الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


نائب المدعي العام

ذياب فهد الطائي

2017 / 3 / 3
الادب والفن


نائب المدعي العام
قصة قصيرة

مساء قمنا بزيارة نائب المدعي العام العسكري في معسكر سعد في ديالى ،كان صديقي قد رتب للزيارة لضمان انهاء المحاكمة وانجاز الكتاب الذي طلبته الدائرة الحكومية في بغداد كجزء من المستندات اللازمة للتوظيف ،وكانت دائرة تجنيدي في بعقوبة مركز محافظة ديالى ،حين راجعت الاستعلامات قال نائب عريف يجلس الى منضدة متهالكة ويحمل في تقاطيع وجهه غيضا يشد على حركاته العصبية ويضغط على جمله في الحديث فتصك السمع حادة ومشحونة بعدائية
:واي ..واي ...وين جنت حضرتك
لم افهم ما يقصده
:ماذا ؟
:انت متخلف عن الحضور لتاشير دفترك ....وفوك هذا مجهول محل الاقامة !!
اخرجت دفتر التجنيد لأريه ان موقفي اصولي واني دفعت البدل النقدي، وحرصت ان اعرض وصل استلام المبلغ
قال:مفهوم ولكن حضورك الزامي ، على العموم ستحال الى المحكمة العسكرية ،وقع هنا واترك عنوانك
شعرت برعدة خوف من مثولي امام المحكمة العسكرية ، كما ان الاجراء يعني اني لن أحصل على الكتاب المطلوب وبالتالي سافقد الوظيفة
كان شهر اب في ديالى قاس بحرارته المصحوبة بجفاف ،وتصبح الشوارع الاسفلتية سائحة تغطيها الاف الفقاعات ،وحين وجدت عربة يجرها حصان هزيل عند محطة القطار لم اتوانى من الطلب الى صاحبها ان ينقلني الى بيت صديقي في محلة (أم النوى )
استقبلنا نائب المدعي العام بابتسامة عريضة مرحبة أشعرتني بالراحة ،كان يرتدي جلبابا ابيضا شفافا يكشف عن سرواله القصيرويمسح بمنديل من القماش حبات العرق المتكورة دون ان تتحرك هبوطا الى ذقنه فيما بدت وجنتاه المكتنزتان اكثر شفافية من جلبابه ،فقد كانت عروق حمراء تتمدد على نحو سريالي
قال :اعطني الدفتر وسأوافيك بالنتيجة غدا
حين خرجنا قال صديقي :ابو رحاب عقيد حقوقي وهو على علاقة جيدة بضباط معسكر سعد ، واعتقد انه سيقوم بتسوية الموضوع لأنه مسألة شكلية
في اليوم التالي كنت اجلس في صالة بيت صديقي أتلهى بقراءة بعض المجلات القديمة وبدا الوقت بطيئا ومملا وكأنه قدر شديد القسوة لا نهاية له
مساء جاءنا العقيد ابو رحاب
قال:احرص على ان تكون في المعسكر صباح الغد الساعة العاشرة ،لقد استطعت ان ارتب حضورك المحاكمة واصدار الحكم ومن ثم ترتيب الكتاب المطلوب،اسمك في مكتب الاستقبال
ثانية شعرت بخوف غريب يداخلني ، ماذا سأقول ...قال صديقي :لاتحمل هما فالعقيد ابو رحاب سيكون في المحكمة
في الساعة التاسعة كنا عند العقيد ابو رحاب ،كان برتبته العسكرية اكثر صرامة ،طلب لنا الشاي وتشاغل بقراءة بعض الاوراق وبين الفينة والفينة كان يتوجه نحونا بابتسامة مجاملة أقرب الى الحياد منها الى التعاطف ،شعرت اني أواجة لحظات حرجة وغير محددة المعالم في غرفة محاطة بعشرات الموانع العسكرية ...الجنود المدججين بالسلاح والعربات العسكرية التي تصطف بنسق منتظم وبضعة دبابات تقف عند مدخل المعسكر ...والمحكمة العسكرية !!
في الطريق الى مقر المحكمة العسكرية اجتزنا ساحة كبيرة مفروشة بالطابوق العريض الذي كانت تبلط به ساحة (الحوش ) في بيوتنا القديمة للحفاض على درجة حرارة منخفضة في الصيف والذي يسمى (فرشي ) قال صديقي في هذه الساحة تم اعدام عادل ومجموعة الهندسة في معسكر سعد ، لم يقدموا الى المحكمة، جرى سحبهم من ثكتنهم الى الساحة ورصفوا الى بعض ثم اطلق عليهم الرصاص ونقلت جثامينهم الى جهة مجهولة
كان عادل حين غادرت بعقوبة في الصف الثالث الابتدائي يتميز بقدرة فائقة على الإضحاك ،فهو يختلق النكتة ويقلد الاخرين على نحو ساخر ،
ومجموعة الهندسة في معسكر سعد كانت المجموعة العسكرية الوحيدة في الجيش العراقي التي اعلنت تمردها يوم الثامن من شباط ، شعرت بحزن عميق، فالمشهد محبط وانا في طريقي الى المحكمة
حين دخلنا غرفة المحكمة كان المنظر أكثر رهبة ،ثلاثة ضباط تجاوزوا الخمسين متجهمي الملامح ...ونائب المدعي العام الذي يجلس الى منضدة حديدية لونها رصاصي معتم وفي يده ورقة لم يكن ينظر اليها
قال الضابد الذي يجلس في الوسط :اسمك...وتاريخ مولدك وموقفك من التجنيد الالزامي
تابع بعجالة :اجب باختصار ورانا شغل كثير
بعد إجابتي ، توجه الى نائب المدعي العام :ماذا لديك حضرة الإدعاء؟
شعرت بشيء من الراحة ،فأبو رحاب هو الواسطة وسيطلب انهاء الموضوع ومساعدتي في العودة الى بغداد اليوم
وقف نائب المدعي العام مشدودا وجادا على نحو اشعرني بالفزع
:سيدي الحاكم ...المتهم الماثل امامكم نموذجا للشباب غير المنضبط فهو لم يراع التعليمات بالحضور الى دائرة تجنيده وأرجو اصدار حكمكم المناسب
كان نائب المدعي العام يقف وراء الطاولة الحديدية يمد جسده الى أعلى ويعطي كلماته شحنة من القوة ضاغطا على مخارج الحروف على نحو يمنحها حافزا اضافيا للتأثير على مستمعيه ،لم ينظر نحوي وبدا كانه يقاضي شبحا يؤرقه
شعرت اولا بالاستغراب ثم بالخوف من ان قدرا غير محسوب النتائج قادني الى هذه المحكمة العسكرية .
حين سكت نائب المدعي العام العسكري قال الحاكم :يغرم المتهم مبلغا وقدره عشرون دينارا
كنت اعتقد اني سادفع المبلغ في المعسكر ولكن الجندي الذي كان يرافقني بعد خروجنا قال :ستذهب مخفورا الى بناية المحافظة حيث تدفع الغرامة ،في العادة الغرامة ثلاثون دينار ولكن الحاكم اخذ في الاعتبار انك قادم من البصرة








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. سماع دوي انفجارات في أصفهان وتبريز.. ما الرواية الإيرانية؟


.. عاجل.. وفاة الفنان الكبير صلاح السعدنى عن عمر يناهز 81 عاما




.. وداعا العمدة.. رحيل الفنان القدير صلاح السعدنى


.. وفاة الفنان الكبير صلاح السعدني عن عمر يناهز 81 عامًا




.. المتحدة للخدمات الإعلامية تنعى الفنان الكبير صلاح السعدني