الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


نخب الانقسام والانتاج المعرفي في فلسطين

طلال أحمد أبوركبة

2017 / 3 / 18
المجتمع المدني


نخب الانقسام وإنتاج المعرفة في فلسطين


شهدت القضية الفلسطينية تحولات بنيوية ومتغيرات سياسية متعددة، على مدار تاريخها الممتد منذ النكبة والاقتلاع في العام 1948 م، وحتى اللحظة الراهنة، هذه التحولات والمتغيرات كانت دوما ً تحمل في ثناياها انعكاسات على المجتمع الفلسطيني في منظومة قيمه الثقافية والاجتماعية، وتوجهه في كل مرة باتجاهات مختلفة.
لعل أبرز مراحل التحول تلك شهدتها القضية الفلسطينية مع الولوج الفلسطيني لعملية التسوية، والتي شهدت تباينا في المواقف الفلسطينية على كافة المستويات الشعبية والثقافية، والرسمية بين مؤيد ومعارض للتسوية مع الاحتلال الإسرائيلي، وبدأ معها خط الانقسام الفلسطيني الداخلي أكثر وضوحاً، وأخذت مساحته بالاتساع بين الأخوة الفرقاء في الساحة الفلسطينية حتى وصلت ذروتها في منتصف حزيران 2007، بانقسام شطري الوطن.
على مستوى النخب الثقافية والسياسية والمجتمعية ساد ذاك المشهد الذي اعتلى المستوى السياسي، وانقسمت النخب إلى قسمين رئيسين وهما نخب حزبية حملت رؤية فصيلها السياسي وبحثت عن مواقع لها في ضوء حالة الانقسام من كلا الطرفين، ونخب انتهازية لعبت على وتر التناقضات بين الطرفين فكيفت أقلامها ورؤيتها بما يتلاءم ومصالحها الشخصية على حساب المصلحة الوطنية العامة، فكانت أقرب لتجار المواقف من أصحاب المبادئ، والمواقف، وغاب أو غيب المثقف العضوي –بحسب جرامشي -عن المشهد، وتراجع حضوره أمام طغيان وهيمنة خطاب الانقسام.
لم تكن عملية افساد النخب وليدة لحظة الانقسام الفلسطيني، وإنما جرى العمل عليها بشكل ممنهج بدءاً من ربطها بمشاحنات وتفاصيل الأداء اليومي السياسي ومغانمه وامتيازاته وليس انتهاء باختزالها ضمن المقروء والمكتوب وتحويلها إلى مجرد حالة شكلانية لمجموعة تتبادل فيما بينها نتاجاتها الذاتية ـويتحدد بموجبها النخبوي أو المثقف ما يعني خروج الثقافة من منظورها الاجتماعي وتخليها عن دورها المفترض في النسيج المجتمعي، وقد تم التوليف على عجل في بدايات الثورة الفلسطينية بين السياسة والثقافة التي تحيل إلى رؤية حضور الثقافة في حضور مرآة القيادة السياسية التي ترعاها أو تنبذها حسب القدرة على استمالتها أو مقاومتها للاحتواء لكنها عموما نجحت في تدجين أغلب المثقفين الذين أمسوا مجرد موظفين إعلاميين لدى هذا الطرف أو ذاك فوزعت الألقاب على المبدعين وأمست الكثير من النصوص تفصل نفسها على مقاس الخطاب السياسي وغدا المثقف التنظيمي ماركة مسجلة، واختلط الحابل بالنابل في تقييم وتقويم الإبداع، حمل الإعلام بعض الأسماء وغيب بعضها الآخر، ولم تستطع النوايا الحسنة هنا وهناك لدى هذا الفصيل أو ذاك من انتشال الحالة والمساهمة في إنجاز مشروع ثقافي فلسطيني.
بعيداً عن النخب الحزبية نشأت نخب جديدة في المجتمع الفلسطيني والتي تعرف بنخب المجتمع المدني والتي باتت هي الأخرى أسيرة لأفكار الممولين ومنحهم، وباتت معها أجندة المجتمع المدني الفلسطيني تعمل وفق منهجية الممول وليس وفق حاجات وتطلعات واستحقاقات المجتمع الفلسطيني ونضاله المستمر، ويرى طارق دعنا أن نخبوية المنظمات غير الحكومية تتجلى في جوانب أخرى منها التركيز المتنامي للسلطة في يد قلةٍ قليلة، حيث أصبحت الكثير من المنظمات غير الحكومية متمحورةً حول أشخاصٍ بعينهم لدرجة أن اسم رئيس المنظمة غير الحكومية بات يطغى على اسم المنظمة نفسها، بل إن بعض رؤساء المنظمات غير الحكومية الفلسطينيين ما فتئوا يشغلون مناصبهم منذ قرابةِ 30 عامًا! والمفارقةُ أن الجهات المانحة الرئيسية المعنية بقضايا الدمقرطة تدعم تلك الترتيبات المنافية للديمقراطية. وانطوت مفاهيم عمل هذه النخبة ضمنًا على عمليةِ استبعادٍ تُمعِن في إزالة التسييس عن الشعب بعامته، وتنفيس تعبئته، وخلع تطرفه، وتحويل القاعدة الشعبية الفلسطينية الصلبة المتماسكة سابقًا إلى مجموعات مجزأةٍ عاجزةٍ تقبع في الطرف المتلقي للخدمات والقيم من الخارج.
وفي ضوء هذه الحالة من سيطرة النزعة الذاتية على معظم نخب المجتمع المدني التي فشلت في أن تؤدي دوراً فاعلاً تجاه الانقسام واستبدلت هذا الدور بالوساطة بين طرفي الانقسام لحل بعض الإشكاليات الحياتية الناجمة عن الانقسام مثل ضمان الحريات والكهرباء، وهذه مهمة ضئيلة لا تتلاءم مع الدور الحقيقي المناط بها.
إضافة لذلك بزغ في المجتمع الفلسطيني خلال سنوات الانقسام العشرة، نوع جديد من النخب يفتقد للمعرفة أو يعاني بمفهوم أخر من "وهم المعرفة" وهو ذاك النوع من النخب الذي يدعي المعرفة ويكتفي بما يعرف ويتبجح بمعرفته، وغاب المثقف والنخبوي الحقيقي الذي يعي أنه يعرف القليل القليل، ويحاول باستمرار أن يبلغ المعرفة الحقيقة.
أمام تلك الحالة بكافة تفاصيلها اهتز الإنتاج المعرفي في فلسطين وأصبحت منطق السوق هو المتحكم بإنتاج المعرفة، وتشير الاحصائيات إلى أن ما نسبته 10% فقط من مجموع البحوث في فلسطين تقدم من الجامعات الفلسطينية، وهو ما يعني تهميش دور الجامعة في إنتاج المعرفة، وإعادة صياغة المفاهيم الوطنية الجامعة والوحدوية.
أمام هذا المشهد لم يعد " الحقل الثقافي الفلسطيني" بحسب وصف (جميل هلال) قادر على إعادة انتاج مفاهيم وطنية وحدوية وهو ما انعكس بالسلب على الحقل السياسي الذي يعاني من تفكيك ممنهج وتأكل لشرعياته بفعل غياب الدمقرطة عنه لعقود من الزمن، بات معها التشكيك في قدرة الفلسطيني على تقرير مصيره متاحاً للجميع.
إحدى المشاكل التي أفرزتها هذه المرحلة، هو تشويه الواقع الاستعماري، حيث نعيش كمجتمع تحت احتلال، وما يحدث هو تشوه للحالة الاستعمارية بوجود دولة تحت الاحتلال، وينتج عنه التعامل مع فلسطين كحالة استثنائية لم تحدث في التاريخ، ليبقى أبرز التساؤلات تلاحق النخب بمختلف اتجاهاتها وهو، هل المثقف الفلسطيني انتقل من حالة الاشتباك إلى حالة الانفكاك، وبات عليه الحصول على مساعدات وتمويل من الممول لكتابة الأبحاث...؟!!!








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. الأمم المتحدة تطالب بتحقيق دولي في المقابر الجماعية بمستشفيا


.. اعتقال نائب وزير الدفاع الروسي بتهمة الرشوة




.. هل ستطبق دول أوروبية نموذج ترحيل طالبي اللجوء؟ | الأخبار


.. تقرير أممي يبرئ -الأونروا- ويدحض ادعاءات حكومة نتنياهو




.. كيف قارب أبو عبيدة بين عملية رفح وملف الأسرى وصفقة التبادل؟