الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


قيود أمّي . الفصل الأوّل-5-

نادية خلوف
(Nadia Khaloof)

2017 / 3 / 7
الادب والفن


في أغلب الأيّام، بعد أن أنتهي من العمل في تلك البقعة الصّغيرة من الأرض. أذهب إلى الطريق الفرعيّ الذي يؤدّي إلى البساتين.
إنّه الصّيف، ومع ذلك نبتت حبات الفول التي زرعتها، وكذلك نبتت براعم شتلة الورد.
أيّهما أحبّ الفصول إليّ؟
قد لا يكون لدّي جواب، فالملل يأتي في كلّ الفصول. تسعون يوماً لكلّ فصل. كم هذا ثقيل! أحبّ موسم نزول الثّلج، موسم تفتّح البراعم، رائحة التراب عندما يبلله مطر الخريف، انتهاء العام الدراسي في بدء الصّيف، والأطفال يركضون مبتهجين. ماعدا تلك اللحظات. جميع الفصول مملّة .
عندما أمشي في هذا الطريق يبدأ الحديث بيني، وبيني. أنسى نفسي. لا أعرف أين وصلت. أعتقد أنّني تهت الآن. إنّها متاهة حقاً، فأكثر من أربع طرق أمامي، لا أعرف أيّهما الطريق الصّحيح. جميع الطرق ترتفع إلى المجهول. أرى تميم يجلس في الأعلى. هل دخلت تلك الأرض الواطئة دون علمي؟
سوف أصعد ذلك الشّلال . الشّلالات تنزل إلى الأرض، وهذا يعني أنّني لست على الأرض طالما أنّ الشّلال يسير من قربي إلى الأعلى. الدنيا ضباب، وحافة رفيعة تفصلني عن الوصول إلى تميم. كلّما اقتربت خطوة. صعد تميم خطوة. الجاذبية فوقنا ترفعنا. أمشي ورأسي إلى الأرض. تسير رجلاي في الهواء . قد أكون وصلت إلى أحد الكواكب. لا أعرف طريق العودة. أجلس هنا كي لا أمعن في الضّياع أكثر، الجاذبية تقلبني، رأسي ممرّغ في التراب, وأنا أجلس في انتظار القدر.
أريد أمّي. لو كانت أمّي معي لما ضعت. بل هي سبب ضياعي. لم تسمح لي أن أخرج أبداً إلا برفقتها، وهي لا تخرج إلا نادراً. لا تعرف الجهات، ولا تعرف الأوقات، تخاف الليل، والرجل، والضّباع.
هل يتوقّف عقلي في المنطقة التي أرادت له أمّي أن يتوقّف فيها؟ ألا يجدر بي أن أستعمل عقلي الخاص؟
لو غيّرت مشاعري تجاه أمّي وكففت عن لومها لأصبحت في حال أفضل. هي تستحقّ عطفي، ورغم أنّني أعترض على أسلوب أختي سمر معها، لكنّها الوحيدة التي تحاول أن تساعدها.
. . .
أبكي على أرض الحديقة الخلفيّة.
على نبتات الفول
على بيت أسراري
وعلى الطّريق الفرعي
أبكي على الأشياء المستحيلة
الجاذبية تمرّغ رأسي في الأرض
وابني يصعد كلما اقتربت منه
لو مددت يدي إلى الجهة الصحيحة، لعاد كلّ شيء.
أشعر بالتشّويش، التهميش، والتّغريب
-تميييييم. لا تصعد. توقّف. أرغب أن تكون معي.
-لحظة. سوف أنفخ البالون، وأنزل إليك. هو يحضن البالون، لكنّ البالون يصعد، ثمّ يختفي عن الأنظار.
يبدو أنّني وصلت إلى مرحلة لن أتمكّن من العودة. كأنّ أحداً ما محا ذكرياتي عن ذلك المكان. إنّني هنا الآن، عليّ أن أعيش وفق طبيعة المكان. يمكنني التّأقلم.
سوف أعيش كما تعيش تلك الأشجار، وتلك العصافير، والكلاب.
-تعال يا بيّوض. اجلس قربي. لم أرك منذ كنت جرواً، وكنّا نلعب في الحيّ معاً.
بيّوض يرتجف خائفاً. لقد هرم، لم يعد يضحك.
يمكنني أن أتحدّث معه، فالكلاب تؤنس البشّر. لكن كيف وصل بيوّض إلى هنا.
استطاع أن يقرأ إشارات مخّي . انتفض، وإذ بي أرى شاباً عرفته يوماً، نسيت من هو: قال لي: تبعتك منذ ضللت الطّريق، أردت أن أعيدك، لكنّ تلك المركبة التي كانت تقلّ رحلتك كانت سريعة. أطلق الشّاب منطاده إلى الأعلى، وإذ بتميم يعود على متنه. عاد بيّوض إلى وضع الكلب الوفيّ ، ركض أمامنا، تبعناه، وصلنا إلى أرض يباب ليس عليها سوى بيوت الكلاب. شيء مخيف!
على بيت بيوّض كتبت لوحة تعرّف في المكان. نحن أرواح جميلة. بعضنا كان بشراً، سوف نبني مملكة الكلاب هنا.
ستكون تلك المملكة مكاناً ملهماً للبشر، ينتقلون للعيش معنا هنا.
هذا المكان هو ملاذ للخائف ، والجائع.
لا يهمّ إن كانت المملكة للكلاب أم للبشر. هذا الكلام جميل، وما دام تميم يرافقني لن أهتمّ.
أمّي سوف تقلق عليّ، وأيمن أيضاً، سوف يرفض الفكرة من أجل تميم، فهو في النهاية والده. ماذا قلت؟
هو بالكاد يعرفه، وعندما يضربه أظنّ أنّه شريّر، ولو قلت له أن يتوقّف لكان لي علقة ساخنة في تلك الليلة. سوف ينسوننا مع الزّمن، ونعيش حياتنا من جديد.
. . .
أرى أختي سمر قادمة. تبدو غاضبة. سوف أختبئ منها. أخافها.
تعالي يا عليا . لا تخافي. اعطني جديلتك فقط.
اتركيني يا سمر. لا أحبّ أن يمسكني أحد من شعري,
سوف أربيّك يا عليا. لم تعرف أمّك كيف تربيك. هل تعتقدين أن الهروب ينفع؟
تعال يا تميم. دع أمّك هنا، ولنذهب معاً.
-لا أحبّك أيتها الخالة. دعي أمّي. لماذا تمسكينها من شعرها؟
-دعنا يا تميم نذهب معها. فقد أضعنا حياتنا. ربما نعود إليها.
-أشعر بقيمتي هنا يا أمّي. ففي مملكة الكلاب هذه سوف تعمّ الرحمة النّاس. يكفي أنّني لم أسمع صوت بكائك.
أمّي تعالي نتسابق إلى تلك الجهة. أشمّ رائحة شواء.
ما هذا؟
المضيفات ترجبن بنا.
نجلس إلى طاولة في مقدّمة الحفل.
نذهب بعدها في جولة ومعنا ضيوف الشرف .
هل رأيت هذا التمثال يا أمي؟ أنت وأنا عندما كنت صغيراً. ماذا كتب على الباب؟
مكتبة عليا. كم أنا فخور بك!
-لا تهتمّ يا بنيّ للتماثيل، سوف يحطمونها يوماً، أغلب تماثيل الآلهة حطمّها الإنسان. آه لو كنت تدري يا تميم بأنّني لم أكن أرغب أن يكون لي تمثال. كنت أرغب بالعيش. ما فائدة الحجر؟
. . .
نحن الآن نحضر عرضاً يتحدّث عن حياة عليا وتميم.
يضجّ المسرح بالتّصفيق، ويأتي روميو ليمسك بيد عليا ويرفعها إلى المسرح
يأتي المطربون واحداً خلف الآخر يغنون لها عن الحبّ، ثم يرفعون تميم إلى الأعلى.
على مقعد في مقدّمة المسرح يجلس روميو وعليا وتميم يشاهدون الحفل الموسيقي.
يقول روميو: هذا الغناء يسلبني روحي. أشعر أنّنا لسنا على الأرض. اسندي رأسك ياعليا إلى كتفي، فكّي جديلتك، وانزعي غطاء رأسك. دعي خصلات شعرك تنسدل على كتفي.
-معك فقك يا روميو أشمّ رائحة الحياة. ليت اللحظة تستمرّ. هل سوف نعيش معاً إلى الأبد؟ لو أنّ الأبد يستمرّ هنا.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. المخرج الاردني أمجد الرشيد من مهرجان مالمو فيلم إن شاء الله


.. الفنان الجزائري محمد بورويسة يعرض أعماله في قصر طوكيو بباريس




.. الاخوة الغيلان في ضيافة برنامج كافيه شو بمناسبة جولتهم الفني


.. مهندس معماري واستاذ مادة الفيزياء يحترف الغناء




.. صباح العربية | منها اللغة العربية.. تعرف على أصعب اللغات في