الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


الر بيع العربي ... وبشاعة الاستعمار : تونس مثالا

الأسعد بنرحومة

2017 / 3 / 15
الثورات والانتفاضات الجماهيرية


بدأت القصّة من باريس في 22تموز يوليو2007 عندما نشر تقرير من باريس عن محاضرة للسفير الامريكي الاسبق في لبنان ريتشارد باركر قال فيها " ان الرئيس جورج بوش سيعمل خلال الفترة المتبقية من ولايته الرئاسية على وضع اسس ثابتة لمشاريع خرائط طرق لمنطقة الشرق الاوسط تنطلق من تطلعات القسم الاكبر من ممثلي الاقليات الدينية والمذهبية والعرقية التي تتمحور كلها حول ضرورة منح الحكم الذاتي لهذه الاقليات عبر اقامة انظمة حكم ديمقراطية فدرالية بديلة للاوطان والحكومات القائمة " ...وما يحدث اليوم من تونس مرورا عبر ليبيا واليمن ومصر والسودان ومالي الى سوريا ما هو الا تنفيذ على الارض لهذه الخطة عبر خديعة الربيع العربي او ما سمي "بالربيع العربي ..بل ان هذا المشروع وقع تبنيه قديما من الغرب الكافر بقيادة امريكا ,فمنذ 1983 وافق الكنغرس الامريكي بالاجماع في جلسة سرية على مشروع برنارد لويس الشهير الخاص بتفكيك المنطقة الحيوية من البلاد الاسلامية ومنها العراق وسوريا ولبنان ومصر والسودان وايران وتركيا وافغانستان الى دويلات عرقية ودينية ومذهبية وطائفية ,وقد كان هذا المشروع بتكليف من وزارة الدفاع الامريكية "البنتاغون".وفي 23-حزيران يونيو 2007 كان اول اجتماع سري يتعلق بالشرق الاوسط الجديد حين اجتمع كل من الملياردير جورج سوروس وهو الممول الرئيسي لشركات الاتصال والمعلومات "تويتر-غوغل-فايس بوك"مع برنارد لويس ورام ايمانويل الخبير الاعلامي في فنون الدعاية وجون بونر السياسي الامريكي ,واتفقوا على المرحلة القادمة لتقسيم الشرق الاوسط وتحقيق قوة وسيطرة امريكا على المنطقة .وكان الطريق لهذه السيطرة هو "الثورات الجماهيرية وخلق الازمات " ففي تقرير للمعهد الدولي لبحوث العولمة في واشنطن افاد ان وكالة المخابرات الامريكية والبنتاغون قاما باعداد مخططات لتغيير الانظمة الحاكمة بطرق غير تقليدية تبدا بتحريك مجموعات شبابية ترتبط بوسائل الكترونية تمارس الاضطرابات واساليب الكر والفر والتحرك المكثف مثل اسراب النحل وذلك بهدف خلق انظمة حكم موالية للولايات المتحدة تسهم في تنفيذ مخططات التقسيم ,وهو ما بدا فعلا من خلال ما عرف بالثورات الملونة في جوريا وثورة الارز في لبنان ثم ثورة الياسمين في تونس وثورة اللوتس في مصر .فالانظمة التي كانت هي موالية بل عميلة الى اميركا لكن تلك الانظمة قد انفضح امرها ولا يمكن للشعوب ان تقتنع باطروحاتها التي تريد اميركا تنفيذها ..فكان لا بد من "وهم الثورة".وحتى تستمر الخديعة بل ويقبل بها الناس تعمل اميركا عن طريق ادواتها وعملائها من حكام واحزاب ومنظمات واصحاب شركات واعلام رخيص وغير ذلك على خلق ازمات متتالية تشتت بها انتباه الناس وتلهيهم عن التغيير الحقيقي وتجعلهم يتعلقون بالجزئيات . فليس غريبا ان ترى اضطرابات النقابات المختلفة وتعليق العمل والاعتصامات والمسيرات والاحتجاجات بل هي اعمال مطلوبة ومرغوب فيها لانها تهمش القضايا الاساسية ,وليس غريبا ان ترى ارتفاع الاسعار واجحاف الضرائب وتكدس الاوساخ وتعطيل المصالح في المستشفيات والمدارس وغيرها ,بل ذلك يشجع لانها الهيات للناس عن القضية الرئيسية ,وليس غريبا ان ترى اشخاصا في المجلس التاسيسي مثلا وهم نواب ولكن تجدهم قد تدربوا وخلال سنوات في اميركا واوروبا وافغانستان والعراق ومروا عبر فريدوم هاوس وايباك وغيرها وهي وجوه كثيرة قد حفل بها المجلس التاسيسي وضمتها الاحزاب .وليس غريبا ان ترى الاقتتال الدامي في سوريا بين مختلف الفرقاء او في العراق او غيرها ..انها سياسة خلق الازمات او سياسة الفوضى الخلاقة الامريكية في بلاد المسلمين .مع ان كل هذا الذي ذكرناه ليس قضايا حقيقية للناس بل هي جزئيات تعمد الغرب الكافر صنعها ..ولكن القضية الوحيدة للناس هي الاسلام .. عقيدة روحية سياسية ,فكرة وطريقة ,دين ومنه الدولة . ..اما ما نراه من احداث فهو ليس بثورة ولا مباركة ولا مشروع تغيير , ولا نفحة من نفحات الله , ولا مشروع دولة ,انه ليس كل هذا ,انه فقط استعمار...استعمار...استعمار.. فاخجلوا من انفسكم.لقد طورت اميركا هذا النهج "الثورات الجماهيرية"وصاغته في نظرية تعامل استراتيجي تتيح لها ان لا تضطر الى اللجوء الى العمل العسكري المباشر الا مضطرة ,خاصة بعد التجربة العراقية فكانت الفوضى الخلاقة:وهي نظرية تستهدف استحداث حالة من فوضى في مواقع الصراع بين اطراف محلية تتيح للولايات المتحدة الامريكية ركوب موجة الفوضى هذه وتوجيهها لصالحها ,فكل ما يظهر للعيان هو مجرد مسرحية وهذه الاطراف ادواتها وهو لا يزيدون عن كونهم مهرجين ,فلا حوار وطني ,ولا راعي للحوار ,ولا بناء دستور من النواب, ولا ضغط من منظمات لتقنين بعض المطالب , وهو نفس الشيء في مصر ,لا استفتاء على الدستور ,ولا تنصيب للسيسي ولا شيء من ذلك , هم فقط يصنعون الفوضى ويثيرونها ويدعون للمشاركة فيها ,وينتهي دورهم عند ذلك ,اما من يعين الباقي ويركب هذه الاحداث فهي اميركا وليس غيرها ..وهي لتحقيق هذا الهدف تسخر مجموع آليات الامكانيات الامريكية المتفوقة تقنيا وثقافيا وسياسيا مستندة الى اكبر حجم من المعلومات عن مواقع واطراف الصراع المحلي ,فهي لم تعد محتاجة لارسال الجواسيس لانهم يصنعونهم من اهل البلد ويجعلونهم يوفرون كل ما يريدون من معلومات تحت عناوين براقة كمراكز الدراسات والابحاث ومكاتب التعاون الاقتصادي او الاستشارات السياسية ومراكز التوثيق ومكاتب الدعم الاعلامي والصحفي وتحت عناوين مضللة كالبحث عن الحقيقة وغير ذلك.اما ما يطرح لهذه الشعوب من الغرب الكافر كمطالب الحكم الرشيد والديمقراطية والعدالة الاجتماعية فهي مجرد الهيات وتضليل اذ هي علاوة على فسادها فهي تطرح بعد ان قيدت انظمتها بازمات باليات تعيد انتاج نفس الازمات السابقة من اقتصادية وسياسية .ايها الناس:ان الادوات الاستعمارية الجديدة التي تخدم الاستعمار هي هذه الاحزاب الكرطونية وهؤلاء الدجالون من الحكام الجدد الى جانب تقنية الاتصال الحديثة وقوى ابنائنا من الشباب ومع كل هذا المظلة الاعلامية ,وما المحزن حقا والمؤلم هو استغلال قوة شبابنا التي تتمتع بالبراءة والنبل والطهارة على صعيد الحركة الارادية ,ولكنه جرى مسبقا تحديد اتجاه حركة هذه القوة الشبابية موضوعيا بالفكر والثقافة الغربية من ليبرالية وديمقراطية.ان الجريمة الامريكية التي لن ننساها ,ولا يجب ان تنسى من ذاكرة الامة ان استراتيجية الفوضى الخلاقة لا تطلب من قوة الشباب هذه سوى ايصال المجتمع الى حالة الانتفاضة وخلق مواجهة شعبية مع النظام في حين تتولى قوى الاستعمار استكمال المشروع اعتمادا على الغفلة السياسية الموجودة وعمالة من باعوا انفسهم لاميركا وضللوا هذه الامة.والناس ورغم كل هذا قادرون على التغيير,وقادرون على بناء دولة لامة ,وقادرون على ضرب اميركا بل قادرون على هزيمتها ,بل نحن قادرون على اسقاط اميركا وهزيمتها دون طلقة قذيفة واحدة منا ,فقط يمكن هزيمة اميركا بالاعمال السياسية فهي اوهن من بيت العنكبوت .
2-غياب الحلول وفساد الرعاية:
لم تمض ثلاث سنوات على ما أسموه بالربيع العربي حتى عاد الحديث مجددا عن مختلف الأزمات التي تعاني منها البلاد سواء على المستوى السياسي أو الاقتصادي أو الثقافي أو الاداري أو غيره. وأصبح البلاد بل وجميع البلدان التي مر بها الربيع الخديعة تعيش بمجموعها أسوأ الأوضاع .ورغم الأرقام الهائلة لحجم القروض المسندة من دوائر الاستعمار المالية الا أن الأزمة تزداد عمقا على جميع المستويات.فمن الحكم وغياب الرؤية الصحيحة للأساس الذي يجب اأن ينبثق عنه نظام الحكم وكل ما يتعلق به من القواعد والأجهزة والمحاسبة ,الى عجز الدولة عن توفير النفقات المالية المستحقة والعجز عن ايجاد موارد غير الاقتراض ,وما ترتب عن ذلك من استنزاف لمقدرات البلاد من مختلف الدوائر الاستعمارية في مقابل استمرار ضخهم للسيولة عبر آلية القروض وما يتبع ذلك من املاء لشروط مجحفة مذلة على البلاد مثل الخوصصة وفتح مجالات الاستثمار الاجنبي ورفع الدعم عن المواد الأساسية وفرض رؤية خارجية تتعلق باصلاح المنظومات القضائية والادارية والسياسية وغيرها.
ومع كل ما ذكرناه ,تمر البلاد بحالة غير اعتيادية من عزوف الناس عن العمل وما صاحب ذلك من تسيب اداري في مختلف الادارات سواء العامة أو الخاصة حتى كادت تتوقف عجلة الانتاج ولولا استمرار عملية التداين والاقتراض لعجزت الدولة حتى عن خلاص أجور الموظفين.رغم ما لهذا الاقتراض من خطر يهدد كيان الأمة بمجموعها وليس تونس فقط. فهذا النظام المطبق حاليا لا يختلف أبدا عما كان مطبقا من قبل ولكن حكام اليوم يباشرون تطبيقه باللف والدوران والتضليل بعد أن كان ينفذ بالغلبة والقهر ,وفي الحالتين هو يطبق تنفيذا لوجهة نظر المستعمر من فرض السياسة التي يريدها حتى يبقى العالم الاسلامي تحت سيطرته ونفوذه وهيمنته ,وحتى تربط الولايات المتحدة الأمريكية ومثيلاتها من دول الاستعمار البلاد بعجلتها فتبقيها سوقا لبضاعتها وأطماعها .
ان ما تمر به البلاد اليوم هو كارثة حقيقية سواء على المستوى السياسي أو الاقتصادي ,وسبب هذه الكارثة هو النظام الرأسمالي القائم على عقيدة فصل الدين عن الحياة وعلى فكرة الديمقراطية والحرية .وحتى نقف على خطورة هذا النظام لفساد عقيدته ومناقضتها للعقل ومخالفتها للفطرة وتهديده لذات الانسان ونوعه فسنأخذ الوضع الاقتصادي العام في البلاد وكيفية معالجته للخروج من الأزمة حسب وجهة النظر في فلسفة الفكرة الرأسمالية.
منذ مدة تجتاح البلاد موجة عن الاصلاح الاقتصادي بالتزامن مع رفع عديد الشعارات كاصلاح المنظومة الجبائية ,وانقاذ المؤسسات المهددة بالافلاس ,وتشجيع الاستثمار الأجنبي وتنقيح مجلة الطاقة والمناجم وغيرها ..وكان من بين الحلول والمعالجات المطروحة خوصصة المؤسسات وزيادة دعم وتشجيع الاستثمار ورفع الدعم عن المواد الأساسية والعمل على وضع تخطيط اقتصادي يؤدي لزيادة الانتاج وزيادة الدخل الأهلي .
الخصخصة في النظام الرأسمالي وفسادها:
وبالتدقيق فيما يطرح من حلول ومعالجات يرى أنها ليست نتيجة احساس طبيعي بضرورة معالجة مختلف هذه القضايا بقدر ما هو توجيه متعمد من الدول الراسمالية الكبرى بقيادة الولايات المتحدة الأمريكية .فالدعوة للخصخصة مثلا ليست بسبب عملية افلاس بل هي استجابة لشروط المؤسسات المالية الاستعمارية من صندوق النقد الدولي والبنك الدولي ومختلف المؤسسات المالية الأوروبية,كما أن انقاذ أي شركة أو مؤسسة ليس بالضرورة من خلال خصخصتها بل قد يؤدي ذلك الى انعكاسات أخطر على البلد والمجتمع كتسريح العمال في شكل موجات لا يقدر سوق الشغل على امتصاصها أو الضغط على تكاليف الانتاج الى حد يضر بالجودة ويؤثر على المجتمع .هذا من حيث كون الخصخصة ليست حلا جذريا لايقاف عملية الافلاس بقدر ماهو تنفيذ لما يطلب من المستعمر .
أما من حيث فساد فكرة الخصخصة كمعالجة لأزمة أو لمشكلة معينة ,فمن خلال ادراك مناطها يتبين أن النظام الرأسمالي لم يفرق بين ملكية الدولة والملكية العامة ,فالدولة في النظام الرأسمالي تملك ما هو داخل في الملكية العامة وتشارك الأفراد وتنافسهم في الصناعة والتجارة والزراعة ,فهي تملك المصانع وتقوم بالتجارة والزراعة من غير تفريق بين ما يجوز لها أن تملكه وما لا يجوز ,فالدولة تملك مناجم المعادن والفسفاط وآبار البترول والغاز وكذلك الأنهار والبحار والغابات ,وتحمي الأرض الموات أو غير المملوكة وتتصرف فيها بيعا وتأجيرا ,وتمنع الأفراد من الانتفاع بشيء منها الا بمقابل ,فمفهوم القطاع العام في النظام الرأسمالي ليس هو الملكية العامة في الاسلام,بل ان
مفهوم القطاع العام في هذا النظام يعني ما تملكه الدولة في النظام الحر .فالنظرة المعاصرة المنبثقة عن النظام الرأسمالي تقسم أملاك الدولة الى نوعين هما:
اولا:ملك عام ,ويراد به ممتلكات الدولة المعدة للاستعمال العام ولخدمة المرافق العامة مثل الطرق والجسور وأبنية الوزارات وغيرها من مصالح الدولة المختلفة ,وتملك الدولة هذه الأشياء ملكية عامة لا يقصد منها الحصول على ايراد للخزينة العامة وهذا النوع هو المراد عند اطلاق الملكية العامة.
ثانيا:ملك خاص ويراد به ممتلكات الدولة المعدة للاستعمال العام من قبيل الأراضي الزراعية والمشروعات التجارية والصناعية وغيرها من الأشياء التي تملكها الدولة ملكية خاصة ,وهذه الأشياء تستعملها الدولة استعمال الأفراد لأملاكهم الخاصة ,وهذا النوع هو المراد عند اطلاق ملكية الدولة.
أما في الاسلام ,فقد فرق الشارع بين الملكية الفردية والملكية العامة وملكية الدولة .فالملكية العامة هي اذن الشارع للجماعة بالاشتراك في الانتفاع بالعين ,وتكون في الأعيان التي نص الشارع على أنها للجماعة مشتركةبينهم,ومنع من أن يحوزها الفرد وحده.وتتحقق الملكية العامة في ثلاثة أنواع وهي:
1-ماهو من مرافق الجماعة بحيث اذا لم تتوفر لبلدة أو جماعة تفرقوا في طلبها
2-المعادن التي لا تنقطع
3-الأشياء التي طبيعة تكوينها تمنع اختصاص الفرد بحيازتها.
أما ما هو من مرافق الجماعة فهو كل شيء يعتبر من مرافق الناس عموما ,وقد بينها الرسول صلى الله عليه وسلم في الحديث من حيث صفتها لا من حيث عددها "المسلمون شركاء في ثلاث في الماء والكلأ والنار"وعن أبي هريرة عن النبي أنه قال"لا يمنع الماء والكلأ والنار "
وأما المعادن وهو القسم غير المحدود بالمقدار أو الذي لا ينفد ,وهو من الملكية العامة ولا يملك فرديا أبدا لا للأفراد ولا للشركات وذلك كآبار النفط والغاز ومناجم الفسفاط والحديد والملح وغيرها ,ودليل ذلك ما ورد عن أبيض ابن حمال أنه استقطع رسول الله صلى الله عليه وسلم الملح بمأرب ,فلما ولى قيل:يارسول الله أتدري ما أقطعته ؟انما أقطعته الماء العد ,قال فرجعه منه"
وأما الأشياء التي طبيعة تكوينها تمنع اختصاص الفرد بحيازتها ,وهي الأعيان التي تشتمل على المنافع العامة ,وهي وان كانت من مرافق الجماعة لكنها تختلف عنها من حيث أن طبيعتها أنه لا يتأتى فيها أن يملكها الفرد كالطريق والنهر والبحر والبحيرة والخلجان والمضايق ,كما يشمل المساجد ومدارس الدولة والمستشفيات والملاعب والملاجئ ونحوها.
وبهذا المفهوم للملكية العامة في الاسلام هل يجوز شرعا خصخصة هذه الملكية بأحد أشكال الخصخصة والتي تنحصر في ثلاثة أشكال وهي:بيع أصول المنشأة ,أو تأجير المنشأة للقطاع الخاص,أو ادارة المنشأة من قبل القطاع الخاص مقابل أجرة أو حق من الانتاج.
أما بيع أصول الأشياء وهو أهم أشكال الخصخصة فانه لا يجوز لدولة أن تعطي أصله لأحد وان كان لها أن تبيح للناس أن يأخذوا منه بناء على تدبير يمكنهم جميعا من الانتفاع به .فيحرم على الدولة تمليك الأفراد ما هو من مرافق الجماعة وضابط هذا النوع هو كل شيء اذا لم يتوفر للجماعة أيا كانت الجماعة تفرقت في طلبه كمنابع المياه والأحراش والمراعي وكذلك أبار النفط والغاز ومناجم الفسفاط والحديد والملح واليورانيوم وغيرها .ومن الأدلة على حرمة بيع الأصول العامة أو تمليكها أو تأجيرها للأفراد أو الشركات الخاصة ما ورد عن ابن عباس رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال"المسلمون شركاء في ثلاث الماء والكلأ والنار " أو ما ورد عن انتزاع الرسول صلى الله عليه وسلم ما قطعه من الملح العد فيما ورد عن ابيض بن حمال . وكذلك ما ورد عن الرسول صلى الله عليه وسلم من أنه قال"لا حمى الا لله ورسوله"أي أنه يجوز للدولة أن تحمي من الأرض الموات ومما هو داخل في الملكية العامة لأية مصلحة تراها من مصالح المسلمين ,على شرط أن يكون ذلك على وجه لا يلحق الضرر بأحد ,ومن هنا جاء منع الدولة من أن تملك أحدا شيءا مما هو داخل في الملكية العامة تمليكا يمنع به غيره من الانتفاع به.
أما الدولة نفسها فيجوز لها أن تختص بشيء من الأرض الموات ومما هو داخل في الملكية العامة لمصلحة من مصالح المسلمين ,والدليل على ذلك ما رواه ابن عمر قال "حمى النبي صلى الله عليه وسلم النقيع لخيل المسلمين"
وبعد هذا العرض ,فانه يحرم على الدولة أن تجعل الملكية العامة ومما هو داخل فيها ملكية فردية لأنه ملك لجميع الناس تديره الدولة لمصلحة الجماعة ,كما يحرم عليها أن تحول الملكية الفردية الى ملكية عامة لأن الملكية العامة ثابتة في طبيعة المال وصفته لا برأي الدولة ,ودليل ذلك قول النبي صلى الله عليه وسلم "لا يحل مال امرئ مسلم الا بطيب نفسه" وهذا عام يشمل كل انسان ,فيحرم أخذ مال أي فرد من الناس مسلما كان أم ذميا الا بسبب مشروع,ولذلكيحرم على الدولة أن تأخذ مال فرد من الأفراد وتجعله ملكا للدولة بحجة المصلحة أو أن تأخذ ملكية عامة بحجة مصلحة الأمة,لأن الحديث حرم ذلك ,فالمصلحة لا تجعله حلالا ,اذ حله يحتاج الى دليل شرعي .
وأما المصانع ,فينظر,فان كانت تضع المواد المستخرجة من الملكية العامة فهي تأخذ حكم ما تضع ,لأن المصنع يأخذ حكم المادة التي يصنعها ,وهذا الحكم مأخوذ من القاعدة"أن المصنع يأخذ حكم ما ينتج ",وعلى هذا الأساس فان كانت المواد الداخلة من الملكية العامة كمصانع استخراج النفط والحديد والفسفاط والغاز وغيرها فانها تكون ملكا عاما ولا يدخل في الملكية الفردية ولا في ملكية الدولة ,كما لا يجوز للدولة أن تملكه فرديا.
والخصخصة التي ينادي بها أصحاب النظام الرأسمالي لم تكتف بالدعوة لخصخصة القسم الثاني من أموال الملكية العامة وهي المعادن أو ما كان من مرافق الجماعة بل ايضا دعوتهم تطال قطاع الصحة والتعليم والأمن وشق الطرق ,وامتد ذلك الى حوانيت الشوارع والطرقات حيث وقع تأجيرها الى شركات تؤجر مواقف السيارات.
وما يحدث في النظام الرأسمالي من أزمات متلاحقة ومتواترة هو أمر طبيعي ومنتظر ,لأن هذا النظام لا يوافق فطرة الانسان ولا يقتضيه العقل البشري فترتب عليه كل هذا الشقاء وهذه المأساة,ولا أدل على فساده تلك الكتابات الكثيرة حول سلبيات الخصخصة وشرها على الفرد والمجتمع والدولة ,أما في بلداننا فقد انصاع هؤلاء الحكام ومن تضبعوا بثقافة الغرب الكافر لضغط البنك الدولي وصندوق النقد الدولي بعد أن أوقعت هذه المؤسسات دول العالم الثالث في شراك القروض وجدولتها مما أثقلت كاهل هذه الدول وشعوبها بالديون ,وعندما عجزت عن الايفاء بالتزاماتها فرضت عليها هذه المؤسسات المالية الاستعمارية برامج اقتصادية محددة لا تؤدي الا الى تفقير البلاد وافلاسها ,ومن هذه البرامج المفروضة الخصخصة.
فلا يصح على الناس اليوم الانخداع بتزيين مفهوم الخصخصة الذي تتبناه المؤسسات الاستعمارية الغربية الكافرة كوسيلة لاحكام السيطرة على اقتصاد العالم وذلك بشراء ما يسميه بالقطاع العام من قبل هذا المستعمر وشركاته العملاقة ,وما يترتب على هذا الشراء من رهن البلاد وتمليكها لهذه الشركات ,وهو ما يحول أهل البلد الى مجرد أجراء وعبيد في بلادهم لهذه الشركات .
فالخصخصة مفهوم من مفاهيم الاستعمار الكافر ,وهو منبثق عن عقيدته فصل الدين عن الحياة التي تخالف العقيدة الاسلامية ,عقيدة الأمة ,ولذلك فزيادة على فساد عملية الخصخصة كمعالجة لافلاس الشركات ,فانه مفهوم غربي ناتج عن حضارة غربية هي غير حضارتنا وبناء عليه فانه يحرم على المسلمين تبني مفهوم الخصخصة .
القروض الأجنبية طريق للاستعمار
صرح محافظ البنك المركزي الشاذلي العياري بتونس بخصوص المفاوضات الجارية مع صندوق النقد الولي والمتعلقة بالقرض التكميلي بقيمة 2,7 مليار دولار صرحا قائلا :" ان هذا القرض لا يمثل تهديدا للسيادة الوطنية ..وقال : لم يفرض الصندوق شروطه علينا .." هذا الكلام لا يقوله الا ساذج او كتواطئ عميل .فلطالما عانت الامة الاسلامية من بلاء هذه القروض الخارجية وويلاتها فقد كان طريقا للاستعمار وما استعمرت بريطانيا مصر او فرنسا تونس الا عن طريق الديون . فقضية القروض الاجنبية خطرها جسيم وقديم منذ توالي القروض على مصر سنة 1864م وعلى تونس سنة 1850م وقبلها .فعندما ذهب الباي للاستدانة من اوروبا وفي سبع سنوات فقط ارتفع الدين الى 150مليون فرنك فكانت حجة لاوروبا للضغط على الباي فاصدر مرسوما سنة 1870م بتشكيل لجنة من فرنسيين وانجليز وطليان تتدخل في شؤون البلاد ثم استعمروا البلاد عسكريا .
اما الطريقة الخبيثة التي تعطى بها الدول والبنوك هذه القروض فهي اشد بشاعة اذ تقوم على سياسة متعمدة لافقار البلد ونهب خيراته وذهاب الدين في مشاريع غير ذي جدوى .اذ تقوم سياسة الدول في اعطاء القروض حاليا على ارسال الخبراء للاحاطة باسرار البلاد الاقتصادية ثم بعد ذلك يحددون المشاريع التي تنفق عليها القروض بما يؤدي الى ارتباك الدولة .فهم يحددون الطريقة التي يحصل بها الارتباك والفقر بفرض مشاريع معينة وشروط معينة تؤدي الى الفقر الموصل الى بسط نفوذهم وهيمنتهم .
وحتى لا نذهب بعيدا فان العديد من الامريكيين انفسهم يصرحون ان قروضهم سببت الفقر للبلدان .ففي 12-يوليو -1962 قال القاضي " وليام دوغلاس " احد قضاة المحكمة العليا الامريكية خطابا في اجتماع ماسوني في سياتل قال فيه " ان هناك دول كثيرة ازدادت حالتها سوءا نتيجة لتلقيها مساعدات امريكية ". لذلك فمن التضليل السياسي الخطير القول بنجاعة القروض المخففة او المساعدات الخارجية .لان هذه الدول لا تعطي مساعدات لوجه الله او حبا فينا .بل هي سلاح سياسي في يدها تفرض به سياستها وفلسفة نظامها علينا وهذا ما يصرح به الاعداء انفسهم ولكن لا معتبر ..فهؤلاء الحكام وهؤلاء الاقتصاديون هم شركاء في هذه الجريمة بحق امتهم .
في 1963م نشرت لجنة الجنرال كلاي تقريرها الذي قدمته للرئيس كندي ومما جاء فيه ان الهدف من اعطاء المساعدات والمقياس الذي تعطى على اساسه هو امن الولايات المتحدة القومي وامن وسلامة العالم الحر .
فلماذا يصر هؤلاء في بلادنا على المواصلة في سياسة الاقتراض من اعدائنا ان لم يكونوا خدما لهم ؟
اما اذا افترضنا حسن النية وقلنا ان هذه القروض تصرف للمشاريع الانتاجية فان اخذ هذه القروض من حيث هو خطر على البلاد وخطر جلل .ذلك انها اي القروض تكون اما قصير الاجل او بعيدة الاجل :
اما القروض قصيرة الاجل فان المقصود منها هو ضرب عملات البلاد لايجاد الاضطراب فيها لانه حين ياتي وقت السداد لا يقبل سدادها بعملة البلاد بل بالدولار او اليورو وكلاهما من العملة الصعبة وقد تعجز البلاد عن التسديد اما لندرتها او لقلتها او لانها في حاجة لشراء ضروريات اخرى فتضطر لشراء هذه العملات باسعار عالية بالنسبة لعملتها وذلك يضرب عملات البلاد فتهبط قيمتها في السوق فتضطر حينها لان تلتجئ الى صندوق النقد الدولي فيتحكم في عملاتها حسب السياسة التي تراها امركا .
واما القروض طويلة المدى فانها توضع لآجال طويلة عن قصد وليس حبا او رفقا بل ويتساهل عند استحقاقها حتى تتراكم وتصبح مبالغ ضخمة يضطرب بسببها الميزان التجاري وتعجز البلاد عن تستيدها نقدا او ذهبا او اموالا منقولة فتضطر لتسديدها بدفع اموال غير منقولة من عقارات واراض ومصانع وهذا تمليك للدولة الدائنة املاكا غير منقولة في البلاد وتصبح لها مصالح تكون مبررا للتدخل او بسط النفوذ هذا اذا لم تتخذ وسيلة للاستعمار والاحتلال .
هذا من ناحية وصف الواقع .
اما من الناحية الشرعية وهي التي تهمنا لاننا مسلمون فهو ان هذه القروض لا تؤخذ الا بالربا والربا حرام ومن شدة التاكيد على الحرمة فهو كمن يحارب الله والرسول فتكون هذه القروض حراما .
وهكذا نظرا لكون هذه القروض ينجر عنها اخطار ويترتب عليها سيادة الكافر المستعمر على البلاد والعباد ولكون الربا حراما فانه لا يصح ابدا اخذ هذه القروض ولا يصح تمويل المشاريع بها ولو كانت مشاريع انتاجية .
اما المديونية القديمة التي اصبحت على عاتقنا فالاصل فيها انها حرام مارسه طرفان : الاول وهم الحكام الذين تسلطوا على رقاب المسلمين واستعملوا هذه الاموال في مآربهم ومصالحهم .والثاني هو الجهة الدائنة التي تفعل ذلك عمدا لتفقير الشعوب والبلاد .والطرفان مشاركان في الجريمة .
المديونية وفضاعة الاستعمار:
من بين عمليات التضليل والخداع التي يمارسها الحكام على شعوبهم هو الادعاء بضرورة التوجه نحو الاقتراض من أجل معالجة موضوع التنمية ,فالمديونية بالنسبة اليهم ومن ساندهم ضرورة ملحة لخلق الثروة ودعم الانتاج .
وهذا الكلام لا يندرج الا في سياق واحد وهو خدمة الاستعمار ومساعدة في تثبيته وتأبيده في البلاد ’واعطائه الذريعة للهيمنة ونهب الثروات وبسط النفوذ ’بل هو تمكين للمستعمر الكافر من التدخل المباشر في شؤون البلد لافلاسها وتفقيرها وذلك من خلال فرض سياسات اقتصادية ومالية فاشلة وذلك بتسخير هؤلاء الحكام العملاء وبقية أدواته من جمعيات ومنظمات وأحزاب واختصاصيين لا يرون العالم الا من خلال زاوية الغرب في فهم الحياة وهي عقيدة فصل الدين عن الحياة وعن الدولة والمجتمع .
وعبر اغراق البلاد في ديون متراكمة يرتفع معها فائض خدمة الدين تعجز الدولة عن الايفاء بوعودها تجاه المؤسسات المالية المقرضة ’وكل ما تقدر عليه حينها هو المطالبة بجدولة ديونها وأخذ قروض جديدة لدفع فائض الدين ..وهكذا..
والواقع أن جميع الدول التي وقعت في فخ المديونية لم يتحسن حالها عن وضعها الأول قبل استيلام أول قرض ’بل هي ازدادت سوءا عما كانت عليه’ فالمديونية ترتفع من سنة لأخرى والبطالة تزيد ولا تنقص ومواطن الشغل تقل وارتفاع الأسعار أصبح في مستويات قياسية ’وأموال القروض انفق جزء منها في مشاريع وهمية لا مردودية لها اذ هي عقيمة ابتداء ’والجزء الأكبر من القرض عاد الى بنوك الغرب عن طريق الرشوة والسرقة والتهريب الذي يقوم به الحكام والوسطاء والخبراء..ولا فرق في ذلك بين دولة وأخرى..
فتونس مثلا ومنذ سنوات وعقود وهي تواصل تسديد خدمة الدين الذي يزداد عبؤه باستمرار ’فهو مازال يرتفع رغم كمية الأموال وكثرتها التي تم ارجاعها .
ففي 2006 بلغ اجمالي دين تونس 57,8 مليار دينار وهو ما يمثل 140% من الناتج الداخلي الخام ’ونسبة الدين الداخلي63,1% والدين الخارجي 36,9%.
أما اجمالي الدين الخارجي فيتجاوز 24 مليار دينار حتى سنة 2006 أي نسبة تداين تساوي 58,5%من الناتج الداخلي الخام مقابل 57,9%سنة 1986م.
وبقراءة سريعة نجد أنه من 1986 الى 2006 تضاعف كل من الناتج الداخلي الخام بالأسعار الجارية وقائم الدين حوالي 6 مرات حيث ارتفع الناتج الداخلي الخام من 7,2مليار دينار الى 41,1مليار دينار ’فيما ارتفع قائم الدين من 4,2مليار دينار الى 24,1مليار دينار.
وتطور اجمالي الدين الخارجي لتونس من 1260مليون دينار في 1980 الى 19728مليون دينار سنة 2007م.
وبالمقابل تطور خدمة الدين من 171مليون دينار في 1980م الى 3296مليون دينار سنة 2007م’كما أن الأسواق المالية المانحة دعمت حصتها بارتفاع نسبة خدمة الدين من 4,7%سنة 1997م الى 31,2%سنة2006م.
ورغم ارتفاع نسق حجم الديون بصفة مستمرة نحو بلادنا الا أن المشاكل الاقتصادية مازالت كما هي بل زادت سوءا وتعقيدا وخاصة أن المؤسسات المانحة أصبحت ترفع في مطالب شروطها مقابل الاستمرار في الاقراض كما يفعل صندوق النقد الدولي والبنك الدولي وهما أهم أدوات عند الولايات المتحدة الأمريكية من أجل الاستعمار.فهما لا يزالان يطالبان الحكومات بعدة مطالب لا تؤدي الا للافلاس والفقر والفوضى وحتى الحروب ومن هذه المطالب:الخصخصةورفع الاسعار ورفع الدعم وتأهيل المؤسسات وغير ذلك..
ولمزيد ادراك خطورة السير في الاقتراض الأجنبي وحقيقة هذا المسار المفروض من المستعمر الكافر ’فان مجموع ما تحصلت عليه تونس من القروض المتوسطة وطويلة الأمد من 1986الى2006بلغ32,4مليار دينار ’في حين بلغ حجم الأموال التي دفعتها البلاد خدمة للدين في نفس الفترة 36,2مليار دينار أي بنسبة حاصل سلبي قيمتها 3,8مليار دينار وهو قيمة اجمالي الدين الأول الذي تسلمته تونس في1986.
وبعد هذا العرض ’نجد أن تونس وهي مثالا أخذناه وينطبق على جميع البلدان التي أقحمها حكامها في سياسة الاقتراض الأجنبي بطلب من المستعمر نفسه ’نجد أن تونس تدفع وباستمرار أكثر من حجم ما أخذته من أموال تحت عنوان "خدمة الدين"مما يعني أنها أصبحت ممولا أساسيا للمؤسسات المالية الدولية ’أي أن الدولة ومنذ عقود تبرم مع هذه المؤسسات قروضا ولكن ليس لخلق الثروة كما يزعمون ’ولا للتنمية كما يروجون’ولا لايجاد مواطن الشغل كما يتوهمون ’بل هم يبرمون هذه القروض من أجل غاية واحدة وهي"تسديد خدمة الدين الخارجي".
فيتضح لكل ذي عقل وفكر أن البلاد ليست بحاجة الى قروض ’ولا لابرام عقود جديدة’كما أن الدولة ليست مضطرة أبدا الى توظيف جزء من مواردها لتسديد الدين ’وبالتالي ليست مدفوعة لحرمان شعبها من هذه الموارد المالية التي تذهب خدمة للاستعمار... يتبع ...








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. تصريح الأمين العام عقب الاجتماع السابع للجنة المركزية لحزب ا


.. يونس سراج ضيف برنامج -شباب في الواجهة- - حلقة 16 أبريل 2024




.. Support For Zionism - To Your Left: Palestine | الدعم غير ال


.. كلام ستات | أسس نجاح العلاقات بين الزوجين | الثلاثاء 16 أبري




.. عمران خان: زيادة الأغنياء ثراء لمساعدة الفقراء لا تجدي نفعا