الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


اليمين المتطرف على مشارف السلطة في فرنسا؟

آلان جريش

2017 / 3 / 17
اليسار , التحرر , والقوى الانسانية في العالم


المترجم ترجمة مصطفى عمران الناشر وحدة الترجمة – مركز الدراسات الاشتراكية

آلان جريش: مدير التحرير السابق لجريدة لوموند دبلوماتيك الفرنسية

طبقًا لاستطلاع حديث نُشِرَ في جريدة لوموند اليومية الفرنسية بتاريخ 8 مارس، فإن فرنسيًا واحدًا من كل ثلاثةِ فرنسيين قد أعلن توافقه مع حزب الجبهة الوطنية ومارين لوبان. وها نحن في فرنسا على مقربةٍ من الانتخابات الرئاسية المُقرَّر عقدها في 23 أبريل و 7 مايو من العام الجاري 2017، وتضع كل الاستطلاعات مارين لوبان في مقدمة الجولة الأولى من الانتخابات وتُرجِّح خسارتها في الجولة الثانية. وكما أشارت الصحيفة، فإنه برغم الجهود المبذولة خلال الخمسة أعوام الماضية لتوفيق الحزب، فإن أعداد من يعتبرون الحزب خطرًا على الديمقراطية استمرت في التزايد خلال هذه الفترة، إذ تصل النسبة الآن إلى 58% بفارق 11 نقطة أعلى من عام 2013 وفارق نقطتين أعلى من عام 2016. وهذا القلق أكثر وضوحًا بين النساء (بنسبة 62%)، وهؤلاء ممن يزيد عمرهم عن 65 عاما (بنسبة 63%)، والموظفين التنفيذيين (بنسبة 69%)، والمهن المتوسطة (بنسبة 63%)، وخريجي الجامعات (بنسبة 68%).

ولا يزال، رغم هذه التحفظات، ثلث الفرنسيين على وفاقٍ مع أفكار حزب أقصى اليمين، بل وكان هؤلاء على استعدادٍ للتصويت لصالح ممثلي الحزب. ومنذ عقودٍ قليلة، تأسَّس الحزب الهامشي على يد الأب جان ماري لوبان عام 1972 كحزبٍ يقع في وسط الحياة السياسية الفرنسية، ليثير نجاح الابنة مارين لوبان قلق الكثيرين في فرنسا وخارجها. من كان ليعرف رد فعل الجماهير إزاء هجوم إرهابي كبير كالذي هزَّ باريس في نوفمبر 2015 أو نيس في يوليو 2016؟ هذا إلى جانب وضعٍ داخليٍ ليس مستقرًا بالدرجة الكافية مما يجعل فرضية فوز لوبان ليست بالمستحيلة على الخيال.

إن هذا التقدم هو جزء من حركة أوروبية أوسع، والتي تشهد ما يُسمى بالأحزاب الجماهيرية التي تتجذر وتتطور في كلٍ من هولندا وألمانيا و إيطاليا وشرق أوروبا بالطبع. ولهذه الأحزاب خلفيات تاريخية مختلفة ومسارات عدة مما يوجب علينا ألا نقلل من خصوصية كل موقف. فإن بعض هذه الأحزاب ينمو كحنينٍ للفاشية كالجبهة الوطنية مثلًا، إلا أن أغلب تلك الأحزاب قد نشأ حديثًا بدون مرجعية لفاشية الحرب العالملية الثانية. وقد كانت الرياح مواتية لأشرعة هذه الأحزاب في كل مكان. ففي هولندا، يتقدَّم حزب الحرية ومؤسسه جيرت فيلدرز في الانتخابات البرلمانية المُزمع عقدها في 15 مارس 2017. وفي ألمانيا، قد يتمكَّن حزب بديل ألمانيا المعادي للإسلام والمهاجرين والناشئ في 2013 من دخول البوندستاج (مجلس النواب الألماني) في خريف 2017.

هناك عدد من القواسم المشتركة بين هذه الأحزاب. فقد حازت قاعدة جماهيرية هامة، من الطبقة العاملة في الأغلب. فهؤلاء معادون للاتحاد الأوروبي بهذا القدر أو ذاك، ويشجبون “العولمة” كمصطلحٍ غامض يمكن تحت مسماه تصنيف الإصلاحات النيوليبرالية، إلى جانب فتح الحدود والتجارة الحرة. وفي قلب حملة هذه الأحزاب، تقع الهجرة غير المنظمة وتحديدًا هجرة المسلمين كمسألةٍ تُهدِّد الهوية الوطنية لهذه الدول. فالإسلاموفوبيا هي محور الحشد بالنسبةِ لهذه الأحزاب.

كيف إذن يمكننا شرح تقدم هذه القوى؟

حتى نفهم ذلك، يتعيَّن علينا الرجوع إلى التحولات في الاقتصاد العالمي، وإلى سياسات تحرر الاقتصاد المنفذة في الاتحاد الأوروبي منذ أوائل الثمانينات، إذ أدت هذه السياسات إلى الإضرار بالقطاع الصناعي، وإلى زيادة البطالة وتوابعها من الوظائف غير الثابتة ذات الأجور الضعيفة دون أي ضمان اجتماعي. كل ذلك إلى جانب زيادة غير عادية في اللامساواة. وقد بيَّن جويل جومبين، عالم الاجتماع الفرنسي والناشط في حشد الأصوات لصالح حزب الجبهة الوطنية، أن معاقل هذا الحزب هي المناطق التي تتزايد فيها اللامساواة.

لكن يبقى خطاب الجبهة الوطنية متمركزًا حول مسألة الهجرة. إذ توضح كل الدراسات، وفقًا لجومبين، أن المُصوِّتين لصالح الجبهة يتميزون عن كل الآخرين بالأولوية المطلقة التي يولونها لهذه المسألة. هذا على الرغم من صحة تخلي الجبهة الوطنية عن دعمها للاقتصاد النيوليبرالي وتمسكها بالحوار المجتمعي الذي سيؤدي إلى تخلي بعض الشرائح الطبقية عن اليسار.

“إنها مناظرة حاسمة تلك التي تأخذ دولتنا على محمل أصولي أساسي ونتيجتها ترسخ فرنسا كأمة حرة”. هذا ما قالته مارين لوبان، وأضافت: “إن الانقسام في الأرضية السياسية الفرنسية لم يعد تعارضًا بين اليسار واليمين وإنما بين الوطنيين والعالميين الناظرين نحو الخارج”. كما ادعت أن صلاة المسلمين وارتداء النساء الحجاب الإسلامي هو تهديد لثقافة فرنسا وقيمها.

إن حقيقة فشل سياسات التحول التي قدمها اليسار وهو في السلطة من خلال فرانسوا ميتران في 1981، والسياسات التي قدمتها أغلبية فصائل اليسار لم تختلف أساسًا عن سياسات الجناح اليميني. بل تميزت تلك السياسات بالتخلي عن الطبقات الشعبية التي شهدت تدهورًا في مستوى المعيشة. وقد تسارع استياء الطبقات الشعبية من اليسار على خلفية أزمة الحزب الشيوعي الذي كان ينظم بوضوح جزءًا من الطبقة العاملة، تلك الأزمة التي ارتبط فيها الحزب الشيوعي بأزمة الأممية الشيوعية.

لكن أزمة اليسار قد تُرجِمَت أيضًا إلى استسلامٍ أيديولوجي قبل أطروحات الجبهة الوطنية، لتنجح الجبهة في فرض صيغها في القلب من الجدال السياسي. وبينما تقبع المسألة الاجتماعية في قلب الأزمة الفرنسية والأوروبية للمجتمع، فإن الجبهة الوطنية نجحت في جعل الهجرة والهوية وانعدام الأمن نقاط مركزية في الجدال السياسي السائد. وقد تبنت أحزاب اليمين واليسار، على حدٍ سواء، في فرنسا، هذه النقاط تدريجيًا. رأينا الرئيس نيكولا ساركوزي ينشئ وزارةً للهوية القومية المُهدَّدَة من جانبِ المسلمين! وبينما كانت مارين لوبان لا تزال نائبة لرئيس الجبهة الوطنية، عقدت مقارنةً، في العام 2010، بين صلاة المسلمين في الشوارع وبين الاحتلال في إشارة لاحتلال النازيين لفرنسا خلال الحرب العالمية الثانية.

لكن أحزاب اليمين ليست ببعيدة عما سبق، وهذا ما يشير إليه كتاب فرانسوا فيلون، مرشح اليمين والوسط للرئاسة، والصادر بعنوان “إنهاء الشمولية الإسلامية”. أما عن مانويل فالز، رئيس الوزراء السابق، فإنه على نفس خط الإسلاموفوبيا، إلا أنه خسر في النهاية الانتخابات الداخلية للحزب الاشتراكي، والآن يمثل بينويت هامون الحزب الاشتراكي في الانتخابات الرئاسية.

إجمالًا، استسلم اليسار واليمين أمام مسألة الهجرة والمسلمين. وفي الوقت نفسه، في محاولةٍ من جانب مارين لوبان لتعزيز حزبها ومنحه صورة حكومية، فإنها تحاول أن تبعد نفسها عن تراث والدها بما يشمله من معاداةٍ للسامية ونفي جرائم النازيين خلال الحرب، وقد اعتاد أن يكون جان ماري لوبان أن يتحدث في هذه القضايا. كما سعت مارين لوبان أيضًا، لكن دون جدوى، إلى زيارة إسرائيل. وفي نفس الوقت، كان عليها أن تتماشى مع تأثير والدها ومع كوادر الحزب. ولابد من الإشارة إلى أن القوى الجديدة لليمين المتطرف في أوروبا عمومًا قد قطعت مع معاداة السامية، وتبتغي الدعم السياسي من جانب إسرائيل، وكذلك تقدِّم هذه القوى نفسها كمدافعةٍ عن المرأة وأحيانًا عن المثليين مميزين أنفسهم عن التراث الفاشي.

إذا كان هناك تشابهًا بين الثلاثينات والوضع الراهن في أوروبا، فإن اختلافين رئيسين يجب ملاحظتهما: الروابط بين اليسار والطبقات الشعبية التي امتدت وانقطعت أحيانًا، لكننا نشهد أيضا عودة لليسار الشعبي سواء في المملكة المتحدة أو اسبانيا كعلامة جديدة. ومن ناحية أخرى، هناك استسلام اليسار لمعاداة الأجانب، فبينما أكَّدَ اليسار في الثلاثينات على وحدة العمال الأجانب والمحليين، فإنه قد قَبِلَ، بهذا القدر أو ذاك، حسب الدولة والقوى الموجودة، بأن قضية المهاجرين تمثِّل المشكلة الرئيسية لمجتمعاتنا.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. ما الهدف وراء الضربة الإسرائيلية المحدودة في إيران؟|#عاجل


.. مصادر: إسرائيل أخطرت أميركا بالرد على إيران قبلها بثلاثة أيا




.. قبيل الضربة على إيران إسرائيل تستهدف كتيبة الرادارات بجنوب س


.. لماذا أعلنت قطر إعادة -تقييم- وساطتها بين إسرائيل وحماس؟




.. هل وصلت رسالة إسرائيل بأنها قادرة على استهداف الداخل الإيران