الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


قيود أمّي- الفصل الثّاني-3-

نادية خلوف
(Nadia Khaloof)

2017 / 3 / 11
الادب والفن


أين تميم؟
تميم. أين أنت؟
قد يكون في الشّارع . سوف أرى.
الناس تجتمع في الشارع، تميم يبكي، وإحدى النّساء تهدئ خوفه. تقول لي المرأة: كيف تتركين ابنك يخرج إلى الشّارع دون أن تعرفي أين هو. مرّت سيارة فيها رجلان، أرادوا أن يأخذوا تميم. خلّصته بصراخي، هربا قبل أن يقبض عليهم أهل الحيّ.
-شكراً لك ، وشكرا لكم جميعاً. تعال يا تميم. لن أنسى فضلكم ما حييت.
لا تبكِ. الذّنب ذنبي. إنّني ساذجة . أنسى أنّ لدي ملاك .
-أخشى أن يأتوا ليأخذوني ثانيّة.
-لن أتركك وحدك يا حبيبي. سوف أكون ساهرة على شؤونك ليلاً نهاراً.
سوف أقلي لك بيضة، وبعدها نلعب معاً.
-أرغب أن تجلبي لي كلباً صغيراً ألعب معه، أو أختاً.
-سأجلب لك جرواً، فكلبة جارتنا نزيهة أنجبت جروين.
-أريده الآن. اذهبي واحضريه.
-هيا.
ماذا سوف نسميّه؟
-لو كان لونه أبيض لكنّا سميناه بيّوض، لكنه مبّقع.
-نسميه" بقّوع"!
. . .
سوف نقوم أنا وأنت وبقّوع بتمثيل مسرحيّة.
هذه المصطبة التي تحيط بالشّجرة من جميع جهاتها. نسميها بيت الأسرار.
المساحة لا تساعدنا على جلب حصان. لكن لا بأس. سوف نصنع قوساً نسدل عليه ستارة نكتب عليها " مسرح الأسرار"
سوف تقف أنت فوق تلك المصطبة. تنظر إلى الجمهور.
توقّفْ لحظة. سوف أجلب لعبك. هؤلاء هم الجمهور.
الستار مسدل ، أنت خلف السّتارة تتعلّم الملاكمة مع ذلك الكيس الذي يتدلى من غصن الشّجرة ، صنعته الليلة الماضية . عزّ عليّ النّوم. جمعت ثيابك عندما كنت طفلاً. عبّأت فيها ورداً مجففاً. فالكيس فيه ذكرى منك، وتحتك يقع بيت أسراري.
أنت تضرب الكيس هكذا بقوّة. تلتفت إلى الجمهور: أنا البطل تميم. لن أسمح لأحد أن يعتدي علي. أنا تميم .أحبّ الحياة.
سوف يأتيك صوت مجهول يقول لك: نحتاج للأبطال من أجل أن يفدوا الوطن بحياتهم.
تسأله: من أنت؟ الأبطال ليس مهمّتهم الموت. خلقوا ليعيشوا. خلقنا جميعاً كي نعيش.
يأتي صوت مجهول أيضاً : البطل هو من لا يهاب الموت، ويقدّم نفسه للمعركة بشجاعة، ويبلي بها فيقتل خصومه.
تقول: من تتحدّث عنه ليس بطلاً. هو شخص متهوّر. البطل لا يقتل. يحب أن يحيا، ويحيا الآخرون أيضاً.
بعدها تسدل السّتارة، فأصعد أنا إلى المسرح، أقف فوق بيت الأسرار.
أتطلّع للجمهور: هنا بيت أسراري. أسرار مصنوعة من الحبّ. اشهدوا أيها النّاس. سوف أنصّب تميم حارساً على أسراري. ابني تميم سوف ينشر الحبّ، لن يكون ساذجاً، فعندما يجد أنّه مهدّد من قبل مجهولين. سوف يقتلع بيت الأسرار، ويرحل إلى أرض أخرى.
سوف يكون تميم بطلاً يقدم ما ينجز للبشر جميعاً.
صوت يأتي من مكان مجهول. سوف نقتلك أيتها الأم الشّريرة.
تمسك بثوبي. تقول: لا تقتلوا أمّي.
تأتي رصاصة في رأسي وأموت.
-لا أحبّ تلك النّهاية.
لا أريد أن تموتي.
-هو ليس حقيقة .
-لا. لا أرغب بتلك النّهاية. سوف أضع النّهاية بأن أعود إلى الملاكمة، ويختفي الصّوت تدريجياً حيث أكون قد تغلّبت على الشّر.
تعبت الآن من الحفظ. هل لك أن تحكي لي حكاية قصيرة.
سوف أحكي لك حكاية قديمة جديدة. حكاية توم، وجيري.
-لا. يمكنني مشاهدتها على التلفاز.
-اسمع. سوف أحكي لك حكاية جدّتي عن الجنّية وجيهة. كانت صبيّة جميلة، ذات أظافر طويلة مطلّية بالأحمر، تزور الأطفال في الليل، تخيفهم، فينامون، ويبولون تحتهم من الخوف. إن لم يتذكّروا أن يقولوا : بسم الله الرّحمن الرّحي ملا ترحل، فالجن يخافون البسملة، ويختفون عندما يسمعون بها. هم مصنوعون من نار.
-وكيف عرفت أنّهم يختفون؟ هل رأيتهم ؟
لا أحد رأى الجنّ يا أمّي.
-وكيف تعرف هذا يا تميم؟
-قالت لي خالتي سمر: لا تؤمن بالخرافات يا تميم. لا يوجد جنّ، ولا أشباح.
وقالت لي أيضاً أنكِ جبانة، وتخشى أن أتربى على الجبن، ولما بكيت. قالت: كنت أمزح معك. أحبّك يا تميم، لكن لا تقل لأمّك.
ماما! لا يعجبني أن يكون اسم المسرح مسرح الأسرار. سوف أسمّيه " مسرح ماما عليا" وأسمي تلك المصطبة " منبر الأفكار"
-ذهنك أصفى من ذهني يا تميم.
-انتظريني قليلاً. سوف أذهب إلى الحمام، وأجلب بقّوع ليحضر العرض أيضاً.
سوف أصفّ اللّعب هنا.
"بقّوع" هنا. أضع أمامه قطعة خبز كي لا يبدّل مكانه.
اسدلي السّتارة، وسوف أصعد من الخلف.
قبل أن تفتح السّتارة سوف تصدح أغنيّة اللقلق علاّ وطار. هي أغنية حماسية، ووطنية.
-حماسية ربما، لن من قال لك أنّها وطنيّة؟
-هكذا تبدو.
حسناً. ثلاثة. اثنان. واحد
الأغنيّة .
تفتح الستارة
وبينما يحاول تميم ملاكمة الكيس.
يترك " بقّوع مكانه، وتمشي اللعب خلفه، يبدو كأنّه يغنّي. ثم يصفّق الجميع ويجلسون.
يزداد حماس تميم، ويبدأ في إتمام العمل، ثم تصعد عليا إلى المسرح.
ينحني تميم وعليا أمام الجمهور، تلتهب الأكف بالتّصفيق. تنزل عليا، ويعود تميم إلى المسرح، فيشتد التّصفيق أكثر.
يقول تميم: لم أعد كي أمثّل مشهداً. عدت لأسألكم كيف حلّت فيكم الرّوح وأنتم مجرّد ألعاب؟ وأنت أيّها الجرو. من علّمك أن تلفظ اسمي؟
-لا فرق يا تميم بين الإنسان والحيوان. أنت من علّمني اللغة. لغة البشر، أصبحت أجيد لغتين، أنت أيضاً تجيد لغتي، وهؤلاء الألعاب سرت لهم عدوى الحياة منك. صاح الجميع: نعم يا تميم. نرغب أن نمثّل نحن أيضاً.
لا بأس! أحبّكم جميعاً. سوف أؤلّف لكم مسرحيّة جديدة، لكنّني تعبت، وأنا جائع أيضاً.
صاح الجميع: قبل أن تنزل من على المنبر. غنّ بصوتك : أغنية اللقلق علا، وطار.
هيّا معاً.
على ألحان الأغنيّة يتمايل الجميع، ويعلو صوت الحياة، ثمّ يسدل السّتار .










التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. كل يوم - لقاء في الفن والثقافة والمجتمع مع الكاتب والمنتج د/


.. الفنان أحمد سلامة: الفنان أشرف عبد الغفور لم يرحل ولكنه باقي




.. إيهاب فهمي: الفنان أشرف عبد الغفور رمز من رموز الفن المصري و


.. كل يوم - د. مدحت العدل يوجه رسالة لـ محمد رمضان.. أين أنت من




.. كل يوم - الناقد الرياضي عصام شلتوت لـ خالد أبو بكر: مجلس إدا