الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


ثورات التحرر الوطني و استمرار الصراع

غسان صمودي

2017 / 3 / 3
ابحاث يسارية واشتراكية وشيوعية


إن انهيار النظام الكولونيالي يشكل مرحلة هامة من مراحل التاريخ، و يعتبر واحدا من العوامل الرئيسية في تعميق و مفاقمة الأزمة العامة للرأسمالية.

ظلت الشعوب المستعمرة المقهورة تقاتل الإمبريالية بكل قواها منذ البداية. و الإمبريالية كانت فيما مضى، الطرف الأقوى، و لذلك سحقت انتفاضات الشعوب بكل وحشية. لكن "إرادة الشعوب لا تقهر" اذ تمكنت هذه الشعوب المستعمرة من طرد المستعمر الإمبريالي، و بفضل انبثاق المنظومة الاشتراكية العالمية أفقدت الإمبرياليين مواقع هيمنتهم اذ مكنت الشعوب المقهورة من الإنتصار.
و على هذا النحو، فالنضال التحرري للشعوب المقهورة ارتبط سابقا بنشاطات القوتين الثوريتين الرئيسيتين : المنظومة الإشتراكية و حركة الطبقة العاملة في البلدان الرأسمالية.
إن تلك الأوضاع الجديدة التي تطورت في ظلها حركات التحرر الوطني أثرت على طبيعة هذه الحركات و قواها المحركة و آفاق مستقبلها.
إن المستعمرات السابقة و أشباه المستعمرات لا تملك، بوجه عام، الشروط المادية أو الإجتماعية اللازمة للإنتقال إلى الإشتراكية. و لذلك لا تعد ثورات التحرر الوطني إشتراكية بل ثورات وطنية ديمقراطية معادية للإمبريالية تسعى لنيل الإستقلال أولا، و إجراء إصلاحات ديمقراطية لصالح الشغيلة ثانيا. و يتوقف تطور هذه المنجزات على ميزان القوى الطبقية في حركة التحرر الوطني.
و تقوم ثورات التحرر الوطني، في العادة، على تحالف عريض بين قوى إجتماعية تضم المثقفين و الطبقة العاملة الوليدة و الفلاحين و البرجوازية الصغيرة في المدن و قطاعات من البرجوازية الوطنية المعادية للإمبريالية بوجه عام. و أهم ما في هذا التحالف هو قيادته السياسية.
ومثال ذلك ما سارت علية حركة التحرر الوطني بتونس، اذ قادت البرجوازية الكولونيالية عملية التحرر، و أوصلت هذه الحركة التحررية إلى مأزق طبقي أوصلتها إليه قيادة البرجوازية الصغيرة .
و مما تجدر الإشارة إليه أن الثورات الوطنية التحررية قد تتطور إلى ثورات إشتراكية في البلدان التي تتمكن فيها الطبقة العاملة و الأحزاب الشيوعية من قيادة النضال الجماهيري مثلما حدث في كوبا و الصين. و لكن حينما تكون الطبقة العاملة غائبة أو ضعيفة، تنجح الأحزاب الوطنية الديمقراطية في تسلم قيادة ثورات التحرر الوطني، و تتآلف هذه الأحزاب مع الفئات المثقفة التقدمية المحلية و عمال المكاتب و بعض العسكريين. و تتبنى بعض هذه القيادات الطريق الإشتراكي هي الأخرى، و لكنها تتطور بطريقة أكثر تعقيدا و سرعان ما تفشل.
و لكن حينما تتسلم العناصر الرأسمالية قيادة الثورة الوطنية التحررية نجد أن حل معضلات التحرر الوطني و الإطاحة بالإقطاع تتعرقل تماما بسبب الإجراءات النصفية و التراجعات. و تميل مثل هذه البلدان إلى حبس الثورة في إطار الرأسمالية.
إن انهيار النظام الكولونيالي أبعد من أن يعني اختفاء الكولونيالية اختفاء كليا. إن الرأسماليين يرفضون التخلي عن نفوذهم في المستعمرات و يلجأون إلى أساليب محسنة لمواصلة نهب البلدان المحررة حديثا.
و كخطوة أولى تسعى القوى الإمبريالية لأن تضع خدمها المطيعين على رأس السلطة في هذه البلدان الفتية، خدما أوفياء للسياسة الإستعمارية، و ما أن تنجح في تحقيق ذلك فإن إعلان الاستقلال يكف عن احداث أي تغيير في حياة الشعب.
و قد بدأ الإمبرياليون مساعيهم لجر المستعمرات السابقة إلى الأحلاف العدوانية منذ الحرب العالمية الثانية، مستهدفين الحفاظ على الهيمنة الإمبريالية في تلك المناطق. و أقامت الولايات المتحدة الأمريكية، على سبيل المثال، شبكة من القواعد العسكرية في عدد من البلدان المتحررة و أرسلت جنودها و مستشاريها بحجة "الوقوف بوجه الخطر الشيوعي" في حين أن غايتها الحقيقية السيطرة على تلك البلاد.
و عندما يفشل الإمبرياليون في الحفاظ على زمام السلطة السياسية في المستعمرات السابقة فإنهم يواصلون سطوتهم الإقتصادية و تحقيق أرباح طائلة باستغلال الشعوب. و تبلغ الأرباح السنوية للإحتكارات الغربية الناجمة عن استغلال البلدان النامية آلاف المليارات من الدولارات. و قد أطلق على هذا الشكل الجديد من أشكال الهيمنة السياسية و الإقتصادية على البلدان التي تتمتع رسميا بالإستقلال اسم : النيوكولونيالية (الإستعمار الجديد). إن النيوكولونيالية بالمفهوم التاريخي هي إمبريالية اضطرت للتراجح تحت ضربات حركة التحرر الوطني.
و عليه فإن النضال ضد الإستعمار بشكليه القديم و الجديد لم يكتمل بعد. إن السبيل الوحيد لإفلات البلدان الفتية من القبضة الإقتصادية للإمبريالية و وضع حد لنهب ثرواتها الوطنية يكمن في شروعها ببناء صناعتها الخاصة و إعداد كوادرها الوطنية و طرد الإحتكارات الرأسمالية. و لعل أكبر مشكلة تواجه هذه البلدان هي مشكلة التغلب على تأخرها الإقتصادي و بناء إقتصاد وطني مستقل.
لا تقتصر النيوكولونيالية على التغلغل الإقتصادي في بلدان إفريقيا و آسيا و أمريكا اللاتينية. فسياسة القوى الإمبريالية تذهب إلى أبعد من ذلك، و تقوم بتنظيم التدخلات العسكرية كما حدث في الهند الصينية و الفيتنام و الزائير و العراق..، و الإنقلابات الرجعية و مخططات تجزئة البلدان كما في نيجيريا و دعم الأنظمة الرجعية كما في جنوب أفريقيا و روديسيا، و الإغتيالات كما في بوركينافاسو، و تأجيج الصراعات الداخلية على السلطة و استثارة العداءات القبلية و التخريب الإيديولوجي مثل الحرب الأهلية في لبنان.
و تقع على عاتق الأمم المتحررة مهمات كبيرة تتلخص بالتغلب على مختلف الصعوبات و حل شتى المعضلات المعقدة. و في هذه الفترة، فترة استمرار النضال لتوطيد الإستقلال، تتعاون مختلف الطبقات و الفئات الإجتماعية لدحر العدو المشترك. ولكن ما ان يتم نيل الإستقلال، حتى تبرز المصالح الطبقية المتعارضة إلى المقدمة. و يشتد الصراع بين الطبقة العاملة و الفلاحين و الفئات الديمقراطية من جهة، و القوى الرجعية المحلية من جهة أخرى.
و تسعى الرأسمالية المحلية إلى استثمار الإستقلال الذي حققه الشعب لغاياتها الطبقية. و في محاولتها الإستحواذ على السلطة لا تتورع عن التواطؤ مع الإمبريالية و الأسياد الإقطاعيين على حساب الجماهير الشعبية.
و تبين تجربة البلدان التي سلكت الطريق الرأسمالي، أن الرأسمالية تعجزعن حل معضلات الأمم المتحررة، و لا تجلب للشعب غير العوز و الحرمان، و عندما يعرب الشعب عن سخطه، تلجأ الرجعية المحلية إلى إجراءات القمع و كبت الحريات الديمقراطية كما تلجأ إلى تأجيج النزاعات القبلية و الدينية و القيام بكل ما من شأنه تفتيت التحالف المعادي للإمبريالية، فتتعرض، بذلك، منجزات الثورة الوطنية التحررية للخطر.
و قد جاءت بعض أعمال لينين لترشد البلدان المتحررة إلى الحل، و كتب في إحدى مؤلفاته يقول : "أيتوجب علينا أن نعتبر التأكيد القائل بأن المرحلة الرأسمالية من التطور الإقتصادي مرحلة حتمية للأمم المتخلفة التي تقف الآن على درب التحرر، و التي نلمح في بعضها علائم التقدم منذ فترة الحرب، أيتوجب علينا أن نعتبر هذا التأكيد صحيحا ؟ إننا نجيب بالنفي" .
إن تجربة البلدان الإشتراكية مثل الإتحاد السوفياتي و ألبانيا و تشيكوسلوفاكيا سعت إلى إرشاد شعوب المستعمرات وأشباه المستعمرات السابقة إلى الطريق الصحيح للنهضة الوطنية والتقدم الإجتماعي. و للسير على هذا الطريق بخطى ثابتة، كان لا بد للقوى الديمقراطية الثورية من شن النضال الحازم و الإعتماد على دعم الجماهير الشغيلة بأكملها.
و قد واجهت البلدان التي تحررت حينذاك صعوبات جمة. فالإمبريالية و الرجعية المحلية تفعل كل شيء للحفاظ على النظام القديم، و منع هذه البلدان من تقويض النظام الرأسمالي. و قد توصلت بعض البلدان المتحررة آنذاك إلى إدراك نشاطات القوى المضادة للثورة بالتجربة. إن كبح جماح القوى الرجعية و منعها من إعادة عقارب الساعة إلى الوراء يتطلب تحالف كل القوى التقدمية و الوطنية التي تناضل من أجل تحقيق الثورة الديمقراطية المعادية للإقطاع و الإمبريالية.
و قد شهدت بعض البلدان، في النصف الثاني من القرن الماضي، تطور النضال التحرري الوطني بشكل ملموس، إلى نضال معاد للعلاقات الإستغلالية. و أعلنت الأحزاب الحاكمة و القادة السياسيون في عدد من البلدان التي انتهجت طريق التطور المستقل، مثل بورما و العراق و سوريا و الجزائر و غينيا و الكونغو و الصومال و تانزانيا ، أن هدفها هو بناء الإشتراكية.
في الختام، نقول بأن النضال من أجل التحرر الوطني الفعلي لا يكون إلا بالإنتقال بهذه البلدان من واقعها الكولونيالي الحاضر إلى الإشتراكية. و هذا ما لا يكون، حسب "مهدي عامل"، إلا بفكر تحرري، هو "الفكر الجديد، من حيث هو، في عمليته، نظرية حركة التحرر الوطني" أي النظرية الماركسية اللينينية.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. Read the Socialist issue 1271 - TUSC sixth biggest party in


.. إحباط كبير جداً من جانب اليمين المتطرف في -إسرائيل-، والجمهو




.. الشرطة تعتقل متظاهرين مؤيدين للفلسطينيين في جامعة كولومبيا


.. يرني ساندرز يدعو مناصريه لإعادة انتخاب الرئيس الأميركي لولاي




.. تصريح الأمين العام عقب الاجتماع السابع للجنة المركزية لحزب ا