الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


المشكلة في الدين أم في طريقة قراءته

جعفر المظفر

2017 / 3 / 14
العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني


المشكلة في الدين أم في طريقة قراءته
جعفر المظفر
تطرح قضية الإرهاب الإسلاموي والفقه التكفيري سؤالين مازالا بحاجة إلى أجوبة مقنعة :
هل لدينا مشكلة مع الدين .. ؟
أم أن للدين مشكلة معنا .. ؟
الإجابات الدقيقة تعتمد على الأسئلة الدقيقة, ولكي تكون هناك إجابات بهذا المعنى سأوضح التالي: من قضية الحركات التكفيرية والمتطرفة والإرهابية هناك مدرستان, الأولى تعتبر هذه الحركات خارجة عن الإسلام الحقيقي, أما المدرسة الثانية فترى أن هذه الحركات لها علاقة جوهرية بالإسلام نفسه, فهي لم تأتِ من فراغ وإنما تأسست على ثقافة إسلامية مدعومة بالقرآن والسنة.
بكل تأكيد سؤالنا هذا لا ينطلق من ترف ثقافي وإنما سيأخذنا البحث عن حل شجاع لثقافة الإرهاب للتعامل مباشرة مع المقدس وثقافة النص ؟ والإرهاب الذي اقصده هنا لا ينحصر بعمليات القتل والذبح الذي تقوم به الحركات التكفيرية وإنما هو يمتد ليشمل القمع بكل اشكاله وفي المقدمة القمع الفكري.
لقد فعلها المعتزلة بالأمس حينما وجدوا أن توسع الدولة الإسلامية وتفاعلها مع حضارات أخرى وشيوع حركة الترجمة وتصاعد الإهتمام بقضايا الفكر والفلسفة وتأثير المواجهة مع ثقافات الأمم الأخرى, شعروا إنهم بحاجة إلى مدرسة جديدة من شأنها أن تضع الإسلام في مواجهة البحث الجدي عن الإجابات التي تخلقها المواجهات مع الآخر خارج مساحة الحوار الأخرس مع الذات.
ومع ذلك فإنهم وجدوا من يحاربهم بالسلاح نفسه .
على الجهة المقابلة لم يسقط السلفيون قيمة العقل ولكنهم أرادوه في خدمة النقل لتأكيد سموه, أي النقل, لا الإختلاف معه أوتفنيده عن طريق إخضاعه لظرف المتغير, وكل ذلك من أجل الحفاظ على الأصل والثابت المقدس. بهذا صرنا أمام مدرستين: المعتزلة وهم يضعون العقل قبل النقل والسلفيون الذين يضعون العقل في خدمة النقل, حيث يصير واجب العقل في هذه الأخيرة البحث عن كل ما يدعم المنقول بدلا من تصفيته عقليا وتطويعه بحيث يتقبل متغيرات الزمان والمكان.
الموقف من المعتزلة لم يأتِ بمعزل عن الإعتقاد أن أفكار هؤلاء ستتعارض سريعا مع المقدس الذين يحكمون بإسمه والمتفرع إلى منظومة من المقدسات التي لا تقف عند حدود قدسية الخالق لوحده. الواقع أن تلك هي إحدى المثالب الكبيرة التي وضعها رجال الدين بدلا من البحث عن حلول للمعضلات التي تجابه الدين كحالة طبيعية تسقطها المتغيرات على الثابت.. إن كثرة المقدسات تؤدي إلى تراجع وحتى إلى تهميش المقدس المركزي, أي الخالق نفسه, وهي في كثير من الأحوال تتحد لتشكل غيمة معتمة تمنع رؤية المقدس الكبير الذي يختفي خلفها.
أما الله فيصير في النهاية مجموعة المتحدثين بإسمه. ومن ألاعيبهم تحويل الدين إلى مجموعة أفكار معقدة يصعب فهمها دون جيش من المفسرين والهيئات الدينية الفقهية والتشريعية, وبهذا يفرخ الدين مؤسسات ورجالات سرعان ما تجعل الناس يعبدون الإله المخلوق لا الإله الخالق.
ما لدينا الآن في الحقيقة مجموعة من الآلهة, فرغم إدعاء المذاهب عبادتها نفس الإله, إلا أن صراعاتها العنيفة تصل في أحيان عدة إلى مستوى الحروب الدموية, وهي تعيش أفضل تقارباتها من خلال محاولات تجميد الصراع لا الوصول إلى صيغ مقنعة لحله, كما أنها تخوض تلك الصراعات تحت عناوين التكفير والردة غير معنية كثيرا برضاء الخالق لحسابه, وإنما لحسابها.
حاجتنا اليوم اشد من حاجة المعتزلة. لقد صرنا جزءا من عالم متداخل على بعضه, وقد ولملمته وسائل الإتصالات إلى بعضه, إضافة إلى ما خلقته الحركات التكفيرية والإرهابية من أوضاع شاذة أوجبت ان تكون لنا مواجهاتنا الذاتية مع أنفسنا اولا.
لقد أجاب المعتزلة على السؤال أعلاه بالجواب التالي : ليس لدينا مشكلة مع الدين نفسه وإنما مع طريقة تناوله ومع طريقة الإقتراب منه .. وصار الحل لديهم أن يقدموا العقل على النقل والتأويل على التفسير.
ما أظنه أنهم أرادوا بذلك حل مشكلة دينية بإسلوب سياسي. جزء من ذلك مرده إلى ضغط إيمان موروث لم يكن سهلا التخلي عنه, وآخر مبني على خوف من تهمة التكفير وما ينتج عنها من أضرار قد تبدأ بالموت ولا تنتهي به.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



التعليقات


1 - مشكلة المعتزلة مع الدين
رفيق التلمساني ( 2017 / 3 / 14 - 21:17 )
كتبتَ، سيد جعفر، (لقد أجاب المعتزلة على السؤال أعلاه بالجواب التالي : ليس لدينا مشكلة مع الدين نفسه وإنما مع طريقة تناوله ومع طريقة الإقتراب منه .. وصار الحل لديهم أن يقدموا العقل على النقل والتأويل على التفسير.)
واضح أن المعتزلة أدركوا، باكرا، الورطة التي أقحم فيها محمد أتباعه. ولهذا حاولوا إصلاح ما يمكن إصلاحه، ولو بالتحايل والعمل على التقليل من شأن التناقض بين النصوص.
المعتزلة فهموا فعلا أن المشكلة مع الدين، ولكن، كان يستحيل قول ذلك.
فالقول بتقديم العقل على النقل والتأويل على التفسير كاف وحده لكشف حقيقة موقفهم. فما جدوى تقديم العقل لو كان النقل واضحا في خدمة الحق والعدل، وما جدوى تقديم التأويل على التفسير، لو لم تكن نيتهم التحايل على النصوص اللامعقولة بظاهرها الخادم للجهل والباطل والظلم، والتخفيف من لا عقلانيتها، إن لم يكن من الممكن وضعها في خانة المنسوخ مثلا.
تحياتي


2 - حوار رهيب في غياب الحرية
رفيق التلمساني ( 2017 / 3 / 14 - 21:29 )
هذا نموذج من حوار الدين مع العقل:
دار حوار رهيب بين الفقيه الأوزاعي السني الناطق باسم الدين وبين المتكلم المعتزلي غيلان الدمشقي الناطق باسم العقل، (لكنه عقل مكبّل) في حضرة الخليفة الأموي:
قال الأوزاعي لغيلان: ((أسألك عن خمسٍ أو عن ثلاثٍ؟
فقال غيلان: بل عن ثلاثٍ
قال: هل علمتَ أنّ الله أعان على ما حَرَّم؟ ... وهل علمتَ أن اللهّ قَضى على ما نهى؟ .. وهل علمتَ أنّ الله حال دون ما أمر؟))
سكت غيلان لأن رده كان سيوقعه في الهلاك، لو حكم على الله بالعبث والتعسف.
فقال الأوزاعي للخليفة: ((هذا مرتاب من أهل الزَّيع. فأمر هشامُ بقَطع يده ورِجْله، ثم أُلقِي في الكُناسة)) قبل أن يأمر بقطع لسانه وضرب رأسه.
الرواية تقول أيضا ((ثم التفت هشام إلى الأوزاعيّ وقال له: قد قلتَ يا أبا عمرو فَفَسِّر؛ فقال: نعم، قَضى على ما نَهى عنه: نَهى آدم عن أكل الشجرة، وقضى عليه بأكلها؛ وحال دُون ما أَمر: أمر إبليس بالسُجود لآدم، وحال بينه وبين ذلك؛ وأعان على ما حرَّم: المَيْتة، وأعان المُضطر على أكلها)).
من الناحية الدينية المسنودة بالنصوص الصحيحة وحتى من الناحية المنطقية، فالأوزاعي هو الأقرب إلى فهم الدين.
خالص تحياتي

اخر الافلام

.. حكاية -المسجد الأم- الذي بناه مسلمون ومسيحيون عرب


.. مأزق العقل العربي الراهن




.. #shorts - 80- Al-baqarah


.. #shorts -72- Al-baqarah




.. #shorts - 74- Al-baqarah