الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


الحقوقي بعين الصحافي: شبيب المالكي وشرعية الإنجاز

عبد الحسين شعبان

2017 / 3 / 2
الادب والفن



لم يدع الصحافي والكاتب أحمد عبد المجيد اللّحظة تفلت من بين يديه إلاّ ويؤرّخها. هكذا فعل حين اقترب موعد الذكرى الأربعين لتأسيس "اتحاد الحقوقيين العرب"، أوَليس الصحافي مؤرخ اللحظة حسب تعبير ألبير كامو؟ لذلك بادر إلى تأليف كتاب ليقدّمه هديّة لشبيب المالكي بهذه المناسبة ومن خلاله للحقوقيين العرب، حيث كان بعضهم قد رافق مسيرة الاتحاد طيلة العقود الأربعة الماضية ومن بينهم رئيس الوزراء اليمني الأسبق محسن العيني والوزير المصري المخضرم مفيد شهاب، وكان الاتحاد قد تأسّس في العام 1975 في بغداد التي أصبحت مقرّاً له لغاية الاحتلال الأمريكي للعراق العام 2003، حيث دوهمت مقرّاته وتم الاستيلاء على البناية التي يملكها، وبصفة مؤقتة انتقل مقرّ الاتحاد إلى الشام، وفيما بعد إلى عمّان لحين تسوية المتعلّقات التي تخصه وانعقاد مؤتمره العام.
الشهادة التي كتبها أحمد عبد المجيد هي ليست انطباعات شخصية عن أمينه العام شبيب المالكي، بل هي سيرة مرافقة لمنجزه الإداري والحقوقي، إضافة إلى منجز الاتحاد، حيث يبدأ معه منذ أن كان متصرّفاً (محافظاً) لكربلاء التي كانت تضم حينها النجف والكوفة، في حين كان أحمد عبد المجيد طالباً، ثم في بداية خطواته الأولى في الإعلام التي اجتازها بمثابرة وجهد وعناء وليس دون خسائر، ليصبح أحد الإعلاميين المتميّزين والبارزين.
- I -
ينحدر شبيب المالكي من البصرة ثغر العراق الباسم (المدينة التي لا تزال منكوبة منذ الحرب العراقية - الإيرانية العام 1980 وإلى اليوم)، وكان قد جاء إلى الإدارة من خلفية سياسية وثقافية وبعد تجارب عديدة ومريرة، ليحتل منصباً إدارياً رفيعاً في محافظة ليس من السهل قيادها، خصوصاً وأن البيئة التي عمل فيها لم تكن صالحة، ناهيك عن ردود فعل سياسية بشأن الوضع الجديد (الانقلاب العسكري في 17/ تموز/ يوليو/ 1968)، فضلاً عن أن المدينة في جزء منها له طابع ديني شديد الحساسية، الأمر الذي يحتاج معه إلى مرونة وحكمة وبُعد نظر عند التعامل مع أهلها والقادمين إليها من الزوّار في مناسبات دينية مختلفة. ولعلّ الإصرار على النجاح وتحدّي الصعاب وتذليل العقبات هي التي كانت الشغل الشاغل للشاب البصري الأنيق كما يقول عبد المجيد.
ولكي يبعد عبد المجيد عن نفسه الانحياز في سردية المنجز الثقافي والإعلامي والتنموي، فإنه يحيل المسألة إلى أن الكثير من أبناء جيله الذين يشاطرونه مثل هذه الانطباعات التي هي ليست ملفاً شخصياً كما يقول في مقدمة الكراس الذي ألّفه والذي هو بعنوان: "شبيب المالكي - رحلة الكفاح والنجاح: شهادة صحفية عمرها أربعة عقود ونيّف" (إصدار شركة الأنس للطباعة، بغداد، 2016)، وإنما هي إقرار واعتراف يعدّ ضرورة في زمن الجحود والتنكّر والنّسيان.
- II -
بتواضع الإعلامي المجرّب يحاول أحمد عبد المجيد أن يقدّم الكتاب باستدراك ذكي بقوله: "وأعترف أن ما ورد في هذا الكتاب لم يكن ليصلح إلاّ للنشر في صحيفة، جريدة أو مجلة، لكني آثرت في نهاية المطاف أن أغامر فأصوغ المحتوى بين دفتي كتاب متواضع رأيت أن أفاجىء به المالكي (شبيب) وأصدقاءه وزملاء مهنته، تزامناً مع الذكرى الأربعين لتأسيس الاتحاد الذي انعقد خلاله وعلى هامشه اجتماع المكتب الدائم وذلك في بيروت للمدّة 7 - 8 تشرين الأول/أكتوبر: 2016".
ولكن لماذا يخشى أحمد عبد المجيد المغامرة؟ ربما لكونه مهجوساً بالماضي وهو يخشى بعض التفسيرات المغرضة، وكان قد فاتحني عشية إطلاق مبادرته، فقلت له: إن هذه المفاجأة ستكون سارة، ثم ألسنا نغامر حين نبحث عن الحقيقة؟ ولتكن مغامراتنا بدلاً من الحروب والعنف والتهميش والمؤامرات، تواصلاً إنسانياً ومودّة وعرفاناً بالجميل وتقديراً للجهد. وأي جهد هو بحاجة إلى تقويم، والتقويم لا يعني الانحياز، بقدر ما هو نقد إيجابي للوصول إلى ما هو أحسن وأصوب وأفضل.
وحين أُعطيَ عبد المجيد حق الكلام في الجلسة الختامية، قام بعرض مبادرته لتأليف الكتاب، والحديث عن سجايا الرجل وما قدّمه لمدينة كربلاء، إضافة إلى بعض مواقفه الشخصية، الأمر الذي أفسح في المجال لإضاءة جوانب من المسيرة الحقوقية واقتراح تكريم الرجل في احتفالية خاصة ستترافق مع مسيرة تجديد الاتحاد وتطويره وتعديل نظامه الأساسي وهيكلياته من أجل انطلاقة جديدة تفتح أفقاً جديداً لعمل الحقوقيين العرب، سواء على الصعيد الفكري أو على الصعيد المهني، في إطار تعزيز الثقافة الحقوقية والوعي الحقوقي ورفد قطاعات واسعة بحاجة إلى التربية على احترام الحقوق والحرّيات وإشاعة ثقافة السلام والتسامح واللاّعنف، وهو ما كنت قد عرضته في الجلسة ذاتها، ونال تأييد الجمع الحقوقي العربي.
- III -
تعرّفت على المالكي ونحن من إطارين سياسيين متوازيين، بل متصارعين في أغلب الأحيان، ومتقاربين في أحيان قليلة، وأشهد أنني كلّما اقتربت منه زادت قناعتي بحرصه على التواصل مع الآخر على الرغم من الاختلافات، وكان موقفه كما أعلم إيجابياً من التعاون الوطني بين البعثيين والشيوعيين، سواء خلال عمله في الإدارة الحكومية أو في المنظمات المهنية مثل جمعية الحقوقيين العراقيين ومجلس السلم والتضامن العراقي، فكانت علاقته متميّزة مع عزيز شريف الذي ربطته به علاقة متميّزة وعامر عبد الله الذي يكن له احتراماً خاصاً، ومع نوري عبد الرزاق وماجد عبد الرضا وآخرين، إضافة إلى علاقته مع المحامين اليساريين مثل هاشم صاحب وعبد الرزاق السعيدي ورؤوف ديبس وسالم المندلاوي وعدد آخر من الحقوقيين اليساريين.
وخلال السنوات الأخيرة قبل الاحتلال، وكان قد أبعد من الوزارة العام 1997 كنّا نلتقي في إطار فعاليات عامة عربية ودولية وفي مؤتمرات مختلفة، ونتبادل الآراء والهموم بشكل مباشر أحياناً فيما يتعلّق بالوضع العام وهي قليلة جداً بسبب الحذر، وفي أكثر الأحيان على نحو غير مباشر، وهو يعرف ملاحظاتي وتحفّظاتي على النظام السابق وما لحقني بسببها وكذلك ما لحق بالعائلة طيلة ما يزيد عن عقدين من الزمان، لكنه دائماً ما يشيد بمواقفي من الحرب العراقية - الإيرانية ومن الحصار الدولي ومن الاحتلال، وهو ما ذكره في كلمته حين تم تكريمي من اتحاد الحقوقيين العرب في عمان العام 2005، وتسليمي وسام الاتحاد لدفاعي عن الحقوق والحرّيات في العالم العربي.
وصادف أن التقيته في الطائرة القادمة من القاهرة بعد يومين من بدء حرب قوات التحالف على العراق العام 2003، وكان هو قادم من تونس، وكنت أنا أحضر حفل تكريم لي في القاهرة لنيل وسام "أبرز مناضل لحقوق الإنسان في العالم العربي"، ولم ينسَ على الرغم من قلقه من تهنئتي، وكنّا نتوجّه إلى دمشق، حيث كنت على موعد مع عبد الحليم خدّام وبالاتفاق مع الصديق صلاح عمر العلي الذي حضر من لندن، وكنّا قد التقينا بعدد من القيادات العربية وبأمين عام جامعة الدول العربية عمرو موسى، إضافة إلى قوى وتيارات يسارية وقومية مختلفة، والهدف هو استطلاع آراء ومواقف القوى المختلفة من الاحتلال الذي عارضناه، سواء قبل حدوثه أو بعده، مثلما عارضنا التعويل على القوى الخارجية والمراهنة على الحلول البرّانية، وكان هذا موقفنا من الحصار الدولي الجائر المفروض على العراق، وهي مواقف كان معنا فيها الشيخ جواد الخالصي والسيد أحمد الحسني البغدادي وفوزي الراوي وماجد السامرائي وحامد الجبوري وآخرين من التيار اليساري والعروبي.
قال لي شبيب المالكي ونحن بالطائرة وقد استأذنا المضيفة لنجلس قرب بعضنا: ماذا تعتقد إلى أين ستصل الأمور؟ قلت له: حسبما يبدو فإن الأمور منتهية والنظام سيطاح به وستحدث فوضى لا تُعرف حدودها، وسألني فيما إذا قرّر العودة إلى العراق في مثل تلك الظروف، فقلت له: أفضل لك أن ترتّب زيارة إلى اليمن أو إلى المغرب أو أي بلد آخر لحين انتهاء المعارك أو حتى يمكنك البقاء في سوريا. وعدنا والتقينا في الشام على الغداء وتبادلنا وجهات النظر، وكان الرأي ليكن الاتحاد بعيداً عن الإشكالات القائمة في الساحة السياسية وليحافظ على توجّهه المهني وربما هذه فرصة مناسبة لم تسنح قبل ذلك.
ولكن المالكي بحكم مسؤوليته وارتباطاته عاد إلى العراق خلال القصف الأمريكي وبقي فيه، ثم اضطرّ بعد ذلك للخروج، وقد أصرّ على دعوتي للانضمام إلى المكتب الدائم الذي انتخبت له في دورة دمشق.
ومع أنني أعتقد أن الكثير من المنظمات الحقوقية والمهنية ومؤسسات المجتمع المدني، هي امتدادات لقوى سياسية أيام الحرب الباردة والصراع الآيديولوجي الدائر بين الشرق والغرب، سواء على المستوى الدولي أو على المستوى المحلي، لكنها في الوقت نفسه كانت مجالاً حيوياً ومناسباً لتدريب وتأهيل قيادات عديدة وإكسابها خبرات ومؤهلات ومهارات إدارية مهمّة، لكن مثل هذا الأمر تغير كثيراً بسبب تغيير الظروف والأوضاع.
وقد آن الأوان لإعادة النظر بالكثير من المفاهيم والآراء المتعلّقة بعمل المنظمات والجمعيات والاتحادات ونشاطها وإدارتها وبرامجها ومرجعياتها، لأن بقاء أساليب عملها ونشاطها وتوجّهاتها وهياكلها على ما كانت عليه سيؤدي إلى ترهّلها وبالتالي عدم إمكانيتها لمواكبة التطوّر الحاصل في هذا الميدان، فضلاً عن تمثل روح العصر ومستجداته.
ولا بدّ من مراجعة انتقادية بهدف إيجابي لمؤسسات المجتمع المدني الأخرى، فهي تحتاج إلى إعادة نظر ونقد فيما يتعلّق بأدائها وإداراتها وتمويلها وأساليب عملها، فما كان صالحاً في الستينات أو السبعينات لم يعد صالحاً بعد عقود من الزمان وهو ما ينبغي أخذه بنظر الاعتبار، وينطبق ذلك على الجميع بدون استثناء بما فيه: اتحاد المحامين العرب واتحادات الطلبة والشبيبة والمرأة واتحاد العمال والمعلمين والمهندسين والصحفيين ومجالس السلم والتضامن، خصوصاً وأن بعضها قد ضعف لحدود كبيرة وانحسر دورها لدرجة كبيرة، بل كاد يتلاشى، وبعضها الآخر ظل هياكل ومكاتب شبه فارغة أو أنها تقوم بفعاليات محدودة جداً وليست ذا تأثير وفي مناسبات محدّدة وتصدر بيانات لا يقرأها سوى قلّة قليلة من أعضائها ولا يعيرها الرأي العام الاهتمام المطلوب مثلما كانت سابقاً، فقد كان بإمكانها تعبئة الشارع وحتى الإطاحة بحكومات أو إجبارها على التخلي عن معاهدات وسياسات وتدابير اتخذتها.
ولعلّ هذه المقاربة التي كان اتحاد الحقوقيين العرب، قد توصّل إليها في اجتماع المكتب الدائم مؤخّراً تقوم على ضرورة إجراء تغييرات جوهرية من شأنها تعديل النظام الأساسي وعقد مؤتمر عام، إضافة إلى تكريم الأمين العام الذي يتحدّث كتاب أحمد عبد المجيد عن منجزه المهم، فقد كان الأمين العام شبيب المالكي ولسنوات هو من يقوم بتكريم المبرّزين من الحقوقيين، ولذلك جاء الوقت ليقوم الحقوقيون ممثلين باتحادهم بتكريمه وهو تكريم يستحقه.
- IV -
يقول عبد المجيد تقديراً للعلاقة التي ربطته بشبيب المالكي: "صادفتني في حياتي شخصيات عديدة تركت بصماتها في نفسي" ثم يضيف: "وتحت وقعها كنت أعزو كثيراً مما تحقق لي أو أنجزته عبر عقود من الكفاح والمثابرة والألم، إلى تلك المعارضات التي ظهرت أمامي أو في طريقي الطويل المترع بالأمل والقلق...".
وعبد المجيد مثل غيره من الصحفيين الذين عاشوا سنوات الشباب الأولى وتأثّر باليسار وفكره ومنجزه السياسي والثقافي وبقصائد مظفر النواب، لكن عمه طارق الخفاجي الذي اعتبر عميد الصحفيين في كربلاء وأخيه نوفل من الإعلاميين القريبين من شبيب المالكي، هما من قرباه إلى المالكي، ثم يتحدث عن مواهب المالكي وقدرته على استقطاب الناس وعلاقته بالإعلام، وبالمناسبة فالمالكي عمل في الإعلام أيضاً وأدار مجلة سياسية العام 1963 بالتعاون مع الصحافي لطفي الخياط.
ويقول عبد المجيد: إن المالكي ظل حامياً لأسرتهم ومدافعاً عنها ويردّ عنها السهام التي تأتيها من قنوات سرّية وأخرى علنية، خصوصاً التداخل ما بين الحزبي وما بين الإداري، وأحياناً يصل الأمر إلى التنافس غير المشروع المصحوب بالحسد والغيرة والغدر وغير ذلك.
ويذكر أن المالكي حين غادر كربلاء فإنه ترك أثراً طيباً ومواقف متميّزة. وحين كانت النجف (قضاءً) يتبع لكربلاء كان تحت إدارة المالكي أيضاً. وأعرف من بعض أفراد عائلتنا وأصدقائنا النجفيين مواقف المالكي وحرصه على تقديم أحسن الخدمات على الرغم من شحّ الإمكانات في حينها، وكما ذكر لي المالكي نفسه فإن ذلك كان يتم باتفاق وتوصية خاصة من الرئيس أحمد حسن البكر، وخصوصاً العلاقة مع السيد الخوئي كما كانت له علاقات مع بعض الأدباء والمثقفين ورجال الدين والوجهاء، ويروي السفير السابق عبد الحسين الرفيعي في كتابه "النجف الأشرف - ذكريات ورؤى وانطباعات ومشاهد" وكان مسؤولاً حزبياً كيف تمكّن المالكي من لعب دور إيجابي في نزع فتيل الأزمة التي لو استمرّت لكانت نتائجها غير محمودة العواقب، وذلك خلال رفع شعارات ضد الحكومة وردود الفعل المنفلتة إزاءها، حيث تم إطلاق النار في صحن الإمام علي وكان المشهد محتدماً.
يعدّد أحمد عبد المجيد منجزات المالكي وحسناً يفعل حين يذكّر بها، فعسى أن تنفع الذكرى المؤمنين وحتى غير المؤمنين، لا سيّما حين يسود الفساد الإداري والمالي اليوم وتضعف الحصانة ويقلّ الشعور بالمسؤولية إزاء هدر المال العام، ناهيك عن ارتفاع درجة المحسوبية والمنسوبية في ظل نظام يقوم على الغنائمية ويعتمد على الزبائنية التي أساسها الاصطفافات والمحاصصات الطائفية والإثنية.
ولا بدّ من إضاءة بعض المفاصل من منجز المالكي فيقول عبد المجيد: إنه عظّم عدد المدارس في مدينة كربلاء وشيّد مبان جديدة، وأنه أسّس مهرجان الأخيضر باستقدام عدد من الفنانين لإحياء معالم الحصن التاريخي بحيث أصبح تقليداً سنوياً، وكان المالكي قد أهدى لي صورته مع الجواهري خلال حضوره المهرجان، كما حضر يوسف العاني وسامي عبد الحميد وزينب وناهدة الرماح وجعفر علي، كما أقام مقهىً سياحياً وفيه كازينو عائمة على ساحل بحيرة الرزازة، وفتح مركزاً للشرطة لتأمين الحماية اللازمة وتولى عملية ترويج لزرع مساحات خضراء لحزام لكربلاء. وقد رعى شبيب المالكي العتبات المقدّسة وهناك كراس بعنوان "كربلاء بين الماضي والحاضر" وهو معزّز بالصور، ويذكر عبد المجيد أسماء بعض المحافظين الذين ظلّت كربلاء تتذكّرهم بعد المالكي منهم عبد الرزاق الحبوبي وآخرهم كان صابر الدوري الذي وقّع العديد من أهالي كربلاء مذكرة تطالب بإطلاق سراحه.
وبعين الصحافي النابه يرصد أحمد عبد المجيد جهود الحقوقيين ودعوتهم لصياغة ملف دفاع عن ضحايا الحصار الاقتصادي ليتسنى تقديمه إلى المحاكم الدولية، بوصفه عملاً لا شرعياً ولا أخلاقياً، ويمكنني إضافة ملف آخر اشتغلت عليه جهات عديدة بالتعاون مع منظمات دولية مرموقة ومناصرة للحقوق العربية يحتوي على معلومات توثيقية عن ضحايا الاحتلال الأمريكي للعراق العام 2003، وكذلك ملف آخر يتابع توثيق الجرائم الإسرائيلية بحق الشعب العربي الفلسطيني بهدف مقاضاة مرتكبيها، وذلك في إطار دعم الحقوقيين العرب لكفاحهم العادل والمشروع من أجل حقه في تقرير مصيره وإقامة دولته الوطنية المستقلة وعاصمتها القدس الشريف.
ويذكر أحمد عبد المجيد عن المالكي وقوفه إلى جانبه في ثلاث مواقف:
الأول - في العام 1991 حين تناول في عموده الصحافي لجريدة القادسية نقداً إلى الشركة الوطنية للصناعات الكيماوية والبلاستيكية، وكان هذا قد استفز مدير التصنيع العسكري وكان المشرف على وزارتي الصناعة والنفط هو حسين كامل، فتم طرده من الجريدة واضطرّ إلى المكوث في المنزل وعدم مغادرته (ثلاثة أشهر).
وكما يقول المثل: "ربّ ضارّة نافعة" فقد ألّف عبد المجيد كتابه الرابع الموسوم : "خريف الجليد - 72 ساعة هزّت العالم". ولولا تلك العزلة الإجبارية لما كنّا قد قرأنا له هذا الكتاب، ولم يكتفِ حسين كامل (صهر الرئيس صدام حسين) بذلك، بل أقام دعوى قضائية ضدّه، لكن تدخّل المالكي بطريقته الخاصة أنقذه من حكم محقّق، علماً بأنه كان في قوام نقابة الصحافيين العراقيين (الرسمية) وهو نائب للرئيس.
الثاني - في أواخر التسعينات وكان يومها سعد البزاز رئيساً لتحرير جريدة الجمهورية، والأمر يتعلّق بالصحافي عيسى العيسى (الذي كان موظفاً في وكالة الأنباء العراقية) حيث تدخل المالكي بعد طلب من عبد المجيد الذي استعان به لإنصاف المتظلّم العيسى وهو مستأجر لشقة أريد إخلائها بالقوة.
الثالث - في العام 1994 حين انتقد أحمد عبد المجيد محافظ نينوى (الفريق الركن محمد عبد القادر) وذلك لتعويقه ترويج معاملات الصحافيين بالحصول على قطع أراضي سكنية في مساقط رؤوسهم، فأقام المحافظ دعوى قضائية ضده في الموصل وجرى تبليغه بالحضور، ويعتقد عبد المجيد أن حضوره كان فخاً له لإلقاء القبض عليه أو احتجازه، ولكن اتصاله بالمالكي وكتابه طلب تحريري بنقل الدعوى إلى محاكم بغداد بحسب الاختصاص المكاني للجريدة، هو ما ساعده على التخلّص مما كان يُضمر له. ويستنتج عبد المجيد أن قضايا النشر والإعلام في تلك الحقبة غالباً ما تخضع إلى متابعة مباشرة في قيادة الدولة وأن الاتصالات الهاتفية كانت أرضية تخضع للمراقبة الأمنية، وهو ما يسجل للمالكي بموقفه هذا إيماناً منه بحق التعبير وحق النقد، لا سيّما عبر منابر رسمية.
- V -
ولعلّي هنا أسجّل للمالكي موقفاً كنت قد اطّلعت عليه وتابعته في حينها هو تحفظه على حملة التسفيرات التي شملت أعداداً من العراقيين بحجة التبعية الإيرانية، علماً بأن غالبيتهم ولدوا في العراق وعاشوا فيه ولم يعرفوا وطناً سواه، وكنت قد استعدت هذا الموقف معه قبل عدّة سنوات، خصوصاً بعد صدور كتابي "من هو العراقي؟" العام 2002 والذي تحدثت فيه عن حملة التهجير، فعاد وأكّده لي وطلبت منه أن يوثقه فأرسله لي برسالة. والموقف لا يتعلّق بالمالكي وحده، بل بأحد أبرز القياديين البعثيين الذي أعدم بيد رفاقه العام 1979، في "مجزرة قاعة الخلد" بعد أن كان قد اعتقل بُعيد "مؤامرة ناظم كزار" الشهيرة العام 1973، وأعني به عبد الخالق السامرائي.


نص رسالة شبيب المالكي
مواقف وطنية وإنسانية.. قصة التسفيرات

عزيزي أبو ياسر
"عام 1971 شنّت الحكومة حملة تسفيرات ظالمة ضدّ المواطنين العراقيين من التبعية الإيرانية ممن أمضوا مئات السنيين في العراق، حتى أنها شملت بعض العراقيين من أصول عربية ومن غير التبعية الإيرانية.
وخلال هذه الفترة كنت أشغل منصب "محافظ لكربلاء" وكان النجف الأشرف أحد الأقضية التابعة للمحافظة في حينه، وقبل أن تصبح محافظه فيما بعد، وقد شملت هذه الحملة الجائرة أعداداً كبيرة من المواطنين في هذه المحافظة، فأبديت معارضتي الشديدة لهذه الحملة وتصدّيت لها بكل قوة وأوقفت بعضها ومنعت عدد كبير من المواطنين من شمولهم بالتسفير وبخاصة رجال الدين والمثقفين والفنانين.
ولعلّ هذا الأمر هو الذي أدى بالسلطات المركزية في بغداد إلى إبعادي بضمي إلى وفد برئاسة عضو مجلس قيادة الثورة المناضل عبد الخالق السامرائي لزيارة الصين علماً بأن مهمة الوفد ليس لها أية علاقة بعملي كمحافظ، وقد ضم الوفد عدداً من المختصين بالاقتصاد والسياسة الخارجية من بينهم المرحوم مرتضى الحديثي وزير الخارجية ود. فخري قدوري وزير الاقتصاد ومدلول ناجي المحنّة رئيس مؤسسة المبايعات الحكومية وعفيف الراوي وكيل وزارة الإصلاح الزراعي وغيرهم من المختصين.
ومن الجدير بالذكر وخلال تواجدنا في الصين وحول موضوع التسفيرات جرى حوار بيني وبين المناضل عبد الخالق السامرائي، وكانت تربطني به علاقة ودية قديمة وقد وجّه لي رحمه الله السؤال التالي ساخراً ومنتقداً: لماذا هذه الحملة الظالمة التي شملت تسفير المواطنين بحجة أنهم من التبعية الإيرانية؟ أيّهما أكثر عروبة واستوطن العراق موسى الكاظم، ويقصد بذلك الإمام موسى بن جعفر (ع) حتى يسفر من يحمل لقب "الموسوي" من ذريته أم من يحمل لقب "تكريتي" أو "عاني" ويبقى في العراق؟ أما أنا فقد تم نقلي إلى منصب "محافظ الموصل" بعد موقفي هذا من التسفيرات". (انتهى).
أخوك شبيب المالكي (أبو فارس)
وقد كنت أحتفظ بهذه الرسالة التاريخية حتى وإن كانت حديثة، لأقوم بضمّها إلى ملف آخر، لكن ما ذكره أحمد عبد المجيد، في الصفحة (34) من كتابه في إشارة إلى التسفيرات وحملة التهجير، فوجدتُ أن الوقت قد حان لنشرها، ولي حديث آخر حول عبد الخالق السامرائي، وكنت قد استمعت إلى أكثر من شهادة عنه من: شريف الربيعي ووليد جمعة وصلاح عمر العلي وحامد الجبوري ومعن بشور وجهاد كرم ورغيد الصلح وعبد الحسين الرفيعي ومن ابن عمه صالح السامرائي.
وأختتمُ باستنتاج من ذات الأرضية التي انطلق منها أحمد عبد المجيد حيث يقول: "وأكاد أجزم أن موقف المالكي إزاء قضيتي وسواها، وانحيازه إلى العاملين في الإعلام تسبّب له في إحراجات معروفة ليس أقلّها، كما أظن، إعفاءه من منصبه الوزاري"، وأقول مرة أخرى إن ذلك ما ينطبق عليه القول "رب ضارّة نافعة" فمن يدري ماذا ستكون نتائج غضبة منفلتة من عقالها؟ فقد كانت المواقف ذات الطابع الإنساني هي التي تغلب على علاقة شبيب المالكي بالآخرين بغض النظر عن توجّهاتهم، ومثل هذا السلوك في الأعراف الحزبية السائدة ذات المركزية الصارمة والأوامرية الشديدة والهوس الأمني المصحوب بالشك، تفسّر على أنها ضعف في "الحزم الثوري" وتهاون إزاء الأعداء أو الخصوم، وهذه بحد ذاتها نقطة استفهام كفيلة بأن لا تقصي المرء من موقعه وإنما قد تأخذ به إلى الهلاك!!.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. المخرج الاردني أمجد الرشيد من مهرجان مالمو فيلم إن شاء الله


.. الفنان الجزائري محمد بورويسة يعرض أعماله في قصر طوكيو بباريس




.. الاخوة الغيلان في ضيافة برنامج كافيه شو بمناسبة جولتهم الفني


.. مهندس معماري واستاذ مادة الفيزياء يحترف الغناء




.. صباح العربية | منها اللغة العربية.. تعرف على أصعب اللغات في