الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


إقترابات إيزيدية

امين يونس

2017 / 3 / 19
مواضيع وابحاث سياسية


- قَبلَ 3/8/2014 ، كانتْ أخبار " الإيزيديين " شحيحة ونادرة ، ولا تسمع عنهم ، إلا في حالة مقتَل بعضهم في هجومٍ للميليشيات على محلات بيع الخمور في بغداد أو المحافظات الأخرى .. أو حين قيام العصابات الإرهابية ، بإستهداف عمال إيزيديين في الموصل أو تنفيذ تفجيرات في قُراهُم بمحيط سنجار .. وحتى هذه الأخبار ، لم تكُن تأخُذ حّيزاً مُهماً ولا يُرّكَز عليها مِنْ قِبَل المُتابِعين سواء في الداخِل أو الخارِج ... لأنهُ ببساطةٍ موجِعة ، كانَ الإيزيديون مُهّمَشونَ عموماً : الإرهاب بتلاوينه المتعددة ، يستهدفهم في كُل مكان ، والحكومات في بغداد وأربيل ، أهملتْ مناطقهم وبقيتْ من أكثر الأماكن تخلُفاً وفًقراً .
- وحتى في مواسم الإنتخابات ، فأن الأحزاب ولا سّيما الأحزاب الكردستانية ، لطالما " إستخدَمَتْهُم " لكسب الأصوات بصورةٍ رئيسية ، في مناطق سهل نينوى وسنجار ودهوك ، من غير أن توفيهم حقهم ، بعد ذلك ، في تَوَلي المناصب او المراكز الإدارية الفاعلة وإشراكهم في السلطة الفعلية ، من 2005 ولغاية 2014 .
- كُل هذا في جانِب ... إضافةً إلى العوامِل الذاتية الإيزيدية التي ساهَمَتْ في ترسيخ تخلُف مناطقهم وإستمرارية تهميشهم . وبعض هذهِ العوامل الذاتية في رأيي ، تتمثل في : التراتبية الدينية والطبقية ، وما يتبعها من فروقات بين الناس وحواجز مُصطنعة من الصعوبة تجاوزها إجتماعياً / إبتعاد مرجعيتهم الدينية والروحية عن هموم الناس / قبولهم بالواقع المُزري المتمثل بالاُمية المنتشرة بصورة كبيرة ولا سّيما في القرى ، وبالأخص بين الإناث والفُقر المدقع لقطاعات واسعة من المجتمع الإيزيدي / الشعور الجمعي بالدونية أو على الأقل ، الشعور بالإضطهاد المُمارَس عليهم من قِبَل الأديان والقوميات الأخرى الكبيرة المحيطة بهم ، ذاك الشعور الناتج عن تراكُمات الظُلم والفرمانات المجرمة التي تعرضوا لها تأريخياً وآخرها في آب 2014 .
- هنالك عشرات العوائل الكبيرة في الموصل وهُم الآن " عرب " ومنضمون إلى عشائِر عربية ، كانوا بالأصل كُرد مُسلمين . إنصهروا قبل عشرات السنين نتيجة الضغوطات المستمرة من قِبَل الحكومات والعناصر العربية المتشددة والمتنفذة في السلطات المحلية . هؤلاء المستعربين ، لاتفرقهم اليوم من ناحية اللغة والزي والعادات عن العرب ، ولقد أصبحوا عرباً كأمرٍ واقِع .
الإيزيديون عموماً ، تعّرضوا دوماً إلى ضغوطات مُضاعفة طيلة المئة سنة الماضية . فمن ناحية هُم كُردٌ أقحاح ، لا بَل أن دينهم وإعتقاداتهم مُرتبطة عضوياً باللغة الكُردية ، بعكس الكُرد المسلمين " الذين كتابهم المقدس وحديثهم الشريف وصلاتهم ودعواتهم كلها بالعربية " . ولأنهم أي الإيزيديين كُردٌ أقحاح ، فأن السياسات الشوفينية عبر عدة عقود والضغوطات المُستمرة ، إضطرتْ العديد منهم ، ليس فقط لإعتمار العقال العربي ، بل وكذلك الإقرار بقوميته العربية في الإحصاء العام . " علماً أن هنالك آلاف الكُرد المسلمين في الموصل وسنجار وأنحاءها وحتى في سميل وفايدة وأطرافها كانوا يعتزون بعُقلهم وإدعاء إنتماءهم القومي العربي ! " ، فلا أفهم الهجمة الشرسة من قبل القوميين الكُرد ، على بعض الإيزيديين الذين يقولون أنهم عرب ، بينما هنالك تفهُمٌ ضمني ، حول الكُرد المسلمين الذين إستعربوا ! .
ومن ناحيةٍ أخرى ، فأن الضغوطات على الإيزيديين من الناحية الدينية ، يتشاركُ فيها الكُرد المسلمون والعرب المسلمون . فرغم الخطاب السياسي المُعتدل من قِبَل السلطة في أقليم كردستان منذ 1992 ، والثوب المدني العلماني " الفضفاض على أية حال " الذي تلبسه الأحزاب الحاكمة ، والتقبُل الرسمي لتعدُد الأديان .. فأن الخطاب الديني أي الإسلامي تحديداً ، من خلال منابرالجوامع والمناهج وكتب التربية الدينية الإسلامية في المدارس .. كُلها تحتوي على فقراتٍ مُستفزة ومُخيفة لأتباع الديانات الأخرى .. فإذا أضفنا إليها التخلُف الثقافي والإجتماعي لدى قطاعات واسعة من المجتمع الكردستاني وتأثرهم بالخطاب الإسلامي التقليدي ... ندرك مدى القلق الذي يُعانيه الإيزيديون من إحتمال تكرار مآسيهم الكارثية ! .
- كانتْ هنالك مفارز إستخبارت وأمن بعثية صدامية شرسة ، جلّهم من الإيزيديين ، وكانتْ هنالك عصابات تسليب وخطف وقتل ، أفرادها إيزيديين ، وكذلك فأن بعضاً من الذين قاوموا ثوار إنتفاضة 1991حتى آخر طلقة في مبنى أمن دهوك ، كانوا إيزيديين . لكن كُل هؤلاء الإيزيديين الأوباش ، لا يُشكلون إلا نسبة ضئيلة جداً من المجتمع الإيزيدي . في حين كانتْ هنالك مئات أفواج الجحوش من الكُرد المسلمين ، وعشرات مفارز الإستخبارت والأمن أيضاً .. بحيث أن نسبتهم أعلى كثيراً من نسبة الإيزيديين أعلاه . فلا معنى ، ان يُعّيِر البعض ، الإيزيديين بأفعال قسمٍ قليل منهم في السابق .. في حين يتسامَح مع أفعالٍ أكثر رداءةً ، سبق أن قامَ بها الكثير من الكُرد " المسلمين " ! .
- آلاف الإيزيديين الشُجعان إنخرطوا ، في المقاومة المُسلحة ضد البعث ، ضمن تشكيلات البيشمركة والأنصار . ولعل إسطورة " محمود إيزيدي " ماثلة في الأذهان ، حيث كانَ عَلماً في مرحلةٍ شّحَ في الأَعلام ، وحيث إنفردَ وقتها برفع راية البيشمركة ، في الوقت الذي كان فيه الكثيرون ينعمون بالراحةِ في المنافي الإيرانية وغيرها .
وعسى أن لا أكون مُتجنياً على الحقيقة حين أقول ، أن جزءاً مُهماً من مآثر أنصار الحزب الشيوعي ، تعود إلى الأنصار الإيزيديين من أهالي سهل نينوى وبعشيقة وبحزاني وسنجار .
أريد أن اُشير إلى ان الإيزيديين عموماً ، حسب عددهم وظروفهم الصعبة ، قد دفعوا حصّتهم من التضحيات والدماء ، طيلة الحركة التحررية الكردستانية بل والعراقية أيضاً .
....................
بعد آب 2014 والفظائِع المُرتَكَبة بِحق الإيزيديين مِنْ قِبَل همجيي الدولة الإسلامية ، أصبح الإيزيديون ، تدريجياً في بُؤرة الأخبار .. فتناقلتْ المحطات العالمية أنباء المآسي المُرّوعة في سنجار وقُراها . فكانَ للظاهرةِ وجهان : ألأول إيجابي ، وهو التعريف بحجم ما تعرضَ له الإيزديون من مذابِح وسَبي وتهجير وكسب التعاطُف الدولي والإنساني . والثاني سلبي ، وهو إستنفار مُختَلَف ( التُجار ) للإستفادة القصوى من المأساة ، لحساباتهم الخاصة وجمع أكبر قدرٍ من الأرباح ! .
من مظاهِر الوجه الأول : بزوغ العديد من المنظمات الإيزيدية في أمريكا وأوروبا وأقليم كردستان وعملها المُثابِر في تعريف العالَم بما جرى للإيزيديين ، ونجحوا في كسب التعاطُف الدولي في محافِل مُهمة ومُؤثِرة وحصلوا على دعمٍ مادي ومعنوي ولو كان محدوداً . وما نموذج " نادية مُراد " وتحويلها من مُجّرَد ناجية من السَبي الداعشي ، إلى سفيرةٍ للأمم المتحدة ومُرشحة لجائزة نوبل ، يستقبلها رؤساء العالم .. إلا مثال لنجاح هذه المنظمات اللاحكومية .
وكذلك نموذج " فيان دخيل " النائبة في مجلس النواب العراقي ، ومثابرتها في التعريف بالكارثة التي حّلَتْ بالإيزيديين ، هو مثالٌ على مُساهمة حكومة الأقليم في ذاك الإتجاه " علما بأن تأثير المنظمات الإيزيدية غير الحكومية ، دولياً ، كان أكبر وأقوى من تأثير حكومة الأقليم بحزبَيها الحاكمَين ، في إعتقادي " .
من مظاهِر الوجه الثاني : تكالُب تُجار السياسة والدين من مُختلَف الإتجاهات ، على الغَوص في مُستنقع المصالِح وتنافساتهم المُخجِلة على الكسب والأرباح ، بالتحالُف مع المافيات الجاهزة في كُل حين ، خلال الكوارث والحروب والأزمات . تُجار السياسة والدين وشركائهم من المافيات ، لايتورعون عن إرتكاب أي شئ ، في سبيل مصالحهم الدنيئة . وللأسف الشديد ، فأن ما يجري في سنجار يصورةٍ رئيسية وسهل نينوى جُزئياً ، هو مَظهرٌ واضِح للصراع على المصالح . كُل الأطراف بدون إستثناء وحتى بعض الإيزيديين أيضاً ، مُشاركون بشكلٍ من الأشكال ، في المُتاجرة بمأساة الإيزيديين .
.................
الحزب الديمقراطي الكردستاني : يدرك جيداً أن إنفراده بالسُلطة الفعلية في سنجار وسهل نينوى ، قبل آب 2014 ، لم يَعُد مُمكِنا الآن . لكنهُ بالرغم من ذلك يحاوِل جاهداً ، اليوم ، ان ينفرد أيضاً أو على الأقل يحتفظ بالجزء الأكبر من السُلطة في سنجار وسهل نينوى ، بأيةِ طريقة كانت ، بِغض النظر عن مشروعية تلك الطريقة من عدمها .
حزب العُمال الكردستاني : لم يفعل شيئاً يُذكَر في تسعينيات القرن الماضي ، في سبيل توعية وكسب جماهير سنجار . وحتى بعد 2003 ، لم يُبادِر أو لم ينجح في تشكيل تنظيمات ذات شأن ، لهُ في سنجار أو سهل نينوى أو الإهتمام الجدي بالملف الإيزيدي . بدأ التوجُه نحو المنطقة ، بعد 2013 ، أي بعد إشتداد عود وحدات حماية الشعب في شمال سوريا المحاذية لمنطقة سنجار ومن ثم تشكليهم لكانتوناتهم ذات الحُكم الذاتي .
كان تحرُك مفارز حزب العمال ووحدات حماية الشعب ، سريعاً لنجدة أهالي سنجار في الأيام الأولى لبدء الكارثة ، وفعلاً إستطاعوا إنقاذ آلاف الإيزيديين من الوقوع في قبضة داعش . إستغل حزب العمال ، الوضع المستجد ، سريعاً .. وقام بتشكيل " قوات حماية سنجار " على غِرار قوات حماية الشعب في شمال سوريا . قامتْ عناصر حزب العمال ، بتدريب المئات من شباب القُرى الإيزيدية وتزويدهم بالسلاح والعتاد وكذلك توعيتهم بآيديولوجيا الحزب . وليسَ من المُستبعَد ان تكون الحكومة الإتحادية في بغداد ، قد ساهمتْ بشكلٍ مُباشِر أو غير مُباشِر ، بدعم هذهِ القوة ! .
من الناحية العملية وعلى الأرض ، ليس هنالك الكثير من مُقاتلي حزب العمال في سنجار ، بل هنالك فقط بعض " المُدربين " .. وحتى لو وافقَ حزب العمال في النهاية " نتيجة الوساطات والضغوطات والمساومات " على [ الإنسحاب ] من سنجار ، فأن ذاك التشكيل المسلح عسكرياً وفكرياً ، الذي خلقوه من أهالي المنطقة الإيزيديين .. باقٍ . وليس من السهولةِ شطبه من معادلة التوازنات ! .
..............................
الوضع في سنجار ، مُعّقدٌ إلى درجة كبيرة ، نتيجة الصراعات الأقليمية الشرسة وإمتداداتها المحلية .
هنالك أطرافٌ عديدة من المتاجرين بالسياسة والدين ، ليس من مصلحتهم ولا يريدون ، أن تنتهي داعش ولا أن يستقر الوضع ولا أن يعُم السلام .
الرابحون من الفوضى والعنف الأهوج ، هُم تُجار الحروب من مختلف الأصناف .
الخاسرون .. كالعادة ، هُم فُقراء ومستضعفي الإيزيديين .. علماً أن الغالبية العُظمى من إيزيديي سنجار ، هُم فُقراء ومستضعفون .








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. من هي نعمت شفيق؟ ولماذا اتهمت بتأجيج الأوضاع في الجامعات الأ


.. لماذا تحارب الدول التطبيق الأكثر فرفشة وشبابًا؟ | ببساطة مع




.. سهرات ومعارض ثقافية.. المدينة القديمة في طرابلس الليبية تعود


.. لبنان وإسرائيل.. نقطة اللاعودة؟ | #الظهيرة




.. الجيش الإسرائيلي يعلن استهداف بنى تحتية لحزب الله جنوبي لبنا