الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


فيلم مولانا والصمت المطبق

حسين سميسم

2017 / 3 / 4
العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني


فيلم مولاننا والصمت المطبق
وضع فيلم مولانا اصبعه على بعض مواطن الخلل الذي اصاب مجتماعتنا العربية والاسلامية ، فقد اشار الى التداخل الكبير بين السياسي والديني ، وسلط الضوء على حالات منتقاة من التداخل بين عمل المرجعية الدينية المتمثلة بالازهر وبين الاعلام الفضائي وسيطرة السلطة من خلال جهازها الامني على كل مفردة تتسرب للهواء ويسمعها الناس . وظهر من خلال الفلم ان اللاعب الاول هو السلطة الامنية تتبعها السلطة الدينية وتنفذ ارادتها حرفيا وتقوم بالادوار المرسومة لها ، فهي التي تضع الخطوط الحمراء التي لا يتجاوزها قول ولا فعل . ومثلما تستفاد المرجعية الدينية من اهتمام الناس بالتدين - لكي يصبح موقعها مركزيا في مساحة الاهتمام الذي يوليه الناس لها - تستفاد على هامش هذا الاهتمام المراكز التجارية التي تريد تحويل الدين الى سلعة تباع وتشترى .
ان رفع اهتمام الناس بالتدين ليس الغاية منه هداية الناس ولا تثقيفهم بل لخلق حالة من الدهشة لكي يتسمر الناس امام الشاشة الصغيرة ويتقبلوا ماتتقيأ عليهم الفضائية من اعلانات يستثمرها اصحاب المال ويدفعون الملايين من اجل ارباحها . ووجدوا ضالتهم في ممثل يتكلم عن بضاعة مغايرة للبضاعة المقدسة التي تملأ الاسواق هذه الايام ، والتي انتجتها ماكنة الوهابية التي تمكنت من حركة الاخوان بعد هروبهم من نظام عبد الناصر الى السعودية فثقفوهم بثقافة جديدة واعادوا تصديرهم الى مصر ، فملأوا الشوارع والاسواق بضجيجهم الديني الطائفي ، واحتلوا اماكن التواجد البشري وسيطروا على الجوامع ومكبرات الصوت والجامعات وتغلغلوا في ماكنة السلطة ونثروا المال النفطي يمنة ويسرة ، فقضوا على الفكر القومي الناصري واليساري ، واشاعوا شكلا دينيا سلفيا متكونا من اللحى والمال ، فضاقت فسحة الفكر الديني وتجمعت مياهه الاسنة في مجرى ضيق يبدأ من فم الداعية وينتهي في اذن السامع المخدر الذي باع عقله دون مقابل .
لم يستطع الانسان في مثل هذه الضغوط من عنف وتخويف وضجيج من التفكير حرا بحاله ، فاصبح الخواء حالة عامة شلت الارادة واعجزت الناس عن فعل انساني معقول . فقد انتقى السلفيون مجالهم ومنعوا الاطراف الاخرى من الولوج فيه ، وامموا المجال الديني ، فانقسم الى لونين متمايزين هما اللون الكافر والمؤمن ، فوجد الازهر صعوبة في وضع القدم في هذه الجهة ووضع القدم الاخرى في الجهة المقابلة ، وعز عليه ان يلتحق بمسيرة الاخوان المتسلفة ، فالتحق بالسلطة ، وحاول ان يجد استقلالية ما لحفظ ماء الوجه لكنه في النهاية لم يقف بشكل جدي ضد تطرف الاخوان المتسلفين ، ووجد صعوبة كبرى في تكفير الدواعش وهو الذي كفر وفسق كل من تمايز عنه من مثقفين وباحثين .
يوضح الفلم قصة احد شيوخ الازهر الشباب ممن اخترق حالة الجمود الفكري ، ومنحته الصدفة للظهور على الشاشة الصغير التي استهوته ، ووجد هوى متبادلا من قبل اصحاب الاعلانات التجارية ، فاقتنصوا هذه الحالة لانها توفر لهم الربح الوفير ، لكن الظهور الى المجال العام يخفي بين ثنياته خرقا لخصوصيات الشيخ ، فتضررت العلاقة العائلية واقتحم بيته الممثل نادر ، ثم ابن احد المسؤولين ( حسن )الذي رفض حالة السأم في بيت يتوفر به كل شئ ، وكان اهله يبحثون عن حل غيبي لمشكلته من الخارج ، وتوصلوا حسب مستوى استيعابهم الى استطاعة رجل الدين حل هذه المشكلة ، وهي جزء من حبكة الفلم حيث قدم من خلال قصة حسن مشكلة تغيير الدين من الاسلام الى المسيحية او بالعكس ، وظهر بعد ذلك بان حالته النفسية غير المستقرة اودت به الى اتجاه اخر هو تنظيمات القاعدة . كما ظهرت الانسة نشوى بدفع من رجال الامن فاقتحمت حياته وبينت نقاط الضعف الانسانية في هذه الشخصية . واقترب الفلم من حالة الرجل العارف الشيخ مختار الحسيني الذي تربطه ببطل الفلم الشيخ حاتم صداقة قديمه . فقد اودى بحياته حلما سبب قلقا لاحد المسؤولين الكبار ، فطرح من خلالة مشكلة الشيعة التي لم يتنبه اليها قبل الحالة السلفية احد . وكاد الشيخ حاتم ان يتورط في هذه المشكلة لولا تدخل حسن ونادر .
ان الفلم هو اختصار شديد للرواية التي تجاوزت 500 صفحة والتي كتبت عام 2012 . وقد علق البعض على ان الرواية هي تكرار واقعي لما حدث للكاتب ابراهيم عيسى ، وهي تحمل نفس طريقة وكلمات برنامج القاهرة والناس ، ولو تحقق هذا الشئ فإن الفلم يعني تجربة حقيقية واقتراب عملي من حالة موجودة بيننا ، وهذا مايضفي على الفلم قوة ومنعة . بالتاكيد ان لغة الرواية تحمل هموم ولغة ويوميات كاتبها ، وهي لم تكن عادية ، فالكاتب ذو خلفية دينية استطاع فهمها وتسخيرها في كشف التعارض والتناقض في النصوص ، كما استطاع كشف هنات التفسير والمفاهيم السائدة غير الموجودة في النصوص الاصلية ، ومعرفة مشاكل الحديث النبوي وكيفية تدخل الانسان والفقهاء خلال الفترات المتعاقبة في فرض مفاهيمهم عليه وصناعتهم اياه ، كذلك قيامهم باخراج نسخة واحدة من الدين باعتبارها النسخة الوحيدة الرسمية المعتمدة ، وعلى اساسها يتم الدخول او الخروج من الدين .
والفلم هو بالحقيقة ليس ضد الدين بل هو عبارة عن تأليف نسخة اخرى منه تختلف عن النسخة الموجودة عند السلفيين . لقد منحت امكانية الاطلاع الديني للكاتب على مزاوجة الصور المختلفة والمتناقضة ، فيضعك حينا امام الدهشة ويضعك حينا اخرا امام نص اهملته القراءة والتفسير فيذهب العقل طائعا منقادا الى حيث اكتشاف الجديد ، فهو يكشف بصراحة عن نفسه باعتباره مهتما بالدعاية لا بالهداية ( ص 170) ( وانا ابيع علما لتخفيف وتحسين مستوى الجهل ( ص140 ) . لغة الرواية جديدة وفريدة وهي مزيج من لغة برنامجه ، وهي ليست لغة محكية مسطحة بل عميقة كثيفة تنم عن تجربة داخلية ثرة ، وعن مواقف شجاعة برهنها في جميع حلقات برنامجه ، فقد واجه رئيس مصر اما الفضائيات وامام الصحفيين واحرجه وبين تناقضة ولعبه على المواقف وطرح قضية الصحفي اسلام البحيري ، وكان هو السبب الحقيقي لاخراجه من السجن قبل انهاء محكوميته .
ان اهم شئ يستطيع المشاهد ان يستنتجه من الفلم هو ان الحكومات التي تسمي نفسها بالوطنية من عسكريين ومدنيين يتبعون بشكل انتهازي السوق الديني الرائج ، ويساهمون مع المتطرفين في بناء القاعدة السياسية والاجتماعية والاقتصادية لهم ، فلم تكن عملية سيطرتهم على الجوامع بدون علم السلطات التي سمرت عيونها على اليسار باعتباره العدو التاريخي الاول والاوحد لسلطانها . لقد سمحت لهم السلطات ( الوطنية ) بالتغلغل في دوائر الدولة والجامعات والمنشئات الثقافية ، ولم تراقب اقوالهم وافعالهم ، واعطت لهم الصلاحية في الهجوم على الافراد القلائل الذين كشفوا المستور ، فهل يعقل ان يفصل نصر حامد ابو زيد من عمله ومن زوجته لانه اشار الى تاريخية النصوص القرآنية ؟. وبحجة استقلال القضاء الحكومي قضت محاكم الدولة على مجموعة اخرى ضبطت وهي تحمل اقلاما ناقدة ، وظل التطرف المدجج بالسلاح يسرح ويمرح !!! .
لقد منعت السلطتان اللبنانية والكويتية الفلم وهو لم يكفر بالدين لكن خوف تلك الحكومات من المتطرفين جعلهم يتخذون هذا الموقف ، وهم في نفس الوقت يشكون اعلاميا من التطرف والمتطرفين ، لكنهم لم يقوموا بخطوة واحدة لمكافحته .
كما تبرز ظاهرة مماثلة تعم الحالة الثقافية ، فلم يناقش الفلم نقدا ولا تقييما اكثرية المثقفين من اصحاب الاختصاص وغيرهم ، وتركوا الكاتب والفلم وحدهما يصارعان هجمات المتطرفين . ان تلك الحالة شائعة مع الاسف بين المثقفين الذين تمنعهم نرجسيتهم من الخوض في اعمال الغير وتقييمها واشاعتها والمساهمة في نشرها وتعريف الناس بها . فقد مرت اعمال سامي الذيب المنشورة مرور الكرام ، ولم ينتبه لها حوالي 9 الاف كاتب من كتاب الحوار المتمدن ، ولو اردنا ان نعد اسماء الكتاب الذين نشروا اعمالا متميزة عدا لوجدناها بالمئات ، لكن عملية النشر الواحدة التي لا تبقى على صفحات الحوار المتمدن مثلا مدة تزيد على ثلاثة ايام ، وتجاهل اهم المثقفين هذه الاعمال يجعلها ليست بذات فائدة تتناسب مع الجهد الكبير الذي صرفه الكاتب في انجازها . ومتى ما بدأ المثقفون من النزول من ابراجهم العاجية وناقشوا اعمال زملائهم لبيان قيمتها الموضوعية ومساعدة الكاتب والقارئ على بيان نقاط القوة والضعف فإن ذلك يؤدي الى التعريف بها ونشرها ومكافأة الكاتب الذي يرى اهتمام الناس بعمله وهو مايشجعه على المزيد . كفى صمتا ايها الزملاء ، وكفى الوقوف سلبيا امام الهجمات المستمرة التي يتعرض لها الابداع ، خاصة وان الفلم موجود على النت والرواية كذلك والوصول اليهما لايتطلب جهدا . انني ادعوا القراء والجمعيات الثقافية ان تشاهد هذا الفلم فرديا وجماعيا والكتابة عنه ، حيث يساهم ذلك في توسيع دائرة النقاش في المواضيع التي طرحها وعالجها .
حسين سميسم








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. تونس.. ا?لغاء الاحتفالات السنوية في كنيس الغريبة اليهودي بجز


.. اليهود الا?يرانيون في ا?سراي?يل.. بين الحنين والغضب




.. مزارع يتسلق سور المسجد ليتمايل مع المديح في احتفال مولد شبل


.. بين الحنين والغضب...اليهود الإيرانيون في إسرائيل يشعرون بالت




.. #shorts - Baqarah-53