الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


البروليتاريا النسائية وقضايا تحررها وانعتاقها!

عبد السلام أديب

2017 / 3 / 13
ملف 8 آذار / مارس يوم المرأة العالمي 2017 - أثر النزاعات المسلحة والحروب على المرأة


يحل الثامن من مارس كل سنة لنتذكر القضية الاجتماعية الأولى داخل كل المجتمعات وهي سيرورة وضع المرأة نصف سكان العالم وماذا حل بهذه السيرورة. وإذا كانت الحركة العمالية العالمية والحركة الشيوعية أيام كلارا زتكين والكساندرا كولانتاي هي التي فجرت الطابوهات التي كانت تشرف على اضطهاد النساء داخل المجتمعات الطبقية وخاصة داخل المجتمع الطبقي البرجوازي. الا ان هناك قوى مضادة في مقدمتها الحركة النسوانية عملت جادة مباشرة عقب الثورة البلشفية في روسيا سنة 1917 على طمس أسباب لا مساواة المرأة والرجل والخلفيات الحقيقية التي تقف وراء اضطهاد النساء، وبالتالي تحويل أنظار البروليتاريا وخاصة أنظار البروليتاريا النسائية من العدو الحقيقي الذي يقف أمام تحرر النساء وهي البرجوازية حارسة نمط الإنتاج الرأسمالي نحو عدو مفتعل، سلبي، تابع في سلوكه وردود افعاله للنظام الاجتماعي المفروض تاريخيا من طرف الطبقة البرجوازية المهيمنة، وهذا العدو المفتعل هو الرجل.

سنتناول فيما يلي فقرة أولى حول تطور أوضاع النساء محليا وعالما، ثم فقرة ثانية حول الصراع الفكري بخصوص سيرورة اضطهاد النساء تاريخيا وتكييف ذلك أيديولوجيا ثم في فقرة ثالثة بعض مظاهر تحرر النساء في سياق الثورة البلشفية العظيمة لسنة 1917.

أولا: تطور أوضاع النساء عالميا ومحليا:

1 - تطور أوضاع النساء عالميا:

تتطرق احصائيات الأمم المتحدة والبنك العالمي والمنظمة العالمية للصحة لأوضاع النساء الاجتماعية والاقتصادية، وتؤكد هذه الاحصائيات الصورة الكارثية التي تعيش عليها الملايير من النساء عبر العالم. ويكفي هنا أن نشير الى أن 70 % من فقراء العالم هم من النساء، كما ان أجور النساء تقل عن اجور الرجال ب 25 في المائة في البدان المتقدمة وب 50 في المائة في باقي دول العالم.

وتؤكد نفس الاحصائيات على أنم هناك حوالي 600 مليون من النساء عبر العالم يعشن وضعية أمية كاملة. وتموت امرأة في كل دقيقة في العالم بسبب تعقيدات مرتبطة بالحمل أو الوضع. ومن بين 5,6 مليون بالغ مصاب بفيروس السيدا هناك 2,3 مليون امرأة وعددهن في ارتفاع متزايد.

وفي مجال ممارسة العنف في حق النساء هناك حوالي 130 مليون امرأة تتعرض للتشويه الجسدي و4 مليون امرأة أو طفلة صغيرة تباع في العالم سنويا، وعلى المستوى العالمي تعرضت امرأة من كل ثلاث نساء للضرب أو أجبرت على ممارسة الجنس أو أسيئت معاملتها بكيفية أخرى وفي الغالب من طرف أحد أقاربها بما فيهم الزوج أو عضو آخر بعائلتها. كما تعرضت امرأة من كل أربعة نساء لسوء معاملة خلال الحمل.

وفي ظل النزاعات والحروب القائمة حاليا عبر العالم فان ثلاث أرباع الضحايا من المدنيين هم من النساء والأطفال ويشكلن 90 % من قتلى هذه الحروب.

أما على مستوى تمثيليات النساء داخل المؤسسات الادارية والسياسية عبر العالم فلا يزيد عن 13 %.

إن التذكير بهذه المؤشرات والأرقام الكارثية التي تبين بالملموس حقيقة أوضاع النساء عبر العالم (أنظر المصدر التالي: https://unstats.un.org/unsd/publication/SeriesK/SeriesK_19f.pdf) ، هو للتذكير بأن هناك فرق شاسع بين الخطاب المستهلك على الصعيد العالمي حول حقيقة حقوق المرأة التي تدعي بضمانها الحكومات وتتشدق بها القيادات السياسية والحركات النسوية عبر العالم وبين الواقع الكارثي التي تعيشه النساء في عالم يخضع لنظام اجتماعي وسياسي رأسمالي تتحكم فيه محليا ودوليا أقلية برجوازية مهيمنة تضفي القداسة على ممارساتها بعدة مسميات.

2- تطور أوضاع النساء محليا

تشير ارقام الإحصاء العام لسنة 2014 أن عدد النساء بالمغرب يصل الى 16.862.562 بينما يصل عدد الرجال الى 16.747.522 نسمة، فنظريا على الأقل يجب ان يتساوى الجنسان في كل شيء وان تكون حقوق وحريات النساء مضمونة. لكن سيرورة الواقع الطبقي سياسيا واقتصاديا واجتماعيا وثقافيا ابت الا ان تكون مجحفة بحق الطبقة العاملة والفلاحين الفقراء وخاصة منهم النساء. وتشير احصائيات 2014 ان حوالي 40 في المائة من النساء تعشن في البادية بينما 60 في المائة منهم في المدن. وتنتشر الامية وسط النساء لكي تصل الى 69,6 في المائة منهن 36,9 لم يتلقين أي نسبة من التدريس و 32,7 في المائة توقفن عند التعليم الابتدائي. أما عدد النساء الاتي يعانين من وضعية البطالة طويلة الأمد فيصل الى حوالي 6 مليون نسمة حسب نفس الإحصاء.

أما المؤشرات الأخرى كالصحة الإنجابية والوفيات والولوج الى التغذية والماء الصالح للشرب فكلها في وضعية تردي متواصل جعلت المغرب يصنف لسنوات في مراتب متخلفة من التنمية البشرية (130).

إن هذه الأوضاع القاتمة للنساء بالمغرب عمقتها أكثر تفاقم الازمات الاقتصادية والاجتماعية لنمط الإنتاج الرأسمالي القائم وكرستها السياسات الطبقية لتدبير الأزمة، خصوصا منذ أخر حلقة من الازمة وهي أزمة (2008 – 2014). فنتيجة لتعمق الأزمة الاقتصادية بالمغرب منذ سنة 2008، لجأ التحالف الطبقي الحاكم الى حزمة من السياسات الاقتصادية والاجتماعية الرامية الى معالجة هذه الأزمة على كاهل الطبقات الشعبية المسحوقة، والتي كان من بينها:

أ – تمكين الشركات الرأسمالية خاصة في قطاعات النسيج والجلد والسياحة والاشغال العمومية من اجراء تسريحات جماعية وسط العمال نظريا في حدود 5 في المائة لكنها فاقت هذه النسبة عمليا دون الحق في التعويض أو اجترار محاكمات التعويض سنوات لا نهائية. وقد بلغت التسريحات الجماعية في قطاع النسيج فقط وسط النساء 50 ألف عاملة فقط سنة 2009؛

ب – تمكين الشركات الرأسمالية المتضررة من الأزمة من تنزيل الحد الأدنى للأجور نحو 1200 درهم وحيث لا زال هذا الوضع ساريا رغم تراجع نسبي في حدة الازمة منذ سنة 2014

ج – اعفاء الشركات الرأسمالية من متأخرات الضرائب ومن حصة المشغل في صندوق الضمان الاجتماعي

د - تخلي الدولة عن مسؤولياتها في توفير الخدمات الاجتماعية المجانية خاصة في مجال التعليم والصحة العموميتين والتهديد بخوصصتهما

ه - اعدام صندوق المقاصة وما نجم عن ذلك من ارتفاع كافة الأسعار والخدمات

وقد انعكست هذه السياسات وبالا على النساء من خلال:

- التسريحات الجماعية لليد العاملة النسائية ؛

- الزيادة في ساعات عمل النساء نتيجة تراجع عدد العاملات وما ترتب عن ذلك من زيادة الأعباء الملقاة عليهن

- اتساع حجم الفقر وسط النساء الارامل والامهات والمطلقات ...

- تكريس التمييز في الأجور بين الرجل والمرأة وتزايد استغلال المرأة العاملة؛

- استمرار استفحال الأمية واتساعها نتيجة تراجع التعليم العمومي في المناطق القروية على الخصوص؛

- صعوبة الولوج للعلاج مع تزايد رسوم التطبيب وتدهور الصحة الإنجابية للنساء مع تدهور قطاع الصحة العمومية، الى درجة ظهور حالات الولادات في الشارع العام وفي ردهات المستشفيات بسبب غياب أو إغلاق المؤسسات الصحية وضعف التجهيزات؛

- تزايد العطالة وسط النساء وخاصة حاملات الشهادات العليا واستمرار عنف السلطة ضدهن في شوارع الرباط العاصمة مع ما يخلفه ذلك من جروح وكسور واجهاضات كلما طالبن بحقهن في الشغل الكريم؛

- العنف الاقتصادي والاجتماعي والمتمثل في انتهاك الحقوق الشغلية بالنسبة لنساء العاملات،

- الحرمان من الحق في الأرض بالنسبة للنساء السلاليات

- التمييز في اقتسام الإرث داخل الأسرة على أساس الجنس رغم التحولات الاجتماعية التي طرأت على المجتمع؛

- حرمان الزوجة غير العاملة من التعويضات العائلية داخل مكونات أجرة العامل؛

- تزايد ظاهرة الطلاق بسبب تردي الشروط الاقتصادية داخل الأسرة، وهو ما يعرض أوضاع النساء الى المزيد من الافقار رفقة أطفالهن؛

- الظروف المأساوية للعاملات الزراعيات بسبب الحيف والتمييز الذي يطالهن وخرق القوانين على علتها وعدم تطبيقها من طرف المشغلين والدولة على السواء؛

- تردي أوضاع النساء في العالم القروي نتيجة غياب التجهيزات والبنى التحتية؛

- تزايد عدد النساء اللواتي يلتحقن بالهجرة بدول الخليج في ظل الاستغلال وظروف اشبه بالعبودية؛

- معاناة المهاجرات الافريقيات وأطفالهن عبر المغرب من النساء القادمات من الدول الإفريقية جنوب الصحراء؛

ثانيا: تاريخ اضطهاد النساء:

1 – سيرورة اضطهاد المرأة:

تاريخيا تؤكد الأبحاث الانتربولوجية ان مرور الإنسانية منذ 10 آلاف سنة من نمط الإنتاج البدائي الذي كان يرتكز على القطف والتقاط الثمار البرية وعلى مطاردة الحيوانات نحو مرحلة أعلى سميت بالثورة النيوليتيكية والتي شكلت نقلة نوعية نحو تطور التقنيات والعلوم والفلسفة والفن والأدب، والتي عرفت في اطارها بداية ظهور الملكية الخاصة والتفاوت الطبقي وانطلاق اللامساواة بين الطبقات.

نلاحظ هنا أن الانسان ظهر على وجه الكرة الأرضية منذ أزيد من 2 مليون سنة، بينما ظهرت الحضارات الإنسانية منذ 10 الاف سنة قبل الميلاد فقط، وان جل هذه الحضارات أسست على أساس أنظمة طبقية كان النظام العبودي أحدها، أما مختلف الأديان المعروفة بالسماوية فلم تظهر الا منذ حوالي ثلاثة آلاف سنة قبل الميلاد، وفي ظل الأنظمة الطبقية وفي مقدمتها العبودية لذلك تقر نصوص جميع الكتب "السماوية" قضية العبودية والتي يوجد من بينها طبعا عبودية النساء.

الجديد الذي كان له دور ثوري في هذا التحول نحو مجتمع الطبقات هو ظهور الإنتاج كقيمة استعمالية وتبادلية مما تحقق معه اكتشاف إمكانية زراعة النباتات وإمكانية تدجين الحيوانات وتربيتها. وغير خاف ما لهذا الاكتشاف من تزايد المردودية والفعالية مقارنة مع مرحلة التقاط الثمار ومطاردة الحيوانات. وبدلا من قضاء الساعات الطوال من أجل الحصول على الحد الأدنى للبقاء وهو ما كان يهدد الانسان البدائي بالمجاعات والموت، أصبح بإمكان الانسان انتاج الفائض. كما أصبحت الحروب التي تشتعل بين القبائل المجاورة توفر للمرة الأولى إمكانية الحصول على العبيد الذين من الممكن تغذيتهم بذلك الفائض، وقد جنب ذلك الفائض ما كان يحدث سابقا من إمكانية التهام الأسرى. لقد أصبح العبيد هم من يقوم بأعمال الزراعة بينما ينصرف مالكوهم الى أعمال أكثر تجريدا، من قبيل العلوم والثقافة. لقد تزامن مع ظهور الحضارة ظهور ابشع أنواع العلاقات الاجتماعية: العبودية والرق.

خلال المرحلة البدائية التي كان الاعتماد فيها على الالتقاط ومطاردة الحيوانات كانت النساء تقمن بشكل دائم بالحمل وتغذية الصغار، وكن يشتغلن داخل المأوى وحوله ويعملن على التقاط ما يتوفر من أكل في الجوار. ولم تكن الاسرة المكونة من اب وام وأطفال في هذه المرحلة موجودة. كما أن مهمة تدبير شؤون البيت تعني، في المجتمع المشاعي البدائي، هيمنة المرأة في المجتمع. وفي الوقت الذي كان فيه معروفا من تكون أم الولد، لم تكن هناك أية طريقة للتعرف على أبيه. لهذا كان تحديد النسب يتم عبر خط الأم وكان ينظر الى النساء باحترام.

ان المرحلة التالية التي تم فيها اكتشاف الفائض جاءت وبالا على المرأة حيث انتهى وضعها المميز في ذلك المجتمع الأمومي. فالزراعة عوضت القنص عند الرجال، لكن النساء بقين يتحملن عبء الحمل بالاطفال والسهر على تغذيتهم. وكان الفائض الذي يتحقق في الزراعة ملكا للرجل، وهنا بدأ يطرح السؤال عن من يملك الثروة. فبينما ظل تقسيم العمل بين الرجال والنساء على ما هو عليه، انقلبت العلاقات الاجتماعية بين الرجل والمرأة رأسا على عقب.

ومع ظهور إمكانية امتلاك الثروة، أصبح من الممكن لبعض الناس أن يمتلكوا أكثر من الآخرين. لكن من اجل انتقال ملكية رجل يمتلك عددا كبيرا من العبيد وينتج فائضا كبيرا عندما يموت، صار من الضروري معرفة أب الطفل. من هنا أصبح الرجل يبقي زوجته له وحده ويتأكد من أنها لا تضاجع أحدا آخر ويتأكد أنها "شريفة" ومطيعة، الخ. أما الأديان الشعبية فنشأت لترسيم هذه الأوضاع الطبقية الجديدة والمحافظة عليها. من هنا نشأت الأسرة المبنية على الزواج الأحادي المشكلة من أب مسيطر عليها من الرغبة في معرفة من هو أب الطفل بشكل مؤكد.

إن وضع المرأة ازداد دونية وانحطاطا واضطهادا خلال مختلف مراحل الإنتاج المتلاحقة والمتصاعدة من أنماط إنتاج آسيوية وأنماط انتاج عبودية ونمط انتاج إقطاعي وأخيرا نمط الإنتاج الرأسمالي منذ أواخر القرن الخامس عشر والذي جمع تحت رايته مختلف مظاهر اضطهاد المرأة السابقة.

ومنذ ظهور المجتمعات الطبقية ظلت الهيمنة تكرس العلاقات الاجتماعية الباطرياركية والتي تخول فيها الهيمنة والسلطة والدور الأول للرجل المنتمي للطبقة المهيمنة بينما تمنح أدوارا ثانوية دونية متميزة للمرأة. وقد كرست الأديان "السماوية" المختلفة التي ظهرت في ظل أنماط الانتاج العبودية، العلاقات الاجتماعية ومنها النظرة الدونية للمرأة السائدة بهالة من القداسة حتى لا يتم المساس بها أو تغييرها.

ورغم الوضع الراهن للنساء المتدني في ظل نمط الإنتاج الرأسمالي، الا أن هناك جملة من المكتسبات التي تحققت في ظل تناقضات هذا النظام وتفاعله تحت مفعول الصراع الطبقي وانتشار الفكر الاشتراكي وسط الحركة العمالية العالمية التي يتكون نصفها من النساء. فقد ساهمت أفكار عصر الانوار في رفع سقف الصراع بين البرجوازية والاقطاع والملكيات المطلقة. وقد اعتمدت البرجوازية على الأفكار الفلسفية المادية والعلوم الفزيائية والطبيعية في تدمير الأيديولوجية الاقطاعية التي كانت تقيم شرعيتها أساسا على الفكر المثالي الارسطي وعلى القداسة الدينية. وكان لا بد للبرجوازية الصاعدة من تحرير أقنان الأرض تحت هيمنة الارستقراطية لكي تتوفر على ايدي عاملة وفيرة ورخيصة، لذلك صدرت عقب الثورات البرجوازية في فرنسا سنة 1789 وفي بريطانيا وأمريكا قبيل ذلك إعلانات الحقوق والحريات، حيث استفادت فئات واسعة من النساء في ظل هذه السيرورة من التحرر من قيود القرون الوسطى والتوفر على عمل كعاملات في المدن. وقد أدى هذا الوضع الى إزالة العبودية القديمة في المجتمع من حيث التملك والمتاجرة واعتبر الجميع أحرارا من الناحية العمومية.

لكن عبودية أخرى جديدة بدأت تكبل بقيودها الطبقة العاملة الناشئة عبر عبودية العمل المأجور وانقسام المجتمع الى طبقتين رئيسيتين: البرجوازية والبروليتاريا. أي ملاك وسائل الإنتاج الرأسماليون من أراضي شاسعة ومصانع وشركات وابناك وطبقة عاملة من نساء ورجال يشتغلون لدى ملاكي وسائل الإنتاج. فلقد جمعت العبودية المأجورة تحت لوائها العمال والعاملات بعد أن دخلت المرأة ميدان العمل والتوظيف وحصلت على المساواة أمام القانون.

في مجتمعنا المغربي هناك مزيج من العلاقات الرأسمالية والاقطاعية والدينية، حيث تبدو المرأة العاملة أكثر حرية من ربة البيت المحكوم عليها بالعمل داخل المنزل وتحت سطوة التقاليد الموروثة لإدامة الاقتصاد المنزلي. لكن الوقائع الملموسة تؤكد أن المرأة بشكل عام سواء في المنزل أو في ميدان العمل تتعرض لاضطهاد مزدوج: عبودية المرأة العاملة وسطوة التقاليد والأعراف والقيم الدينية المكرسة دستوريا والتي تمعن في توسيع هوة اللامساواة وهيمنة الرجال بشكل مطلق على مقدرات حياتها ومصيرها.
2 – التحليل النظري لتاريخ اضطهاد المرأة:

هناك وجهتا نظر متناقضتان تحاولان تقديم تكييف نظري للعنصر المسؤول عن اضطهاد المرأة وهما معا تدافعان من وجهتا نظرهما المختلفتان عن وضع المرأة وتحررها، الا أن اختلاف منطلقات وجهتي النظر هذه تجعل الأهداف ووسائل تحقيقها مختلفة بل ومتباعدة فيما بينها..

أ – التحليل البرجوازي الصغير للعنصر المسؤول عن اضطهاد النساء:

فهناك من جهة التحليل البرجوازي الصغير للعنصر المسؤول عن اضطهاد النساء وتعبر عنه الحركة النسوانية التي عرفت أولى بوادرها في حركة النساء البرجوازيات المطالبات بحق اقتراع المرأة Suffragettes والتي تأسست سنة 1903 ببريطانيا واستطاعت الحصول على حق اقتراع النساء بعد سن الثلاثين سنة 1918 مقيدة بشروط الملكية والثروة وفي سنة 1928 تم إنزال هذا السن الى 21 سنة. لكن التطور الحقيقي لحركة النسوانية كحركة نسائية برجوازية صغرى فانطلق أواخر عقد الستينات من القرن العشرين وعرفت اوجها خلال عقد السبعينات.

وتعتبر الحركة النسوانية نفسها تواجه نظاما يقيم موازين قوى لصالح الرجال ويمنحهم امتيازات عديدة جماعية وفردية. وتنعكس هذه الغلبة الذكورية ، حتى في حركات الحياة اليومية وفي الحياة الحميمية للأزواج والافراد من كلا الجنسين أيا كان توجههم الجنسي. فالحركة النسوية تسعى الى تغيير عميق للعلاقات بين الرجال والنساء.

ويبدوا من خلال أهداف هذه الحركة أنها تقيم دفاعها عن حقوق النساء من خلال خلق شرخ فاصل بين الرجال والنساء واعتبار عبودية المرأة في المجتمع الراهن سببها الأول هو مجتمع الرجال وأن الرجل كان دائما ندا للمرأة وليس شريكا، وهو يقف وراء جميع أشكال البؤس والحرمان والاضطهاد واللامساواة التي يعاني منها مجتمع النساء.

ويعود نجاح هذه الحركة خصوصا خلال عقد السبعينات من القرن العشرين الى تفاقم النظرة العدوانية الى الرجال واستمرارها حتى بين صفوف النساء المثقفات والتحرريات أو حتى اللواتي ينتمين إلى الفكر الماركسي فهو إرث تاريخي واجتماعي وجدت المرأة في مجتمعنا نفسها فيه، فقد تربت على اعتبار نفسها كائن من الدرجة الثانية منذ نعومة أظافرها ووضعت تحت مركب العيب والنقصان، واعتبرت بشكل رئيسي كائنا جنسيا الهدف المرسوم لها هو تلبية رغبات الرجل الجنسية وإدامة واستمرار النوع الإنساني (الانجاب).

ومن بين المفاهيم الجديدة التي جاءت بها الحركة النسوانية صياغة مفهوم النوع من طرف النسوانيت بالبلدان الأنغلو ساكسونية والذي انتشر فيما بعد على نطاق عالمي. وكانت آن أوكلي Ann Oakley هي أول من حدد مفهوم النوع من وجهة نظر نسوانية سنة 1972 حيث إلى أن "كلمة جنس تحيل الى الفروق البيولوجية بين الذكور والاناث: أي الى الفرق الظاهر بين الأعضاء التناسلية وإلى ما يرتبط بها من فرق في الوظائف الإنجابية بين الذكور والاناث: أي إلى الفرق الظاهر بين الأعضاء التناسلية وإلى ما يرتبط بها من فرق في الوظائف الإنجابية. أما النوع فهو مسألة ثقافة.
ويحيل إلى التصنيف الاجتماعي إلى مذكر ومؤنت"

وانطلاقا من هذا المفهوم حددت حركة النسوانيات أهدافها:

1 – تخليص تحليل العلاقات بين النساء والرجال ومكانة كل منهما في المجتمع مما يحيط به عادة من مفترضات مستندة الى ما هو بيولوجي. ليس الرحم والنهدان أو القضيب هو ما يميز الرجل عن المرأة، بل الثقافة السائدة هي التي تجعل من الرجل رجلا متفوقا والمرأة امرأة ضعيفة، كما عبرت عن ذلك سيمون دوبوفوار سنة 1949 في كتابها الجنس الثاني عندما قالت: "لا نولد نساء بل يجعلون منا نساء"؛

2 – ادراك وضع النساء، لا كمجموعة على حدة، بل النظر الى النساء والرجال في علاقتهما وبوجه خاص في تحديد ما يعرف عاذة بالأنوثة والذكورة. فليست الأنوثة والذكورة نتيجة طبيعية للانتماء الى جنس بل نتيجة سيرورة تشكيل أو تشويه للأشخاص من طرف المجتمع من خلال التربية ورغبات التنظيم الاجتماعي؛

3 - كما أرادت الحركة النسوانية، بهذا المفهوم، ادخال فكرة غائبة في التعريف الآنف مؤداها أن ان علاقات الرجال/النساء ليست علاقات مبنية على تكامل الجنسين بل علاقات سلطة وسيطرة، الخ. ثمة تراتب اجتماعي بين الرجال والنساء في اغلب المجتمعات المعروفة، وعلاقات السلطة تلك هي التي يجب تحليلها.

هذه النظرة اورثت المراة معاناة نفسية اجتماعية هائلة وتسببت في خلق نوع من التمرد والاحتجاج واحيانا الحقد والرفض للرجال باعتبارهم المضطهدون للنساء. وخلقت تصورا بان تحرر المرأة ومساواتها الانسانية لا يمكن ان يتم الا بمعزل عن مجتمع الرجال. ومن مظاهر وتجليات هذه النظرة التضامن النسائي الخفي ورفض كثير من التقاليد والاعراف والقيم الدينية التي تشكل امتهانا او انتقاصا من مكانة المرأة الانسانية .

ان الحركات النسوانية التي ظهرت في الغرب الرأسمالي منذ سبعينيات القرن الماضي وخاصة بين صفوف الاكاديميات والمثقفات الليبراليات كانت تفسر اللامساواة القائمة في المجتمع البرجوازي على اساس الجنس او لون البشرة او ربما الانتماء العرقي او الاثني وقد ترتب على هذا التفسير ان للرجل روح شريرة ورغبة قوية في اخضاع المرأة وامتلاكها والتحكم بمصيرها. وهذه النظرة ليست بعيدة عن الموروث الايديولوجي للمجتمعات اي الاديان ومختلف المعتقدات والافكار الاخرى التي كان الرجال منتجوها الاصليون منذ انتهاء عصر المشاعة البدائية وسلطة الام ونشوء المجتمع الطبقي خاصة العبودي.

ان النظرة الدونية للمرأة واضطهادها التي تكرست عبر العصور لم تكن نظرة حدثت بطريق الصدفة او نتيجة لذكاء الرجل بقدر ماكنت تحصيل حاصل لظهور الطبقات والمجتمع الطبقي مجتمع الاسياد والعبيد. فكانت نساء الاسياد يتمتعن بفرص اوسع لنيل الحرية ولعب الدور السياسي والاجتماعي بينما نساء الطبقات المضطهدة يعاملن كإماء وجواري وسبايا يتاجر بهن السماسرة من التجار الرجال بهدف الربح وتحقيق مكاسب جنسية واجتماعية مثل العمل في المزارع او الخدمة في بيوت الاسياد .

ب – وجهة نظر ماركسية لينينية بخصوص تحرر النساء:

نستقي مقتربات هذا التحليل الماركسي اللينيني من كتابات كل من ماركس وانجلز ولينين وتطبيقات تلك التحليلات في ظل الاتحاد السوفيات خلال فترة قيادة جوزيف ستالين.

فمسألة اضطهاد النساء عبارة عن قضية عملية ملموسة ولا يمكن ارجاعها الى تفكير انساني مجرد فقط، لذلك فان البحث عن أسباب اضطهاد النساء لا يمكن معالجته على المستوى النظري المجرد عن الواقع الملموس. وقد لاحظنا أعلاه من خلال بعض الأرقام ان اضطهاد النساء محليا ودوليا وبشكل عملي ملموس في تزايد مستمر رغم تشدق الحكومات والخطباء وجمعيات حقوق الانسان والحركة النسوانية بحماية حقوق المرأة والارتقاء بها والقضاء على كافة اشكال التمييز. فإحداث تغيير حقيقي للواقع والظروف التي ينتج عنها عمليا اضطهاد النساء، لا يمكن بحثها وفهمها فهما عقلانيا الا بوصفها عملا ثوريا.

فالواقع العملي المركب من بنيات اقتصادية تحتية ومن الصرح الهائل القانوني والسياسي والفلسفي والثقافي والديني الذي يقوم بوظيفة حماية البنيات الاقتصادية التحتية، والتي تتجاوز تفكير الفرد المجرد، بل والتي تفرض ارادتها عليه، وينتج عنها العديد من التناقضات المجتمعية من بينها بالطبع اضطهاد النساء، فإن هذا الواقع يجب أولا فهمه في تناقضاته ثم ثانيا العمل ثوريا على تفكيك تلك التناقضات ومن بينها العلاقات الاجتماعية المولدة لاضطهاد النساء.

إن الجوهر الإنساني إذن والمتغير حسب الزمان والمكان والذي يفرز لنا وقائع اضطهاد النساء ليس تجريدا ملازما للفرد المنعزل حتى نعمل على محاكمة الرجل بوصفه رجل ككائن بيولوجي معادي بطبيعته الفطرية لتحرر المرأة كما تقول الحركة النسوية، بل يظل هذا الجوهر الإنساني يتمثل في مجموع العلاقات الاجتماعية كافة في زمان ومكان معين، لذلك فإن انتقاداتنا يجب ان تنصب على هذا الجوهر الإنساني والتفكير عمليا على تغيره ثوريا.

إن التجرد عن سير التاريخ واعتبار اضطهاد النساء مجرد إرادة ذاتية للرجل باعتباره انسان منعزل، وبالتالي اعتبار ذلك هو الجوهر الإنساني بوصفه "نوعا" يشكل تعميما داخليا أخرس يربط الكثير من الأفراد بقيود طبيعية وهمية بحثة. فهذا النمط من التفكير البرجوازي الصغير لا ينظر الى الجوهر الإنساني بوصفه نتاج اجتماعي وأن الفرد المجرد الذي يحلله يرجع الى شكل اجتماعي معين. فالحياة الاجتماعية هي بالأساس حياة عملية، وكل الظواهر والتناقضات النظرية ومن بينها اضطهاد النساء، تجد حلولها العقلانية في نشاط الإنسان العملي وفي فهم هذا النشاط. وبالتالي تغييره تغييرا ثوريا.

يقول كارل ماركس في تقديمه لكتابه مساهمة في نقد الاقتصاد السياسي الصادر سنة 1859: "في إنتاج الناس الاجتماعي لحياتهم يدخلون في علاقات محددة، ضرورية ومستقلة عن إرادتهم، وهي علاقات إنتـاج تطـابق درجة معينة من تطور قواهم الإنتاجية المادية. وتشكل مجموع علاقات الإنتاج، هذا البنيان الاقتصادي للمجتمع، أي أنه يـشكل الأساس الحقيقي الذي يقوم فوقه صرح علوي قانوني وسياسي وتتمشى معه أشكال اجتماعية. فأسلوب إنتاج الحياة المادية هو شرط العملية الاجتماعية والسياسية والعقلية للحياة بوجه عام. فليس وعي الناس هو الذي يحدد وجودهم، ولكن وجودهم الاجتماعي هو الذي يحدد وعيهم. فعندما تصل قوى المجتمع الإنتاجية المادية إلى درجة معينة من تطورها تدخل في صراع مـع أنماط الإنتاج القائمة أو بالتعبير القانوني مع أنماط الملكية التي كانت تعمل في ظلها حتى ذلك الوقت. وتتغير هذه الأنماط التي هي قيد على الأشكال التطورية من القوى الإنتاجية. وفي هذه اللحظة تحل حقبة من الثورة الاجتماعية. فتعديل القاعدة الاقتـصادية يجر في أذياله قلبا سريعا بدرجة أكثر أو أقل، لكل الصرح العلوي الهائل. وعند دراسة الانقلابات التي من هذا النـوع يجب دائما أن نفرق بين القلب المادي الذي يحدث في أنماط الإنتاج الاقتصادية والتي يمكن تقريرها بدقة عاليـة، وبين الأشكال القانونية والسياسية والدينية والفنية والفلسفية أو بكلمة واحدة الأشكال الأيديولوجية التي يدرك الناس في ظلهـا هـذا الـصراع ويجاهدون في سبيل فضه".

تؤكد هذه المقولة لكارل ماركس ان البنية الاجتماعية تنتج مظاهر مختلفة من التناقضات والتي يدخل ضمنها علاقة اضطهاد النساء، هي وليدة الانتاج الاجتماعي لحياة الناس. وتعتبر مجموعة علاقات الإنتاج الناشئة مستقلة عن ارادتهم. وحينما تصل دروة تناقضات قوى الإنتاج مع شكل علاقات الإنتاج القائمة الى مستوى معين من الاحتدام تنطلق مرحلة من الثورات الاجتماعية التي لا تتوقف سوى بتغيير البنية الاجتماعية السابقة. فتغيير واقع اضطهاد النساء داخل مجتمع معين يفترض بالضرورة ثورة اجتماعية لتغيير كامل البنيان الاجتماعي القائم ومن بينها وضع النساء.

ونظرا لأن لكل نظام اجتماعي طبقاته المهيمنة المستفيدة من ذلك النظام على حساب الطبقات الشعبية المسحوقة ومن بينها النساء المضطهدات، فإن هذه الطبقات الحاكمة تلجأ الى آخر رمق الى مختلف الأساليب القمعية المادية والقانونية والأيديولوجية للحيلولة دون حدوث ثورة اجتماعية تطيح بنظامها الاقتصادي والاجتماعي الذي تستفيد منه. لذلك فإن مسألة تثوير قضية المرأة ضد عملية اضطهادها في إطار نمط الإنتاج القائم الذي يضطهدها تعتبر مسألة مرفوضة من قبل الطبقات الحاكمة وبالتالي يتم اللجوء الى القمع والخداع. وهنا يمكن اعتبار الحركة النسوانية احدى هذه الأدوات التي تشجعها الحكومات للقيام بوظيفة تشويه الفكر البروليتاري ومنعه من ادراك حقيقة المسؤول الحقيقي عن اضطهاد النساء والذي هو ليس الا نمط الإنتاج الرأسمالي وخدامه من البرجوازية المهيمنة محليا ودوليا. فالحركة النسوانية تعمل على تغيير مضمون مختلف المهام الثورية النسائية الى مجرد فقاعات فارغة حيث حورت مطالب التحرر الاقتصادي والاجتماعي الى مجرد تحرر في اللباس والسلوكات الخارجية اليومية وخوصصة مختلف المرافق العمومية خاصة مجالات الصحة والتعلي، كما يتم تحويل انظار النساء العاملات من العدو الأساسي لحرياتهن وانعتاقهن وهم الرأسماليين والملاكين العقاريين الكبار والتجار نحو الرجل كنوع بيولوجي معادي بالفطرة لقضايا تحرر المرأة وانعتاقها.

ج – اضطهاد النساء في ظل نمط الإنتاج الرأسمالي:

إن المساواة بشكلها البرجوازي المشوه أصبحت في بلادنا في ظل حكومة الإسلاميين تعني أنه صار بإمكان الرأسمالي أن يدفع نصف الأجرة لعماله، لأن إعالة الأسرة ليست مسؤولية الرجل وحده. كما لم تؤدي المكاسب القانونية التي حققتها النساء في المغرب إلى تقليص حجم الاشغال المنزلية. وهناك امثلة صارخة حول استغلال الرأسماليين لعمل الأطفال وخاصة الفتيات منهم في عدة قطاعات اقتصادية كالنسيج والفلاحة وخادمات البيوت ... الخ لتقليص التكاليف. إن شعار "المكتسبات للنساء" لم يخدم في الواقع الا مصلحة الرأسماليين.

وقد رأينا كيف أنه منذ الأزمة الاقتصادية لسنة 2008 أصبحت الباطرونا لا تدفع للعمال والعاملات حتى الحد الأدنى الضروري لحاجياتهم، وإذا أصبح بالإمكان تقسيم هذا الحد الأدنى على ثلاثة أو أربعة أفراد من الأسرة، فإن هذا يعني أنه يمكن الحصول على ثلاثة أو أربعة أضعاف العمل مقابل نفس الأجر. ان هذا هو ما يعرف بالتراكم البدائي للرأسمال، كما يؤكد في المقابل تزايد اغتراب العاملات والعمال اتجاه ما تنتجه قوة عملهم من سلع تتحول الى رؤوس أموال تفرض بواسطتها الدولة البرجوازية المزيد من القمع والاضطهاد.

يقوم نمط الإنتاج الرأسمالي على عنصر الربح وهو الشيء المرتبط بدوره بالتوسيع المستمر للأسواق والمنافسة وتقليص التكاليف. وفي عالم محدود الأسواق يصبح فيه تخفيض التكاليف مهاجمة العاملات والعمال وضرب قدرتهم الشرائية، الشيء الذي يشكل تحديا عظيما. لكن لحسن حظ الطبقة السائدة، فإن جزءا من العمل العالمي يقدم مجانا ونعني به العمل المنزلي وتربية الأطفال. إن هذا العمل أصبح يشكل أهم عمل يتم القيام به، وأن تقسيمه على الأسر لإنجازه أصبح يشكل أكثر غرابة وأكثرها فاعلية ولا منطقية. سيكون من الأجدى أن يصبح ذلك العمل مهمة للمجتمع، إذ الكثير من الأشغال المنزلية يمكن أن تنجزها الآلات ولا يفترض إنجازها من طرف الانسان مطلقا.

لكن هذا المطلب يفترض استثمارات لا فائدة منها من وجهة نظر مجتمع تذهب ملايين الدولارات التي تنتجها الطبقة العاملة الى أرصدة أقلية من الطفيليات. إن تحويل أشغال البيت إلى مهام للمجتمع مدفوع أجرها غير ممكن في ظل الرأسمالية – كم تنفق الحكومة المغربية على رعاية الأطفال، وهل يمكن لهذه الحكومة أن تدخل يدها في جيوب الرأسماليين المغاربة عبر ضريبة على الثروة وتستخرج منها أمالا تدفع مقابل العمل البيتي الذي تقوم به النساء كل يوم مجانا. هذا هو حلم التحريفية البرجوازية الصغرى ومقترحاتها حول المساواة بين الجنسين والاعانات المالية للأسرة العاملة، لكن هذا لن يتحقق.

إن الماركسية اللينينية تعتبر أن المساواة بين الجنسين لن تتحقق الا عندما سيصبح لتمكان النساء المساهمة الكاملة في الإنتاج وتسيير المجتمع، وهذا لن يصبح ممكنا الا إذا تم القضاء على العبودية المنزلية وصارت أشغال البيت وتربية الأطفال عملا مدفوع الأجر وليس ملقى على عاتق امرأة منعزلة في أسرتها وبيتها. لكن تحول وضعية المرأة في المجتمع تحولا جذريا لن يتحقق الا إذا حدثت ثورة اجتماعية اشتراكية تغير جميع الشروط الاجتماعية والاسرة والبيت.

ثالثا: تحرر النساء في ظل سيرورة ثورة أكتوبر

ان إقرار يوم 8 مارس من كل سنة يوما نضاليا للمرأة العاملة جاء على اثر مقترح تقدمت به الرفيقة كلارا زيتكين خلال الندوة الأممية الثانية للمرأة الاشتراكية الذي انعقد بكوبنهاغن سنة 1910، بهدف تعبئة النساء للنضال ضد السيطرة البرجوازية. اذن فأصل 8 مارس هو أصل نضالي عمالي اشتراكي. وقد لعب هذا اليوم الدور الذي خصص له خلال ثورة فبراير 1917 الروسية، حيث خرجت النساء عاملات النسيج في اضراب. وسارت تظاهرة حاشدة من النساء في اتجاه مقر الدوما للمطالبة بالخبز. وقد وجهت هذه الشريحة من العاملات الأكثر اضطهادا وانسحاقا النداء الى أزواجهن واخوانهن للالتحاق بهن في يوم المرأة الأممي في 23 فبراير حسب التقويم القديم، حيث دخل اساجابة لهذا النداء 90.000 عامل في الاضراب. تزايد عدد المظربين في الأيام التي تلت ذلك، حيث طالبت الجماهير بالخبز ووقف الحرب وإسقاط القيصر والبوليس. فشكل ذلك بداية للثورة الروسية.

أولى المجموعات ذات التطلعات الاشتراكية قامت على مطلب المساواة، في بريطانيا خلال القرن السابع عشر، وسمت نفسها مجموعة المساويين. ويقوم هدف مجموعة المساوين "تسوية" الفرق الهائل في الثروة والملكية والمجتمع، بتخفيض مستوى عيش الأقلية الصغيرة المشكلة من الارستقراطية والطبقة البرجوازية الحديثة النشأة ورفع مستوى عيش الأغلبية إلى درجة لم يحلموا بها.

وقد أكد الرفيق لينين في خطابه بمناسبة اليوم العالمي للمرأة العاملة سنة 1920: "" إن الرأسمالية تزاوج بين المساواة الشكلية وبين اللامساواة الاقتصادية ومن ثم الاجتماعية".

فالمساواة التي بشرت بها الثورة البرجوازية الفرنسية، لم تكن سوى "مساواة" الشبعانين مع الجائعين، "مساواة" المالكين لوسائل الإنتاج مع غير المالكين، بينما لم يكن شعار الحرية يعني سوى الحرية في بيع عملك وأن يتم استغلالك من أجل تحقيق الربح. إن اللامساواة بين الرجل والمرأة هي أحد المظاهر الأكثر وضوحا للامساواة التي بني عليها المجتمع الطبقي والتي يعتمد عليها.

وقد تحققت في عهد ستالين الكثير من المكتسبات الهامة التي بشر بها الشيوعيون البلاشفة والتي لا يمكن نكرانها حتى من ألد أعداء ستالين. فقد أثار الاقتصاد المخطط للاتحاد السوفياتي وانتاجيته اعجاب الجميع، كما اندهش الكثيرون للتحسن الذي عرفته وضعية المرأة على وجه الخصوص. كما أن الوثيرة التي تراجعت بها هذه الوضعية منذ اغتيال ستالين بالسم سنة 1953 دليل آخر.

لقد تحول الاتحاد السوفياتي تحت قيادة ستالين من بلد متخلف شبه اقطاعي أمي سنة 1917، نجو يلد يمتلك اقتصادا حديثا ومتطورا، لديه ربع علماء العالم ونظام صحي وتعليمي يساوي أو يفوق أي نظام آخر في الغرب، وكان قادرا على إطلاق أول قمر صناعي وإرسال أول انسان إلى الفضاء.
وقد ضاعف الاتحاد السوفياتي انتاجه الداخلي الخام تسع مرات خلال خمسين سنة، كما أصبحت لديه ميزانية متوازنة بل حتى فائض صغير كل سنة. ولم توجد آنذاك أية حكومة غربية استطاعت تحقيق ذلك.

في ظل النظام القيصري كانت القوانين تسمح بل تشجع الرجل على ضرب زوجته. كانت النساء، من وجهة نظر القانون، مجرد إماء مهمتهن العمل البيتي وفي بعض المناطق القروية كانت النساء مجبرات على ارتداء الحجاب وممنوعات من تعلم القراءة والكتابة. لقد تبنت السوفييتات بشكل سريع سلسلة من القوانين التي تحقق للنساء المساواة، بما في ذلك الحق في الطلاق والإجهاض والحق في الأجرة عن عطلة الوضع، المساواة في الأجور. كما تم القضاء على مفهوم الأطفال غير الشرعيين.

إلا أن لينين أكد أن كل ذلك ليس كافيا. وفي سنة 1919 أعلن برنامج الحزب الشيوعي: « إن الحزب لا يحصر نفسه في المساواة القانونية للنساء مع الرجال، بل يناضل من أجل تحررهن من الأعباء المادية للعمل البيتي وتعويضه بالمساكن الشعبية والمطاعم الشعبية والمصابن العمومية ودور الحضانة الخ.

ولقد وفرت الحكومة السوفياتية منذ بدايتها الطعام المجاني في المدارس والحليب للأطفال ومساعدات خاصة من الغذاء واللباس للأطفال المحتاجين كما نظمت مراكز الاستشارة للحوامل ودور الحضانة. وبشكل غير متوقع تضاعف معدل احتمال الحياة عند النساء من 30 سنة في ظل النظام القيصري إلى 74 سنة في السبعينات، بفضل التحسن العظيم الذي عرفه النظام الصحي السوفياتي. وبحلول سنة 1971 كانت هناك مقاعد في روض الأطفال لأكثر من خمسة ملايين طفل و49% من طلاب التعليم العالي كن من النساء. البلدان الوحيدة الأخرى في العالم التي شكلت فيها نسبة النساء أكثر من 40% من إجمالي طلاب التعليم العالي كان هي فنلندا وفرنسا والولايات المتحدة.

تؤكد لنا المكتسبات التي تم تحقيقها في ظل النظام الاقتصادي السوفياتي المخطط لمحة عن عظمة الإمكانيات التي ستنفتح أمامنا في ظل نظام اشتراكي حقيقي، باقتصاد مخطط بشكل ديمقراطي، تقرر فيه النساء بشكل ديمقراطي ما هي الأولويات.. إن مساهمة النساء النشيطة في الإنتاج وتسيير المجتمع مسألة ملحة لبناء الاشتراكية.

وقد أكد لينين في هذا الاطار أنه "حيث لا يوجد ملاكون عقاريون ولا رأسماليون ولاتجار، وحيث تبني حكومة الشعب العامل حياة جديدة بدون مستغِلين، النساء والرجال متساوون أمام القانون. لكن هذا ليس كافيا (...) نحن نريد أن تصبح المرأة العاملة مساوية للرجل العامل ليس فقط أمام القانون بل في الواقع المُعاش. ولتحقيق هذا يجب أن تحتل المرأة مكانة أكبر في إدارة الشركات المؤممة وإدارة الدولة» (لينين: إلى المرأة العاملة 1920. عن تحرر النساء).

إن مسألة تحقيق النساء للمساواة مسألة جد هامة من وجهة نظر الماركسيين. وعلى حد تعبير لينين: « لن تتمكن البروليتاريا من تحقيق الحرية الكاملة إلا إذا حققت الحرية الكاملة للنساء».








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. مقتل شخص وجرح آخرين جراء قصف استهدف موقعا لقوات الحشد الشعبي


.. فايز الدويري: الهجوم رسالة إسرائيلية أنها تستطيع الوصول إلى




.. عبوة ناسفة تباغت آلية للاحتلال في مخيم نور شمس


.. صحيفة لوموند: نتيجة التصويت بمجلس الأمن تعكس حجم الدعم لإقام




.. جزر المالديف تمنع دخول الإسرائيليين احتجاجًا على العدوان على