الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


مايكوفسكي وصديقه يسينين

تيسير الفارس العفيشات

2017 / 3 / 6
الادب والفن


مايكوفسكي وصديقه يسينين
في انتظار الفجيعة ..ما العمل !!
.........
لذلك اعتدل مايكوفسكي بشجاعة.
التفت نحو نافذة مواربة، تنفتح على الأفق.
صوّب فوهة المسدس نحو مقدمة رأسه وأطلق
كانت هذه مقدمة كتاب وقع بين يدي أمس يسرد حياة مايكوفسكي.
لم يعد الأمر يحتمل مزيدا من الثرثرة ، المسدس على الطاولة وأصابعه المرهفة تتحسس فوهته، هكذا رأى المشهد الشعري لقصيدته التي قالت موته الفاجعة على هذا النحو الأخير، من المؤكد أنه لم يعد يثق بأن هذا ليس حلاً، كيف يمكن تغييب العمق الإنساني للشاعر الذي يتناسل من روحه هذا الوجود على نحو كارثة محتملة؟ . وكيف لقصيدته الاخيرة أن تضاعف وحشية المشهد ؟ ليس سهلاً على الشاعر أن تتحول حياته من كونها حلماً إلى ضرب من الوهم. الشاعر لا يعيش من غير حلم يستدعيه خياله على الدوام ، وليكن حلماً مستحيلاً صعب المنال على يكون وهماً يكتشفه في لحظة يأس مدوي. لهذا وضع المسدس على الطاوله وراح يتأمل الدقائق الاخيرة ، هل هو بأس نادر أن يذهب شاعر الى الموت منتحرا؟! قد يكون السؤال هنا ماثلا أمام أعيننا وقد يكون في مكان آخر.

التكوين الذاتي للشاعر يختلف بما لا يقاس عن تكوين أي إنسان آخر. هذه حقيقة صادمة للوعي وينبغي أن يتفرغ لسبر عمقها واكتشاف معالمها باحثون مختصون على درجة عالية من الإحساس لئلا نخسر المزيد من هذه الأرواح الجميلة الشاردة يوماً إثر يوم. فما أن تتحطم روح الشاعر، حتى تكف أشياء الحياة عن اتصالها بمنطقٍ ما متماسك. وليس مثل روح الشاعر الحق بناءٌ هشٌ عرضة للانهيار والتهشم في أية لحظة، إنه أكثر رهافة من جناح فراشة أو رذاذ الفجر في صباحات ايام الصيف، هو ضعيف وسريع العطب حالما يفقد أحد أهم عناصر بقاءه الأساسية: كيف لي أن أعيش ولماذا ؟! هنا يصير الى الفقد والى العذاب فيسعى إليه خراب نفسه .

مايكوفسكي قبل هذه اللحظة التي وضعت حدا لحياته كان قد لام صديقه الشاعر الفتى إبن الثلاثين ( يسينين ) زوج إبنة تولستوي على إنتحاره ، الذي استحضره في قصيدته بالغة الأثر في الأدب الروسي بعنوان ( يسينين ) وكانت ثيمة القصيدة لماذا إختار يسينين نهاية كهذه ... نظر الى قلمه وورقة شاسعة البياض كمن ينظر الى كفنه إرتعد وهو يرى نفسه معادل لوجود لا ينتهي فقرر أن ينهي هذا المهزلة ، صورة في غاية الاسى والفزع رسمها مايكوفسكي :

- باردٌ الليل في الخارج، ويسنين يجلس في غرفة شبه معتمة في فندق شاحب ، وكلما التفت خارج الغرفة، لمح برودة الليل تتكاثف ، تتكاثف حتى توشك أن تصير ندفاً ثقيلة من ثلج يتساقط بشكل كسول .
يسينين يجلس على السرير مسنداً ظهره للحائط، وبين يديه حبل أشعث راح يبرمه ببراعة ودقة، ويرفع بصره بين وقت وآخر، يتأمل، باحثاً في تضاريس السقف الخشبي عن لحظة تداعي تبرر نزوته وتعادل مروره من الحياة الى الموت .مثل سهم .. ولنا أن نتخيل اللحظة مع مايكوفسكي : شاعر يعتني بعنقه حتى اللحظة الأخيرة. بحيث لا يكون الحبل خشناً، لئلا يخدش الخيال الأنيس، أو يحطم الحنجرة الرشيقة التي قالت أجمل القصائد ، كان وحده في ضوء ضئيل يتواثب حوله ويتناثر في زوايا الغرفة كمن يهيىء نهاية تليق بشاعر وحيد بل مسكون بالوحدة إلى هذا الحد. شاعر يمسّد حبله بيدين ناعمتين بفعل من ترف الرومانسية وحرائق الوجدان . بارد هو الليل خارج الغرفة الكئيبة....
ولم يتح لروح الفتى الشاعر ما يكفي كي تنهل من عبق الزمان وسحر الوجود ، ظهره للحائط البارد، وسقف الغرفة يبالغ في انخفاضه لحظة بعد لحظة، حت خيل له أن هذه الغرفة ستصير قبره ، والحبل بين يديه يمعن في النعومة . .
ربما كانت أمنيته الاخيرة لو أن أحدا يدفع باب الغرفة لينقذه من الموت، أعني لو أن أحد أتى ليخرجه عن حدود المشهد الذي بدأ الفتى يرسمه منذ أيام مضت ، لو ان أحد أنقذه من نفسه وذهب به ناحية البحر أو الى أطراف الغابة. لو أن أحداً ... ما ..!! ازداد الليل برودة وما لبث أن تحولت قطرات المطر الى ثلج كثيف تتراقص به ريح عاتية وراح الثلج يسد الطرقات ويتراكم بشكل كثيف على سطح الغرفة التي أمعنت فيها البرودة حدا لا يُطاق .

ثلاثون عاماً لم تكن عمرا طويلا، كي تحطم مزاج شاعر فتي مفعم بالحياة والحيوية مثل يسينين، أو أن يأساً من حياة بكر يمكن أن تجفف روح شاعر مثله ، وهو لما يزل او بالكاد يحدد ملامح حياته . ثلاثون عاماً لم تكن كافية ليحطم حياته على صخرة الوجود المارقة .

ماياكوفسكي الذي سوف يكتب قصيدة يلوم فيها يسينين على انتحاره، هو ذاته انهى حياته في مثل عمر صديقه . أمر في غاية المأساة يدفعنا لسؤال برسم العبث والجنون : لماذا شعراء في هذا العنفوان والشباب والإقبال بزخم على الحياة ينتحرون بهذه الشكل دون أن يتوقف الكون برمته متريثاً أمام موتهم ، ناهيك عن يموتوا منتحرين، الذهاب على شكل الفاجعة، لكن الكون لم يتوقف ولم يكترث ولم يفزع . ولم تبق لنا سوى تلك القصيدة التي كتبها مايكوفسكي عاتباً على صديقه يسينين وقصيدة يسينين التي تركها الى جوار فنجان قهوته في مكتبه الذي كان يشرف منه على تحرير مجلة اجتماعية بائسة...

يمكن لنا أن نقترح مقاربة إعتبار مايكوفسكي تصرف صديقه خذلاناً ذاتياً بشكل ما، ربما انتابه حسد المتمني على خطوة كان يحب لصديقه أن يدعوه للمشاركة بها، وربما كان ذلك الانتحار المبكر تأكيداً شخصياً لماياكوفسكي على أن الطريق مسدودة ، وستظل كذلك ..القارب سيتحطم حتما على صخور الشاطئ بضراوة، ودونما رحمة. وربما كان ماياكوفسكي يشير إلى نفسه، وهو يغبط يسينين على الفعل الذي فعله .

في عالمنا العربي

كم وقفت محتارا ومندهشا امام انتحار الشاعر السوري الوجودي الكبير عبد الباسط الصوفي في غرفة شبيه بغرفة يسينين في أحد فنادق غينيا، شنق نفسه بحبل بالغ في برمه حتى قطع رقبته فهوى الجسد الى أرض الغرفة وظل الرأس معلقا بالحبل

شاعر عربي كبير لم تقوى أجنحته على حمله فكان عليه أن يهوي بالجحيم عن طيب نفس....

عبد الباسط شاعر يصيبك بالرعب والرهبة والخوف إذا قرأته ..








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. الفنان أحمد عبد العزيز ينعى صلاح السعدنى .. ويعتذر عن انفعال


.. االموت يغيب الفنان المصري الكبير صلاح السعدني عن عمر ناهز 81




.. بحضور عمرو دياب وعدد من النجوم.. حفل أسطوري لنجل الفنان محمد


.. فنانو مصر يودعون صلاح السعدنى .. وانهيار ابنه




.. تعددت الروايات وتضاربت المعلومات وبقيت أصفهان في الواجهة فما