الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


الوطنيّة ... جمع وتوحيد , أم عنصريّة وغريزة

الأسعد بنرحومة

2017 / 3 / 15
المجتمع المدني


ان السلوك الغريزي هو ذاك الذي يصدر من الانسان بناء على الادراك الغريزي بعكس السلوك الذي ينتج عن الادراك الفكري .والادراك الغريزي هو مجرد عملية استرجاع للاحساس السابق فقط لكنه ليس فكرا ,وهو يتعلق فقط بالاشباع .أما الادراك الفكري فهو عملية فكرية تحصل من خلال عملية انتقال حس الواقع الى الدماغ وعملية الربط بين المعلومات والواقع .وعملية الربط هي ما تميز التفكير.لذلك فان الفرق بين الادراك الغريزي والادراك الفكري يكمن في الربط وهو القدرة على الحكم على الأشياء بخلاف استرجاع الاحساس في التمييز الغريزي.والوطنية هي احساس غريزي موجود عند الحيوان كما هو عند الانسان اذ هو سلوك غريزي لا يحدده مفهوم لذلك كانت الرابطة الوطنية فاسدة وهي رابطة منحطة منخفظة لأنها غريزية.
وبما أن الوطنية هي رابطة غريزية ناتجة عن استرجاع الاحساس بالانتماء الى بقعة ما ,وبالتالي فهي تأتي عن طريق استرجاع هذا الاحساس الذي يسببه مظهر غريزي معين كالخوف ,فيندفع الانسان للتجمع مع غيره في بقعة محددة تجمعا قطيعيا كما يحصل عند الحيوان عندما يلتجئ الى عرينه أو عريشه أو جحره كلما شعر بالخوف وأحس بالخطر أو ضرورة الاحتماء.وهذه العملية أي استرجاع الاحساس لا يوجد فيها عملية ربط بمعنى لا يوجد فيها الحكم على الأشياء ما هي وكيف هي ولماذا هي؟:اذن:فالرابطة الوطنية لا وجود للعملية الفكرية فيها , ولا الادراك الفكري وبالتالي لا أثر لها حين بحث موضوع النهضة, أو حين الربط بين انسان وآخر. ولا أثر للرابطة الوطنية في علاقات الناس وفي معاملاتهم لأنها ليست فكرا .وبما أنها ناتجة عن الادراك الغريزي الموجود أيضا عند الحيوان فهي تجعل الأرض وحدودها هي وحدها التي تحدد من هو الصديق ومن هو العدو ,وبالتالي فهي تخلق الأعداء وتصنع النفور بين الانسان والانسان ولا تقرب بينهم رغم أن هذا الانسان ليس له خيار في الانتماء الى الوطن بل هو مجبر ومسلوب الارادة , اذ هو ولد فوجد نفسه على أرض لم يخترها , هو ومع ذلك جعلها أساس العلاقة مع غيره .وبما أن الرابطة الوطنية تتكون نتيجة التمييز الغريزي وهي ناتجة عن غريزة بقاء الذات فهي تحتاج الى الاثارة دائما حتى تستمر في الظهور , واثارتها يكون باثارة الخوف لدى مجموع الناس من خلال وجود التهديد الخارجي , ولهذا ومتى ضمرت مشاعر الوطنية لدى الناس وضعفت فان القائمين على شؤون البلاد وساستها وحكامها يعمدون لابقاء حالة الشعور الجماعي بالخوف وعدم الاطمئنان والاحساس بالتهديد قائما وذلك من خلال الترويج للاشاعات والمشاركة في بثها و تعمد الدولة التقصير في توفير الأمن للشعب , وفي البلاد الاسلامية ومنها تونس يتعمدون السماح لارتكاب الجرائم على الحدود وافتعال الفوضى وخلق الفتن لتكون مبررا لفرض حدود التقسيم وابعاد المسلمين عن الشعور بالوحدة ,ويظهر جليا ذلك على الحدود بين تونس وليبيا عند احتضان أهل تونس لأهل ليبيا وزوال مشاعر الوطنية واندثارها أمام الشعور بالوحدة والانتماء للأمة خلال عملية اسقاط القذافي .ففي البلاد الاسلامية تعتبر الوطنية مسقطة من الخارج وان شئت فقل منبتة لا أصل لها ,وهي نتيجة لفعل الغرب الكافر المستعمر في الأمة خلال القرن التاسع عشر والقرن العشرين .ونتيجة لجرائم الحكام المأجورين العملاء بعد الاستقلال الموهوم الذي نعيشه, فهؤلاء الحكام يسمحون بانتشار الجريمة المنظمة ويصنعون الجماعات المسلحة ويسمحون لأجهزة الاستخبارات الأجنبية أن تعيث فسادا في البلاد ثم يتخذون من هذه الجرائم والفتن والفوضى ذريعة لفرض الحدود واتخاذ اجراءات استثنائية تحمي تقسيم سايكس بيكو بعد اثارة مشاعر الوطنية لدى الناس فتظهر هذه الاجراءات وكأنها مطالب شعوب المنطقة, كما يتخذون هذه الجرائم حجة وذريعة للاستعانة بالغرب الكافر في فرض سياسات قمعية باسم "مكافحة الارهاب".وأخطر من ذلك أن تتخذ هذه الجرائم المفتعلة والمدبرة من أجل مزيد من التقسيم والتجزئة باسم"حماية الأقليات" و"حماية المدنيين".وهذه كلها أهداف للغرب الكافر في بلاد المسلمين في ظل مشروع الشرق الأوسط الكبير الاستعماري الذي تقوده أميركا باسم "الربيع العربي".كما أن الوطنية نفسها لا تستطيع حماية نفسها ,فالرابطة الوطنية تعجز حتى عن الاحتفاظ بحدود الوطن ,فهي نفسها تستعمل لمزيد من التقسيم والتقطيع في أوصال الوطن ودائما باسم "حق الشعوب في تقرير مصيرها" أو باسم"الحرب على الارهاب"كما حاصل اليوم في بلاد المسلمين ,وليس مثال تيمور الشرقية في اندونيسيا أو جنوب السودان في السودان ببعيد عنا , ولا مثال ما يحدث اليوم في كل من سوريا والعراق وليبيا واليمن وغيرها..فالابقاء على حالة الخوف وترهيب الشعوب وتحسيسهم بالخطر عن طريق افتعال الحروب وخلق الفتن وصناعة الارهاب هو وحده السبيل لايهام الناس بجدوى الرابطة الوطنية ,فهي رابطة منخفضة منحطة هدامة تفرق بين الناس ولا تظهر الا عند الحروب والاحساس بالخوف. وهي رابطة خطيرة ووجودها يهدد الانسان كانسان وأي انسان بغض النظر عن لونه ومعتقده ولغته لأنها تدفع لاثارة الحروب والتناحر وتمهد لصناعة القلاقل والاشاعات وتسمح بمزيد من التقسيم. وهي تقطيع لأوصال الشعوب والأمم .وتحت شعار "الوطنية" اليوم ترتكب أفضع الجرائم وتسفك الدماء وتشن الحروب باسم"مكافحة الارهاب" وهو الشعار الذي رفعته أميركا لاحتلال البلاد الاسلامية وتواطئ معها حكام المنطقة على غرار ما يحدث اليوم بعد خديعة الربيع العربي.لذلك من غباء الكثيرين القول"حب الوطن من الايمان" لأن الايمان لا يكون بفرض التقسيم الذي صنعه الغرب الكافر ,ولا يكون باعلان الحرب على مسلمين باسم "الوطن".








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. Amnesty Launches Annual Report on the State of Human Rights


.. وكالة -الأونروا- تنشر مشاهد للدمار في غزة في اليوم الـ 200 ل




.. بطلب من الأرجنتين.. الإنتربول يصدر نشرة حمراء لاعتقال وزير د


.. إسرائيل تستبق الاجتياح البري لرفح بإنشاء مناطق إنسانية لاستي




.. إسرائيل.. تزايد احتمال إصدار محكمة الجنايات الدولية مذكرات ا