الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


أخاف من طفولتي

مهدي محمود

2017 / 3 / 13
الثورات والانتفاضات الجماهيرية


تتلقفُ المدارس البعثيّة، ذاتِ الصبغة السوفيّتية، الأطفال في سورية، فتحولهم من براعم ناعمة، إلى وحوشٍ كاسرة، بطريقةٍ ممنهجةٍ، أشبه ما تكون بالقفزة الكبرى، التي اعتمدها ستالين عندما، حول الاتحاد السوفيّتي من دولة زراعيّة إلى دولة صناعيّة، مروراً على جماجم القروييّن الذين ماتوا جوعاً، فاستنسخَ حافظُ الأسد هذه القفزة العظيمة، لأطفال سوريّة، عن طريق تحويل سذاجتهم إلى تردي أخلاقي، في معسكر التسلسل البعثّي الهرمّي (مدارس البعث، طلائع البعث، شبيبة البعث، حزب البعث)، حيّثُ تُسخر جميعُ المنابر الإعلاميّة، والمنصات الثقافيّة والاجتماعيّة‘‘، لاستغلال واستحلال، سذاجة الأطفال، عبّر دمّجهم في طابور الهتيّفة والنتيّفة، ريثمّا يتعلموا الديمقراطيّة البعثيّة ‘‘التصفيق بالإجمّاع‘‘، لأيّ كلمة تصدر عن السيّد الرئيس بدون تباطؤٍ أو تواطؤٍ، وبهذا الانتهاك السافر، لبراءة الأطفال، ُتسفه أحلامهم وطموحاتهم، فيُصبح، مُجرد دُمّى تتحرك تِبعَاً لهوى قائد الوطن ‘‘القابضُ على فاشيّته، كالقابضِ على الجمر‘‘، لأنّهُ الموسيقارُ الوحيّد الذي يحقُ لهُ أنّ يضبط إيقاع الوطن بلحنّهِ وموسيقاه.
وبعد هذه الجُرعات الوطنيّة العاليّة، التي تلقاها الطُلاب، في حُبِّ السيد الرئيس، يتخرجُ الطالب من ‘‘اتحاد شبيبة الثورة‘‘، في المرحلة الإعدادية، وقد تعلمّ الانصياع التام للأوامر، عبر جرافات الوعيّ البعثيّة، وحفارات الوعيّ البعثيّة، التي تشقُ قنواتها في عقولٍ، قد تم إخصاءُها تماماً، وذلك بفضلِ مُدرّب التربيّة العسكريّة، الذي يُركب أرجوحة النظام ويُأكل من عنبّه وبلّحه، وعادةً ما يكون من الواصليّن المقربيّن، لأنّه فارسٌ من فرسان الاستنّارة البعثيّة، لذلك يُناطُ به، تنظيم خروج المسيرات الوطنيّة.
كالتنديد ‘‘بتقرير ميليس‘‘، الذي وجّهَ أصابع الاتهام للنظام السوري، بالضلّوع في اغتيال الشهيد رفيق الحريري، حيثُ كان يَطلب مدرس ‘‘الفتوّة‘‘، من الجميع، أنّ يسبُّوا ويشتُموا في السيناتور ميليس، حتى يبدو للعالم أنّ الجماهيّر الشعبيّة خرجت بشكل عفويّ، لتُعبر عن سخطها من هذا التقرير المُفتعّل، ولا أحدَ يستطيعُ أنّ يتحدث بموضوعيّة، أو يستشيطُ غضباً، والكلُ يتبع الحكمة الأمنيّة الشعبيّة القائلة: ‘‘إذا أردت أنّ تعيش فعليّك بالتطنيّش‘‘، هذه هي جمهوريّة الصمّت، التي لا تتنازل أبداً، عن سياسة تكميم الأفواه، حيثُ يبقى الأطفال، مشفوعيّن بتواصي الأهل، لا تتكلموا في السياسة أبداً، وإذا ذُكر السيّد الرئيس فصفقوا واقفاً، حتى لا تروا كوابيس مزعجة في عتمة الليّل.
إنَّ أسوءَ فيلم رُعب عشتُهُ في حياتيّ، تلك الطفولة المعذّبة المقهورة.
أشعرُ أنّ جميع أيام طفولتي كانت سماؤها ملبدةً بغيوم داكنة.
أشعر أنّ السماء في سوريا، لا تمطر غيّثاً، بل تمطر سيولاً، من الممنوعات والمحرمات، وأي مخالفة للمقدسات البعثيّة، ترى الوجوم يُخيم على وجوه ‘‘رجال الأمن‘‘، ليزيدها سواداً على سوادها، فمطلع مُحيّاهُم عابسون يجعل القلب فارغاً من الأفكار والخواطر، وبمجرد سؤال أو استفسار عن جدوى هذه الموافقة الأمنيّة: ينفجر بركان من الغضب، المفعم بالشتائم.
فالوجهُ الحقيقي لأيّ دولة البوليسيّة، هو رجال أمنِها، الذين لم نشعر يومًا بالألفة أو الترحاب، في مكاتبهم الإجباريّة، فالنظراتهم ترمقنّا بعدائيةٍ حربيّة، ومشاعر سلبيةٍ نافرةٍ، بيننّا وبينهم، والكل يتوجس منهم، الخيّفة والحذّر، لأنّهم يتمتعون، بطاقة كراهيّة عاليّة جداً، يقفُ علم الانثروبولوجيا ‘‘علم الإنسان‘‘، حائراً!، وهو يحاول فك شيفرة عقليّة هؤلاء الطُغّاة!، المُحمّليّن بالأفكار الوحشيّة؟،
فتجد عنصر الأمن، يتخلص من عُقدة عصمة دماء المواطنيّن سريعاً، فهو لا يتورع عن ضرب المتظاهرين، أو قتل المعتقلين، ودفنِهم في مقابر جماعيّة، إنها أحجية أشبه ما تكون بخيالِ الرسومِ المتحركة!، هكذا علمهم أُقنومهم الأكبر ‘‘حافظ الأسد‘‘، صاحب مجزرة حمّاة، الذي لم يُرى قطُ ضاحكاً مستبشراً، رغم أنّهم وضعوا له صورة، على العملة الورقيّة، عَلَّ ساديته، تَطمئنُ وتهدأ.

يؤرقني التفكير قبل نوم، في مستقبل أطفال سورية، وأتسأل!
يا تُرى ما الذي يفكر به طفلٌ، يخرج من تحت ركام الموت كل يوم؟! يا تُرى ما هي ردة فعل طفل، شاهد دبابةً أو طائرةً تقصف بيته وتقتل أباهُ وأخاه؟! إنّهم أطفال لم يعرفوا سوى ‘‘ الخوف والعنف والجوع واللجوء‘‘، ولا أدل على ذلك، من اقتلاع أظافر الأطفال في درعا، ‘‘شرارة الثورة‘‘، وصورة الطفل عمران دقنيش التي هزت الضمير العالمي، عندما تجسدت فيها الآلام، وتلخصت فيها معاناةِ أطفالٍ، يحبون أن يبقوا في أوطانهم، في ظل نظامٍ، يزدادُ غضباً وتعطشاً للدماء، بينّما الشعبُ يزدادوا رعباً وهلعاً، وتكاد تفيضُ روحهُ ألماً وحزناً، عندما يرى العذاب، ينصبُ انصباباً على رؤوس أطفالٍ، نهشها الجوع وعضها الفقر، والعالم الصامت، يُشاهد المجرمين القتلة، يتباهون بحملِ السلاح! وهم يضعّون رتب عسكرية! ويهللون شامتين ‘‘الأسد أو نحرق البلد‘‘!، هذا النكوص الاجتماعي، لا يُفسرهُ، إلا مفكرٌ بحجمِ، نيكولو ميكافيلّي، المتخصص بفهم ميتافيزيقيا علم الإجرام، عندما قال: ” الطريقة الأولى لتقييم حكمة الحاكم، هي النظر إلى الرجال المحيطين به‘‘.
كيف يُصبح ارتكاب الفجور والقتل عملاً مشروعاً ومقبولاً ومستساغاً أيضاً!، في حب هذا الوطن؟!، إنّه نظامٌ يمتهنُ الكذّب والمراوغة، من حيثُ أنّه يُنتج الفرضيّة ثمّ يثبتُها، عبر ممارسة لعبتهِ القديمة في القفزِ والتسلّقِ والتزلّج، على جميع الحبّال، فالمعاجم والقواميس، شحيح بالمرادفات، والمصطلحات عاجزة تماماً، عن توصيف حجم جريمة قتل الأطفال!
هذا هو النصر المبيّن الذي حققهُ الأسد الابن!، أنّ جعل الخوف دستور البلاد، وترويع الأطفال بالغازّات السامّة، لعبة مسليّة يقضي بها وقته، وموت الأطفال جوعاً، عيداً مجيداً لفاشيته.
فالأطفال قد قاسوا الرعب والتشرد، وسكنوا في مغارات الجبال، واستُخدموا كدروعٍ بشريّة، وكان الصديق الصدوق لهم، البكاء الذي أثلج صدورهم، بتنفيسه عنهم الهمّ والحزن، إنّهم قومٌ قد نُزعت مصطلحات ‘‘الدفء والأمن والأمان والسعادة‘‘، من قاموس حياتهم، حينما أكلوا من حشاش الأرض، في مخيم اليرموك، ولبسوا أكياس النايلون، في شتاء إدلب (سيبيريا ستالين الأسد التي ينفي إليها خصومه)، وكل ذلك كان يتم تحت سمع، ونظر مجلس الأمن، الذي اعتمد نظريّة دارون ‘‘البقاء للأقوى‘‘، فتركهم لمصيرهم، كي يموتوا بصمت.

وأخيراً. ألا يحقُ للآباء، أنّ يضمنّوا حياة سعيدة، لأبنائهم قبّل موتهم، وأي ضمّانٍ أو أمانٍ لمستقبل مولود، أول كابوسٍ يراهُ في حيّاته، مرضُ السحايّا وشللِ الأطفال، اللذّان يكونان سبباً من أسباب، اهمال المراكز الصحيّة، عبر اللقاحات الفاسدة، ثمَّ ما يلبثُ أنّ يُوضع، هذا الطفل في أيدٍ أمينة، ‘‘ معتقلات التعذيب البعثيّة‘‘، التي تُصيرهُ عَبداً وتُعيدهُ إلى ما قبل الثورة الفرنسيّة، لذلك قرر الكثير من الآباء، خوض غمار البحر الهائج في تركيا، لأنه آثروا سلامة أبناءهم، حذراً من أنّ يتجرعون طعم الألم المرير، ‘‘تحريف فطرتهم ‘‘، كما حُرِّفت الفطرة السليّمة لآبائهم، في بلد رهيب اسمه ‘‘سوريا الأسد‘‘.
الكاتب السوري: مهدي محمود













التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. سيارة تحاول دهس أحد المتظاهرين الإسرائيليين في تل أبيب


.. Read the Socialist issue 1271 - TUSC sixth biggest party in




.. إحباط كبير جداً من جانب اليمين المتطرف في -إسرائيل-، والجمهو


.. الشرطة تعتقل متظاهرين مؤيدين للفلسطينيين في جامعة كولومبيا




.. يرني ساندرز يدعو مناصريه لإعادة انتخاب الرئيس الأميركي لولاي