قد تناقصت لتبلغ في عام 1960 ( 57% ) ، وفي عام 1990 ( 34% ) ، وانحدرت عام 1997 الى حدود ( 25% ) .. وضمن هذا السياق ستتحقق امامنا معرفة حجم الضرر الحاصل لحياة الطفل لو علمنا بان نسبة الامهات الاميات في المدينة والريف قد بلغت نسبة ( 53% ) حسب الاحصاءات الميدانية لوزارة التخطيط العراقية .








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



التعليقات


1 - وضع مخيف
طلال مجيد ( 2017 / 3 / 4 - 11:34 )
يقول المثل العربي (المنايا لا تأتي فرادا). في زيارتي الاخيرة للوطن قضيتها في التجوال و المشاهدة وزيارة الاهل و الاحباء و الاصدقاء رأيت واقعا مزريا يلف في سوداويته كل مناحي الحياة. هل يمكن دراسة واقع الطفولة في العراق و استخلاص نتائج عملية و الايعاز للجهات المختصة بتحسين وضع الاطفال و تطويردراستهم بمعزل عن العنف والفوضى والإرهاب والفساد والقتل والخطف والانتقام والجهل وضياع قيمة الإنسان. لقد رأينا فيديو في محطة تلفزيونية عراقية عن الطفل نور الذي كان ينشر فيديوهات مثيرة للجدل على موقعه الاجتماعي. و بسبب نشاطه التخريبي هذا اختطف من جهة ما واشبع ضربا و حلق شعره و لم يعرف الجاني. هل الذل الذي يشعر يه المواطن نتيجة انفطاعات الكهرباء المتكرره و الكـثيرة يخلق منه عضوا مفيدا ومخلصا للمجتمع. هل المدرسة التي أقفلت أبوابها وصار معلموها يعملون بالقطعة لدى طلابها هي بالفعل مؤسسة تربوية و تعليمية. وهل وهل وهل....الخ. دمت اخ حامد على هذه الدراسة و وضع النفاط على الحروف.

اخر الافلام

.. Amnesty Launches Annual Report on the State of Human Rights


.. وكالة -الأونروا- تنشر مشاهد للدمار في غزة في اليوم الـ 200 ل




.. بطلب من الأرجنتين.. الإنتربول يصدر نشرة حمراء لاعتقال وزير د


.. إسرائيل تستبق الاجتياح البري لرفح بإنشاء مناطق إنسانية لاستي




.. إسرائيل.. تزايد احتمال إصدار محكمة الجنايات الدولية مذكرات ا