الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


هل الحركة النسوية عززت النيوليبرالية الرأسمالية؟

عبدالله جناحي

2019 / 2 / 21
ملف 8 آذار / مارس يوم المرأة العالمي 2019 - دور وتأثير المنظمات والاتحادات النسوية في إصلاح وتحسين أوضاع المرأة وتحقيق المساواة بين الجنسين


قد يكون عنوان هذا المقال مستفزاً، لأن الواقع الخارجيللظواهر يقول بأن الحركة النسوية وإفرازاتها كالجندرة هي امتداد لنضالات المرأة ضد التمييز الذي كان مفروضاً على المرأة في الرأسمالية التقليدية، أليس كذلك؟



في مقال لنانسي فريجر منشور في مجلة الغارديان تم ترجمته في مدونة "ما العمل؟" ma-alamal.com، تصدمنا الكاتبة بمجموعة من المقولات التي تحتاج من الحركة النسوية (الجندرية) خاصة وحركة المجتمع السياسية والاجتماعية التوقف أمامها لمجادلتها بروح من النقد والشفافية.



فالنسوية كحركة اجتماعية بدأت كحركة كفاحية لتحريرالمرأة من خلال مبادئ "الجندرة" ولكن المقال يقول بأنمؤخراً بدأت تساور هذه الحركة القلق من المبادئ الأساسية للنسوية (الجندرية) حيث توضحت لها مقاصد مختلفة بدأت تنكشف خيوطها في مرحلة النيوليبرالية الرأسمالية؟! حيث تم ربط حركة المرأة بخبث بسياسات النيوليبرالية لبناء مجتمع السوق الحرة.



كيف؟؟



يرى المقال بأن الأفكار النسوية (الجندرية) أصبحت تعبر عنها بمصطلحات "فردانية" بعد أن كان في مرحلة الصراع الاجتماعي، إبان الصراع بين المعسكرين الإشتراكي والرأسمالي تعبر فيها براديكالية عالمية لا تفرق بين حقوق المرأة والرجل إلا طبقياً .. مرة أخرى كيف؟



في مرحلة اندماج حقوق المرأة والرجل طبقياً كانت الحركة النسائية ترفض الترويج "للوصولية" والآن يطالبن بها!! مرة أخرى كيف؟



الحركة النسائية في الستينات وما قبلها وما بعدها من القرن الماضي وما قبل هيمنة النيوليبرالية الرأسمالية كانت تناضل من أجل التكافل الاجتماعي والمساواة ...الخ والآن في ظل الحركة النسوية الجندرية تفتخر وتحتفي بسيدات الأعمال (انزياح الطبقية لصالح الجندرة) واعتبارها إنجازاً للنسوية الجندرية كمثال!!



في الحركة النسائية المناضلة (آنذاك) تمنح قيمة للرعاية والاعتماد المتبادل، وأصبح الآن يتم تشجيع الارتقاء الفردي وتضخيم هذه الحالات، لماذا هذا التحول؟



يرى المقال بأن السبب هو التغيير الهائل الذي طرأ على جوهر الرأسمالية، ففي المرحلة الأولى من الرأسمالية كانت الحركة النسائية تطالب الجنسانية لحقوق المرأة جنباً إلى جنب مع الديمقراطية والتشاركية والتكافل الاجتماعي، أما في مرحلة الرأسمالية النيوليبرالية الراهنة فالحركة النسوية الجندرية تتعهد وتناضل لضمان تحقيق النساء كما الرجال منافع "الاستقلالية الفردية" والخيارات المتعددة والتقدم "الاستحقاقراطي".



كيف انحازت الحركة النسوية (الجندرية) الراهنة للأطروحات الخفية للنيوليبرالية الرأسمالية الداعية للفردانية، ولعدم تحمل الدولة المسؤوليات الاجتماعية والقضاء على الفقر والتمييز الطبقي وتوفير الخدمات .. الخ؟



انجازت النسوية ـ بشكل قد لا يكون مقصوداً ـ من خلال مساهمتها في ثلاث موجات نيوليبرالية رئيسية سيطرت على الواقع الاقتصادي ومن ثم الاجتماعي:





الموجة الأولى: ساهمت الحركة النسوية (الجندرية) في تشجيعها لدخل الأسرة حيث أصبح التركيز على أن نموذج الأسرة التي يكون فيها الرجل معيل للأسرة والأنثى هي ربة المنزل هو نموذج مرفوض. وهذه المسألة تعتبر نقطة محورية ومركزية في الاقتصاد الرأسمالي الذي تنظمه الدولة.



ولذلك فنقد وهجوم النسوية (الجندرية) لهذا النموذج ساهم في "شرعنه الرأسمالية المرنة" حيث كانت الرأسمالية تعتمد بشكل كبير على النساء كأيدي عاملة ـ خاصة الأعمال ذات الأجور المنخفضة في قطاع الخدمات والصناعة ـ لتأتي الرأسمالية المرنة وتشجع نموذج دخل الأسرة "أكثر حداثة" يعمل فيه الزوجان!! وبالطبع فالحركة النسوية (الجندرية) نالت بشكل كبير قبولها لهذا الطرح، ولكن ما هو الخفي في هذا النموذج الرأسمالي الجديد الذي أصبح مقبولاً للحركة النسوية (الجندرية)؟



الواقع المتخفي هو معدلات الأجور المحبطة، وانخفاض الأمن الوظيفي، وانخفاض مستويات المعيشة، والارتفاع الحاد في عدد ساعات العمل، مقابل وقت الاهتمام بالشؤون المنزلية، وإزدياد الأعمال ذات الواردتين والتي أصبحت تصل إلى ثلاث أو أربع ورديات (شفتات)، وانتشار الفقر (خاصة في أوساط الأسرة التي تعيلها النساء)!



النيوليبرالية أرادت تجميل هذا الواقع السيء باختلاق مقولة (تمكين المرأة)! وبالاستناد على نقد الحركة النسوية لدخل الأسرة، لتبرر هذا الاستغلال أولاً، موظفة حلم تحرير المرأة في آلة تكريس راس المال ثانياً، ولتكون مقدمة مهمة لتحرير الدولة من تحمل مسؤولياتها الاجتماعية، كيف؟ لننظر مساهمات الحركة النسوية في الموجتين الثانية والثالثة.



الموجة الثانية: كمساهمة من الحركة النسوية في تعزيز فكر النيوليبرالية وهي نقيض مساهمات الحركة النسائية في المرحلة السابقة التي كانت تنتقد الرأسمالية ونظرتها السياسية، ولكن كان نقداً ضيق الأفق حيث ركز فقط على التفاوت الطبقي ولم يركز على الظلم في أشكاله غير الاقتصادية (غير الطبقية) مثل العنف الأسري والاعتداء الجنسي وسلوكيات التعسف المتوارثة، وهنا كان رفض بإضفاء الطابع الاقتصادي والسياسي على "المسائل الشخصية" وهنا قامت الحركة النسوية (الجندرية) بنضال (يجب أن نقدره) من أجل أن تشمل العدالة من الثقافة والقيم والاقتصاد، ولكن النتيجة الفعلية كانت بأن تم التركيز المنجز على "الهوية الجنسانية" على حساب مشاكل المعيشة، ولذلك تم التركيز النسوي (الجندري) على التمييز الجنساني الثقافي (وتم انزياح بل إضعاف التركيز على العدالة الاجتماعية ونقد الاقتصاد السياسي الرأسمالي).



الموجة الثالثة: المهمة التي ساهمت فيها الحركة النسوية (الجندرية) لتعزيز النيوليبرالية هي نقدها لأبوية دولة الرفاه، ففي مرحلة الرأسمالية المنظمة من قبل الدولة أخذ النقد النيوليبرالي في حربها على "الدولة المربية" بدفاعها واحتضانها وتشجيعها للمنظمات غير الحكومية بأن تأخذ جزء من واجبات ومهمات الدولة اجتماعياً بل واقتصادياً، لذلك برزت "القروض الصغيرة" و "قروض للنساء الفقيرات" و "بنك الفقراء" و "الأسر المنتجة" وهي كلها بدائل عملية (ولكن تخديريه) للإجراءات البيروقراطية المنهكة والتي تمر من أعلى السلم الإداري إلى الأسفل في المشاريع الحكومية.





هذه القروض الصغيرة، وبنك الفقراء، والأسر المنتجة .. ألخ كانت توصف على أنها "الترياق" النسوي لعلاج الفقر وتمكين النساء، ولكن المصادفة المهمة هنا إن هذه القروض الصغيرة قد ازدهرت ودعمتها الحركة النسوية (الجندرية) في الوقت التي تخلت فيه الحكومات عن دورها الاجتماعي في مكافحة الفقر والتي لا يمكن أن تستبدل ببرنامج التسليف وقروض ذو نطاق ضيق!



في هذا النطاق شجعت النيوليبرالية الرأسمالية هذه الجهود والمطالب للحركة النسوية، وكانت النتيجة بأن الحلم أو الرؤية بأن نجعل سلطة الدولة ديمقراطية لتمكين المواطنين، أصبحت لشرعنه اقتصاد السوق وتخفيض نفقات الدولة (بما في ذلك تحول مسؤولياتها في القضاء على الفقر إلى بنوك القروض الصغيرة .. ألخ).



حسمت الموقف المتأرجح للنسوية لصالح الفردانية، اي لصالح سياسات النيوليبرالية، بل تحولت كل الجمعيات النسائية التي كانت تناضل اجتماعياً وسياسياً ضمن رؤية مشتركة مع نضالات الحركة السياسية إلى جمعيات متفرغة فقط لتمكين المرأة دون ربطها فعلياً بالواقع السياسي.

ما المطلوب إذن؟



المطلوب من أجل قطع علاقة الحركة النسوية بالنيوليبرالية، إعادة الخطاب النسوي نحو التالي:



أولاً: قطع علاقة دخل الأسرة "بالرأسمالية المرنة" عن طريق المطالبة بوجود شكل للحياة لا يكون فيه التركيز على العمل المأجور وتمنح فيه قيمة للأنشطة غير المأجورة والتي تتضمن (أعمال الرعاية ـ العمل المنزلي ـ الإنجاب .. ألخ).



ثانياً: في نقد الاقتصاد السوق المتوحش وليس التنافسي العادي المطلوب أن نركز على سياسات الهوية بجمعالنضال من أجل عدالة اقتصادية.



ثالثاً: علينا أن نقطع الرابط المزيف بين نقدنا للبيروقراطية وأصولية السوق الحرة من خلال استرجاع مظلة الديمقراطية التشاركية كأداة لتقوية السلطات العامة الضرورية لتقييد رأس المال من أجل العدالة، وأن تنخرط الحركة النسوية وجمعياتها النسائية في النضال الاجتماعي المرتبط بالنضال السياسي.

ما سبق ملخص مقتبس من أفكار نانسي فريجر، منشور في مدونة ma-alamal.com، ولكن هناك مقالات أخرى تعارض هذه الأفكار، ومقالات تفتح الأذهان لتعميق هذا الفضاء الجديد، ومنها مقال "حركة النساء ـ الاستقلال الذاتي وسلطة إعادة الإنتاج" والمنشور في نفس الموقع حيث يركز على أن الماركسية ركزت على إعادة إنتاج السلع، ولكن الواقع الراهن يؤكد بأن هذه الإعادة ليست جوهر التراكم الرأسمالي فحسب، ولكن أساس كل نوع من إعادة الإنتاج، كإعادة الإنتاج الاجتماعي في العمل المنزلي ـ الإنجاب الذي يعتبر إعادة إنتاج .. ألخ)، حيث أن هذه المحاور تدعم وتهدم وتربك قناعات ما ورد في المقال أعلاه.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. التجسس.. هل يقوض العلاقات الألمانية الصينية؟ | المسائية


.. دارمانان يؤكد من الرباط تعزيز تعاون فرنسا والمغرب في مكافحة




.. الجيش الأمريكي يُجري أول قتال جوي مباشر بين ذكاء اصطناعي وطي


.. تايلاند -تغرق- بالنفايات البلاستيكية الأجنبية.. هل ستبقى -سل




.. -أزمة الجوع- مستمرة في غزة.. مساعدات شحيحة ولا أمل في الأفق