الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


رأس المال النفسي ورأس المال البشري كمكونات جوهرية بعنصر العمل

تامر البطراوي

2017 / 3 / 2
الادارة و الاقتصاد


رأس مال العمل (هيكل العمل)
العمل هو ما يملكه الأفراد من عوامل معنوية متجسدة أو عوامل مادية جسدية ذات أثر على عملية الإنتاج ، سواء أكان ذلك الأثر جُهد مبذول أو أثر سلبي كالشهرة التجارية الإيجابية ، توظيف تلك العوامل إنتاجيا هو عملية رسملة العمل والتي يكتسب بموجبها تلك العوامل صفة رأس المال ، وبذلك فإننا بصدد التمييز ما بين شقين أساسيين لعنصر العمل أو العوامل المملوكة من قبل الأفراد والمرتبطة إرتباطا مباشرًا بهم ذات الأثر الإنتاجي وهي العوامل الجسدية والعوامل المتجسدة ، العوامل الجسدية (body´-or-Physical) برسملتها تتحول إلى "رأس المال الجسدي" (Body Capital) –البدن هو الجسد بدون رأس- ، والتي تُمثل المكون الأساسي لعنصر العمل المتعلق بالأعمال الجسدية (psychical labor) وهي الأعمال التي ترتبط بشكل أساسي على الخصائص الجسدية كأعمال عارضات الأزياء والألعاب الرياضية خاصة ألعاب القوة ووظائف الحراسة والأعمال البدنية الشاقة كالحفر والحمل بالإضافة إلى أعمال الدعارة ، أما العوامل المتجسدة (Embodied) فهي المكون المعنوي داخل الأفراد والذي يسهم بشكل مباشر في عملية الإنتاج والذي ينقسم إلى رأس المال البشري (human capital) والذي يجيب على تساؤل "ما الذي نعرفه (المعرفة ذات الإرتباط المباشر بالعمل)؟" (what we know?) ، ورأس المال الثقافي (Cultural Capital) والذي يجيب على تساؤل مال الذي نعرفه (ذو العلاقة غير المباشرة بالعمل)؟ ، ورأس المال النفسي (Psychological Capital) والذي يُجيب على تساؤل "من نحن؟" (who we are?) "وماذا اصبحنا؟" (who we are becoming؟) ، ورأس المال الإجتماعي (Social Capital) والذي يجيب على تساؤل "من الذي نعرفه؟" (who we know?) (KAPLAN & BİÇKES, 2013, p. 234) ، ويبقى التساؤل ما هو أثر تغير هيكل العوامل الجسدية والمتجسدة في عنصر العمل على الإنتاجية من المنظور الجزئي (Micro) وعلى نمو الإقتصاد القومي من المنظور الكلي (Macro)؟ هل لإختلاف العوامل الجسدية كلون البشرة والطول والوزن وسمة الشكل أثر على نمو الناتج القومي؟ ما هو أثر تغير العوامل الديموغرافية (العمر، النوع، التعليم، المهنة، الثقافة، العلاقات الإجتماعية) على الإنتاجية أو على نمو الإقتصاد القومي؟.
العوامل الجسدية والمتجسدة بالفرد مجتمعة تُمثل في مجموعها رأس مال عنصر العمل ، والذي يُمثل دخله تكلفة مساهمته في عملية الإنتاج أو قيمة إضافته بالإنتاج ، أما قيمة الأصل الرأسمالي فيمكن حسابها بشكل جزئي (لأصل واحد من عنصر العمل) أو كُلي (لكل أصول العمل الجسدية والمتجسدة) وفقًا لثلاث أصناف من القيم وهي: قيمة التكلفة والقيمة السوقية والقيمة التجارية ، قيمة تكلفة الإنتاج (Labor Production Cost) هي مجموع ما تم إنفاقه على الفرد لإكسابه العوامل المادية والمعنوية التي لا يمكن أن تنفصل عنه والتي تسهم في صناعة دخله وإنتاجيته ، أما القيمة السوقية للعمل كأصل (Labor Market Cost) فهي تقدير السوق الحالي لقيمته ، والتي يمكن حسابها من خلال القيمة السوقية لإيجاره السنوي (مجموع دخول عنصر العمل خلال السنة) ، وذلك من خلال قسمة متوسط سعر الفائدة (r) مقابل الودائع على الأجر أو الدخل السنوي للعمل (y) كالآتي:
LMC=r/y
أما القيمة التجارية للعمل (Labor commercial Cost) كأصل رأسمالي فهي قيمة مجموع الدخول التي حصل أو سيحصل عليها عنصر العمل خلال حياته الإفتراضية مقابل مساهمته في عملية الإنتاج ، وهي مجموع الأجور السنوية بعد حساب الزيادة السنوية الحقيقية المتوقعة لكل سنة ، وذلك بخصم معدل التضخم (Inflation Rate -Consumer Price Index – CPI) من الزيادة السنوية العددية المتوقة أو معدل نمو الدخل الإسمي (rg) وذلك من خلال المعادلة التالية:
LCC=y(1+r_g-r_CPI ) ^n1+y(1+r_g-r_CPI ) ^n2+∙∙∙∙∙∙n
إلا أن مجموع تلك القيم التي سيتم تحصيلها خلال العمر الإفتراضي لتشغيل ذلك الأصل الرأسمالي لا تعبر عن معيار مكتمل لتلك القيمة التجارية ، فإذا كانت الفائدة السنوية هي 10% فإن قيمة المبلغ اليوم تعادل قيمته مضافًا إليها 10% بعد عام ، وبالتالي فإن عائد التضحية بقيمة المبلغ اليوم لإستثماره لمدة عام مقابل الحصول على 10% بعد عام هو عائد صفري ، ووفقًا لذلك المفهوم يمكن حساب القيمة الحالية للقيمة التجارية لأصل العمل ، وذلك بخصم متوسط سعر الفائدة (r_i) من صافي الزيادة السنوية (r_g-r_CPI) ثم التعويض في المعادلة السابقة ، الإهلاك هو النقص التدريجي من قيمة الأصول المادية وبالأخص رأس المال الصناعي ، أما النقص التدريجي من قيمة الأصول المعنوية فيطلق عليها الإستهلاك كما في حالة العمل والذي يتحدد بالعمر الإفتراضي للأصل أو عدد سنوات العمل المتاحة ، أما التكاليف التشغيلية لعنصر العمل فهي النفقات الضرورية والأساسية لإتمام مهام العمل ، والتي بخصمها من الدخل أو من إجمالي القيمة المضافة يتولد فائض القيمة.


رأس المال النفسي (هيكل العوامل النفسية)
الصفات الإنسانية هي الصفات التي يشترك بها جميع الناس باختلاف الزمن أو الموقع أو العرق أو الدين أو الجنس أو العمر أو الحالة الإقتصادية ، وإن كانت تلك العوامل الأخيرة (العوامل الإجتماعية) تؤثر عليها ، الصفات الإنسانية تُمثل في مجموعها جسد إنساني معنوي يتشابه في تكوينه جميع البشر ولكن لا يتماثلون بنفس منطق اشتراك الأجساد البشرية في نفس التكوين مع اختلاف الأجساد البشرية عن بعضها البعض ، فكما أن مكونات الوجه البشري هي ثابته بين البشر إلا أن الوجوه ليست متماثلة ، وبالمثل يكون التشابه لا التماثل بين الخصائص الإنسانية المعنوية وهو ما يمكن وصفه بتفاوت البصمة الإنسانية أو الشخصية من شخص لآخر ، كما أن الجسد المعنوي معقد بنفس درجة تعقيد الجسد المادي ، فللجسد النفسي بصمة تتحدد بالمستوى الغريزي ثم المعلومات الوراثية المرتبطه بالعرق والقرابة البعيدة وأخيرًا المعلومات الوراثية المرتبطة بالقرابة القريبة والوالدين ، تشترك جميع الأجساد النفسية الإنسانية في ميول وحاجات تعرف بالحاجات الإنسانية فوق العضوية واختصارا "الحاجات الإنسانية" ، والتي تختلف بالتأكيد عن الميول أو حاجات الإنسانية العضوية وهي كل ما يحتاج إليه أعضاء الجسد المادي واختصارا "الحاجات الإنسانية المادية" ، أما الحاجات الإنسانية فهي عبارة عن حاجة أو رغبة لشعور عاطفة أو ممارسة سلوك تجاه أو من كائن مادي أو معنوي ، فمن حيث اتجاه تلك الحاجات فهي إما علاقة ذات اتجاه واحد من الإنسان تجاه الغير أو من الغير تجاه الإنسان أو متبادلة ، الصفات الإنسانية تنشأ من المستوى الغريزي ثم تتحدد بصمتها النفسية بناءًا على المعلومات الوراثية وأخيرا يتحدد شكلها النهائي بناءً على اللون الإجتماعي المحيط فيما يمكن أن نطلق عليه "الرغبات الإنسانية" ، النفس الإنسانية جسد معنوي معقد يرتبط تكوينه بالمعلومات الواعية والمستويات اللاواعية متوغلة العمق ، فكما أن الجسد الإنساني يمكن تمييز ملامحه وبصمته المميزة برؤية بصرية ، إلا أن تكوينه الداخلي أو تشخيص مدى وجود خلل في بنيانه المادي قد يتعذر على الإنسان نفسه معرفته ويستلزم منظار أو تحليل طبي متخصص ، فبالمثل بالنسبة للجسد الإنساني المعنوي والمعقد من أعمق المستويات اللاواعية إلى أظهر المستويات الواعية فإن ملامحه وبصمته المميزه يمكن تمييزها من خلال رؤية عامة لسلوك الشخصية ، إلا أن التكوين الداخلي متوغل العمق للجسد النفسي فيستلزم معرفته نفس الدرجة من دقة الأدوات والتخصص لإستكشافه أو تشخيصه ، الجسد الإنساني المعنوي كُل مترابط له طاقة وقدرة بنفس منطق الجسد الإنساني المادي ، والذي قد يؤدي خلل أو عدم إلتئام جرح غائر به إلى تعطل الجسد كله وموته ، فبالمثل فإن الجسد الإنساني المعنوي يتألم في حالة الخلل النفسي أو الجراح النفسية والتي تؤدي الإصابات والصدمات الخطيرة منها إلى هلاك الجسد الإنساني المعنوي أو النفسي فيما يُصطلح عليه بحالات الجنون أو فقد العقل تعبيرًا عن فقد النفس.
رأس المال النفسي (PsyCap) هو السمات الشخصية التي تساهم في إنتاجية الأفراد ، والذي عرفه رائد نظرية رأس المال النفسي "لوثانس" (Luthans, 2007) بأنه "الدراسة والتطبيق الموجه لإحداث ارتقاء إيجابي للقدرات النفسية بالموارد البشرية لتحسين بيئة العمل الحالية ، والتي يمكن قياسها وتنميتها وإدارتها بكفاءة (KAPLAN & BİÇKES, 2013) ، وبذلك فقد اعتبر "لوثانس" أن رأس المال النفسي ليس هو نفسه الشخصية أو الميول الوجدانية الوراثية والجينية ، فهو ليس ثابتا بنفس المنطق وإنما هيكل متغير وقابل للتغير والتطور من خلال الخبرات والتدريب (Çetin & Basım, March 2012, p. 161) ، فيما يُصطلح "بالتدخل التأثيري على رأس المال النفسي" psychological capital intervention (PCI) (LUTHANS, JAMES , & BRUCE, 2006) ، رأس المال النفسي (PsyCap) هو مجموعة من العوامل النفسية الإيجابية بالأفراد ذات أثر إيجابي على إنتاجيتهم ، والتي تُمثل أبرزها نموذج "هيرو" (HERO) والتي تتألف من أربع مكونات رئيسية وهي: والأمل (hope) وهو المثابرة على الوصول للأهداف ، والكفاءة الذاتية (self-efficacy) والتي تعني الثقة في القدرة على بذل الجهود اللازمة للوصول للنجاح ، والمرونة (resilience) وهي القدرة على التعامل بالتقدم والتراجع وتغيير الإتجاهات في حالة مقابلة مشكلات من أجل الوصول للأهداف وتحقيق النجاح ، كما عرفها "لوثانس" على أنها "قدرة إيجابية نفسية يمكن استخدامها لمواجهة الأحداث السلبية" ، والتفاؤل (optimism) وهو التوقع الإيجابي بالنجاح في الحاضر والمستقبل ، هذه العوامل الأربعة قد تواترت الإثباتات العلمية التي تؤكد أنها تتفاعل بتناغم لتحسين الإنتاجية (Milan , Steven, & Larry , 2013) ولها أثر إيجابي على تحسين الأداء الوظيفي (JP) Job Performance ، كما أن السلوك الوظيفي (work attitudes) والسلوك التنظيمي الإيجابي (positive organizational behavior (POB)) يؤثر على هذه العلاقة بأثر متوسط (Kappagoda, Othman, & Alwis, 2014) ، وفي دراسة أخرى حول اختبار أثر العلاقة ما بين عوامل نموذج "هيرو" والرضا الوظيفي أثبتت النتائج وجود علاقة إيجابية بشكل خاص ما بين تفاعل عنصري "الأمل والكفاءة" (self efficacy and hope) على الرضا الوظيفي (JS) ، وبالمثل أثر إيجابي معنوي الدلالة ما بين تفاعل عنصري "المرونة والتفاؤل" (resiliency and optimism) وما بين الرضا الوظيفي (KAPLAN & BİÇKES, 2013) ، ومع ذلك فالعديد من الدراسات الأخرى ركزت على عوامل نفسية أخرى كمكونات أساسية أيضًا برأس المال النفسي كالصحة النفسية والتعلق بالعمل والذكاء العاطفي والشجاعة التسامح (Çetin & Basım, March 2012, p. 162) والرغبة في الإبداع والشعور بالإمتنان ويقظة العقل والدقة والتحقق (Luthans, Carolyn , & Morgan, 2015).


رأس المال البشري (هيكل المعرفة البشرية)
ترجع البدايات المبكرة لنظرية رأس المال البشري لكلاً من آدم سميث وويليام بيتي بأواخر القرن الثامن عشر بتناول رسملة البشر واعتبار عنصر العمل رأس مال بشري (human capital) يمكن الإستثمار فيه من خلال التعليم والتدريب ، وبالرغم من تركيز نظرية الكلاسيك لرأس المال البشري على التعليم والتدريب إلا أنها لم تفصل بشكل واضح ما بين المهارات والقدرات البدنية وبين المعرفة التي تسهم في عملية الإنتاج (KUCHARČÍKOVÁ, 2011) ، وظل المصطلح بعيدًا عن التناول منذ تلك الفترة إلى أن أثاره مرة أخرى "آرثر سيسل بيجون" 1877 – 1959 (Arthur Cecil Pigou) عام (1928) بكتابه المعنون بـ "دراسة في المالية العامة" ، والذي دعا فيه للتعامل مع الإستثمار في رأس المال البشري كما يتم التعامل الإستثمارا فى رأس المال المادى (Pigou, 1928, p. 29) ، أما أول تناول لنظرية "رأس المال البشري" بشكل مفصل ومتوسع فيرجع لجهود مدرسة شيكاغو في ستينات القرن العشرين خاصة مع كتابات "ثيودر ويليام شولتز" 1902 – 1998 (Theodore William Schultz) و"جاكوب مينسر" 1922 – 2006 (Jacob Mincer) و"غاري بيكر" 1930 – 2014 (Gary Becker) ، مينسر هو أول من قدم نموذج لقياس العائد على التعليم عام 1958 فيما يُعرف بدالة الكسب المنسرية ، والتي اعتبر خلالها أن طول فترة التعليم أو التدريب هي المصدر الأساسي للتفاوت في دخول العمال والنمو القومي ، إلا أن ذلك يتطلب تأجيلا للدخل لفترة مستقبلية ، وعلى أساس الزيادة المتوقعة في الدخل بعد التعليم والتدريب لتعويض تكلفة التدريب والدخول المؤجلة يتخذ الأفراد قرار التعلم أو التدريب (Mincer, 1958) ، أما التوسع في نظرية عائد الإستثمار في رأس المال البشري فيرجع إلى أعمال بيكر (مصطيفى و بن سانية، 2014، صفحة 108) بداية من كتابه "رأس المال البشري" المنشور عام 1964 والذي أكد به على أن الإستثمار في رأس المال البشرى يكون من خلال التعليم والتدريب والقيم التي لا يمكن أن تنفصل عن الأفراد بالإضافة إلى الرعاية الطبية ، وأن معدل العائد عليه يُمثل نسبة الزيادة في الناتج إلى قيمة الإستثمار ، وبذلك فمع أبحاث بيكر تصاعد الإتجاه الذي يؤكد تضمين الخدمات الصحية ضمن مقاييس ومؤشرات رأس المال البشري ، باعتبار أن الحالة الصحية واللياقة البدنية تؤثر في رأس المال البشري كميًا عن طريقة تخفيض الوفيات ، ونوعيًا عن طريق التأثير في مقاومة الأفراد للآلام وزيادة حيوية العنصر البشري وكفاءته (Woodhall, M., 1987) ، شولتز (1979) اعتبر أن رأس المال البشري هو كل ما يمكن امتلاكه الإستثمار فيه من عوامل معنوية داخل الأفراد كالتعليم والتدريب والتي تؤثر إيجابيا على تحسين أداء العمل ، وفي عام (1981) أكد شولتز بكتابه "الإستثمار في البشر" على أثر العوامل الذاتية والفطرية على تكوين رأس المال البشري (Take into account the innate and acquired skills. Those are important and may invest to expand, will form the human capital) ، وأكد بشكل خاص على ارتباط رأس المال البشري بالقدرات الذاتية على التكيف مع صعوبات واشكالات واختلالات العمل (disequilibrium) (Joseph & Aibieyi, 2014, pp. 56-57) والذي أطلق عليه علماء رأس المال النفسي "المرونة" ، في نفس العام (1981) قدم عالم النفس الأمريكي "هوارد غارندر" 1943 – معاصر (Howard Gardener) أستاذ التعليم والإدراك بجامعة هارفرد نظرية "الذكاءات المتعددة" (multiple-intelligences theory) والتي اعتبر خلالها أنه لا يجب النظر لرأس المال البشري على أنه ذو بعد واحد يتعلق بمهارات ومعارف العمل ، بل يجب تناوله باعتباره لكي يمكن تفسير كيف أن العديد من الشخصيات الشهيرة والبارزة في مجالاتها ذات مهارة منخفضة وبشكل كبير (Acemoglu & Autor, 2011, p. 5) وهو ما أطلق عليه علماء رأس المال النفسي الكفاءة الذاتية أو كفاءة الوصول وتحقيق الأهداف ، أما دراسة كلاً "جينز وبولز" (Bowles-Gintis) فقد أكدت على ارتباط رأس المال البشري في المقام الأول مع مهارة التكيف مع الطبيعة الهرمية للمجتمع الرأسمالي وسوق الأعمال (hierarchical/capitalist society) كالقدرة على العمل في وحدات الإنتاج ضمن فرق العمل وطاعة الأوامر والإلتزام بالواجبات والمسؤليات..، وهو ما يجب تحديدا غرسه في الأفراد من خلال التعليم (Gintis & Bowles, 1986) ، وبذلك أصبح مصطلح رأس المال البشري يشير إلى "المعرفة والمهارات والإمكانات والقدرات والصفات والخصائص المختلفة الكامنة في الأفراد والتي لها صلة وارتباط بالنشاط الإقتصادي كأصل غير ملموس يعزز الإبتكار والإبداع" (Woodhall, M., 1987) وقد عرفه القاموس الإقتصادي (The Penguin Dictionary of Economics, 1984) بأنه المهارات والقدرات والطاقات التي تُمكن الأفراد من اكتساب دخولهم ، وبذلك فإن نظرية رأس المال البشري اتجهت للتأكيد بشكل أساسي على العوامل والفروق الفطرية بين الأفراد والجماعات والتي تسهم في تراكم رأس المال المعرفي كالذكاء والإلتزام (Acemoglu & Autor, 2011, p. 7) ، وبتأكد العلاقة ما بين العوامل النفسية وما بين رأس المال البشري ظهر الإتجاه الذي اعتبر رأس المال النفسي النواة الأساسية لرأس المال البشري ، حيث اعتبر "دافنورت" (Davenport) عام (1998) أن المكون الأساسي في رأس المال البشري هو المهارات والقدرات والسلوكيات والطاقات الفردية التي تُمكن الأفراد من خلق رأس المال البشري المعرفي الذي يقدموه في مكان العمل ، أما "كوهارشيكوفا" 2011 (Kucharcikova) فقد اعتبر أيضا أن رأس المال البشري هو مجموع المهارات الخلقية والمكتسبة ، والمعارف والخبرات التي ترتبط بعمليات الإنتاج (Joseph & Aibieyi, 2014, p. 58) ، وحول ذلك المفهوم تواترت التعريفات حول مصطلح "رأس المال البشري" كتعريفه بأنه "المعلومات والمهارات والمواهب الإنتاجية للأفراد" ، وتعريفه بأنه "رصيد من الثروة المتجسدة داخل الأفراد والتي لا يمكن أن تنفصل عنهم أو بيعها لآخرين" (Stroombergen, Rose, & Nana, 2002) ، وتعريف برنامج الأمم المتحدة الإنمائي بأنه "كل ما يزيد من إنتاجية العمال والموظفين من خلال المهارات المعرفية والتقنية التي يكتسبونها من خلال العلم والخبرة" (المصبح، 2006) ، وتعريف منظمة التعاون الإقتصادي والتنمية (OECD, 2011) بأنه "المعرفة والمهارات والكفاءات وغيرها من الصفات المتجسدة في الأفراد والجماعات والتي يكتسبونها خلال فترة حياتهم والتي تستخدم في انتاج السلع والخدمات" (Fernando, 2011) ، وفي تعريف آخر لها (OECD) "هو المعرفة والمهارات والكفاءات والسمات المتجسدة في الأفراد ، والتي تُسهل خلق الرفاهية الإجتماعية والإقتصادية للأفراد" (Stroombergen, Rose, & Nana, 2002) ، كما يعرف بأنه "المكونات التعليمية التي تسهم في إنتاجية الأفراد العاملين وتحقيق دخولهم" ، ويعرف بأنه "قدرة وكفاءة الأفراد على تحويل المواد الخام والالات إلى سلع وخدمات" (Hyun, 2010) ، ويعرف بأنه "مجموعة القدرات والخبرات والمهارات البشرية المتراكمة التي يملكها الأفراد العاملين" ، ويعرف بأنه "كل ما يزيد من إنتاجية العمال والموظفين من خلال المهارات المعرفية والتقنية التي يكتسبونها من خلال التعليم والخبرة" ، ويعرف بأنه "المعرفة المحفوظة في ذهن الفرد العامل والتي لا تملكها المنظمة بل هي مرتبطة بالفرد من قدرات وخبرات ، فهو ما يملكه الفرد من قدرات ومهارات وخبرات وتكون في ذهن العامل أي ليس ملك للمنظمة ويمثل مصدر للابتكار والتحسين" (وهيبة، 2012، صفحة 4) ، وبذلك فإن رأس المال البشري هو رصيد المكون المعنوي بعنصر العمل الفعال والمرتبط ارتباطا مباشرا بعملية الإنتاج ، حيث أن صفة الرأسمالية صفة تُطلق على المال المُستثمر أي المُستغل فقط في عمليات الإنتاج ، وهو ما يمكن تنميته بالإستثمار فيه وله عائد إقتصادي (KWON, 2009, p. 3).
المنظور الإداري والمحاسبي الجزئي (microeconomic) لرأس المال البشري يعتبره أصل من الأصول المؤجرة للوحدة الإنتاجية وضمن طاقتها الإجمالية وجزء من قيمتها السوقية ، أما المنظور الإقتصادي والذي يرتبط بشكل أساسي بالإقتصاد الكلي (macroeconomic) فينظر لرأس المال البشري باعتباره عامل من عوامل الإنتاج وذو أثر بارز في نمو الدخل القومي (KUCHARČÍKOVÁ, 2011, p. 65) ، إلا أن أثر الإستثمار في رأس المال البشري على نمو الإقتصاد القومي كان متفاوتا ما بين الدراسات التي تناولته ، ففي عام 1995 توصل "مينجت" (Mingat) في دراسته إلى أن التعليم الإبتدائي فقط هو الذي كان له أثر على النمو الإقتصادي في البلدان الآسيوية ، أما دراسةBarro et Lee عام (2000) والتي أجراها على عدد كبير من دول العالم فكانت نتائجها على العكس من ذلك ، فبجانب توصلها إلى أن رأس المال البشري يُمثل أهم محدات النمو الإقتصادي القومي ، فقد توصلت إلى وجود علاقة ارتباط طردية متوسطة بين متوسط عدد سنوات التعليم العالي للذكور وبين النمو الإقتصادي ، بينما التعليم الإبتدائي وتعليم الإناث جاءت نتئج الدراسة بأنه لا يلعب دورا معنويا في النمو الإقتصادي (مصطيفى و بن سانية، 2014، صفحة 108) ، وبالرغم من أن تلك الدراسات كانت تتناول متوسط عدد سنوات التعليم كمؤشر لللإستثمار في رأس المال البشري إلا أن العديد من الدراسات أغفل معايير جودة التعليم وجودة المدارس والجامعات التي يتلقى فيها الأفراد تعليمهم ، بالإضافة إلى ماهية التدريب والخبرات المكتسبة من خلال العمل (Acemoglu & Autor, 2011, p. 7) ، وبالرغم من تواتر النظريات التي تُثبت العلاقة ما بين التعليم ورأس المال البشري ، إلا أن تقرير بنك التنمية الآسيوي (ADM) لعام 2010 أثار ضعف العلاقة ما بين التعليم وارتفاع الإنتاجية على المستوى القومي بالتطبيق على حالة الفلبين (1997-2003) ، فبالرغم من ارتفاع مستوى التعليم العالي إلا أن الأفراد ذوي التعليم العالي كانوا ينافسون الأفراد ذوي التعليم المنخفض في سوق العمل الذي لا ترتبط إنتاجيته بالمستويات المرتفعة من التعليم كمهن السائقين والحرفيين والمزارع..، وبذلك فإن الإستثمارات التي تم انفاقها على التعليم لم تسهم في رفع إنتاجية هذه العمالة (Hyun, 2010).
وإذا كانت أغلب تعريفات رأس المال البشري تركز على العلاقة ما بين المضامين المعرفية والمهارية وما بين العائد الإقتصادي ، فإن نظرية منظمة التعاون الإقتصادي والتنمية (OECD, 2011) لرأس المال البشري أكدت على العلاقة ما بين تلك المضامين وبين الرفاهية الإقتصادية والإجتماعية معًا وذلك بتعريفها لرأس المال البشري على أنه "المعرفة والمهارات والكفاءات والسمات المتجسدة في الأفراد ، والتي تُسهل خلق الرفاهية الإجتماعية والإقتصادية للأفراد" (Stroombergen, Rose, & Nana, 2002) ، وهي النظرية التي اعتمدها برنامج الأمم المتحدة للتنمية (UNDP) في تعريفه للتنمية البشرية ضمن تقريره السنوي للتنمية البشرية ، حيث عرف التنمية البشرية (2015) بأنها "توسيع خيارات وقدرات الأفراد المتعلقة بثراء حياتهم بشكل عام وليس فقط الثراء الإقتصادء" ، وقد اعتبر التقرير أن التحسين المباشر لقدرات الأفراد يكون من خلال دعم المعرفة وتحسين الرعاية الصحية ومستويات المعيشة ، بالإضافة إلى تحسين مناخ التنمية البشرية من خلال تعزيز المشاركة السياسية والأمن وحقوق الإنسان وسيادة القانون والعدالة الإجتماعية بالإضافة إلى البيئة الصحية ، ولذلك فمفهوم التنمية البشرية لا يهدف فقط إلى تعزيز قدرات الأفراد المتعلقة بالعمل ونمو الدخول التي يحصلون عليها ، وإنما يعد ذلك أحد أهدافها بالإضافة إلى تعزيز جودة المناخ الإجتماعي والثقافي والسياسي والبيئي من أجل ومستويات معيشية أكثر ثراءًا وحياة أفضل للبشرية ، والتي تتحدد بشكل أساسي بتسهيل وإتاحة الفرص للأفراد للوصول لرغباتهم ، وقد تضمن تقرير برنامج التنمية المؤشر السنوي للتنمية البشرية (Human Development Index) لقياس مستوى التنمية البشرية لـ188 دولة حول العالم من خلال ثلاث مقاييس وهي: مستوى التعمير أو متوسط فترة العمر المتوقع للمواليد ، ثانيا التعليم من خلال مقياسين أحدهما عدد سنوات التعليم المتوقعة أو المعتادة للفرد داخل الدولة ، والثاني هو متوسط عدد سنوات التعليم التي حصل عليها الأفراد الذين يتعدى سنهم 25 عام داخل الدولة ، المقياس الثالث والأخير هو متوسط نصيب الفرد من الناتج المحلي ، وهو مقياس تتراوح قيمتهما بين الصفر وتمثل أدنى قيمة وما بين الواحد الصحيح ويمثل أعلى مستوى للتنمية البشرية ، وفق أربع فئات وهي مستوى تنمية منخفض وهو المستويات الأقل من 0,55 ، ومستوى تنمية متوسط وتتراوح قيمته ما بين 0,55 و 0,699 ، ومستوى تنمية مرتفع وتتراوح قيمته ما بين 0,700 و 0,799 ، وأخيرا مستوى تنمية بشرية مرتفع جدا وهو المستويات الأعلى من 0,800 ، ووفقا لتقرير عام 2015 فإن عدد الدول التي ارتفع مؤشر التنمية البشرية بها لعام 2014 إلى فئة المرتفع جدا كانت 49 دولة بنسبة 29% وبمتوسط عام 0,89 ، أما الدول مرتفعة التنمية البشرية فكانت 56 دولة بنسبة 30% وبمتوسط 0,744 ، والدول متوسطة التنمية البشرية 38 دولة بنسبة 20% وبمتوسط 0,63 ، وأخيراً الدول منخفضة التنمية البشرية فكانت 45 دولة بنسبة 24% وبمتوسط 0,505 درجة ، الدول العربية سجلت متوسط 0,68 نقطة بالفئة المتوسطة وهي نفس الفئة التي تضمنت دول جنوب الصحراء الأفريقية ودول جنوب آسيا ، أما دول شرق آسيا والباسيفك ودول شرق أوروبا ووسط آسيا بالإضافة إلى دول أمريكا اللاتينية والبحر الكاريبي فقط ارتفعت متوسطاتها إلى فئة المستوى المرتفع للتنمية البشرية (UNDP, Work for Human Development, 2015).


البطراوي، تامر (2016). أبحاث في الإقتصاد السياسي، مطبعة دار السلام: الطبعة الأولى، الأسكندرية.

Facebook: Tamer Elbatrawy
Email: [email protected]








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. صندوق النقد الدولي: تحرير سعر الصرف عزز تدفق رؤوس الأموال لل


.. عقوبات أميركية على شخصيات بارزة وشركات إنتاج الطائرات المسيّ




.. متحدث مجلس الوزراء لـ خالد أبو بكر: الأزمة الاقتصادية لها عد


.. متصل زوجتي بتاكل كتير والشهية بتعلي بدرجة رهيبة وبقت تخينه و




.. كل يوم - فيه فرق بين الأزمة الاقتصادية والأزمة النقدية .. خا