الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


مصادر الزعامة لدى نوري السعيد وعبد الكريم قاسم (1-2)

عقيل الناصري

2017 / 3 / 17
دراسات وابحاث في التاريخ والتراث واللغات


مصادر الزعامة لدى نوري السعيد وعبد الكريم قاسم (1-2)
وعوداً لتاريخ العراق المعاصر وإستقراءً لمصادر السلطة السياسية فيه وتحليل واقعها، فيمكننا أن نصنف، على سبيل المثال المقارن، مصادر السلطة للنخبة السياسية التي حكمت آبان المرحلة الملكية، في مجموعة من المصادر، امتلك عضو النخبة بعضٌ منها مما أهلته إلى الولوج في دهاليز السلطة، وإن تباينت قوتها التأثيرية من عضوٍ لآخر. وبالإجمال تمثلت هذه المصادر في:
- قوى الاحتلال البريطاني في البدء ومن ثم بالسفارة البريطانية لاحقاً؛
- مؤسسة العرش ؛
- رابطة الدم ( العلاقات القبلية - العشائرية والأسرية)؛
- التصرف بوسائل العنف المادي (المؤسسة العسكرية)؛
- الملكية والثروة؛
- الروابط الشللية والعصبوية؛
- الشهرة والوجاهة الاجتماعية؛
- الكفاءة والمقدرة الشخصية؛
- التنظيمات الاجتماعية، القديمة منها والحديثة.
لقد كانت المصادر الستة الأولى من أهم مصادر السلطة لدى النخبة الاوليغاركية الضيقة التي حكمت في المرحلة الملكية (1921-1958) والتي كانت شخصيات نواتها المركزية أغلبهم من ذوي الاصول العسكرية من المرحلة العثمانية، بينما لعبت العوامل الآخرى أدواراً ثانوية مكملة، تغير موقعها مع تطور مركزية الدولة. لقد كان اعضاء النخبة السياسية يستبدلون مصادر قوتهم ويراكموها حسب طبيعة الفترة الزمنية وطبيعة الصراع الاجتماعي بين اعضاء النخبة انفسهم أو بينهم وبين القوى الاجتماعية المعارضة.
لقد تغيرت مصادر سلطة أعضاء النخبة الحاكمة في مرحلة الجمهورية الأولى (14 تموز 1958شباط 1963) بصورة راديكالية من حيث الشكل والمضمون، إذ أعطيت الاهمية للعناصرالاربعة الاخيرة مضافاً إليها بعض من تلك المصادر المشتقة من طبيعة الحكم الجديد ومن طبقية الفئات الوسطى الحاكمة بتزامنها مع واقع العصر وروحه وتطلعه المستقبلي.
في الوقت نفسه أُبعدت المصادر المعتمدة على الولاءات الدنيا وما يتعلق بالمتخلف من الارث التقليدي.. والأهم هو النفي التام لدور العامل الخارجي المتمثل في بريطانيا ودورها كمصدر قوة لتعضيد اعضاء النخبة الحاكمة. بل إعتمدت الثورة نقيض هذا العامل, إذ مثل النضال ضد القوى الاجنبية أحد أهم مصادر السلطة الجديدة ونخبتها السياسية. وعليه كانت مصادر قوة النخبة السياسية لمرحلة تموز/ قاسم قد اختلفت في منطلقاتها الاساسية وآلية ماهياتها عن تلك التي سادت قبلها وبعدها.
أما بالنسبة للزعامة السياسية الملكية المتمثلة بالرجل القوي الفريق نوري السعيد ، فلابد من مقارنتها بالزعيم قاسم لأجل فهم ماهياته ودوره ، كقائد عضوي لصيرورة العملية الاجتماعية الحضارية التي حدثت في العراق بعد التغيير الجذري في 14 تموز، سنحاول ان نقارن مقومات سلطته مع رجل السلطة الملكية الأول الفريق نوري السعيد. إذ"...إن دراسة سلوكيات دور نوري السعيد في قيادة السياسة في العراق لحقبة تقارب ثلاثة عقود من الزمن ، مسألة أساسية لتفهم تأسيس دولة دستورية ناشئة، بما في ذلك الصحافة الحرة والأحزاب ومؤسسات ومنظمات المجتمع المدني الآخرى، وكيف يمكن أن تفسد، وما هي ظروف احباطها، كما حدث فعلاً. كان السعيد رجلاً ذكياً ويتمتع بكاريزما charismaهائلة، أي جاذبية فعالة، وهو سياسي مستبد ومحنك وعنيف مع اعدائه ويتمتع بذكاء متميز في المناورات والمؤمارات السياسية، غالبها في الخفاء، كما له قدرة فعالة أرهبت الكثير من الساسة العراقيين الذين لم تكن لهم قدرة على مواجهة كاريزمائية قوية، خاصة حينما كانت مدعمة من قبل الإدارة الانكليزية، بل ويمثلها. ". كما كان يستند إلى ماهيات السلطة الأبوية ذات الخطاب الاحادي الجانب في حواره مع الآخر بخاصة المختلف معه بالغائية وبطرق المعالجة.. ولهذا افتقد السعيد إلى ماهيات الحوار مع الآخر.
وعليه استمد نوري السعيد مصادر سلطته بالاساس حسب قراءتنا لتاريخية سلطته من :
- دعم قوى الاحتلال البريطاني منذ العمل معهم عام 1916، ضمن الجيش العربي في سوريا ؛
- من التنظيم الرسمي للدولة ؛
- تصرفه بوسائل العنف المادي باعتباره ضابطاً عسكرياً محترفاً ووزيراً مدمناً للدفاع؛
- مساندة مؤسسة العرش له ولتوجهاته العملية؛
- قيادته للمؤسسة العسكرية وتأييدها له ؛
- مساندة مؤسسة العشيرة وكبار الاقطاعيين؛
- مقومات شخصيته وخبرته المستمدة من خدمته العسكرية في الجيش العثماني؛
- الشللية والمصاهرة التي نسجها بالاساس مع ذوي الاصول العسكرية والطاقم الاداري؛
- العلاقات التي أقامها مع القوى الاجتماعية التقليدية التي مثلت قاعدة الحكم الملكي؛ - ممارسته الطويلة جداً للسلطة السياسية ؛
- مساندة هذه المصادر مثلت اللوحة الخلفية لتقيم أحد الكتاب الموضوعيين لشخصية السعيد وذلك بالقول: "... وقيل أنه على العكس من زملائه, لم يكن ثرياً, ولم يكن يعيش في بذخ وأبهة. لكن نوري كان الراشي لا المرتشي. وهمه الحكم وهوايته اللعب برجال السياسة. وهو يريد تقرير مصائر الشعوب لا رسم الخطط لحكومة بلاده... وكانت سيطرته على وزراءه عظيمة ومدهشة تشبه سيطرة المنوم المغناطيسي على وسيطه... وليس من المبالغة أن يقال أن نوري بالرغم من حماسته في حقل العلاقات الدولية لم يكن يشعر إلا بالازدراء لشعبه ومع أنه لم يكن من المتطهرين في حياته الخاصة, إلا أن الرذائل لم تكن شغله الشاغل, كما لم يكن اهتمامه محصوراً في شؤون شعبه الداخلية بل في العالم الذي يعيش فيه. أنه ليس من ابناء عصره... وحتى اللحظة الأخيرة من حياته اعتقد نوري إن مئات من الطلبة والمتطرفين فقط كانوا يعارضونه. ولم يؤمن قط بالراي العام وأهميته... لقد عاش في عقلية (تركية عبد الحميد) وهي العقلية التي ارتبط بها أثناء دراسته والتي امتدت جذورها إلى العهد الذي كان السلاطين لا يفهمون معنى لآرأء رعاياهم واتباعهم... ".
في الوقت نفسه "...عزيت ميول (نوري) الاستبدادية إلى اسباب شتّى, إلى طبعه ومزاجه, إلى ثقافته العثمانية وتدريبه العسكري في مرحلة الرجولة المبكرة, إلى تجاربه في سياسة العشرينيات العراقية قبل وصوله أوج حياته العامة. أوربما إلى اعتقاده بأن تصوره لعراق مستقرّ, مرهفه, ذي نفوذ, منحاز للغرب لن يصبح حقيقة واقعة إلا بحكم رجل قوي ", وفي هذه النقطة بالذات يكمن مقتله الأرأس, المادي والمعنوي ومصدر نقمة الشعب من سياسته.
أما أسلوبه في الحكم, فقد أنفرد مقارنةً بأغلب رؤساء وزارات الحكم الملكي, بالتصديق على أكثر المعاهدات والإتفاقيات الدولية خطورةً بالنسبة للمصلحة العراقية المرحلية والمستقبلية, والتي كبلت واقع تحرك المجتمع العراقي, وتحكم في تطوره اللاحق وساهم في وأد مؤسسات المجتمع المدني الحديثة النمو, وخاصة تلك التي تضع نصب أعينها مصالح الطبقات الفقيرة وتلك ذات المنحى الديمقراطي العلماني, ووزارته كانت الأولى التي سنت فكرة إسقاط الجنسية العراقية عن مواطنيها لأسباب فكرية, وحسب تقيم الصحفي الأمريكي جون أوكيرني " إن نوري كان إنتهازياً ومأبوناً سياسياً وكان العراق مركز ميثاق بغداد, وهو الأداة التي حاول الغرب بها خنق الإصلاح في الشرق الأوسط, ولم يقصد به الدفاع ضد روسيا بل حماية حكومات غرف التعذيب مثل حكومة نوري السعيد... ". ويحدد عضو نخبة الحكم السياسية والمقرب من السعيد ذاته, الوزير خليل كنة, المأخذ على أسلوب حكمه بالقول:
"... إن ما يؤخذ على نوري السعيد الأمور التالية:
أ‌- نظر نوري السعيد إلى العراق كطفل يربيه ويرعى مصالحه ويؤدبه إذا لزم الأمر ولم يلتفت إلى الرأي العام ؛
ب- إعتداد بالنفس وعناد بالرأي؛
ج‌- حبه للسلطة وهذا ما أضعفه أو إضطره للمساومة؛
د- جموده على أساليبه ومناوراته وأرضاء الأشخاص وإهمال العقيدة؛
ه‌- إطلاق يد الطامعين في سبيل إستغلال ضعفهم وإخضاعهم إلى سياسته؛
و‌- قناعته بما يمكن عمله بدلاً مما يجب عمله؛
ز‌- ثقته ببريطانيا وقناعته بأن سلامة العراق لا يمكن ضمانها إلا مع حليف قوي وإصراره على هذه السياسة على الرغم من قيام أكثر من دليل على عقم هذه السياسة مما حمل الراي العام على إتهامه بالمسايرة الطيعة لبريطانيا؛
ح- إهماله للشباب وإخفاقه في تقدير دورهم الفعال في توجيه الرأي العام مما حملهم على اليأس من الإصلاح الدستوري وباتالي إرتمائهم في أحضان الدعوة المتطرفة ".
أما ثقافة نوري السعيد فقد كانت عثمانية مستمدة مقومتها من القرون الوسطى.. وبعد تأسيس الحكم الملكي ارتبط بوشائج قوية مع شيوخ العشائر, وخاصةً الكبيرة منها, ودافع عن مصالحهم إزاء الجمهرة الواسعة من الفلاحين والمستضعفين, بل والأكثر من ذلك أعتمد عليهم في ديمومة النظام الاجتماعي الذي ساهم في تاسيسه.
الهوامش:
** مستل من كتابنا الجديد، من اوجهالصراع السياسي في الجمهورية الأولى، عن دار سطور في بغداد.
- تدلل المعطيات التاريخية إلى تحكم ما يقارب 55-60 عائلة في القرارين المركزيين السياسي والاقتصادي في المرحلة الملكية، في حين تشتت مداها بدرجة كبيرة في الجمهورية الأولى، لتعاد وتنكفء في الجمهورية الثانية ( شباط 1963- نيسان 2003)، وفي نهاية المرحلة أمسى يتحكم بالقرار المركزي عوائل تعد على الاصابع وبالاساس من عائلة الرئيس فقط.
2 - مستل من رفعة الجادرجي، مذكرات كامل الجادرجي، ص. 13، مصدر سابق.
3- يشكك باحثان اكاديميان في ماهية الاشخاص المحوريين في الضباط الشريفيين بالقول : "... فقلما كانت أصالة مواقفهم الوطنية أو العراقية أو القومية أو المعادية للعثمانيين موضع شك أوربية ... بيد أنه بحلول نهاية العشرينيات بات واضحاًأن هؤلاء القادة ( نوري السعيد وجعفر العسكري واصدقاءهما) اصبحوا مرتبطين بالبريطانيين إلى درجة اسقطت في اعتبارات العراقيين أي مصداقية قومية أو وطنية قد يكونوا قد امتلكوها في السابق... إن الطريق الوحيد بالنسبة للعراق يكمن في الحصول على الاستقلال الناجز عن بريطانيا " مستل من ماريون فاروق سلكليت وبيتر سلكليت، نزعة العروبة في العراق، الثقافة الجديدة، ص.85ـ، العدد 298.
4 - يقول توفيق السويدي، أحد رؤساء الوزارات الملكية عن موضوع مساندة الجيش لنوري السعيد، الذي "... كانت آماله معلقة على دعم الجيش وإلتفاته حوله في كل الوقائع السياسية التي حصلت خلال الأربعين سنة الماضية... فبقوة الجيش تمكن نوري السعيد من أن يؤلف 14 وزارة، فحاز قصب السبق على اقرانه السياسيين ، وبقوة الجيش كان يُسمع صوته للملك والحكومة ويفرض إرادته عليهم كلما تأزمت الأمور واشتد آوارها، وقد بذل نوري السعيد جميع جهوده ليكافئ الجيش على مؤازرته له في السياسة والمواقف الحرجة اقوية نفوذه ومركزه حتى أنه أصبح يصارع كل القوى المعارضة لتوسيع الجيش من حيث العدة والعددويحول دون مناقشة ميزانية الدفاع ، مدعياً بأن كل مناقشة تفشي سرا للعدو لا يجوز كشفه...". مذكراتي نصف قرن من تاريخ العراق، ص.90 ، بيروت 1969.
5 - ألف نوري سعيد 14 وزارة، كما كان وزيرا 34 مرة. للمزيد راجع كتابنا، الجيش مصدر سابق.
6- كاراكتاكوس, 14 تموز ثورة العراق, ترجمة خيري حماد, ص.43-44, المكتب العالمي للتأليف والترجمة, بيروت, التاريخ بلا. والمؤلف نشر الكتاب بالاسم المستعار في مجلة الاوبزرفر في لندن وهو صحفي بريطاني عرف بتجواله الواسع في الشرق ودراسته لمشاكله وأوضاعه. والكتاب يمثل مجموعة من الحقائق المجردة عن المرحلة الملكية.
7- أوريل دان، العراق في عهد قاسم, ترجمة جرجيس فتح الله, ص, 20, دار نبز، استوكهولم1989 .
8- مستل من حامد مصطفى مقصود, ثورة 14 تموز, مدارات الأخوة الأعداء, ص. 169, مصدر سابق.
9- - مستل من المصدر السابق, ص. 169.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. مليار شخص ينتخبون.. معجزة تنظيمية في الهند | المسائية


.. عبد اللهيان: إيران سترد على الفور وبأقصى مستوى إذا تصرفت إسر




.. وزير الخارجية المصري: نرفض تهجير الفلسطينيين من أراضيهم | #ع


.. مدير الاستخبارات الأميركية: أوكرانيا قد تضطر للاستسلام أمام




.. وكالة الأنباء الفلسطينية: مقتل 6 فلسطينيين في مخيم نور شمس ب