الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


تركيا: خطوات ثابتة نحو العودة إلى ترسيخ الاستبداد الشرقي

أحمد عصيد

2017 / 3 / 15
العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني


لقد قلنا دائما إنّ معضلة الإسلام السياسي هي حنينه الدائم إلى الاستبداد الشرقي ورغبته في استعادته، رغم كل المكتسبات الديمقراطية لعصرنا، ورغم المتغيرات التي طرأت على واقع المسلمين، ورغم كل المآسي التي تسبب فيها نموذج الدولة الدينية الذي عرفه المسلمون عبر تاريخهم الطويل.
كان تاريخ العثمانيين فيلم رعب حقيقي، وكابوسا جاثما على صدر الكثير من بلدان المشرق وشمال إفريقيا وأوروبا لقرون طويلة، ولم ينقشع الكابوس إلا بعد إلحاق الهزائم تلو الأخرى بجيوش العثمانيين التي رسّخت الإقطاع والظلم بجميع أضربه وأنواعه طوال أزمنة من المعاناة والآلام، وهي المعاناة التي يعتبرها "الإخوان المسلمون" بتركيا اليوم "أمجادا عظيمة" ينبغي أن تستعاد.
ورغم أن إردوغان يتجه بتركيا بخطوات سريعة وظاهرة للعيان نحو الحكم الفردي ذي القبضة الحديدة (باسم الانتقال من النظام البرلماني إلى النظام الرئاسي) إلا أنه صرفا لانتباه الساحة الداخلية يعمد إلى اتهام دول الجوار بـ"النازية"، بعد أن منعته من الدعاية لمشروعه الذي يستهدف به استقلال القضاء وفصل السلط والأسس الديمقراطية التي تشكلت بالتدريج على مدى العقود المنصرمة، وبهذا الصدد لينظر القارئ في المقارنة التالية بين ما فعله إردوغان في الأعوام الأخيرة، وما فعله هتلر والحزب النازي فيما بين 1933 و 1939:
ـ قام الحزب النازي بإعلان شعار تفوق الجنس الآري الأبيض وضرورة حكمه للعالم، وقام إردوغان بإعلان شعار "تركيا دولة عظيمة يمتدّ نفوذها شرقا وغربا وتقود العالم الإسلامي"، كما أعلن شعار "الأتراك ينبغي أن يقودوا مرة ثانية الأمة بصفة العثمانيين الجدد".
ـ قام هتلر بالبدء بإصلاحات اقتصادية وصناعية قوّت الاقتصاد الألماني، معتمدا على ذلك في تحقيق نجاح انتخابي كبير، حيث اكتسح صناديق الاقتراع بعد أن أصبح الجميع في ألمانيا يهتف باسمه، لينتقل إلى مرحلة ثانية هي مرحلة التمكين لنفسه قانونيا، وقد فعل إردوغان نفس الشيء تماما، فبعد تسع سنوات من النهوض الاقتصادي والازدهار، والتي أعطته الصدارة في الانتخابات، قرر تغيير الاتجاه نحو وضع قوانين تعطيه صلاحيات الحاكم الأوحد الذي يخضع له الجميع بمن فيهم القضاة. هكذا يمكن القول إنه إذا نجح في تمرير هذا المخطط عبر الاستفتاء، فسيكون نهاية استقلال القضاء في تركيا، ويعرف الجميع ما سيترتب عن ذلك.
ـ قام هتلر بالتخلص من خصومه في الدولة فبدأ بتوقيف الصحافة المستقلة ومحاربتها وإغلاق الجرائد والمجلات التي لا توافق نهجه، وقد قام إردوغان بإغلاق جميع المنابر التي تعارضه واعتقال الصحفيين والزج بهم في السجون ومحاكمتهم، كما أوقف المثقفين والأساتذة الجامعيين والباحثين الذين لا يتفقون مع اختياراته.
ـ استغل هتلر محاولة اغتياله لكي يعلن عن وجود مؤامرة تستهدفه فعمل على تطهير الدولة جميعها من معارضيه الذين لا علاقة لهم مطلقا بالمؤامرة التي تحدث عنها. وهو ما قام به إردوغان حرفيا بعد الانقلاب الفاشل، حيث أعلن حملة تطهير مبالغ فيها أدت إلى اضطهاد ما بين 80 ومائة ألف مواطن تركي بشكل سافر وغير مسبوق. ومنهم موظفون سامون في جميع القطاعات لا علاقة لهم بأي انقلاب، وهكذا أصبح مناخ الخوف هو الشائع في تركيا بعدما كان الناس يتطلعون إلى مزيد من الديمقراطية في الحياة السياسية والثقافية.
ـ أطلق هتلر دعاية مكثفة في كل المنابر التي سيطر عليها وفي المذياع والجرائد وكل الوسائل الموجودة آنذاك لكي يجد المواطن الألماني نفسه وجها لوجه أمام شخصية هتلر وحده باعتباره "أب الأمة الألمانية"، وهو ما قام به إردوغان بدوره بعد أن أغلق كل المنابر المعارضة بوضع خطة لدعاية مكثفة لنفسه وصوره على جميع الواجهات لكي يجد المواطن التركي وجه إردوغان في كل مكان صباح مساء. بهذا الصدد يقول مصطفى أكيول، محلّل سياسي تركي:"إنها الدعاية السياسيّة في وجهك كلّ يوم، وفي كلّ لحظة، تطالعك إن شغّلت التلفاز أم تصفّحت الجرائد".
ـ قام هتلر بتنظيم تجمعات حاشدة في الساحات الكبرى تستقطب ملايين الألمان بشكل غير مسبوق، وإلقاء خطب نارية لإلهاب حماسة الجمهور، وذلك لحشد التأييد للحزب النازي ولشخصه بوصفه الحاكم الأوحد والأعلى لألمانيا، وهو ما يقوم به إردوغان أيضا بشكل متزايد في الآونة الأخيرة، بهدف تمرير مخطط هيمنته على الدولة والمؤسسات في تركيا.
ـ قامت مليشيات التنظيم النازي بمداهمة البيوت واقتحام مقرات التنظيمات المعارضة والتنكيل بأهلها وإشعال الحرائق في الدكاكين والمحلات انتقاما من الذين يعارضونهم، ولم يجد الضحايا من يتدخل لإنصافهم لأن الكل كان وراء "الفوهرر" أي هتلر بوصفه الحاكم الأوحد لألمانيا النازية، وهو نفس ما قامت به مليشيات حزب العدالة والتنمية بتركيا حيث قامت سواء بتغطية مؤسساتية أو بدونها بمداهمة المقرات والبيوت واعتقال المعارضين والتنكيل بهم.
ـ شرع هتلر في التحرش ببلدان الجوار واتهامها بـ"العداء لألمانيا"، وشرع إردوغان بحملة واسعة ضد ألمانيا وسويسرا وهولندا، أكثر الدول تقدما ونظافة وديمقراطية بأوروبا، متهما إياها بـ"الفاشية" و"النازية"، وهي مناورة معروفة في تاريخ الطغاة هدفها صرف الانتباه عن الطبيعة الاستبدادية للنسق الذي يتأسس ويتقوى داخليا، بـ"تغويل" بلدان الجوار وجعلها عدوا.
ـ قام هتلر ببناء بنايات ضخمة وأشكال رمزية واعتبارها رمزا لعظمة ألمانيا، وقام إردوغان ببناء "القصر الأبيض" المكوّن من 1.100 غرفة وجعله مقرا لسكناه، وهو ما كلف ميزانية الدولة مقادير مالية باهظة بدون أي مبرر معقول.
ولهذا لم يكن ما كتبه الخبير السياسي بشؤون الشرق الأوسط ألون بن مئير عن إردوغان مجرد تحامل حينما قال:" وشرع في أسلمة منهجيّة البلاد، وفي نفس الوقت بدأ يفكّك أعمدة الديمقراطية. لقد كدّس لنفسه صلاحيات غير مسبوقة وحوّل تركيا من دولة ديمقراطية إلى بلد بحكم استبدادي، ضامنا ً أنّ له الكلمة الأخيرة في جميع شؤون الدولة".
وإذا كان المشروع النازي قد أفضى إلى مقتل 55 مليون نسمة وخراب أوروبا، فما هو الثمن الذي سيكون على الشعب التركي دفعه مقابل إشباع الجنون السلطوي للإخوان المسلمين.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



التعليقات


1 - غفلة مجرمة
رفيق التلمساني ( 2017 / 3 / 15 - 16:57 )
لقدوفيت وكفيت، فشكرا. حول خاتمتك: (وإذا كان المشروع النازي قد أفضى إلى مقتل 55 مليون نسمة وخراب أوروبا، فما هو الثمن الذي سيكون على الشعب التركي دفعه مقابل إشباع الجنون السلطوي للإخوان المسلمين. )، يجب أن لا ننسى أن الشعوب عندما تركن إلى الغفلة وتسلم أمرها لباعة الأوهام، لا بد أن تدفع الثمن غاليا، إن عاجلا أم آجلا. جناية إردوغان في حق تركيا، لا تقل عن جناية النخبة العلمانية التركية في الجيش والأحزاب العلمانية، والتي فرّطت في الإرث الأتاتوركي، وجمّدته، وهي التي انغمست في ملذات السلطة وغفلت عن الذئب المتربص بالبلاد. المؤسف أن أن نفس السيناريو يجري تمثيله بغباء في البلدان العربية التي عرفت سابقا قدرا محترما من التعاطي مع الحداثة وقيمها العظيمة، حتى صارت سياساتها الداخلية والخارجية تأتمر بأوامر بلدان النفطية الرجعية.
تحياتي


2 - لكل دولة الحق في تأطير مواطنيها في الخارج
عبد الله اغونان ( 2017 / 3 / 15 - 18:36 )

مايتفق عليه الكل أنه من حق كل دولة القيام يتأطير مواطنيها من الجاليات في دول أخرى

في الانتخابات والاستفتاءات بالادلاء بأصواتهم مع أو ضد ماتقترحه حكومة ومعارضة

وقيام دول أروبية بعرقلة الأنشطة السياسية الديمقراطية لتركيا يعد خرقا للقوانين الدولية

التي طالما طبلتم لها

الجمعيات والسفارات الأجنبية في دول ما لها أعراف تحترمها

ولاعلاقة لهذا باستبداد الرئيس طيب أردوغان فهو خاضع لدستور بلاده ويحقق نجاحات في

السياسة والاقتصاد

أمركم غرييييييييييييييييييييييييييييييييييييييييييييب


3 - دروس
على سالم ( 2017 / 3 / 15 - 22:35 )
الواجب ان تتعظ الدول الاسلاميه من الماضى الاسود الدموى للحكم الاسلامى البغيض على مر العصور الاسلاميه الكالحه , الاسلام نظام فاشى ظالم فاجر ومجرم والمفروض التخلص منه والقضاء عليه نهائيا , المدعو اغونان اعور الفكر وارهابى وانا متأكد انه ينتمى الى داعش


4 - سافل حرب , فانها لاتعمى الأبصار
عبد الله اغونان ( 2017 / 3 / 16 - 01:57 )

ان كنت تعدني أعور
فان الأعور في مملكة العميان ملك
وفي فقهنا
فانها لاتعمى الأبصار ولكن تعمى القلوب التي في الصدور
ماحاورت قط الا بالهجاء والابتذال


5 - الى السيد عبدلله أغونان
سناء نعيم ( 2017 / 3 / 16 - 07:10 )
امركم غريب حقا. رغم ديكتاتورية إردوغان ونفاقه وكذبه ولعبه على كل الحبال التي أصبحت جلية أكثر من الشمس في رابعة نهار صيفي الا انكم لا تكفون عن مدحه والتعريض بكل من يقترب منه.
ما الفرق بينه وبين الديكتاتوريين العرب الذين تشتمونهم في كل آن؟ أم لانه يتاجر بالاسلام فقط تغضون الطرف عن حماقاته!!!
طاغية يتاجر بالمباديء ويضحك على المتأسلمين بكلمات معسولة وحركات بهلوانية سرعان مايتراجع عنها ويعتذر ليبلع كم الاهانات في سبيل تحقيق مشروعه العثماني . شخص مثل هذا لا يستحق أي احترام .
يزايد على أوروبا بحقوق الانسان وهو من قمع أبناء شعبه وزج بهم في السجون .أليس من حق اوروبا ،التي يتهمها أردوغان بالفاشية،أن تدافع على أمنها واستقرارها وتمنع كل مظهر يقوض ذلك؟ ام تريدون ان تستبيحوا كل شيء باسم حقوق الانسان التي لاغ وجود لها في قاموسكم؟


6 - على سالم حاورت بالابتذال
خ الراوي ( 2017 / 3 / 16 - 09:33 )

لا تعمى الأبصار لكن تعمى القلوب التي في الصدور


7 - التردي الشامل في العالم وليس فقط في تركيا
علاء الصفار ( 2017 / 3 / 16 - 14:03 )
تحيات السيد عصيد
ألم تر ان العالم يسير نحو الهاوية بعد اندحار الاحزاب الشيوعية, ألم تقر أن القرن هو,امريكي! والناتو يقود بر برية على الشعوب وليس على الحكام, ماذا يعني القصف الامريكي في العراق وليبيا وبأدوات الثورة المضادة(داعش) التي صيغت بالربيع العربي.فامريكا ذاتها وعلى لسان الغرب,تنزلق نحو العنصر ية والبر برية! ان قتل الاحرارعلى يد هتلر أُخذ على انه فاشية وعنصر ية لأن هتلر قتل الاوربيين المسيحيين لكن بوش وريغان وترامب لم يحصلوا على ألقاب الفاشية, إذ انهم يقتلون العرب والمسلمين. لقد قادت امريكا من بعد احداث 11 سبتمبر عداء للديمقراطية الغربية,وصار الانصات والتجسس على المواطنين لبو موزة, فعندما تندحر الديمقراطية الغربية في عقر دارها كما اندحرت الشيوعية في روسيا, ماذا سيحدث في العالم. ارى أن الغرب يتجه نحو العنصرية ومعه امريكا,مع دعم للارهاب السعودي الوهابي,اي الغرب منافق وعنصر ي مع ناتو ضارب!البلدان في العالم كله تتجه نحو االفساد و السلفية _(منجز أمريكا)!السلفية ليست حصراً على المسلمين بل هي موجودة في إسر ائيل كما بفرنسا وبريطانيا فدينهم الصليبية, فهم يحاربون الحجاب وليس داعش صنيعتهم!ن


8 - سناء نعيم ومعاداة الديمقراطية
عبد الله اغونان ( 2017 / 3 / 16 - 19:31 )

الغريب
هم من كانوا ينادون بالديمقراطية ويتبجحون بها
فاذا جاءت بعكس مايريدون أنكروها
وتنكروا لها
لوموا الشعوب التي فقدت ثقتها فيكم ووضعتها في الاسلاميين
وكأنكم تريدون ممارسة السياسة لتنالوا ما لاتستحقون
اختشوااااااااااااااااااااااااااا
واعترفوا بقصوركم
وجهلكم


9 - انصار المستبد العادل
حميد فكري ( 2017 / 3 / 16 - 22:26 )
اقصى مايطمح اليه الاسلاميين ،وربما المسلمين عموما على صعيد الحكم والنظام السياسي ،هو المستبد العادل .وهنا لابد للمرء العاقل من طرح السؤال البديهي التالي :كيف يكون الحاكم مستبدا وعادلا في ذات الوقت !؟ربما الاجابة لايعلمها ،سوى انصار هذه (النظرية)الفريدة من نوعها .وهؤلاء هم المدافعون عن اردوغان وعن داعش والقاعدة وغيرهما .


10 - الى عبدلله أغونان
سناء نعيم ( 2017 / 3 / 17 - 04:52 )
من يجب عليه ان يختشي هو من يمارس التقية والكذب ليصل الى مبتغاه
من يجب عليه ان يختشي هو من يلوي عنق نصوص عتيقة ليحملها مايريد من معنى
الديمقراطية كفر والإنتخابات بدعة وكل بدعة ضلالة لكن مادامت تنعهي للكرسي فهي حلال بل فرض عين على كل مسلم!!!!!
اما الجماهير ،التي تتباهون دائما بتفضيلها للتيارات الإسلامية،فهي لا تمتلك ثقافة ولا أي وعي بل مجرد أدوات تحركها العاطفة الدينية وهي نفسها من تفضل العيش في البلدان العلمانية وتعمل المستحيل من أجل الوصول الى بلاد الكفر!!!


11 - علي سالم انتبه
الجندي ( 2017 / 9 / 14 - 15:03 )
علي سالم اتهامك لانسان بانه ارهابي امر بش انساني ويثبت ان التحضر الذي تمتلكه فقط وهم


12 - سيدة سناء نعيم
الجندي ( 2017 / 9 / 14 - 15:13 )
من يجب عليه ان يختشي هو من يمارس التقية والكذب ليصل الى مبتغاه
1 وهي حرام في الاسلام
2 اين اصلا ورد تحليل التقية
من يجب عليه ان يختشي هو من يلوي عنق نصوص عتيقة ليحملها مايريد من معنى
اتفق معك
ما اتيت لنقد الناموس بل لاكمله
اشتروا سيفا
ما اتيت لاقول سلاميا بل لاقي سيفا
وتزداد النصوص

الديمقراطية كفر
1 الاسلام مبني على الشورة التي هي نفسه الديمقراطية تقريبا
2 كان النبي في امور الدنيا او المعارك ياخذ اراء اصحابه في كل مكان
3 اول 29 سنة حكم في الاسلام كانت من الشورة

والإنتخابات بدعة وكل بدعة ضلالة لكن مادامت تنعهي للكرسي فهي حلال بل فرض عين على كل مسلم!!!!!
بدانا تحريف

اخر الافلام

.. تونس.. ا?لغاء الاحتفالات السنوية في كنيس الغريبة اليهودي بجز


.. اليهود الا?يرانيون في ا?سراي?يل.. بين الحنين والغضب




.. مزارع يتسلق سور المسجد ليتمايل مع المديح في احتفال مولد شبل


.. بين الحنين والغضب...اليهود الإيرانيون في إسرائيل يشعرون بالت




.. #shorts - Baqarah-53