الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


-طعم الحياة- في سينما اليابان

محمود عبد الرحيم

2017 / 3 / 4
الادب والفن


"طعم الحياة" في سينما اليابان
*محمود عبد الرحيم:
السنة التي سنتها مؤسسة اليابان للثقافة في مصر بتنظيم أسبوع سينمائي سنويا بالتعاون مع مركز الإبداع الفني بالأوبرا المصرية، بلا شك سنة حميدة، ومبادرة جيدة أيضا لتعريف المصريين بالثقافة اليابانية والمجتمع الياباني عبر أسهل وسيط والمحبب أكثر لقطاع كبير وهو السينما، فضلا عن أن مثل هذه العروض السينمائية المجانية تقرب المشاهد المصري من سينمات أخرى غير معتاد عليها، ك"سينما الشرق" بعد احتكار سينما "الغرب"، خاصة الأمريكية السوق المصري لسنوات ممتدة، وهي تصنع كذلك ذائقة جديدة، وكشفا لآفاق أخرى، وكسرا للحاجز النفسي بين الشعوب المختلفة، مع صنع روابط حضارية مع هذه المجتمعات البعيدة.
وربما المميز هذه المرة هو تقديم عروض حديثة الإنتاج تبتعد قليلا عن الصورة المعتاد تقديمها عن الشعب الياباني، أعنى القصص التراجيدية التي تتمحور حول مأساة الحرب العالمية الثانية والقنبلة النووية والثمن الباهظ الذي دفعه الشعب الياباني جراء هذه الحرب الملعونة.
فقد أحسن المنظمون باختيار "طعم الحياة" ليكون عنوانا لهذا المهرجان أو الأسبوع السينمائي، في إشارة إلى بعد مادي وهو الطعام الذي يكون عنصرا مهما في بناء الأفلام المعروضة، وأيضا ثمة بعد نفسي واجتماعي بتذوق طعم آخر للحياة بعد التغيير الذي يطرأ على حياة الشخصيات.
ومن الملاحظ، على تلك الأفلام أنها ذات طابع تربوي لكنه مقبول بدرجة كبيرة، ويتصدر بطولتها الشباب بمشاكلهم واحباطاتهم وتمردهم، وتركز على الأبعاد القيمية، وتأكيد قيم رئيسة مثل قيمة الحفاظ على تماسك الأسرة، والإرث بمعناه القريب "العائلي" أو البعيد "التقاليد المجتمعية"، وقيمة العمل والكفاح، والإيمان بالذات وتحمل المسئولية، وإيجاد هدف في الحياة والإصرار على الوصول إليه، فضلا عن قيمة روح التضامن.
وهي رسائل مهمة يمكن أن تصل بسهولة للمشاهد المصري كما الياباني، لأنها قيم إنسانية نحتاجها جميعا في حياتنا.
في على سبيل المثال، نجد أن فيلم"أكانيزورا-السماء القرمزية" للمخرج ماساكي هاماموتو يدور حول أسرة تعمل بصناعة "التوفو" وهو نوع من المأكولات اليابانية التقليدية، حيث ينجح رب الأسرة بمساعدة زوجته من التوسع في صناعته واكتساب سمعة طيبة لجودة منتجه ورخص سعره مقارنة بالمنافسين، ما يثير حنقهم، ويتآمرون للنيل منه، وينفذون إليه عبر ابنه المتمرد ذي الطموح الجارف، بجعله يدمن "القمار" ثم الاستدانة، وصولا للحجز على بيتهم ومتجرهم بعد وفاة الأب باعتبار هذا الشاب "الوريث الأكبر"، لكن زعيم الحي الذي يتآمر مع المقرض منافس الأب المتوفى في لحظة تدمير الأسرة وخسارتها كل شئ يلقن الجميع درسا أخلاقيا.
فها هو يرد جميل الزوجة التي تحسن إلى المحتاجين والتي أكرمته يوما ما ومنحته "التوفو" في أفخر الأواني التي لديها، وذلك بأن يحرق صك الحجز على ممتلكاتهم بعدما خدع المقرض، وضربه ليعلمه أن من يخدع لابد سيجد من يخدعه، ويعلم الابن المتمرد درسا أن الشاة التي تخرج عن القطيع حتما ستأكلها الذئاب، ويعلم الأسرة كلها أن الدنيا دوارة وأنهم كانوا عليهم أن يذوقوا من نفس الكأس الذي شربه منافسهم، ويجربون إحساس الخسارة بعد الطمع في الاحتكار.
وهذا الفيلم على أهمية الرسائل التي يرسلها، إلا أنه اتسم بدرجة كبيرة من المباشرة والمبالغة في الطرح، والمقدمات التي تصنع نتائج مفاجئة غير متوقعة كالتحول المفاجئ في مواقف شخصية الزعيم الذي يقدمه كزعيم عصابة شرير، ثم يتحول إلى خير في نهاية الفيلم، علاوة على طول زمن المشاهد بصورة مبالغ فيها ما عمل على بطء الإيقاع، وإن كان المخرج سعى لنقل جزء لا بأس به من الثقافة اليابانية القديمة من خلال الحقبة الزمنية البعيدة نسبيا، ونمط الحياة والملابس التقليدية، وتعريفنا بطقوس الحداد، فضلا عن صناعة الأكلات القديمة.
وفي فيلم" لاغطاء للبحر" للمخرج كسيكيه طويوشيما نجد الطعام حاضرا بقوة أيضا في الخلفية، لكنه هذه المرة "الثلج المجروش ذو النكهات"، حيث تقرر ماري العودة من طوكيو لافتتاح محل صغير ببلدتها الصغيرة، وبدء حياة جديدة، واستعادة حبيبها القديم، فيما تأتي قريبة للأسرة للإقامة معهم بعد وفاة الجدة وهي محملة بآثار نفسية وجسدية شديدة الوطأة جراء حادث احتراق وغرق.
ومن خلال الاستغراق في مشكلة قريبتها، ومحاولة مساعدتها على تجاوز محنتها، تكتسب صلابة أكثر، وتنجح في التحقق الذاتي بعيدا عن الشاب الذي هجرها، إلى جانب أن الفتاة الأخرى تتحرر من مخاوفها وانزوائها، بل وتقرر اللحاق بحبيبها لمساعدة الأطفال في أفريقيا.
وهذا الفيلم يتسم بالسلاسة في التناول والشاعرية الشديدة، سواء على مستوى التكثيف للمشاهد، أو الاستخدام الجيد للقطات وإكسابها دلالات غير مباشرة، كلقطة ركوب الدراجات على تلة شديدة الوعورة، في إشارة للتحدي ومواجهة الصعاب، وكذلك حين تأخذها للبحر ليستحما معا في محاولة لكسر رهبة الماء، ولقطة نزول الفتاة بمفردها للبحر والشعور باللذة في إشارة لتحررها من مخاوفها، وحتى اللقطة الأخيرة التي تبرز شعورها بالارتياح بعد امتلاء المحل الذي كان فارغا وتنويع منتجاتها، أو حتى التركيز على جماليات الصورة بتوظيف جمال الطبيعة، خاصة البحر والسهول والجبال الخضراء، بل أن الفيلم كله ينطلق من أغنية ذات بعد أسطوري "لا غطاء للبحر" التي تفسرها إحدى بطلات العمل بأن أخر من نزل البحر تركه عاريا، ولم يغطي سطحه كما العادة، أو ما يعني أننا يمكننا أن ننزل البحر مرات ومرات ولا نجد من يعوقنا أو يمنعنا من الاستمتاع به، أو بالأحرى الحياة.
وفي فيلم "معلقة فضة" للمخرج كيسوكيه يوشيدا، نجد أن الطعام أيضا محركا مهما للأحداث، لكنه هذه المرة "لحم الخنزير" حيث يبدو يوجو مراهقا ساذجا بلا أدني طموح ولديه مشكلة تواصل مع والديه، ويلتحق بالمدرسة الزراعية الداخلية هربا من المنزل، ويتعرض في المدرسة لصعوبة التأقلم وسخرية الزملاء منه، إلا أنه ارتباطه العاطفي بزميلته آكي يجعله يكتسب خبرات حياتية جديدة، ويتعود على تحمل المسئولية، ولأنه تعلق بخنزير يتم تربيته في المدرسة يقرر شراءه بدلا من تركه يباع للغير، ويضطر لآخذه لحما مذبوحا وليس حيا، فيتعلم كيفية طهوه بشكل جيد، ويقرر دعوة جميع زملائه لتناوله، ما يقرب الجميع منه.
وبعد أن كان بلا أهداف ومنطوي، يقرر أن يساعد الآخرين ويقوم بمبادرات منها تنظيم مسابقة سباق خيل لإرضاء حبيبته قبل بيع الحصان الذي تمتلكه، ما يكسبه حب الآخرين وفخر والديه به بعد حدوث التغيير الكبير في حياته، بل أنه صار قدوة لغيره.
ويأتي اسم الفيلم "ملعقة فضة" كما جاء في سياق العمل من مثل ياباني "أن من يولد في فمه معلقة فضة يجب ألا يجوع أبدا"، ما يعني أن من يمتلك أرثا أو شيئا ثمينا يضمن له البقاء بشكل كريم، وربما قصد المخرج من وراء هذا أن الأبطال الذين تم الحجز على مزرعتهم، سواء آكي أو ابن عمها، وباتوا في وضع مادي سئ، تمكنوا من التحدي، ومحاولة تعويض ما فقدوه نظرا للخبرات التي لديهم، وأن ما اكتسبه يوجو من خبرات وتحول إيجابي في شخصيته سيجعله يواجه الحياة بقوة وثبات وثقة دون حاجة للاعتماد على الغير أو الفشل.
وربما الجيد في هذا الفيلم إلى جانب الرسائل القيمية الإيجابية، الحس الكوميدي الذي سيطر على أحداثه، تلك الكوميديا التي تتولد من المفارقات، وسوء الفهم، ومن تركيبة شخصية البطل الساذج، فضلا عن أن الموسيقى لعبت دورا مهما في تعميق الحالة الدرامية، والتي كانت بارزة ومناسبة تماما حسب الحالة المزاجية للأبطال أو طبيعة المشهد، سواء كانت رومانسية أو مرحة راقصة أو مترقبة.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. كل الزوايا - -شرق 12- فيلم مصري يشارك في مسابقة أسبوع المخرج


.. الفيلم اللبنانى المصرى أرزة يشارك فى مهرجان ترايبيكا السينما




.. حلقة #زمن لهذا الأسبوع مليئة بالحكايات والمواضيع المهمة مع ا


.. الذكاء الاصطناعي يهدد صناعة السينما




.. الفنانة السودانية هند الطاهر: -قلبي مع كل أم سودانية وطفل في