الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


الوضع في تونس ستبلغ الأزمة القاع وسيعود محيط الدائرة للاحتراق مجددا برغم كل المسكنات

بشير الحامدي

2017 / 3 / 11
مواضيع وابحاث سياسية


الوضع في تونس ـ ستبلغ الأزمة القاع وسيعود محيط الدائرة للاحتراق مجددا برغم كل المسكنات
ــــــــــــــــــــــــــــــــ
الأزمة على كل الأصعدة في المجتمع وعلى مستوى أوضاع الأغلبية تتعمق وتتجه لتبلغ أعلى مستوياتها والوضع عموما يراكم في اتجاه الانفجار والمؤشرات عديدة.
العصابة الحاكمة أكثر العيون انفتاحا وهي لا يمكن أن تظل مكتوفة الأيدي وهي تراقب الوضع ينحدر في اتجاهات قد تصبح غير قادرة على التحكم فيها.
مازالت العصابة المنقلبة لم تصل بعد إلى إشهار القمع السافر والحكم بالعصا الغليظة.
مازالت عصابة الانقلاب قادرة على إدارة الأزمة ومازال الوفاق متواصلا وليس هناك على الخارطة ما يهدد بانهياره.
في الحقيقة لم تعرف تونس منذ حكومتي الغنوشي الأولى والثانية في الأشهر الأولى بعد 14 جانفي 2011 حكومة بالهشاشة التي عليها حكومة يوسف الشاهد.
حكومات الترويكا كما حكومتي مهدي جمعة والحبيب الصيد كانت كلها حكومات قدرت على المناورة برغم وضع الأزمة العام. وحدها حكومة الشاهد كان محكوما عليها منذ يومها الأول أن تكون في أزمة عميقة وتصطدم بوضع لم يعد يحتمل جرعات الانعاش الوهمية لمسار الانقلاب الديمقراطي منذ 2011 .
منذ يومها الأول كانت حكومة الشاهد مدعوة إلى الوصول إلى "اللحمة الحية" بتطبيق أوامر البنوك المانحة والتي تملصت من الايفاء بها كل بطريقتها أغلب الحكومات السابقة لها .
منذ يومها الأول وحتى قبل تشكلها كان التحالف الحاكم لا يخفي أنها حكومة الاجراءات المؤلمة وهو ما يعني الامعان في تفقير الأغلبية وفي بيع المنشآت العمومية .
حكومة الشاهد في الحقيقة كانت مدعوة للوصول بالتونسيين إلى درجة متقدمة من سلم التفقير العام وبالبلاد إلى حافة الهاوية الاقتصادية. العصابة الحاكمة كانت تعرف أن ليس هناك ما يدعو إلى تغيير حكومة الحبيب الصيد السابقة لحكومة الوحدة الوطنية التي تعرف أنها ستصطدم من يومها الأول بنفس حزمة المشاكل التي عجزت حكومة الصيد و أغلب الحكومات قبلها عن حلها .
العصابة الحاكمة كانت تعرف أنه ليس بيدها أكثر من الوعود فلما لا تغدق منها الكثير في انتظار وضع يمكن أن تتحرك فيه بأكثر قدرة.
يوسف الشاهد في خطاباته في الأشهر الأولى تحدث عن مكافحة الفساد وعن المشاريع الواعدة في التشغيل وعن مخططات الاستثمار وعن ارتفاع نسبة النمو... ووو وقدم لوحة وردية زاهية لما سيكون عليه وضع تونس والتونسيين في بضعة أشهر ولكن الحقيقة كانت بعيدة عن كل ذلك فالصورة لم تكن مقدمة سوى للتغطية على ما كان يتردد بنبرة أقل ـ الاجراءات المؤلمة ـ هذه الاجراءات التي أفصحت عنها حكومة الشاهد تدريجيا والتي بدأت بالتراجع عن تنفيذ اتفاقيات الزيادة في الأجور وتأجيلها إلى سنة 2019 والتي وجدت لها صيغة تلفيقية في ما بعد مع قيادة الاتحاد التي رضيت بهذا التراجع في نهاية الأمر لتصل إلى الإعلان عن خوصصة ثلاثة بنوك عمومية و بيع شركة الكهرباء والغاز وشركة توزيع المياه للخواص .
ما يقارب الثمانية أشهر وحكومة الشاهد تراوح في نفس المكان وهو وضع يؤشر إلى أن مسار الانقلاب الديمقراطي انتهى إلى طور من التعفن لن يفضي لغير الانفجار قبل انهياره الكلي ولأن العصابة الحاكمة تعرف ذلك فهي تبذل كل ما في وسعها لتفادي هذه اللحظة بتفكيك كل عوامل تراكمها وذلك بالتحرك في محورين محدّين:
المحور الأول: تمتين التحالف الثنائي الذي يقوم عليه هذا الطور من الانقلاب وهو تحالف حزب حركة النهضة مع شق حافظ قايد السبسي في نداء تونس أي نسف كل أمكانية لخلاف ممكن بين الطرفين مهما بدا ضئيلا لفرض سياسة الأمر الواقع على الجميع وتأجيل كل انفجار لهذا التحالف وعلى الأقل إلى ما قبل انتخابات 2019 .
المحور الثاني: هو عدم نسف الجسور مع الاتحاد العام التونسي للشغل وإبقاء بيروقراطيته في وضع الشريك الذي لابد منه لضمان تمرير سياسة التقشف المملاة من الدوائر المانحة ومن القوى الاستعمارية التي تراقب وتتحكم في الوضع المالي للدولة.
خارج هذين المحورين وبعيدا عنهما ليس للتحالف الحاكم ما يخشاه فالمعارضة الحزبية المكتفية بموقعها في البرلمان لا تكاد تمثل شيئا متناثرة أو مجتمعة فالنسيج الكرتوني البرلماني مجرد ديكور لا غير وهو عاجز موضوعيا عن ممارسة أي تأثير كان سواء لفرض تغيير السياسات أو حتى مجرد المناورة بكسر التحالف الحكومي ويبدو أن أغلب الكتل المكونة لهذا الطيف الكرتوني قد سلمت بهكذا وضع وقد لا نراها في المستقبل مهتمة بأي موضوع له قيمة خصوصا بعد أن يتمكن التحالف الحاكم من تمرير بعض القوانين المتعلقة بخوصصة البنك التونسي الفلاحي والشركة التونسية للبنك و بنك الإسكان و شركة الكهرباء والغاز وشركة توزيع المياه.
إن حكومة الشاهد ورغم الارباك الذي تتخبط فيه ورغم عجزها وبعد أكثر من تسعة أشهر من تنصيبها عن تحقيق أدنى الوعود التي أعلنتها زمن تنصيبها مازالت قادرة على تفادي انهيارها رغم وضع الأزمة.
من المؤكد أن الأوضاع سوف لن تراوح مكانها مدّة طويلة ولكن بالمقابل لا يمكن الجزم بأنها يمكن أن تتطور في اتجاه تغيير ميزان القوى لصالح الحركة الجماهيرية التي وللأسف مازال يسيطر على قطاعات واسعة منها الخوف من انحدار الأوضاع إلى المجهول لذلك نرى هذه القطاعات خاملة مستسلمة راضية بمقايضة ـ أمنها ـ بحقوقها السياسية والاقتصادية.
لقد استثمرت العصابة الحاكمة هذه المقايضة ـ الأمن مقابل الحقوق السياسية والاقتصادية ـ أيما استثمار فبواسطتها تمكنت من إعادة عناصر حزب التجمع إلى الحكم وبواسطتها حولت مهمة محاسبة الفاسدين من نظام بن علي إلى مصالحة معهم وبواسطتها تمادت في التداين وفي فرض سياسات الشركات والدول المانحة وبواسطتها عادت من جديد الإرادة البوليسية تتحكم في الشأن السياسي بشكل مباشر .
وضع انخرام ميزان القوى لصالح قوى الانقلاب لم يأت من فراغ بل إنه كان نتيجة العجز الذي بانت عليه حركة جماهيرية لم تتمكن من التحول إلى قطب طبقي مقاوم في وجه الانقلاب على امتداد السنوات الست الأخيرة وظلت تراوح مكانها وتخمد شيئا فشيئا لتبين أخيرا عن عجز كامل حتى على رد الفعل.
التحالف الحاكم يدرك جيدا هذه الحقيقة ولذلك نراه يعمل على استثمار الوضع إلى أقصى حد لتمرير ما يريد تمريره من سياسات وقوانين ومساومات وفي هذا الاطار جاءت قوانين ـ قانون المالية لسنة 2017 ـ قانون الانتخابات البلدية ومنح رجال البوليس والعسكريين الحق في الانتخاب ـ ووو... وسيواصل التحالف الحاكم اشتثمار وضع الوهن والضعف الذي عليه الحركة الجماهيرية من جهة والمعارضة البرلمانية من جهة ثانية ولا يستبعد أن يستغل ذلك لتمرير بعض التغييرات في المجلة الانتخابية تظمن إضعاف رهانات المعارضات الحزبية المتعددة أكثر فأكثر في الانتخابات التشريعية وفي الانتخابات الرئاسية المقررة لعام 2019 .
تحالف النهضة والنداء يبدو أنه خطط للعبور لسنة 2019 بحكومة الشاهد و يبدو أن الحزبين قد اتفقا على تفادي كل احتداد للأزمة يمكن أن يؤدي لسقوط هذه الحكومة أو للمطالبة بانتخابات سابقة لأوانها وسيفعل الحزبان كل ما في وسعهما لتكمل حكومة الشاهد المهام التي جيء بها من أجلها: مواصلة تطبيق سياسة التقشف و إكمال حزمة إجراءات الخوصصة التي قررتها الدوائر المانحة والمحافظة على وضع السلم الاجتماعي ومنع أي إمكانية لتجذر سياسي وتنظيمي للجماهير الشعبية بتجريم كل نضال اجتماعي وكل حركات الاحتجاج والعصيانات الاجتماعية في المحليات. لكن لاشك أن تنفيذ مثل هذه المخطط لن يغطي على وضع الأزمة ولن ينزع فتيل الصراع الطبقي الذي سيحتد. إن الأزمة سوف لن تتواصل إلى ما لانهاية في إنتاج الأزمات ستبلغ الأزمة القاع برغم كل السياجات والمسكنات التي ستوضع لتفادي هكذا امتداد وستعود الجماهير من جديد مدفوعة بشدة بؤسها وبعدم قدرتها على مواصلة العيش في وضع البؤس والفاقة والقمع المفروض عليها وسيعود محيط الدائرة يحترق مجددا في انتظار بلوغ الحريق المركز .
ــــــــــــــــــــــــ
بشير الحامدي
11 مارس 2017










التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. عاجل.. شبكة -أي بي سي- عن مسؤول أميركي: إسرائيل أصابت موقعا


.. وزراءُ خارجية دول مجموعة السبع المجتمعون في إيطاليا يتفقون




.. النيران تستعر بين إسرائيل وحزب الله.. فهل يصبح لبنان ساحة ال


.. عاجل.. إغلاق المجال الجوي الإيراني أمام الجميع باستثناء القو




.. بينهم نساء ومسنون.. العثور جثامين نحو 30 شهيد مدفونين في مشف