الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


ساعتان وأربعة أفلام بالسجن المحلي بصفرو

عزيز باكوش
إعلامي من المغرب

(Bakouch Azziz)

2017 / 3 / 11
أوراق كتبت في وعن السجن





ساعتان وأربعة أفلام بالسجن المحلي بصفرو


كان بعد زوال أمس الأربعاء 8 مارس 2017 استثنائيا بكل المقاييس ، ليس لأني دخلت السجن أول مرة في حياتي ، بل أن دخولي هذا ارتبط بنشاط اجتماعي ثقافي وتربوي قررت الأكاديمية الجهوية للتربية والتكوين فاس مكناس القيام به في إطار شراكاتها الناجعة وانفتاحها على انتظارات وانشغالات المجتمع المدني بمختلف أطيافه ، وكذلك رغبة المركز الجهوي للتوثيق والتنشيط والإنتاج التربوي في تنويع برامجه وأنشطته الفنية والتربوية .
ومن شبه المحقق أن هذا التجربة بالغة الأهمية ،وسيسرني الاستئناس بها مستقبلا في الحديث عن كيفية معالجة السجناء المذنبين ، وتهذيب أناس وخلق هامش للتأمل والمتعة الذهنية لديهم .لقد شكل اللقاء منعطفا نوعيا في مسار تجربتي المتواضعة في التأطير والتكوين التربوي على مدى عقود ليس لأنه نشاط تزامن مع اليوم العالمي للمرأة ، بل لأن عرض 4 أشرطة سينمائية ذات حمولة تربوية ومناقشة مضامينها وسط طرطقة الأقفال ومع سجناء أحداث بالسجن المحلي بصفرو بمنتهى العفوية والتلقائية والإيجابية مع الإقتناع في نهاية العروض بفكرة التحضير لفيلم تربوي السجناء هم أبطاله الرئيسيون بعد أن اقترحوا له عنوان " العبرة" شيء لا تسعفني اللغة كي أنقله طريا غضا وناعما للاستهلاك الأدبي
ويجدر الثناء بشكل خاص على أولئك المؤطرات والمساعدين الاجتماعيين بالسجن الذين يعملون بصبر فولاذي لتهذيب وإصلاح ما أفسده الإنحراف، والذين يساهمون بشكل مباشر وغير مباشر انطلاقا من الخبرة التي راكموها لمساعدة شباب وجدوا فجأة فاقدين للحرية . فحفاوة الاستقبال وكرم الضيافة والمعاملة الطيبة التي قوبلنا بها سواء من قبل الطاقم الاجتماعي بالسجن المحلي بصفرو أوعلى مستوى درجة التواصل والتفاعل الإيجابي لسجناء أقل من عشرين سنة ، تحت مراقبة الدكتورة بهيجة هرمي مكلفة بمصلحة التنشيط الثقافي والتربوي ومؤطرة اجتماعية وبمساعدة المشرف الاجتماعي حسن أمامة أمر فاق كل تصور ، و يحتاج منا إلى لغة ثانية حيث لا تسعفنا العربية التي نمتلك ...وإليكم التفاصيل

نصف ساعة على الطريق السيار من فاس إلى صفرو كانت كافية لقطع حوالي 30 كلم تقريبا حيث ظلت ترافقنا بسمة الطبيعة على الجنبات وهي تجود بعطائها الربيعي الزاهر . وعند حلول الساعة الرابعة بعد الزوال تماما ، فتح الحارس البوابة الرئيسية إيذانا بدخولنا رسميا السجن المحلي بصفرو ، و بدت الدكتورة بهيجة هرمي إطارة مغربية متخصصة في التنشيط الثقافي والتربوي بالسجن المحلي على كامل جاهزيتها بلباسها العسكري ورحابتها المعهودة " تفضلوا مرحبا بالأساتذة ديال الأكاديمية ديالنا " ورحنا الثلاثة نقتفي آثارها بين المسالك الضيقة وأصوات طرطقة الأقفال بعد فتحها وإقفالها خلفنا للتو . وقادتنا المؤطرة رفقة أحد المشرفين الاجتماعيين بالإصلاحية قصد استكمال إجراءات تسليم الهواتف وتجهيز القاعة ، وماهي إلا دقائق حتى تلقينا أوامر الانتقال الى قاعة العرض وهناك على الفور تعرفنا على ضيوفنا العشرين ، بلا دهشة وبكل الوجدانات السحيقة التي نسجتها الذاكرة حول السجن وسواده ، لكننا أمام شباب هادئ ورصين ، هم سجناء أقل من عشرين سنة .

20 شابا من سجناء أحداث . رغم اختلاف تسريحات شعرهم ، وتقليعات لباسهم وتباين أعمارهم إلا أنهم لا يتجاوزون العشرين سنة ، فقد أبانوا عن انضباط غير مسبوق ، وتفاعل ايجابي وعفوية كبيرة في التعبير والاندماج. هم شباب مغربي يتمتعون بكامل لياقتهم ببنيات قوية ومظاهر تشي بثقافة صحية دائمة ، شاءت الأقدار أن تنزع منهم حريتهم لأسباب مختلفة .
كان أمامنا خياران وأربعة أفلام لا تتجاوز مدة عرضها 15 دقيقة لكل شريط . أفلام تربوية تم اختيارهم بعناية فائقة طرف لجنة أكاديمية مع مراعاة تنوع المشاكل والقضايا التي تطرحها . وكان لابد من الاتفاق حول منهجية عمل تشاركية لذلك طرحنا السؤال التالي : نشاهد الأفلام الأربعة دفعة واحدة ثم نفسح المجال في نهاية العروض للنقاش ، أم نتداول في مضمون العرض بعد انتهاء كل شريط؟ فاتفق الجميع على المناقشة بعد نهاية كل شريط . وانطلق عرض الشريط الأول " دموع الليل "

من خلال متابعة دقيقة ومتأملة من قبل ضيوفنا لأحداث الفلم التربوي الأول الذي تناول استغلال رفقاء السوء لإحدى الطالبات التي كانت تعاني من صعوبات مادية تسببت لها في حالات نفسية أسقطتها في أوضاع مأساوية . كانت الخلاصة بعد النقاش " أن من يسلك هذا الطريق بكل أسف في تزايد ، وهومن بين أسباب تفشي الجرائم و القيام بأعمال منافية للشرع والقيم والمبادئ و مخالفة النظم والقوانين الجاري بها العمل في المجتمع المغربي .حيث وجه السجين الشاب ندائه إلى الدولة مناشدا إياها بضرورة العمل على متابعة الأمر بما يلزم من تدابير اجتماعية حتى لا تنجرف شريحة كبيرة من بنات الوطن إلى طريق الهاوية "
في الفيلم التربوي الثاني تحت عنوان " اغتصاب الصمت " تفاعل الشباب مع لحظات العنف الذي ظلت تتعرض له الخادمات القاصرات في البيوت ، فتيات وجدن أنفسهن يعملن لساعات طويلة بأجور قليلة، كما يتعرضن للإساءة والحصار الذي يرقى إلى حد العبودية . وبدت تعليقات الجميع منسجمة في إدانة هذه الوضعية التي أصبحت تثير قلق الأسر المغربية بسبب تردي حالتهم المعيشية كما باتت موضوعا يثير اهتمام فعاليات المجتمع المدني، والحقوقيين، والسياسيين، وحتى الرأي العام"
أما الفيلم الثالث " دموع الشمعة " الذي يناقش العنف الأسري ، فقد اعتبره المشاركون في النقاش أخطر أنواع العنف، سواء كان الاعتداء جسديا لفظيا أو معنويا، ليس لأنه يهدد استقرار الكيان الأسري بين الزوجين بل لأنه يمتد ليشمل الأبناء وعلاقتهم بالمدرسة، مما يؤدي إلى نشوء آثار سلبية لديهم بالإضافة إلى تدني القدرات الذهنية والمهارات النفسية، وقد ألمح أحد السجناء بأنه من ضحايا هذا العنف مناشدا الجميع من أجل مكافحة العنف بكل تجلياته "
الفيلم الرابع والأخير " وعادت البسمة " بسط مخرجه ظاهرة الهدر المدرسي التي تنتشر أكثر بالوسط القروي، باعتبارها ظاهرة مركبة تشمل مجموعة من العوامل الثقافية والاجتماعية والاقتصادية. ومن خلال هذا الفلم التربوي تم تركيز النقاش وتسليط الضوء حول هذه الإشكالية خاصة منها الأسباب الاقتصادية و أرجعها كافة المتدخلين إلى الفقر والحاجة، وكذلك الدخل المحدود للأسرة، وضعف الموارد المالية للتكفل بدراسة الأبناء. لكن الفتاة القروية ورغم الاكراهات المتعددة استطاعت بفضل المساعدات الاجتماعية تخطي الصعوبات و الحد من هذه المعضلة التربوية التي تحول دون تطور المنظومة التعليمية ببلادنا خصوصا بالعالم القروي." وهو فيلم نال إعجاب الحاضرين وأعاد إليهم البسمة التي افتقدوها لفترة ..."
وكخلاصة عامة فقد أرجع المشاركون في اللقاء سبب انتشار مثل هذه الظواهر السلبية في المجتمع إلى عوامل أساسية من بينها: الوضع الاقتصادي والاجتماعي المتدني للأسر ، ارتفاع نسبة الأمية خاصة في الوسط القروي ، ضعف آليات ووسائل التدخل لتقديم المساعدة وحماية الأطفال في الوقت المناسب الذين هم في نهاية المطاف ضحايا سوء المعاملة على المستويين الصحي والقانوني والمجتمعي

ولعل المندوبية العامة لإدارة السجون وإعادة الإدماج بانفتاحها على المحيط الخارجي للسجناء أحداث أو غيرهم وفق شراكات فاعلة ومنتجة ومن خلال برمجة أنشطة ثقافية فنية وتربوية إنما تهدف تفعيل القوانين الجاري بها العمل مع اعتماد مبادئ التكريم والعناية التي أقرتها الشريعة الإسلامية والقوانين للطفل وكذا أحكام الاتفاقيات والمعاهدات الدولية التي صادق عليها المغرب"

والحقيقة أن لقاء الأربعاء بالسجن المحلي بصفرو كان على مستوى عال من الحضارة والمدنية نتيجة اعتماد المندوبية السامية للسجون لبرامج تكوينية هادفة تشرف على تدبرها كوادر كفأة ومسؤولة سواء على مستوى من التربية والتكوين أو على صعيد القدرة على التأطير والإشراف التربوي.
لقاء ساعدنا كثيرا كوفد أكاديمي على محو تلك الصورة السوداء عن أوضاع السجون في المغرب وحقائقها الصادمة التي تتجلى في تعرض السجناء إلى الضرب بالعصا والأنابيب البلاستيكية والتعليق بواسطة الأصفاد وإستعمال الفلقة والصفع والركل والتجريد من الملابس وغيرها من أشكال التعذيب والأفعال الحاطة من الكرامة الإنسانية. لتبدو الحقيقة جلية وواضحة أن أزمة السجون بالمغرب ليست قدرا ، وإنما مسؤولية تدبيرية مشتركة تحتاج في حلها إلى تضافر جهود عدد من مكونات الشعب المغربي








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. فيتو أميركي ضد مشروع قرار منح دولة فلسطين العضوية الكاملة في


.. بن غفير: عقوبة الإعدام للمخربين هي الحل الأمثل لمشكلة اكتظاظ




.. تاريخ من المطالبات بالاعتراف بفلسطين دولة كاملة العضوية في ا


.. فيتو أمريكي ضد منح العضوية الكاملة لدولة فلسطين في الأمم الم




.. هاجمه كلب بوليسي.. اعتقال فلسطيني في الضفة الغربية