الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


الأبلق مختار الرعوش

كمال عبود

2017 / 3 / 3
الادب والفن


-1-
هو نصفُ الحكايه .. وباقي الرجال نصفها الآخر .. هو قطب الرحى .. حولهُ يدور الآخرون .. وهو حجرُ الرحى إن أرادَ أن يطحن شيئاً ما .. أو أحداً ما .. هو - هاشم أفندي - مختار القرية الجبليّة البعيدة عن البحر ،
القريةُ مقصدي ، والمختار دليلي إلى مدرسة القريه ومرجعي في تدبير أموري ، لم تكن رحلتي سهلة ، أخذتُ كتاب التعيين - مدرساً - للمرّة الأولى في حياتي - إلى مدرسة الرعوش صباحاً وانتظرتُ إلى الثانية بعد الظهر كي أستقل( البوسطه ) في رحلة الرجوع الأخيره والوحيدة ذلك اليوم الى القريه...

وصلتُ عصراً بعد ساعتين .. كان الفصل خريفياً والشمسُ ألقت أشعتها الحمراء فوق الجبال والروابي الغربيّه ترسم هالات أرجوانية تّعدّلُ مزاجي قليلاً ... الجبلُ صخريٌ قليل الإنحدار ... على فسحةٍ مستويةَ منه بُنيتْ منازل القرية مّتراصّة مّتعانقه .. وعلى طرفها الشرقي المدرسة الصغيره وفي أعلى مكان في القرية بيت المختار ..

استقبلني المختار . هاشم - في العقد الرابع من العمر .. طويلاً وردي الوجنتين .. ممتلئ الجسم و... أبلقْ*
أوّلُ مرّةٍ أرى فيها أبلقاً .. ولكنّهُ كان لبقاً .. ودوداً.. مُحدّثاً ذو درايه ، غرفةُ مضافته واسعة فيها الكثير من الفرش والوسائد وفي زاويتها مكتب وكرسي وعلى الجدار صورتان ، واحدة للرئيس وأخرى للمرحوم والده ..
قال لي : الأستاذ الثاني من القريه له بيت ، أمّا أنت فلك الغرفة جانب المُضافة هذه ، خذ راحتك أنت ضيف عزيز

مضت الأيام الأولى نهاراً في المدرسة وبين ( الرعوش)* ومساء في مضافة المختار .. إلى أن جاء يوم كنّا لوحدنا نتسامر ، وإذ بصوت في الخراج ينادي : يا مختار هاشم .. يا مختار هاشم .
هممت القيام كي افتح الباب ، لكنّ المختار جذبني بقوه فبقيت جالساً.
فقلتُ : أظنُّ أَنَّهُ صوت أبو علاء ..
قَالَ أعرفْ .. وتابع حديثه في موضوعٍ آخر ..
مضت دقائق ، ثمّ نادى أبا علاء : يا مختار .. يا مختار ..
قال المختار منادياً ابنه الشاب الذي كان في غرفةٍ مجاوره : اخرج يا مّهنّد، قل لأبي علاء أن ينتظر فأنا مشغول وعندي ضيف...

استغربتُ الأمر ، لم يكن مشغولاً فقلتُ : سأذهب أنا وهممتُ الوقوف ... فجذبني ثانيةً بقوةٍ أشدْ، فجلستُ .. وتابع حديثه العادي عن امورٍ صغيره لا تهمّ كثيراً...
بعد دقائق طويله ، نادى ابا علاء : يا مختار
زادت حيرتي وأنا أسمع المختار ينادي طفلته الصغيره : قولي لأبي علاء يرجع بكره ..
نظر إليَّ بعد ذلك ، قرأ حيرتي فقال : هو المحتاج الي ، والمحتاج ذليل لمن يحتاجه وما بتبقى مختار إذا ماذلّيت الآخر...

استغربتُ ، فأردف : أعرف أنَّك تقول إِنَّ ابا علاء طيٌب وقد يحتاجني لأمر خطير ..
قلتُ : نعم
فقال : لا يكون المختارُ مختاراً إذا حلَّ متاعب الناس بل العكس تماماً .
قلتّ : ولكن أبا علاء لم يُخطئ ولكن الذل أن ينتظر وتجعل طفلةً صغيره تذلهُ!
قال : هذه أبسط درجات الذل ... لو لم يكن الرجلُ طيباً كانت وسيلتي معه مختلفه ..
قلت: كيفْ ...؟
درجات الأذلال من الإهمال كما رأيت .. حتى الحصار والتجويع .. حتى الدعس على الرقاب ... .. كلٌّ حسبَ حالته
قلتُ : مثلاً ...؟
قال : جَوّعْ كلبُكَ يتبعك - هكذا يقول المثل -
قلتُ : زدني ..
قال : لا تجعل أحداً يرفعُ أنفه ..
قلتُ : لا يرفع رأسه ..
قال : رفع الأنف يعني رفع الرأس والتطاول على أصحاب المقامات
قلتُ وغيرُ ذلك ..؟
قال: رفعُ الحشمة والأرجل ..
قلتُ :... ماذا ..؟
قال : وأكثر ..
قلتُ : وكانت رأسي تدور : هل من إفاضة ..؟
قال : هذه مسائل لا يعرفها إِلَّا أصحاب النفوذ والمُلك ..
قلتُ أيّتُها مسائل ..؟
قال : مسائل غير الإذلالْ ، ستعرفها لاحِقاً...
قلتُ : اشرح لي ..
قال ضاحكاً : غداً، تصبح على خير ،

قلتُ لنفسي : كم اتمنى أن يأتي الغدُ سريعاً كي أعرفَ مسأئل المختار وقلتُ يبدوا أنَّ أفكاره مثل رأسهِ ... بَلْقاءْ

-2-
هذه السنةُ حلَّ باكراً ، حلَّ قاسياً ، نفخَ رياحاً وعواصفَ ، ذرت الأوراق وبقايا الحصاد .. ذرت اشواك البرية اليابسة وحطباً جُمِّع للمدافئ والمواقد ، عواصف صفعت الصخور الناتئات ، وارتعشتْ لها ذوائبُ الأشجار وأجنحة طيور الدوري ، رياحٌ عرَّت أشجار الزعرور والسماق وكنست معها تربةً من تراب الرعوش القليلة والفقيرةِ أصلاً ، حلّ الشتاءُ فجأة قبل وقتُ الزراعه ، أمطاره كانت غزيرة ، سرت جداول الماء الموحلة بين الرعوش وفي أزقة القريه ، سُمع خريرها من بعيد ، و هطل الثلجُ باكراً أيضاً ، هطل ملوثاً بالغبار ... لم يكن ناصع البياض .... هكذا تكون الثلجةُ الأولى .. ويذوب الثلج سريعا .. أثلجتْ مرّةً ثانيه ، وهذه المرّة تماسك الثلج فوق جبل الرعوش من الجهةِ الغربيّه وبقي رأس الجبل أسودا من الجهة الأخرى .... أصبحَ أبلقاً كرأسِ المختار ...

والمختار في مضافته مقيما... لديهِ في منتصَفها موقِداً كبيرا وعندهُ وحطباً كثيرا.. المضافةُ دافئةُ، ومع ذلك يُشعِل المختار مدفأة المازوت القريبةِ من ( دوامه ) ووسادته ، تميّزاً عن الجالسين بعيداً ...
قال : مأ أخبار المدرسة ...؟
الأطفال طيّبون ومجتهدون ، لكنّ أجواء بيوتهم لا تساعدهم ..
قال : كيف ..؟
قلتُ : مثلاً الطفل سلمان ابن أبو نايف جاء مكسور اليد إلى المدرسة ، وقعت عصا أبو نايف على يده فكسرت ، كان يحاول ضرب زوجته ، لم يُصبها ، وأم نايف حملتْ جرّة الماء وقذفتها على رأس زوجها فجرحته .. كانا يتقاتلان حول ضيق اليد والفقر الذي يعشون به .

قال المختار : عظيم .. عظيم ، خلّوا أبو نايف يجيء
استغربتُ ابتسامةَ الرجل .. نظر اليَّ نظرة فيها معنى وكأنٌها استهزاء وقال : الراعي يتفقّدُ رعيّتهُ
ثُمَّ حضر أبو نايف معصوب الرأس
: خير .. خير .. اجلس يا ابا نايف
جلس الرجل وقال: خيراً الحمد لله ،ما في شيء، وقعت البارحه عن السلسال* بسيطه
نزع المختار العصابه عن الجرح وقال مُستهجناً : أبو نايف...؟ ... أبو نايف ...؟
ارتبكَ أبو نايف .. : وقعه بسيطه ..
المختار : الكذب عا الموتى أبو نايف ، هذه ليست وقعه ، هذه ضربه مقصوده ..
ابو نايف : ....

المختار كا الخبير : اولاً الجرح طري ، وثانياً الجرح حاد يعني بشيء آخر غير الحجر وثالثاً على الجهه اليسرى أعلى الصدغ يعني فيه حدا ضربك ... صحيح ..؟
وهمس في أذن أبو نايف : أولادك صغار ، معناها هذه الضربه منها .. ما في غيرها إمرأتك ...

تغيّر الحديث ، وقتها ، لكِنَّ المختار بعد أيامٍ وفي جمعٍ كبيرٍ في المضافة وكان أبو نايف حاضراً : تفوه .. تفوه على الرجل الذي تضربه إمرأته ..
قال الجميع ..: إي نعم .. تفوه عليه
أبو نايف انكمش على نفسه وأطرق خجلاً ..
قال لي المختار بعد أن أصبحنا وحيدين .. : ركبت عليه القصة .. خلاص منها ما لَهُ .. إي هكذا .. اجلب لنا أخباراً كهذه ، المختار يجب أن يعرف نقاط ضعف الآخرين ..

أوّلُ كل شهرٍ ، يذهب المختار إلى المدينه البعيده ، يحمل أغراضاً كثيره مغلّفه ومغلقة بإحكام ... هدايا و... تجاره .. هذه المرّه اصطحب فيها شيخُ القريه ، وصلا إلى المدينة بعد ساعتين ، أخذه إلى طبيب يداويهِ من مغصٍ وأوجاع بطنٍ ، ثمّ رجعا إلى مقهى قرب مركز المنطقة .. استقبلهما صاحب المقهى بترحاب : أهلاً مختار أهلاً والله اشتقنالك

جلس الشيخُ أمّا المختار .. فحمل كيساً وأعطاهُ لصاحب المقهى وهمس في إذنه بعض كلمات وقال للشيخ : عندي عمل مع القياده ، وخرج حاملاً اغراضاً معه...

أخذ صاحب المقهى الشيخ إلى غرفةٍ من بابٍ خلفيّ إلى حجرةٍ فيها سرير نوم وطاوله وكرسيين . ثُمَّ أحضر طعاماً وشراباً أحمرَ
قال صاحب المقهى : سنأكل سوياً المختار يحبكَ وأوصاني بكَ .. وهذا الشرابُ حادٌ وطعمه كريه ولكنّه يوقفُ أوجاع البطن مهما كان شديداً ..

لم يستسيغ الشيخ طعم الشراب لكنّه أمام إلحاح صاحب المقهى أكل وشرب .. وبعد ساعه كان مُرتمياً على السرير وقد أخذتْ الخمرةُ منه صحوته..
رجع المختار ، حاملاً صرراً مختلفه .. أوقظ الشيخ من نومه ... خرجا .. وفي طريق العودة .. قال المختارُ : ياشيخ ما هذه الرائحه من فمك وثيابك ...؟ كأني أشمُّ رأئحة الخمر ( كان المختار قد أوصى صاحب المقهى أن يصبّ الخمر فوق ثياب الشيخ )

لملم الشيخُ قمبازه وغطّى رأسه ، وقال كالهامس : فعلها أبن الملعون .. أعوذ بالله .. لقد أجبرني .. قال إنّه دواء!

وعلى طول الطريق كان المختار يهمهم بكلام .. رائحه قذره .. خمره .. .. عيب .. حرام .. ما صحيح ما حدا يستطيع أن يجبر أحداً ... أوف .. أوف ..

أحدى الأيام وفي جمعٍ كبير بالمضافةٍ وكان شيخُ القريةِ موجوداً...
قال المختار : ما تقولون في شارب الخمرةِ ..؟
قالوا : حرامٌ ومعصيه..
قال المختار : وإن كان الشاربُ شيخاً لقريته ..؟
قالو ا: زنديقٌ كافرٌ .. لعنة الله عليه
قال المختار : عَلِمُوا أولادكم الحلال والحرام ..
أمّا الشيخ فكان يأكله الخوف من المختار أن يذكر اسمه ..

قال لي المختارُ مُتباهياً: استطعتُ إقناع الشيخ بغلق نافذة الغرفة التي يُصَلُّون بها كي لا يرى الأطفال مؤخّرات الرجال الساجدين ..
قلتّ عرفتُ قصدكَ .. بعد شرب الخمرةِ تفرض عليه ما تشاء ولكنها مكرٌ وخديعة!
قال : بدأتَ تفهم عنّي ما أريد ... هذه من الوسائل الأخرى للبقاء في الحكم.

كانت الحكايا تدور والرجل الأبلق مُتربّعاً في المضافه وخارج القريةِ كان جبلُ الرعوش مازال أبلقاً...


-3-
تُختصَرُ المسافات... تُختَصرُ الأحاديثُ .. الرسائل ... القصائد ..
نختصِرُ معرفةَ مكنون عاشِقةٍ في نظرة عينيها وهي ترمقُ حبيباً جاء يخطبُ ودّها .. نختصر معرفة البراءةِ لطفلةٍ من حركتها العفويّة وتعبير الفوز بلعبةٍ جديده .. نختصرُ معرفة رأئحة شجرةِ الغار من ورقةٍ واحده ... نوع الزعتر البري من قطفة صغيره ... ونعرف نوع البرتقال من زهرة لا غير.

ما لا يُختَصر هي حكايات هذا المختار الأبلق ، كل يوم ينصب مكيدة جديده .. كل وقتٍ يأتي بعملٍ لا يخطر على بال .. وكأنَّ أفكاره تتوالد بشكلٍ أكثر دهاءً وأكثر مقتاً.

يوم جاءت سيارة الحاج مصطفى الشاحنة القديمة ، عرف أهل القرية قدومها ... سمعوا شخير محركها وهي تصعد الطريق الوعرة الى القريه ... تئن تحت حملها الثقيل .. كانوا يُحِبُّون قدومها لأنها تحملُ رزقاً ... وكانوا يكرهون صاحبها لأَنَّهُم سيغرقون بالديون مرّةً أخرى ...

نزل التاجر مع أثنين آخرين حملا صندوقاً ثقيلا .. لاقاهم المختار بالأحضان ... أدخلهم المُضافة بترحاب زائد ، وظلّ الأطفال يتقافزون حول السيارة ويشاغبون حتى طردهم المختار بنفسه ...

بعد شرب القهوة المرّه وتبادل عبارات الود فتح الحاج صندوق الهدايا للمختار ... فاحت رائحة الصابون الحلبي ، وأخرِجت ملابسُ ومعطفّ وعلبلتان صغيرتان .. همس التاجر في أذن المختار مبتسماً عن المحتوى ..
قال المختار وأشار اليَّ : هذا صهري الجديد ، خذ يا صهري مفاتيح المستودع وأفرغ السيارة مع ابي عيسى والشباب .. لكن وقبل التفريغ تعال وقّْع هذه الورقه إشعارات بتسلمنا البضاعة .. فوقعتْ واضعاً بصمة إبهامي اليسرى فوق الحبر وفي ذيل الورقة البيضاء.

وقفتُ كالأبله ... صهري ...؟ ... المستودع ...؟ كيف وأين ...؟
سار أبو عيسى أمامي ... فتح باباً لحجرةٍ تعدلُ منزلاً ضخما .. أكياس القمح والشعير تعلو للسقفِ ... خوابي الزيت ... أكياس التين والطحين ... أكياس التمر وجرار السمن البلدي .. أكياس الجوز والسماق والزعتر وتلال لا اعرف محتواها ..
وأفرغوا السياره ، اكياس السكر والطحين والسمن والتمور ، الأحذية ولفائف القماش الكبيرة ، واشياء كثيره ... حتى أكفان الموتى أُنزلت ورتبت في مكانٍ لها ...

قلتُ لِأبي عيسى مندهشاً : هذا الخير كله للمختار ..
قال : له نصف أملاك القرية .. حين مُسِحت أراضي القريه عقارياً كان الشرط أن يسجل كل فلاح نصف ما عنده للمختار كي يحظى بالنصف الآخر من أرضه ، هذه حصته ومحاصيل الفلاحين الذين يستدينون منه طيلة العام .. وغمز بعينه اليمنى: مبروك يا أستاذ..

وفي تلك الليله قرأ المختار والحاج والحاضرون الفاتحة فجأةً وبغفلةٍ مني وباركوا لي خطبتي .. وصرتُ بسحرهِ صهراً لهُ ، وصرت أمسك دفاتر المستودع وما بها ومتى ادخلت البضاعة وكيف اُخرجتْ ومتى ولمن ...

تزوجتُ أختهُ المطلّقه ، فأغدق عليّ من أملاكه ثلاث قطع من الأراضي كبيره وبيتاً واسعاً وبقرةً وسجّل كل ذلك باسم زوجتي المطلّقه من زوجها منذ خمس سنين...

كبرتْ المدرسة ، بنى المختار غرفةً أخرى على نفقته ، ثمّ جاءنا معلّم جديد ، استلم الغرفة الجديده بعد أن وقّْع على ورقةٍ بيضاء للمختار ، كان وسيماً ونشيطاً .. قرّبه المختار منه ... وبعد مدة قصيره زوّجه ابنته وصار له سنداً ومحاسباً ومديراً للأمور المالية والأراضي وتحصيل الديون ..

وفي جلساتنا الخاصة مع المعلم الجديد كنّا نتحاشى ذكر المختار بسوء .. مثل أهل القريةِ جميعاً .. كنّا نخاف منه .. ونخاف من بَعضِنَا ، كان له قدرات عجيبه في المراوغة والدهاء...
قال لنا مرّةً وكنّا في بيت رجلٍ توفي صباحاً : كلُّ ما عندي لِمَن ...؟ لأبناء القريه ... هم أهلي ، أشاركهم الأفراح والأتراح ..
ثمّ قال لي : أستاذ جميل .. أكفان الموتى كلها على حسابي .. لا تسجلها على أحدٍ .. وأنت يا صهري الاستاذ همام اشطب ديون الرجل المتوفى .. ومسح دمعةً من عينه ..!
قلتُ في نفسي : المختار .. الزعيم .. يهبُ الموتى أكفانهم؟

العام التالي ، جاء التاجر ابا مصطفى ، أنزل بضاعته وأخذ مالاً وهدايا - دخاناً وسماقاً وزعتراً بريا وصندوقاً مُرصعاً فيه مسبحة وجوهرة غالية وليرة ذهبية عثمانية - سجلتُ هذا رغبةً من عمي المختار الذي ودعه على املٌ اللقاء ، لكن اللقاء لم ولن يتمَ لأن المتاجر تدهورت سيارته واحترقت عند المنحدر ومات الرجل مع مرافقيَه وكان- اعوان المختار - من افتعلوا الحادث كرمى لعيون المختار وكل شيء له ثمن - وما ابهرني أنّ المختار ضرب كفاً بكفٍ وتظاهر بالحزن وقادته رجليه إلى حلب للتعزية (بأعز صديق )..

رافقه في زيارة التعزية الاستاذ الجديد ادهم الذي نال على إعجاب المختار لفطنتهِ ومهارته و( ثعلبته) ومعرفته بالطريقة التي ( تؤكل بها الكتف ) ، وبراعته في تطويع رئيس المخفر الجديد وعناصره لصالح المختار ، وكذلك لمعرفته بأمور السياسه ، وخلال أشهر قليله ازدادت خلوات المختار والأستاذ أدهم الذي وقف على اسرار المختار وتفكيره وعلى خطوات المستقبل .

فجأةً جمع المختار الأهالي وألقى فيهم الاستاذ ادهم خطبةً حماسيةً وأخرج مذياعاً تبث الأناشيد الثورية وصفق للمختار الذي يوزع الهدايا بسخاء ، ثمّ مرّت أيام واجتمع أهل القرى في الرعوش واحتفلوا بيوم الثوره والتي ستوصل المختار الى قبة البرلمان..

قال الاستاذ ادهم بعد نشوة الحماس والمهرجان : هل يعترض أحداً على ترشيح المختار للبرلمان؟
علتْ الهتافاتُ وعلى التصفيق وأقيمت الدبكات حتى الصباح .. وهكذا أصبح المختار ممثِلاً للشعب ..


المختار أصبح نائباً ومن رجالات الدولة
صهره زوج ابنته بما يكفيه للعيش مرفهاً في العاصمة
الاستاذ ادهم استلم مكان المختار وذاعت شهرته وأصبح صاحب الكلمة الاولى في كل المنطقة ، ولكنه آثر ان لا يكون في الواجهه الاولى بل صار يدير اللعبة السياسية من خلف الستار .

أمّا انا الذي قررت أن أتزوج لأن إمرأتي كانت عاقراً وخرجتُ عن طاعة النائب - المختار- وجدتُ نفسي ذات ليله مطروداً ومساقاً إلى المحاكمه وبوجهي ورقة وقّعت عليها ببصمة إبهامي( عندما أسماني المختار صهره في رحلة ابو مصطفى التجارية) وكانت بيضاء أملأها المختار بديون مستحقة له لا يستطيع حتى أحفادي إيفاؤها ، وطبعاً كل الاملاك باسم زوجتي أخت المختار - عفواً - النائب!

هذا غيضٌ من فيض من - أفكار الرجل الزعيم - لا تأمنوا للأبلق!
*****

ملاحظة:
* أبلقْ : وصف للرأس فيها بقعة كاملة البياض وبقعة شعر سوداء بينما الأشيب سواد الشعر يخالطه البياض
* الرعوش كلمه عاميه تعني قطع الارض الصغيره التي أُزيلت حجارتُها وصارت صالحة للزراعة البسيطه .








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. تكريم إلهام شاهين في مهرجان هوليود للفيلم العربي


.. رسميًا.. طرح فيلم السرب فى دور العرض يوم 1 مايو المقبل




.. كل الزوايا - -شرق 12- فيلم مصري يشارك في مسابقة أسبوع المخرج


.. الفيلم اللبنانى المصرى أرزة يشارك فى مهرجان ترايبيكا السينما




.. حلقة #زمن لهذا الأسبوع مليئة بالحكايات والمواضيع المهمة مع ا