الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


سلفنا السعيد المفقود فينا

هيثم بن محمد شطورو

2017 / 3 / 16
الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع


ألا يكون الأمر متـناقضا، حين تصف تصرفا للغير بـ"حيواني ـ حيوان"، بينما لا تعتبره كذلك إذا اقـترفته أنت في لحظة عماء ـ غضب ـ اختلاء؟ هل يعني ذلك أن الحيواني مختبئ في الأعماق و الاجتماعية كما تظهر في الآخر تجعله مبعثا للخجل و الاستـنكار؟ ألا تـنكر نفسك و ميولاتك الطبيعية في حضرة المجتمع بدعوى التصرف اللائق الواجب أو المحبذ؟
لماذا ينتابك إحساس عذب عميق و أنت وحيدٌ أمام البحر؟ لماذا تـنـتابك رغبة الركض و المشي و الاستـلقاء على التراب تحت شجرة، بإحساس حميمي عميق دافئ و كأنك تضم نفسك بنفسك بشبه بكاء عذب دون بكاء حين تكون في أرض سائبة ممتدة لا تحدها مستطيلات أو مربعات المدن الكريهة؟ لماذا تـشاء أن تـنام هناك تحت الشجرة؟ لماذا ربما تـشاء أن تموت هناك؟ لماذا تسحرنا الغابات و تبعث إحساس الطمأنينة الكلية فينا؟
لماذا في أعماقـنا نكره الاجتماع بالآخرين، و تربكنا المحادثات و المعاملات؟ أليس في الأمر كره للاضطرار للاصطناع؟ اصطناع أحاديثـنا و أنـفـسنا حتى و إن جاهدناها لنكون صادقين مع الآخرين.. أليس كل وجود مع آخر هو وجود مربك؟ ألا يعني ذلك انه وجود غير طبيعي؟
أنظر كيف هي الطبيعة الأصلية البدئية تهمس في ظلمات نفـسك بصمت، و كيف أن ضياعها مع الآخرين يشعرك بالقلق الذي تعبر عنه بالمبهم..
يقول الفيلسوف الفرنسي "جان جاك روسو" :
" لم يعد المجتمع يعرض أمام بصر الإنسان الحكيم سوى حشد من الناس المصطنعين و الأهواء المزيفة التي ليس لها أساس حقيقي في الطبيعة".
هنا تـتمحور إشكاليات الاشتغال الفلسفي في العلاقة بين الأنا و الآخر، الوجود في ذاته و لذاته، الماهية و الكينونة.. هذه الاشكاليات تدور من زاوية "روسو" في فلك التناقض بين الطبيعة الأصلية فينا و ما وجدنا فيه أنفـسنا في حالة اجتماعية فرضت علينا الاغتراب عن أنفسنا..
الاجتماع كحالة غير طبيعية بدءا ثم بحكم الاعتماد المتبادل غدا كأنه طبيعي، و لكن "روسو" لا يعتبر "الإنسان مدني بالطبع"، و إنما العادة في الاجتماع اللاحق نتيجة أحداث مشؤومة جعلته يدمن الاجتماعية حتى اعتبرها اللاحقون في طبع الإنسان، ذاك أن الحالة الطبيعية الأصلية بدون تاريخ أي قبل اكتساب اللغة و بالتالي الذاكرة الشفهية.. لكن تلك الطبيعة الأصلية لازالت تهمس في ظلمات النفس بما أنها حالة إحساس دفين بالسعادة العظمى للحر المستـقـل المتلائم مع نفسه دون تـفكير..
يقول "روسو": "الإنسان الذي يتأمل حيوان منحط"، و قد فسرها الاستاذ "محمود بن جماعة"، أن التـفكير هو المميز الوحيد لانتـقال الإنسان من الحيوانية أو شبهها إلى الإنسانية.
الاغتراب الرهيب منبع كل القلق النفسي حاولت الأديان تلطيفه بالوعد بجنة الخلد. لكن المؤكد أن الجنة ورائنا اكثر مما هي أمامنا. الجنة مفقودة بكل أسف. إنها حالة الطبيعة الأولى التي كان فيها أسلافنا الأولين ( اللذين لازالوا يعيشون في أعماقنا) السعداء في توحشهم الحر المستـقـل.
عن "روسو" قال انه " لم تكن الطبيعة تعد الإنسان البدئي للحياة الاجتماعية، فقد عاش، ربما طوال آلاف العصور، وحيدا و بالتالي مستـقلا، الأمر الذي يمثل عنصرا أساسيا في السعادة التي كان ينعم بها. و لم يكن يتميز عن الحيوانات إلا بذكائه و وعيه بأنه حر غير خاضع للغريزة، و بالقدرة على استكمال ذاته، و هي قدرة كان يمتلكها بالقوة، و كان يمكن أن لا تـنمو أبدا، فكان لابد من سلسلة كاملة من الظروف المشؤومة لتصيره كائنا شريرا بعد أن جعلته كائـنا اجتماعيا".
و قارن الطيبة التي يتصف بها سكان الأرياف عامة مع الخبث الذي يطبع سكان المدن بشكل عام. فـ"روسو" على حق حين يرى الخير في الحالة الطبيعية أو المقتربة إليها خاصة مع قـلة أعداد السكان، و الشر في المدن المكتظة بالسكان أساسا..
يقول "روسو" عن الإنسان الطبيعي الأصلي سلفنا القابع فينا يثير قلقـنا ينادينا إلى فردوسه:
"رأيته يأكل حتى الشبع تحت شجرة بلوط و يرتوي من أول جدول و يجد فـراشه عند جذع الشجرة نفـسها التي وفرت له غـذائه، و هكذا يكون قد لبى حاجاته."
و لكن اللحظة التراجيدية المأساوية الكبرى التي حلت كاللعنة المنتـقمة من الإنسان السعيد الخير المسالم بحق، ابتدأت منذ تلك اللحظة التي عبر عنها "روسو" قائلا:
" أول من سيج أرضا و تجرأ على القول "إن هذا لي"، و وجد أناسا سذجا فصدقوه، كان المؤسس الحقيقي للمجتمع المدني، و كم من جرائم و حروب و اغتيالات، و كم من بؤس و أهوال يكون قد وفرها على الجنس البشري شخص كان صاح في أمثاله من الناس و هو يقـتـلع الأوتاد أو يـردم الخندق:" حذار من أن تـنصتوا لهذا الدجال، فان مآلكم الهلاك إن نسيتم أن الثمار للجميع و أن الأرض ليست لأحد""..
استـشهد الاستاذ "محمود بن جماعة" مترجم كتاب "المقال في أصل المساواة بين البشر" لـ "روسو"، بتعليق للفيلسوف "فولتير" على هذا الكتاب، قائلا انه دليل على الطابع الثوري لفكر "روسو" حيث قال:
" هذه فلسفة صعلوك يريد أن تصير أموال الأغنياء نهبا للفقراء".








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. مراسلنا: دمار كبير في موقع عسكري تابع لفصائل مسلحة في منطقة


.. إيران تقلل من شأن الهجوم الذي تعرضت له وتتجاهل الإشارة لمسؤو




.. أصوات انفجارات في محافظة بابل العراقية وسط تقارير عن هجوم بط


.. جيش الاحتلال يعلن إصابة 4 جنود خلال اشتباكات مع مقاومين في ط




.. بيان للحشد الشعبي العراقي: انفجار بمقر للحشد في قاعدة كالسو