الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


قيود أمّي . الفصل الأوّل-4-

نادية خلوف
(Nadia Khaloof)

2017 / 3 / 5
الادب والفن


أحتاج أن أعرف نفسي أكثر.
سوف أكتب أسئلة ثمّ أجيب عليها.
ذهني مشوّش، سوف أصنع كأس ماء مغليّ ، وأذهب لأتناوله في الحديقة الخلفية.
أصبحت أجلس في الحديقة الخلفيّة التي تبلغ مساحتها أقلّ من عشرين متر كلّ يوم بعد أن أوصل ابني إلى الرّوضة، أشرب كأساً من الماء المغلي كي أطهّر داخلي. أشرب الماء، أنظر إلى تلك المساحة الفارغة. أراها تشبه دفتراً فارغاً علي أن أكتبه.
لو اشتريت دفتراً، وكتبت الأسئلة التي سوف أسألها لي عليه. يمكنني أن أخفيه داخل هذا المكان. لا أحد يأتي إلى هنا هو مكان مهجور. سوف أحفر حفرة هنا. أغلّفها بالإسمنت، وأعمل لها غطاء أزرع فوقه أشياء أحب رائحتها كالريّحان.
ليتني أستطيع زراعتها كلّها الآن. رغم صغرها تحتاج إلى مجهود كبير، فهي أرض بكر، يمكنني البدء . سوف أبدأ بصنع مخبأ أسراري.
تعبت ، ولم أنته من صنع ذلك المخبأ، أشعر بمتعة الخصوصيّة. قد يكون ذلك المكان ملاذاً آمناً لمشاعري. أكتب الأوراق وأرميها فيه، وفي زمن آخر تجده امرأة اسمها باسمي، قد تكون حفيدتي، فتكتب قصّتي، وتفوز بالجائزة في عصر بعد عصري.
الكلمات تخرج من الأرض إلى ذهني، تحرّكه ، تعود إلي بعض المشاعر التي توّقفت. أشعر بالحبّ، الغضب، الثورة، وبالحنين إلى أشياء لم تمرّ معي.
سوف أكتب السّؤال الأوّل، وأترك الإجابة إلى يوم آخر. يخطر لي السّؤال بصيغة معيّنة. أكتبه كما ورد في خاطري. لماذا هذا الذّل؟
. . .
لا أستطيع البدء في العمل المنزلي. شيء ما يدفعني إلى الخروج، فالهواء منعش حتى في تلك البقعة الترابية الصغيرة. سوف أخرج ثمّ أعود بعد نصف ساعة.
عليّ أن أستحمّ، وألبس ثيابي، لن أستسلم بعد اليوم.
كسّرت كلّ المرايا في منزلي. لديّ مرآة صغيرة. أنظر إلى وجهي.
لماذا أنت حزينة ؟ تقول المرآة. أبتسم لها. أخرج إلى الطّريق القريب الذي يودّي إلى البساتين.
الطريق فارغ. قد يكون أفضل. أقفز، وأغنّي أغاني المدرسة الابتدائية، أتسّلق شجرة لم أتسلّقها في طفولتي. كانت أختي قد تسلّقت إلى أعلاها، لكنّ أمّي أخافتني من البساتين، فقد ينبت رجل من بين الأشجار، وتنتهي قضيّتي إلى الأبد. شجعتني أختي، كلّما هممت بالبدء أشعر وكأنّني مربوطة إلى وتد.
تقول أختي سمر بأنّني جبانة، وأن أمنا سوف تضربنا فقط من أجل تأديبنا، لذا علينا أن نشعر بالسّعادة عندما نلعب، حتى لو تأخرّنا، فهو كفّ وكأنّه لم يكن. عندما لا أتجاوب معها تشدني من شعري، تقول لي: عليك أن تتغيّري.
رأيتها في إحدى المرّات تطرد عمّي دون علم والدي، أغلقت في وجهه الباب، قالت له إيّاك أن تأتي إلى هنا بعد اليوم. أنت عديم الشّرف، ثمّ طلبت منّي أن لا أنقل الخبر، وقالت لي: احذري هذا العم القذر. صدّقتها. لو كنت مثلها لما جرى ما جرى. ما يجري لي . لا يجري لها.
. . .
أمشي في الطريق الزراعي، الهواء يداعب شعري، رفعت غطاء رأسي. لا يوجد أحد هنا غيري، قد يكون الله وأمّي فقط من يراقباني، ليس عليّ أن أخفي شعري عن الله، وعن الشّمس التي تصبغ خصلات شعري بلون قرمزيّ.
لا أعرف إن كنت أتخيّل، بمجرّد أن ذكرت اسم الله رأيته يتأبّط ذراعي، يقول لي أجمل الكلمات:
خلقتِ كي تعيشي
كي تفتحي ذراعيك، تحضني الشّعاع
أن ترقصي
وأن تعبّي من الفرح
أنت أصل الحياة.
خلقتك من عطر الورود
كي يستمر الوجود
.
عذراً يا رب! أنا سعيدة بكلماتك، لكنّني كنت أتمنى أن يقولها لي شخص من لحم ودم. أيمن مثلاً. هل يمكن أن تنصحه بأن يكفّ عن إيذائي. أشعر أنّه مثل عمي، ولا تحلو له معاشرتي إلا بإذلالي.
انسي العالم! أنت في حضرة الرّب. سوف نقيم صلاتنا معاً ، نقدّم قرباناً من جمال للحياة. الآلهة تصلّي أيضاً ياعليا. لا تصدّقي ما تسمعينه. هل رأيت إلهاً يبحث عن القبح؟ الإله جميل، ويحبّ الجمال.
أين أنا؟
أعدني إلى بداية الطّريق يا رب. لا أعرف طريق العودة. أين ذهبت؟
تربّع على عرشه، أومأ لي إلى جهة، وقال: اكتشفي الباقي بنفسك؟
. . .
باقي نصف ساعة حتى يصل تميم، لم يستيقظ أيمن. حسناً سوف أستعجل في صنع طعام الغداء، وفيما بعد أرتّب المنزل. أتعبني المشّوار، فمنذ عشر سنوات لم أسر في ذلك الطريق، لا أعرفه، وصلت في النهاية قبل نصف ساعة.
لقد استيقظ أيمن. ينادي عليّ.
-أحضّر طعام الغداء يا أيمن. سوف يأتي تميم بعد قليل.
-هل تميم أهمّ منّي؟ هيّا بسرعة. إنني أحتاجك.
لم أكد أكمل جملتي حتى أتى ، قال لي: عليك أن تكوني مسرورة عندما أكون عنيفاً فهذا هو الحبّ الذي سمعت عنه.
عندما ضحك بعد أن أذلّني شعرت أنّني حشرة تختفي في الرّمل.
أتى تميم، ولا طعام.
ماذا سنأكل اليوم يا أمي؟
سوف أقلي لك البيض، وفيما بعد أطبخ شيئاً آخر.
بابا ينادي عليك. يقول لك اعملي له فنجان قهوة وخذي الفنجان إلى غرفة النوم .
قل له أنني في الحمام. سوف أقلي لك البيض، وعندما تجلس لتأكل أصنع القهوة.
أليس الكذب حرام؟ أنت لست في الحمّام.
حسناً. انتهيت من قلي البيض، وسوف أذهب بالقهوة له. اجلس، وتناول طعامك، وعندما تنتهي اخرج والعب قليلاً ريثما أعود.
. . .
أذهب إلى الخارج. يتأبّط ذراعي الرّب، وآتي إلى المنزّل فيتسلّط عليّ أيمن.
إنّني أعيش جزءاً من حياتي في الجنّة والآخر في الجحيم. تبدأ السّعادة تظهر على وجنتيّ بالتّدريج، وعندما تلمعان من الفرح، يتلقّفني غول، يقطّعني. من قمّة السّعادة إلى منتهى الشّقاء.
عندما يكبر تميم. سوف أقيم معبداً في الهواء الطلق، لا يعرف أحد مكانه. في معبدي . سوف أقيم طقوس النّساك، وألتقي مع الفرح قرب الإله.
كنت أحبّ أيمن، لا أعرف من أين أتى بطريقته العدوانية في الحبّ. فقط لو يقبل أن يحاورني. لا شكّ أنّه إنسان، ولديه مشاعر، لو فهم أنّني أعاني سوف يكفّ.
لا أعتقد أنّ أيمن مخطئ. لماذا يكون مخطئاً؟ أنا من يجلب لنفسي هذا. إنّها عقوبة أدفعها من أجل ما فعله عمّي. عمّي أيضاً لم يكن مخطئاً. أنا كنت السّبب. أمي تقول أنّه لو جرى شيئاً للفتاة تكون هي السبب، فمن لا تمد يدها لا أحد يستطيع أن يمسك بها. إذن أنا السّبب. أنا مددت يدي لعمي. لا . أقسم أنّني فوجئت بالأمر. حتى لو كنت بريئة، أصبحت ملوّثة أستحق العقوبة.
إلى متى سوف تستمرّ لعنة عميّ؟








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. الممثلة رولا حمادة تتأثر بعد حديثها عن رحيل الممثل فادي ابرا


.. جيران الفنان صلاح السعدنى : مش هيتعوض تانى راجل متواضع كان ب




.. ربنا يرحمك يا أرابيسك .. لقطات خاصة للفنان صلاح السعدنى قبل


.. آخر ظهور للفنان الراحل صلاح السعدني.. شوف قال إيه عن جيل الف




.. الحلقة السابعة لبرنامج على ضفاف المعرفة - لقاء مع الشاعر حسي