الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


قصة التحولات الفجائية 4

نعيم إيليا

2017 / 3 / 4
الادب والفن


(( على مدخل المطعم نفض راغب أبو خليل ما علق بمعطفه من قطع الثلج، نفض بحذر شعره الكثيف المبتل. خبط حذاءه مرّات بالأرض، ثم دلف إليه. لم يقف ليجوس بعينيه بحثاً عن صاحبه. الفرق بين الضوء في الخارج، والضوء في صالة المطعم، لم يعق لحظةً بصرَه عن العثور على صاحبه. كان صاحبه جالساً، كما توقع، في الركن الأيمن لصق الجدار الزجاجي السميك إلى مائدة رآها خاوية. ذراعاه معقودتان فوق صدره، رأسه منحرف باتجاه الساحة في وضع المتأمل الذي يخامر تأمله نعاس يقظ كسول. لم يظهر صاحبه احتفالاً بمقدمه! استقبله بلهجة باردة لم تخرجه من جموده:
- رأيتك تعبر الساحة .
فرد راغب عليه وهو يدلك ركبتيه براحتيه، بعد جلوسه تلقاءه، ليبعث فيهما دفئاً لم تكونا في حاجة إليه:
- وكيف رأيتني؟
- كنت تتمطى في مشيتك حاسر الرأس.
وإذ سمع راغباً يضحك، اعتدل في كرسيه حاطماً تمثال جموده. جعل يتفرّس فيه لحظة، ثم بدهشة محبوسة سأله:
- ما الحكاية؟ أرى وجهك اليوم ينضح بشاشة!
هتف بجذل:
- أحقاً؟
فكرر صاحبه سؤاله:
- ما الحكاية يا راغب؟
تلفت حوله بنشاط ورد باغتباط مغموس ببقايا ضحكته:
- ههههه... تسألني عين السؤال الذي سئلته اليوم مرتين. أتعلم ؟ للمرة الثالثة أُسأل اليوم من ثلاثة أشخاص لم يجتمعوا في مكان وزمان واحد: ما الحكاية يا راغب؟ أليس في الأمر ما يستدعي التفكير في حدوث أعجوبة؟
أجاب (ن) بقلة اهتمام وعيناه تبحثان عن (هونغ) النادل. كانت هونغ في هذه اللحظة مشغولة بخدمة إحدى الموائد:
- كل من يعرفك، وهو يرى إلى وجهك الجديد، لا محالة أن يسألك ما الحكاية؟ لكانت أعجوبة حقاً لو أن كل من يعرفك، سكت عن سؤالك ما الحكاية؟.
ورأى هونغ فرغت من خدمتها لتلك الطاولة، فاستدعاها إليهما بإشارة أنيقة من ذراعه. أفرت هونغ إليهما لخدمتهما بابتسامتها الضاحكة، تتقصف في مشيتها. قامة هونغ قليلة خَلّة نحيفة، تكاد تضاريسها تنعدم. ساقاها في دقة عود نابَهُ عوج طفيف، ولكنها مع ذلك لا تقتحمها العين.. سرٌ من أسرار المرأة! إنه لسر أن يختل وزن قصيدتها، ومع ذلك لا تنبو عنها أعين الرجال القارئة؟ فكر راغب، وتلمست أنامله بحنان خفي محفظته. أبدت هونغ سروراً لم يعرَ من دهشة خفيفة بمداعباته السندسية لها، ضحكت وتضاحكت ثم أولتهما ظهرها الممسوح المستوي حاملة طلباتهما. فقال صاحبه إذ ذاك بما يشبه التحذير:
- لن تخوض في مشكلتي مع طليقتي، أليس كذلك؟
- لن أخوض فيها.
- ولكن لماذا يجب ألا أخوض فيها؟
أضاف، فتساءل (ن) بنبر فاتر:
- أمن أجل هذا جئت اليوم تلقاني؟
- لا، ولكن لماذا لا ينبغي أن أخوض فيها؟
- لقد بتُّ أكره الحديث عنها.
واهتز صوته اهتزار وتر أجش، واصل :
- حديثي عنها البارحة، كلفني كلفة باهظة!
- كلفةً باهظة!؟
- كانت رحلة في جوف الليل باهظة التكاليف.
- عمّ تتحدث؟
- اللعنة! إنه الانفعال حين يتملكني، يبهظني بتكاليفه...
- أتلغز؟
- أوّليست الحياة لغزاً كما يحلو لك أن تقول في كل مناسبة؟
- ماذا جرى؟
- ليس قبل أن تفشي لي سرّ وجودك اليوم ههنا.
- أهجْتَ فضولي، ماذا جرى؟
جاءتهما هونغ بزجاجة حمراء إلى حد السواد ولماظة. سبقه صاحبه، أحكم قبضته على عنق الزجاجة، رفعها، أمالها، سكب السائل الأحمر المسود في القدحين حتى أترعهما. ثم رفع كأسه، عبّ فيها بعد أن طرقه بكأسه طرقة أحدثت رنة مسموعة عن بعد، لفتت إليهما أذن السيدة البدينة التي كانت تتناول طعامها على مائدة مجاورة لهما.
- سرقتني عاهرة.
- سرقتك عاهرة؟
وكادت ضحكة صاخبة تفلت منه:
- متى؟
- أمس عقب مكالمتك إياي.
- ثم...؟
- وأنا في المطبخ، استعدت تفاصيل اللقاء بطليقتي. وفجأة استعر بداخلي انفعال أحمق أشفقت منه أن يسهدني الليل بطوله؛ فسعيت إلى إخماده. أفرغت كأسين من الكونياك في جوفي. لكن انفعالي ازداد سعيراً. جبأتُ الشرابَ، انصرفت عنه إلى خيار ثان ألجأ إليه كلما احتدمت انفعالاتي ولم ينفع في تبريدها الشرابُ. أردت أن أدعو إلي (ف) بالهاتف، ولكنها لسوء حظي، لم تكن موجودة لتلبي طلبي. خرجت إلى الشارع. رأيت مجدولة منهن على رصيف الليل تتهادى ببدوحٍ، شهتها عيني. سرت وإياها إلى البنك الذي على ناصية شارعنا. كان علي أن أسدد لها أجرها. لم يكن في محفظتي ما يكفي لتسديد أجرها. ثم...، ولك الآن أن تتخيل ما حدث بعدئذ، أدع لك ذلك. ألست كاتباً؟
- كنتَ غائباً عنها، غائباً عن نفسك، غائباً عما حولك. فلما أدخلتَ بطاقتك في جهاز الدفع الآلي، ونقرت رقمك السري، كانت فتاة ليلك وراءك ملتصقة بظهرك، رأسها فوق كتفك، أنفاسها تخالط أنفاسك، فلم يحجب عنها أن ترى رقمك السري، ولم يصعب عليها أن تودعه في ذاكرتها بحرز. حين غططت في النوم، قامت فانتشلت بطاقتك من محفظتك، ثم ارتدت ثيابها وخرجت من غير أن تودعك.
- تماماً! هههه، أضحكتني، قيّد الحادث إذاً في دفتر ملاحظاتك، ولا تنس أن تضيف إليه: وفي الصباح عندما استيقظتَ، كانت فتاة ليلك غادرت. أخذتَ تستعد للذهاب إلى عملك. فلما انتهيت من ذلك، خرجت إلى دائرتك. وأنت في طريقك إلى سيارتك المركونة، تمرّ بجانب البنك، خطر لك أن تلقم محفظتك الجائعة بمبلغ تافه ربما أحوجك إليه يومك، فلما بحثت عن بطاقتك، لم تجدها فنكصتَ عائداً إلى البيت للبحث عنها. بحثت عنها في كل مكان، ولم تعثر عليها في أي مكان. ساورك الشك! شككت بها، ثم لم يلبث شكُّكَ أنِ استحال في الظهيرة يقيناً.
- أصْفَرتْ رصيدَك؟
- أصفرت رصيدي.
- أقرضك شيئاً تستعين به إلى آخر الشهر؟
- كلا، لست في حاجة إلى قرض. لدي مدخر. وإنما رويت الحادثة، كي أفش خلقي. كانت فتاتي بريئة الملمح. ما من شيء يغيظني قدر ما يغيظني أن أُسرق، أن أخدع من امرأة بريئة الملمح!
وأردف وهو يحدق فيه:
- وأرويها كي تنتفع بها. ربما تكون الحادثة على سخفها وبلادتها، نافعة لك، لو حشرتها في روايتك. على فكرة، أين بلغت من روايتك؟
رفع راغب كأسه إلى شفتيه، مص شرابه مصاً رقيقاً، ثم أجاب:
- لم يعد لي شأن بها.
رفَّت أهداب صاحبه، سأله:
- ما معنى لم يعد لك شأن بها !؟
رد بلهجة من يخبر بنبأ سار:
- هجرتها إلى الأبد.
- هل أفهم عنك أنك هجرتها لأنك استكشفت وأنت تحت ضغط إلحاحك الدائم على بلوغ الكمال أن روايتك ليست مما يصلح للنشر؟
- لا، قصدت الكتابة.
- الكتابة!؟
- أجل، أقصد الكتابة. قد انتهى عهدي بها، هجرتها هجراناً بائناً.
- لا أصدق! وما الذي دعاك إلى التفكير بهجرانها؟
- لعلها الحرية...
- الحرية!؟
- علام دهشتك؟
- كيف...؟ لاااا، أرأيت؟ أنت الذي يلغز. أتكون من أجل هذا اللغز جئت اليوم تلقاني؟
- هو ذاك.
- لست أفهم عنك شيئاً، ما علاقة الكتابة بالحرية لتكون دافعاً لك إلى هجرانها؟
وكأنما كان في لهفة لسماع السؤال. اندفع يتكلم بحماسة لم تكن معهودة فيه:
- انظر إلي، كيف تراني؟ ألست تراني حرّاً، منعتقاً من وثاق الكتابة؟ فهل كنتَ قبل اليوم تراني حراً أملك أن أبدد وقتي بعد الدوام، كما أملك أن أبدده اليوم؟ أبداً! أنا اليوم ، كما تراني، طلق لا شيء يرغمني أن أعود إلى مسكني في ساعة مضبوطة بدقة وصرامة لأداء فروض الكتابة، لمزاولة طقوسها، لإنشاء عالم من الأوهام والأخيلة على جهاز بارد أصم المشاعر يسمّرني بالكرسي حتى تئنّ عظامي أنَّةَ المكروب من طول القعود عليه.
- خطبة عصماء!
قال (ن) بلهجة ساخرة. لم يلبث إثرها أن اضطرب في مجلسه، وفجأة ندت عنه قهقهة أنكرتها السيدة البدينة الجالسة إلى المائدة المجاورة لهما. قذفته السيدة البدينة بنظرة ازدراء لم يلمحها كلاهما:
- هااا، ها، هاا...
- ما الذي يضحكك؟ لم أروِ نكتة...!
تمكن (ن) من السيطرة على قهقهته، لوى عنقه نحو الساحة، أشار عبر الجدار الزجاجي إلى المتجر الضخم الفخم المطل بفخار على ساحة الحي، وقال:
- ذكرتني... أترى ذياك المتشرّد الجالس على الرصيف عند مدخل المتجر وإلى جانبه كلبه وقيثارته؟
- أراه.
- أترى سحنته المشوّهة من تأثير الخمرة الرخيصة والقذارة؟
- أراها.
- أترى ابتسامته البلهاء؟
- أراها. وبعد؟ هلا تنبئني بقصته؟
- قصته أنني أعرفه، أعرفه يجلس في هذا المكان لا يريمه حتى يكون موعد الإقفال يستجدي بصمت ولا مبالاة. أعرفه وقد ألقى عن كتفيه أعباء الحياة، كما ألقيتَ عن كتفيك عبء الكتابة.
قاطعه، قال بلغة من يعقب على نكتة ظريفة:
- أهنئك على براعتك في التشبيه! حقاً، ما الفرق بين حاله وحالي؟
- لا أجد فرقاً. ألست تقول إنك بت حراً من تبعات الكتابة؟
- أقول.
- وقد يقول المتشرد أيضاً إنه بات حراً. أليس حراً مثلك من عبء الحياة وزخارفها؟
- هو حر من عبء الحياة على قولك، وأنا حر من الكتابة راغبٌ في الحياة. ألست ترى أنك تهمل الفرق بيننا.
سأل (ن) بتجاهل متعمد:
- وما الفرق الذي أهملته؟
أجاب راغب بمزاح:
- انظر إلى سحنتي، هل تراها مشوهة قذرة من أثر الخمرة الرخيصة؟ وإلى ابتسامتي، هل تراها بلهاء؟
- إلام ترمي؟
- لم تجب عن السؤال.
- أجيب بلا.
- إذن فلستُ شبيهاً به.
- لا يتميز لي الفرق بينكما، كلاكما مهاجر.. هو هجر الحياة، وأنت تهجر الكتابة.
- كلانا مهاجر، ولكن ألست تراني سعيداً؟
- تبدو سعيداً.
- بل أنا سعيد! فهل المتشرد سعيد مثلي؟
- من يدري! لعله في دخيلته سعيد سعادة أبلغ من سعادتك.
- ولكن للسعداء سيما، ألصاحبك سيما السعداء؟
- لا أعلم! ربما كانت سيماه مضمرة غير ظاهرة لعين الناظر. اذهب إليه، إن شئت أن تعلم أسعيد هو حقاً، أم شقي بحياته. اسأله فهو أعلم مني ومنك بحاله.
ثم بلهجة جادة:
- أحق أنك سعيد بهجرك الكتابة؟
- أجل!
أظلت وجه صاحبه سحابة رقيقة من التفكير:
- أيكون تحصيل الحرية والسعادة مرتهناً عندك بالفرار من الكتابة ومغباتها؟
- إن لم يكن الأمر كذلك، فلماذا أنا سعيد؟
قال (ن) في شبه سهوم:
- تذكرني ببطل رواية (جدول بين الرمال) المترجمة عن الألمانية للكاتب فولكر روس دويتشر، قد تكون قرأتها.
- لا، لم أقرأها. ماذا فيها مما ينطبق علي؟
- سآتيك بها في لقائنا القادم، يجب أن تقرأها. ولكن قل لي ألن تندم على قرارك؟
- لن أندم! أيندم من اتخذ قراراً بعد أناة وطول تفكير، وبعد صراع مع الذات شاق عنيف ولكن مظفّر؟
- قد تسأم حالة الفراغ والدعة، ويجرفك الحنين يوماً إليها!
- لا أفكر بما يمكن أن يقع لي.
- فإن فكرت
- الحياة رحبة تتسع لغير الكتابة.
قال (ن) في أسف تجرد من الحرارة:
- يا هَيء مالي! لم تكن هذه أمنيتي.
سأله في دهشة:
- أمنيتك!؟
- كنت أمنّي نفسي أني سأغدو يوماً صديق كاتب مشهور، لقد خذلتني!
عقب راغب عليه وهو يبحث عن شيء ما داخل جيب سترته:
- لو كنت في مكانك، لاخترت لصديقي أن يسعد. ما كنت اخترت له قط أن يشقى حتى لو كان في شقائه خير الدنيا كلها.
باسترخاء ملول رد صاحبه:
- لكأن كل واحد منا يسير في اتجاه معاكس لاتجاه الآخر.
جاءت هونغ تحمل أطباق الطعام. كفّا عن مواصلة الحديث في ما كان بينهما، لكأنهما كانا في انتظار مجيئها كي يكفا عن حديث أمسى لا خير في مواصلته. وأقبلا على صحاف الطعام برغبة تحلَّبت جوعاً. كان المطعم امتلأ بالزبائن، وماج فيه لغطٌ مبهم هادئ. فأما المرأة البدينة، فكانت أخلت مكانها لغيرها.
ويأنس راغبٌ بمجالسة صاحبه، لا يخطر له أن يؤوب إلى مسكنه، أنسي الإياب. يمتعه شعورُه بالحرية، يمتعه أن يمضي به الوقت من غير أن يختلج في عطفه قلق من مضيّه. حتى أنه لم ينهض عن المائدة إلا عقب أن نهض عنها صاحبه. هذه هي المرة الأولى التي لا ينهض فيها راغب عن المائدة قبل صاحبه! وإنها، أيضاً، المرة الأولى التي يرفض فيها عرضَ صاحبه أن يوصله إلى مسكنه بسيارته!
ودع صاحبه على باب المطعم، ويمم باتجاه محطة المِترو القريبة. الثلج كان أمسك عن السقوط.
ركب العربة الأخيرة. العربة قليلة الركاب، ولكنها تضج من صخب ثلة من المراهقين الشبان. لا يزعجه الصخب بل تسر به أذناه. قبالته صبيتان بدتا وكأنهما ذاهبتان إلى لقاء، تتبادلان همساً ضاحكاً. ريّا الصبا يضوع من خديهما الأسيلين. يختلس النظر إليهما وقد استيقظ في ذاكرته حنين دافئ إلى زوجته. تذكر كيف كان يلتقيها ليلة السبت من كل أسبوع في ديسكو (شيري) في بداية تعارفهما، وفي قلبه إليها أشواق لاحَها عطش.
في المحطة التي ينبغي أن يغادرها إلى مسكنه، توقّف قطار الأنفاق. وبتوقفه يتلاشى ما طاف في ذاكرته من صور ماضيه.
وإذ ضمه جناح مسكنه، جلس إلى حاسوبه. لم يجلس ليكتب أو ليقرأ، أو ليسمع. جلس إليه ليبحث عن رحلة بعيدة إلى تايلاند لمدة مقدارها أربعة عشر يوماً. وحين أوى إلى مضجعه في ساعة متأخرة من ليله على غير ديدنه، انقضّ على خياله عريُ زميلته الشابة، وقد تردّى بشَفٍّ أرجواني فأرَّقه أرقاً لذيذاً ساعة وتزيد...)).
وأنا في هذا المقام، لا مندوحة لي من أن أمرَّ - وليكن مراً سريعاً كظل ذئب خوف الإملال - بقضية فنية أثارتها الأستاذة رائدة التونسية في مقالتها المنشورة في موقع الحوار المتمدن – انظر الرابط من فضلك - هي قضية ترتيب كاتبنا للأحداث داخل قصته. فبعد أن أفاضت الأستاذة رائدة في تبيين دور عملية التنسيق في صناعة قيمة القصة عامة، انتقلت إلى النظر في كيفية تنسيق الزحلاوي لأحداث قصته. فجعلت تمتدحها بكياسة طبعها، وبأناقتها اللفظية المعهودة، حتى انتهت إلى قولها: „ … وهكذا رتب الزحلاوي ببراعة نادرة أحداثَ القصة ترتيباً فنياً متسقاً جميلاً، كان له بلا نزاع فضل عميم إلى جانب مواد البناء الأخرى، في سطوع جاذبيتها...”
ولست أدري كيف تكون الطريقة التي اختارها الكاتب في ترتيب أحداثه بارعة هذه البراعة، وهي التي إنما أوهنت بنيان القصة إذ كانت السبب، بمقياس الحقيقة المجردة، في انهيار عنصر التشويق فيها، هذا العنصر المهم الذي يتولد عادة من تعاقب أحداث القصة التي من هذا النوع التقليدي (بداية، وسط، نهاية) بتسلسلٍ متواشج متلاحك قوامه الإثارة! إن حكماً ما لا يكون صادقاً، إلا إذا طابق موضوعه. فهل كان حكم الأستاذة رائدة التونسية مطابقاً لموضوعه؟
إن الجواب عن هذا السؤال بنعم، يقتضي شرطاً لازم الوجود، هو أن تكون أحداث القصة تسلسلت تسلسلاً لا انقطاع فيه.. أن تكون التزق بعضها ببعض بلا فجوات. فهل يا ترى استوفت أحداث القصة هذا الشرط؟
الحق أنها لم تستوف هذا الشرط كما ينبغي أن يستوفى! وما على المتشكك في حكمي هذا، إلا أن يقف على الحدث الذي وضعه الكاتب في بداية قصته نقطةَ انطلاق أراد منها - كما هو الشأن في هذا النوع من القصص - أن تتداعى عنها الأحداث التالية لها بمنطق فاتن الإثارة؛ ليتكشَّف لهذا المتشكك صدق حكمي بلا مراء. إنه حدث الرسالة تلك التي وصلته من إحدى قارئاته، والتي فيها تعرب القارئة عما اعتمل بداخلها من حزن، وما اختلج من خيبة حال اطلاعها على النص الذي أعلن فيه الكاتب راغب أبو خليل اعتزامه الأكيد على التخلي عن حرفة الكتابة، وتعاتبه فيها عتاباً رقيقاً مهذباً ولكنه ما خلا من المرارة، وتتمنى عليه أن يتراجع عما اعتزم تنفيذه من كل بدّ:








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



التعليقات


1 - نص جميل بوركت سي نعيم
رويدة سالم ( 2017 / 3 / 9 - 10:40 )
اعجبني ما قدمته لي في هذا الفصل من الرواية وانتظر البقية
صرت معجبة بقصة راغب ابو خليل واجدها مشوقة اكثر من مداخلات الزحلاوي
هذا الابو راغب وزميلته وعريها الجميل وأساسا قراره اعتزال الكتابة لكن بالفعل أسألك أين وجه الشبه بينه والمتشرد؟
خالص المودة والاحترام


2 - آه ما أجمل ((سي نعيم)) من أخت الروح!!!!!!
أفنان القاسم ( 2017 / 3 / 9 - 13:16 )
ما أجمل كلماتك يا رويدة بدون ماكياج، فقط قليل من الكحل، ليبرز كل الجمال! (يا عوازل فلفلوا!) شجعتِني على قراءة نص الغالي نعيم...


3 - ليش هيك خربتها في الأخير؟؟؟
أفنان القاسم ( 2017 / 3 / 10 - 10:19 )
كان استمتاعي كبيرًا بحوارك ووصفك وخاصة بلقطاتك العفوية عن محيطك وإذا بك ((تفخشها)) بالأستاذة -أنت مصمم على ذلك- رائدة التونسية وبما قالته، فخرجت عن الموضوع!!! هناك كذلك بعض المفردات الكلاسيكية التي تبالغ في استعمالها، والتي أنا مع هذا الاستعمال من وقت إلى آخر لتجديدها ضمن سياقات جديدة، لكنك انت بتزيدها شوي، وعلى كل حال هي أخف هنا من روايتك السابقة...


4 - كيف أعبر عن شكري لكما!؟
نعيم إيليا ( 2017 / 3 / 10 - 13:54 )
شرفتماني أيها العزيزان. لا تزعلي يا رويدة إذا ما قلت أيتها العزيزتان، هيك منطق اللغة مو بأيدي
غداً ستبدأ الحلقة ما قبل الأخيرة ، وراح ترتاحي يا رويدة وأرتاح أنا أيضاً من تعليقات هذا الناقد السئيل الذي سينال جزاءه. بس ما تشمتي فيه خطي!
عزيزي أبا القاسم. سعيد جداً بقراءتك، وبنظراتك النقدية الخبيرة
سأحاول أن أتخفف من الغريب رأيك وجيه. وسأتكلم قليلاً عن القصة التي لم تعجبني ولم أستطع رغم المحاولة أن أجعلها تعجبني
لقد دعوتك إلى الحوار في صفحة الأستاذة بيان صالح، وليست دعوة ملزمة، وطرحت عليك سؤالأ في مقالتك الأخيرة. أحب أن أعرف اعتراضاتك على الأستاذة صالح. قضية المرأة بالنسبة لي قضية مهمة جداً..المرأة المسلمة في أوروبا تحديداً. بين يدي كتاب جديد لسارة رمضاني باللغة الألمانية عن خطر التحجيب وفي هذه الكتاب ترى سارة أنه بات من الواجب أن يكف المرء عن إظهار الشفقة على المرأة المسلمة وخلق الأعذار لها. وقد سبقتها إلى هذا الرأي
أكرر شكري لكما


5 - أحب أبا القاسم منك وأحب عزيزي هكذا
أفنان القاسم ( 2017 / 3 / 10 - 15:13 )
نتحرر من اللغة ونحررها... أجبتك على سؤالك حول الآنسة بيان عندي، وقرأت رد الكاتبة عليك حول الصراع الطبقي، بالنسبة لإلي ما فيه صراع طبقي، وحول اليمين واليسار، بالنسبة لإلي ما فيه بينهم فروق كثيرة، ولنتوقف عن ترديد هذه الكليشيه الباينه، يسار ويمين ما فيش، فيه حكام يديرون أزمة رأس المال بالتناوب، وحول المرأة المسلمة بحجاب أو بدونه، بالنسبة لإلي ليس بالطَّرْق على أبواب الحجاب، كناية عن أبواب المسلمات -كما تفعل الآنسة بيان- تنتهي المشكلة، بالنسبة لإلي المشكلة في النظام القائم ذاته غربًا وشرقًا، بَدِّلْه على أساس تكون فيه كل الحريات، تُنْهِ كل المشاكل السياسية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية بما فيها شقفة القماشة السوده هادي اللي بهدلوا الدنيا بها عن جهل أو عن وعي، وعي السلطة بالطامة الكبرى اللي هيه طامة في مصلحتها... أرجو أن يتوقف الحوار هنا، فلا فائدة من الحوار في هذه المسألة وانت وقتك أثمن من وقتي ما بدنا نضيعه...

اخر الافلام

.. الفنان أحمد عبد العزيز ينعى صلاح السعدنى .. ويعتذر عن انفعال


.. االموت يغيب الفنان المصري الكبير صلاح السعدني عن عمر ناهز 81




.. بحضور عمرو دياب وعدد من النجوم.. حفل أسطوري لنجل الفنان محمد


.. فنانو مصر يودعون صلاح السعدنى .. وانهيار ابنه




.. تعددت الروايات وتضاربت المعلومات وبقيت أصفهان في الواجهة فما